الثلاثاء، 28 فبراير 2017

واحة نقدية في نظم ماهر الامين بقلم / الناقد كريم القاسم

واحة نقدية في نظم ماهر الامين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي طَوَّع الحروف للناطقين وأَيَّـد العربية بالقرآن المبين ، فجاء الكلام محفوفاً
بفنون أدبية باهرة كالدررِ واللآليء والجُمان الزاهرة ، فغاصَتْ اقلام الكاتبين في المنظوم
والمنثور وتزاحَمتْ معاني العقول كأجنحة الطيور ، حتى بَرزَ جميلُ الشعر وظهر فريد النثر
، فلقد اطلعنا على قصيدٍ واضحٍ جَليّ مشرق زَهيّ ، قد أجادَ (الأمين) في نسجه وإتَّقن
امتطاء سرجه ، حتى توافرتْ له من الألفاظ احلاها ومن المعاني انقاها ، فانتهج بواكير
النهج الصحيح ، واستدل ببيان الجزل الفصيح ، فهو وريث بيت ازهريّ شريف وصنو
حرف باذخ عفيف ، فأختارَ من الالفاظ أرشقها ومن المعاني أصدقها ، ومن الجزلِ أفصحه
ومن البيان أسحره ، وخاط َ القُماشةَ على قدر اجساد المعاني وزينها ببديع البيان ِ ، فزهرَ
زَنْد قصيده وتراكمَ سُنبل حصيده ، فـَحمَلَ الرُكبان لذيذ القوافي ، وطمعوا بمعرفة الخوافي ،
وهذا ما دعانا الى التجوال في فردوس (الامين) الشعري ، ووصف جمال سبكه الزهري ،
فالنقد لصيق القول الصريح ، والحق بَيـِّن بلا مديح .
ــ لقد وجدتُ في شعر الماهر (ماهرالامين) من الجمال والابداع ما جعلني احتاج الى اكثر
من عرض وطريقة تحليل وتقديم ، لكن لصغر المساحة المتاحة ، سأكتفي بالتقديم المكثف
المفيد ، رغم قلة مفرداته .
الشاعر(ماهر الامين) هو قلم ثابت الجنان ، متواضع ، نزيه ، ذو أدب ملتزم ، يعرف كيف
ومتى يسكب مداده ، حتى ابتعد عن مطولات القصائد لتناسب مستهلكات الزمن للقاريء أو
السامع . وجاء بنتاج شعري متنوع ومتلون المضامين والمعاني والافكار، حتى غرفَ من
كل عين والتقط اثمن اللـُجَين ، فعرض بضاعته التي راقتْ لكل من قَرأ ، ووجدته يستنبط
عنوان القصيدة ، بمهارة ورجاحة عقل ، فمرة يختار أول كلمات المطلع ـــ لوثوقه في
مطلعه ـــ ومرة يستنبط كي يجذب الذهن لمعرفة ما بعده ، ثم يبدأ بمطلع يكاد ينطق ، ويأتي
بمقطع مترابط غاية في الدقة والرصف ، حتى يأخذ كل بيت برقاب البيت الاخر ، الى ان
ينتهي بخاتمة متماسكة ، تنحو منحى الحكمة . والكاتب الناجح هو من أجاد المطلع
والمقطع . وهذا ما تَـوَّجَ قصائده بقوة السبك والحبك . وهو لايعرض نصاً الابعد فحص
وتدقيق وتهذيب ، وهذا مايغفل عنه الكثير في الوقت الحاضر ، وما قصيدة (ياحادي العيس )
إلا دليلاً لرقي مَلَكَته ، ونبيل حرفته ، وما زال متطلعا ً الى سمو الهدف ، ورزانة الأداء ،
وما نَثرُنا لهذه الكلمات ، الا لصدق عهد ووضوح بند ، ومسؤولية حرف ، وتاريخ قلم .
نبارك لشاعرنا الرائد ، والقلم المهذب الرصين ... هذا الجهد ، وهذه المَلَكَة ،
والحمد لله رب العالمين . 





 .....................................
القصيدة
(يا حــــادي العيــس)
ماهر الامين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يا حَـــادِيَ العِيْسِ نَاحَتْ عِنْدَنَا طَلَلُ …. فارْفُـقْ بِهَـا قـدْ مَضَـتْ تَـدْعُـوْ وتَبْتَهِـلُ
واسْتغْفِـرِ الذّنْـبَ للأطْــــــلَالِ رَوَّعها .… صَـرْفُ السِّنيْـنِ وذاكَ الخَطْـبُ والبَـدَلُ
كُنَّـا وكانـتْ فلا قَلْـبٌ ترفَّقَهـــــــــــا …. أو صَـانَ عَهْــــدًا لها نَــادَتْ بـهِ الرُّسلُ
تـَقَاَذَفَتْهَـا العَــــوَادِيْ وهْيَ شاخِصَةٌ …. رُوْحٌ مِنَ الأرضِ بالأرواحِ تَتَّصِـــــــــــــلُ
هِـيَ الطُّلــــــــــوْلُ أقامَ الجَوْرُ مَحْفَلَهُ .… بِها وغنَّى لهُ فـــــي حِـجْـرِها وَجِـــــــلُ
هِـيَ الدِّيَــــــارُ دِيَارُ العُـرْبِ أجْمَعِها .… نَاحَـتْ حِجَارتُهــــــــــا والأرْضُ والطَّلَلُ
آهٍ وآهٍ صـــــــــــــــدَاها رجْعُهُ وجَعٌ …. وألفُ آهٍ علَى الأطــــــــــــــلالِ يا رجُـلُ
ترْكتُ قَوْمِــي وجِئْتُ العِيْسَ أُسْمِعُها .… بَثَّ المَــــــــــوَاجعِ ِلا ألْــوِيْ ولا أَصِلُ
على جبيْنــي وُسُومٌ ساءَ مِيسَمُهَا .... وفِي ضُلــوعِي هَشيْمُ النَّـــارِ يشتَعِلُ
إذا سَكَتُّ فَإِنِّــــــــــي قَابِضٌ كَبِدِيْ .... وإِنْ نَطَقْتُ فَإنِّــــــــــــــــيْ بَاسِطٌ جَزِلُ
هلْ أقْـفَـرَتْ قَـدَمًـا حتّــى تَبَـوَّأَهَـا .... مَـــــنْ لا يُـعَـدُّ لـهُ وزْنٌ ولا ثِقَـلُ؟
حتّى اعْتَلاها الــذي قد ساءَ طالِعُهُ .... وصَارَ في رَبْعِهَا يمشِي ويَنْتَقِلُ؟
ألا نُصَـادِفُ مَنْ يَأسَى لِكَبْـوَتِنَـا …. يَذُوْدُ عَـنْ حَــوْضِنَـا ذَوْدًا ويَقْتَتِـــــــلُ؟
هذا صديـــقٌ لنَا ساءَتْ سَرِيْرَتُهُ .… وذا أخٌ قدْ بَـدا فِـــــي عَيْنِـهِ الحَـوَلُ
فــلا يَضِيْــرُكَ إلا ثَلَّـةٌ نَفَــرَتْ .... ولا يَغِيْظُـــــــــــــكَ إلا مُفسِـدٌ دَغِـلُ
مَشَى بِها فَرِحًا يَعْلُـــــوْ بِسَوْءَتِهِ .… واخْتَالَ فِــــــــي زَهْـوِهِ يَفْرِيْ ويَبْتَذِلٌ
تخـالف الناس في قــول وفي عملٍ .... فلا يغُرّك أن الرَّكب مُكتمِــــــــــــلُ
يا حَـادِيَ العِيْسِ سَلْ تَعْرِفْ شَمائِلَنَا .… أنْدَى الشَّمَـــــائِلِ أزْكَاهَا فَمَنْ يَصِلُ
(لمْ نبْلغ المَجدَ إلّا عَنْ مُكَاَبَــــدَةٍ) .… ولـمْ نَحُـزْ قَـدَمًا إلّا وقـدْ سَفَلُــــوا
هل يُنكرونَ وفِي أسْفـارهم سِيَمٌ .… لنا وفِي ســـــــالف الأيّامِ مُتَكَلُ؟
أَلَا يَصِيْـحُ حَسِيْــرٌ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ .… ومَا الضَّمِيْــــرُ ومَا معْنَاهُ يا خَجَلُ؟
وما الكـلامُ عنِ الأخْلاقِ في زَمَنٍ .… أَقَـلُّ أوْزارِهِ التَزْيِيْـــــفُ والدَّخَلُ؟
ومَا مَتَاعُكِ يا دنُيَـا وقَدْ نَزَفَتْ .… أكْبَـــادُنَا وبِنَا الأوْهَـانُ والعِلَـلُ؟
ومَا المَنَــابِرُ والتَّرْغِيْبُ فِي وَطَنٍ .… تُذَالُ فيْهِ الحِمَـى والعِرضُ والمُثُلُ؟
ومَا مَقَــالاتُنا والحَرْفُ ننْشُرُهُ …. إذا اسْتُبِيَحَــتْ بِـهِ أمْ انَّهُ الجَدَلُ؟
رِفْقًا جَنَانِـي فَقَدْ فَاقَتْ مَصَائِبُنَا .… وجَاوَزَتْ صَبْــرَنَا مَا قَصَّرَ الثِّقَلُ
مَا قَصَّــرَتْ ثُلَّةٌ أَعْمَي بَصَائِرَهَا .… مَا تَشْتَهِـي مِنْ دَمٍ بِالطُّهْرِ يَغْتَسِلُ
لَكِنَّهَا الأَرْضُ تَطْوِيْنَا عَلَى خَذَرٍ .… حَتّــى وإِنْ أَعْجَزَتْنَا فَوْقَهَا اَلْحِيَلُ
فَلْتَشْتَهِي كَيْفَمَا شَـاءَتْ بِنَا دِوَلٌ .… مَا كُلُ مَا يُشْتَهَــى يَا جَوْرُ يُحْتَمَل

د.مبارك سيد احمد شاعرية كاملة الادوات قراءة نقدية بقلم / الناقد غازي احمد ابو طبيخ

د.مبارك سيد احمد
شاعرية كاملة الادوات :
****************
يقول بن قتيبة في كتابه( نقد الشعر):(إن البلاغة لاتكون في اللفظ وحده بل تكون فيه وتكون في المعنى ايضا)..
هذا الأس النقدي الأصيل لاينحصر بزمان هذا الناقد الكبير وإنما يمتد في تطبيقاته الى ما لا حد له زمنيا ولا جغرافيا له مكانيا..وليس من لغة في العالم يمكن ان تخرج عنه ابدا..لانه في الواقع ليس منهجا او تنظيرا مقترحا يمكن ان يتبناه المبدعون او لا ,, كلا ..إنه في الواقع كشف لواقع تعبيري وتحصيل لحاصل موجود اصلا وسيستمر الى نهاية الزمان..
ولكننا نعتقد ان ما ذكره بن قتيبة الكبير ينطوي على أشراط آكتناز المبدع بما يمكنه من تحقيق طرفي المعادلة البلاغيه..
وهذا بالتحديد ما عثرنا عليه هنا مع صاحب هذا النص المرفق مع هذه المطالعه ..
فلم يعد في حسبان هذا الشاعر المصري الكبير ادنى قلق من ضغوطات الحرفة بكافة أنواعها :
سواء مايتعلق منها بشؤون اللغة او ما يرتبط بشؤون الموسيقى..فكل ما يمت بصلة الى فنون الشكل , اصبح طيعا مرنا لايختلف عن الجياد المطهمة المروضة على يد فارس متمرس وبارع..
نتحدث عن هذه السمات لفرط ندرتها الآن , حتى بات حضورها كلها في شخص شاعر واحد أمر يبعث على الدهشة والمسرة معا..وما كان قرار الكتابة عنه من خلال احد نصوصه الفارهة الا من قبيل التعبير عن بالغ اعتزازنا وتراصفنا , والا فالزميل المتميز أ.مبارك موضع تقييمنا وتقديرنا قدما..
هذا الامر على وجه التحديد يمنح الشاعر ..بحسب نوع الطاقة ومحورها مستوى الموهبة..اوسع مديات الحرية في اختيار الطراز او النوع واكثرها غزارة في الإنتاج من جهة , كما و يمنحه قدرة وسلاسة في التركيز على غائياته وأهدافه ومراماته ورؤاه ومقاصده التي يروم ايصالها الي المتلقي, بحيث يتحول الشعر عنده الى حلقة وصل سريعة بالمتلقي , والى جسر متحرك للقاء مع الآخر من جهة أخرى..
وليس ما شخصناه من نضج تعبيري عنده يكفي للدلالة على شاعريته الباذخة ابدا, بل إن ما أكده بن قتيبة فيما يخص بلاغة المعنى كانت تجلياته بارزة للعيان في مجمل نصوص شاعرنا ..موضوع المطالعه..ومن الجدير بالذكر أننا لا نجد في مقولة الجاحظ حول (وجود المعاني في الطرقات) مايناسب المقام هنا لأن ما يقدمه الدكتور مبارك من نوادر المضامين وغرر المعاني وطرائف الإشارات والتلميحات والايحاءات ما يوحي عميقا بدلالات كبيرة ومفادات مدهشة حقا..وهو هنا على عكس مقصد الجاحظ يؤكد مقولة التوحيدي( ان مقام المعنى من المبنى كمقام الروح من الجسد)خاصة وقد اتقن المخامرة حد الحلولية الكامله..
ومما يزيد النص الذي بين ايدينا جمالا فضلا عن خياراته الموسيقية ومتبنياته الشكلية التجديدية النزعة هو ميله الى نوع من ( التقية) البالغة الذكاء ..هذه التقية هي التي دفعت الشاعر الى مزيد من الإنزياحات الباهرة والاغراض البلاغية المتنوعة على مستوى الشكل او على مستوى المضمون..بل إن اسلوب التلميح وليس اسلوب التصريح هو الذي منح النص غلالة شفيفة من الغموض الموحي الذي يكاد أن يسفر عن نفسه الا قليلا..وكأني بالقصيدة غادة عذراء اسدلت جفونها وغشاها حرير الخفر الأرجواني الذي يغطي وجه عروس من الجن وليست (عروسا من الزنج )..مع مافيها من احزان ضمير جمعي اوجز اوجاع وطن وشعب وأمة كامله..
شئ آخر تتوجب الإشادة به كثيرا هو محاولات التحديث غير المنقطعة عند الشاعر والتي شملت اصعدة التركيب والصورة والأفكار المتزامنة مع زمن الشاعر حد تقريب الكثير من متبنياته اللغوية الى ما يشبه لغة الصحافة القريبة التناول والمحملة بروح احتجاجية ساخرة دفينه..بما يحمل النص موقفا كاملا من الحياة والماحول الضاغط ..من دون الهبوط الى اي شكل من اشكال العرض التقريري, وعلى العكس من ذلك كانت مباشراته مغلفة بأقنعة من التوريات الاحتجاجية البالغة الجمال والايحاء..
اخي وزميلي د.مبارك سيداحمد..احسنت اولا..ومعذرة عن التأخر عليك ثانيا, وهذا تقديري الكبير, والسلام..
***********************
*نموذج من نصوص الشاعر *
---------------------------------
إِلَــيــكِ:
___
*
إِلَــى تِـلــكَ الّـتِــي يَــغــفـــو
عَـلَـى وِجــدَانِـهَــا الــنَُــوّارْ:
*
أَلَـســنَـا
فِـي مَـبَــانِـي الـحُــزنِ
نَـســكُــنُ آخِـــرَ الأَدوَارْ؟!
*
فَـكَـيـفَ إِذًا يُــزَلـزِلُــهَـا الـبُـكَــاءُ وَنَـحــنُ مَـنْ يَـنــهَــارْ؟!
*
فَـتَـحــتُ
بِــسَــيــفِــيَ الـــوَلَــهِــيِّ
دَولَـــةَ حُــســنِــكِ الـجَــبَّــارْ!
*
وَأَردَفـــتُ انــدِلَاعَ الــشَّــوقِ
خَــلــفَ مَـدَامِــعِـي الــثُّــوَّارْ!
*
وَسِــلــتُ
بِـصَــمــتِــكِ الــحَـجَــرِيِّ
أَنـهَــارًا مِـنَ الأَعــــذَارْ!
*
أَيَــدفَـعُـنَــا غَــلَاءُ الـشَّــهــدِ
نَـحــوَ فَــوَائِــدِ الصَّــبَّــارْ؟!
*
سَـأَفـصِــلُ
جَـبــهَــتِـي كَـيْ لَا
أُيَــمِّـمَـهَــا إلَــى الـدُّولَارْ!
*
وَأَشــطُــرُ
نِـصــفِــيَ الــسُّـفــلِـيَّ
رَفــضًــا لِامــتِـطَــاءِ الــعَــارْ!
*
أَنَــا مِــنْ
قَــريَــةٍ بِـالـدَّهـــرِ!
أَصــغَــرُ مَــنْ بِــهَــا آذَارْ!
*
وَلَــســتُ
مُـبَــالِــغًــا إِنْ قُـلــتُ:
أَهــلِــي كُــلُّـهُــمْ أَحــبَــارْ!
*
لِــذَاكَ وُلِـــدتُ مَـــديُــونًــا:
عَــلَـيَّ لِـكُــلِّ جَـهْــلٍ ثَــارْ!
*
لِـذِكْــرِ جَــفَــاكِ فِـي شِــعــرِي
مُــهِــمَّــةُ عَـنــكَــبُــوتِ الـغَــارْ!
*
فَــرَرْتُ_ وَأَنــتِ بِــي_مِــنَّــا
وَمِــنْ آلَامِــنَــا الـكُــفَّــارْ!
*
لِـنَــبـنِـيَ
عَــالَــمًــا بِـالشِّـعــرِ
كُــلُّ شُــعُــــوبِــهِ أَنــصَــارْ!
*
أَمَــا قَــدَّمــتُ
مَــا يَــكـفِــي؟
لِـنَـبــدَأَ قُــبــلَــةَ الإعــمَــارْ!
*
*
*
*
إِلَـــى تِــلـكَ الـتِــي يَـغــفــُـو
عَــلَـى وِجــدَانِــهَــا الـنُّــوَّارْ!
*
أَحِــبِّـيـــنِـي بِـلَا حَــــذَرٍ
كَــمَـا يَـهــوَى الــفَــرَاشُ الـنَّــارْ!
*
لِأُبــدِعَ
مِـنـكِ شِــعـرًا مَــا
تَـزِيــغُ
بِــنـُـورِهِ الأَقــمَــارْ!
*
وَيُـجــبِـــرُنَــا
صَــــدَاهُ عَـلَـى
تَـــقَــمُّـــصِ
رَعـــشَــةِ الأَوتَــار!
*
فَـيَـعـزِفُــنَـا مَــعًــا
لَــحـنًــا,
تُـجِــيــدُ
غِـنَــاءَهُ الأَمــطَــارْ!
*
وَيَـبـعَـثُــنَــا بِـكُـلِّ الـخَــلـقِ عَـبـرَ تَــوَارُدِ الأَفــكَــارْ!
*
وَيُـرسِــلُـنَــا
غِــنَــاهُ إِلَـــى
لَــيَــالٍ
خَــارِجَ الأَعــمَــارْ!
*
هُـنَـالِـكَ:
سَــوفَ نُــدهِـشُـنَــا!
بِـذَاتِ بَــرَاعَــةِ الْــ
أَقـــدَارْ!
*
سَـنُـورِقُ
دونَ أنْ نَـلــقََــى
رِيَــاحَ جِــرَاحِــنَــا:أَشْــجَــارْ!
*
وَنَــهـمِــي
دونَ حَــاجَــتِــنَــا
إِلَــى الإِذعَــانِ
لِلــتَّــيَّــارْ!
*
سَـأَســكُــتُ
لَــنْ أَبُــوحَ بِــمَـا ادَّخَــرتُ هُـــنَــاكَ مِـنْ أَسْــرَارْ!
*
فَـخَـلـفِــي
أَلــفُ عَــشَّــاقٍ
يُــسَــنِّــدُ كِــذْبَــهُ " الـخِـتــيَــارْ "!
*
وَجَـنـبَــكِ
أَلــفُ مَــاشِــطَــةٍ
بِــدَاخِــلِ نَـفـسِــهَــا " عِــشْــتَــارْ "!
*
*
*
*
*
هُــنَــا:
-مِـنْ غَــيـمَــةِ الـمَـعـنَــى-
أُعَـــــزِّي فِـــطــــرَةَ الأَطــــيَــارْ!
*
بِـمَـــا هُـــوَ لَـــيـــسَ فِــي يَــدِهَــا
مِـــنَ الـتَّـحــلِــيـقِ بِـالأَشْـــعَـــارْ!
*
مبارك سيد أحمد
 
رد مبارك سيد أحمد
مبارك سيد أحمد أستاذنا الشاعر والناقد الإنسان(غازي أحمد أبو طبيخ) أي قلب مُحبٍ ذلك الذي يخفق بك؟ أتبذل كل هذا الجهد في كتابة دراسة باذخة الكرم كهذه ثم تسألني المعذرة,مُعتبرًا أنها جاءت متأخرة؟ لله أنت ..ليت في مقدور كلمة"شكرا جزيلا",إيفاءك حقك,أستاذنا,أكرمك الله كما أكرمت حرفي وأكرمتني
 
تعقيب كريم القاسم
كريم القاسم قبل يومين ، كنت افكر بفائدة نقدية جديدة ، حضرتني وانا اتجول وابحث عن نصوص او ابداع جديد ولو كان شطر في قصيدة ، كي ننشر مايفيد المتلقي ، هذه الفائد كنت اروم تسميتها (الصيد النقدي) كي تندمج ضمن السلسلة ، والذي دعاني الى لفظة (الصيد) هو صعوبة المهنة بترصدها المستمر لمايتحرك من صيد ثمين قي بساتين الادب المثمرة ، فما كان مكتنزا بالابدع والفصاحة والجزل ، لايخرج من شباكنا ، ثم نبدأ ـ بالشرح النقدي والتفصيل والتحليل وتقديم الادلة والبراهين والمعطيات . هذا الجهد الثمين ، هو الذي يضع الكاتب ــ ان كان ناظما او ناثراً ــ امام مائدة واسعة عامرة بما لذّ وطاب من الفوائد والارهاصات في النص ، وقد يعجب الكاتب ويعيد قراءة نصه ،لوجود جماليات او عثرات لم يدركها هو بالذات ..... بعد هذه المحطة المتواضعة ، اجد تفسي في محطةأالم كبيرة جداً ... وكما تفضل الاستاذ مبارك الذي وصف هذا العمل بـ (الجهد) كونه يفهم ماهو النقد ، بل والاكثر من ذلك قال : (أكرمك الله كما أكرمت حرفي وأكرمتني) ... محطة الالم هي ان يأتي هذا الفيض والتجلي النقدي الكبير بكل بحثه وحيثياته ، دون اطلاع من الاقلام التي تأخذ من الكتابة صنعة ، فكيف يرتقي من يبقى منزوياً في صومعته الادبية ــ ان كانت لديه صومعه ــوهو لا يكل نفسه بالمتابعة والاشارة ..... أخي العزيز الاستاذ ابانعمان ، لقد اجدت كعادتك وعرضت من البضاعة ، ماحملت (ماركة مسجل) ... محبتي ايها الغالي
رد مبارك سيد أحمد
مبارك سيد أحمد (محطة الالم هي ان يأتي هذا الفيض والتجلي النقدي الكبير بكل بحثه وحيثياته ، دون اطلاع من الاقلام التي تأخذ من الكتابة صنعة ، فكيف يرتقي من يبقى منزوياً في صومعته الادبية ) فهمت من هذه الجزئية أنك تقصد الأستاذ غازي وما يقدمه من إضاءات نقدية جميلة رغم قلة عدد المتابعين أو القرّاء ..وفي واقع الأمر ,لا أرى أي داعٍ لهذه المحطة أ.كريم,فالكون كله بأدق تفاصيله يؤدي دوره الحتمي في رسم لوحات الجمال البديعة التي تدل على عظمة الخالق غير عابيءٍ بالناظرين إليه أوالنّائين عنه,ومن قبيل حسن الظن بالآخرين فعلينا أن نلتمس لكلٍ عذره.,لحضورك وإدلائك برأيك بالغ تقديري وشكري ,أخي
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه انت وفي كل مرة لاتبخل ..وحاشا مثلك ان يفعل ..بالاضافات الثقيلة السحاب ايها الناقد الحميم الحميم ابا عمار الاستاذ كريم القاسم الغالي..حضور مميز كعادتك..خالص الود وبالغ الاعتزاز..والسلام.
 
تعقيب ماهر الامين
ماهر الامين هُــنَــا:
-مِـنْ غَــيـمَــةِ الـمَـعـنَــى-
أُعَـــــزِّي فِـــطــــرَةَ الأَطــــيَــارْ!

*
بِـمَـــا هُـــوَ لَـــيـــسَ فِــي يَــدِهَــا
مِـــنَ الـتَّـحــلِــيـقِ بِـالأَشْـــعَـــارْ!
*قرأت فيما قرأت أن ملكة اللغة تتكون بتكرار المسموعات ...والنطق بالالفاظ الدالة على معانيها...ومما لا شك فيه أن هذه الأسفار النقدية الثر هي التطبيق العملى لهذه المقولة...هذا العروض النقدي لشيخ الأدباء العلامة الاستاذ غازي أبي طبيخ على حده الموجز والمبسط قد أبحر بنا في بحر غص بالدرر للشاعر الأستاذ مبارك سيد احمد...ويا لسعده بذلك...ولكمال هذا السعد تأتيه شباك الناقد الإغر الأروع الأنور ا. كريم القاسم لتلقى على قصيده من قريب...باعتبارها صيد ثمين...فلتقر عينك شاعرنا الراقي ا. مبارك...سحائب العراق غزار...تحية حب...
رد مبارك سيد أحمد
مبارك سيد أحمد سحائب المحبّة ليست بجديدة على فضاء قلوب العراقيين,أسأل الله أن يغيث العراق وأهله الكرام بالسلام والأمان عاجلا غير آجل,شكرا أ.ماهر
رد مبارك سيد أحمد
مبارك سيد أحمد هنّأك الله بكل ما تحبه ويرضاه,شكرا جزيلا أ.صلاح
غسان الآدمي الغواص المحترف يعرف اين يجد الدرر النادرة وانا ارى غواصين محترفين قد اخرجا بضاعةً لا تقدر بثمن فالقصيدة فيها مافيها من الجمال والتي تشبه الغيداء التي تحاول اخفاء جمالها بالخمار والذي يزيدها جاذبية من خلال التوريات التي رسمها الشاعر المبارك وجاءت القراءة النقدية كأكليل الزفاف لهذه الغيداء هذه القراءة التي تختصر الكثير من المعرفة بخلاصة الفائدة النقدية المنتقاة بعناية بالغة ليشرب من سلسبيلها الادباء ..تحياتي لكما ودمتما بخير
 

الملتقى العربي للثقافة والإبداع/ الدكتورة أ.نجاح باراوي (قراءة تحليلية في نص -تسابق الحزن- للشاعر الأنيق الأستاذ غسان الادمي)

قراءة تحليلية في نص
/ تسابق الحزن /
لشاعرنا الأنيق
الأستاذ 
غسان الآدمي
.. مدونة نازفة
نظمتها ..
 حروف عازفة
ورحلة بوح حزينة
وارفة
صنوف حزن
وألوان أسى قزحية الشجن
تغرق المشاعر وحواف الروح
 وضفاف القلب
/ تسابق الحزن من أشكاله فرق
 خط النهاية قلبي والسباق سرى /
.. رصف وسبك
لنمنمات حرف
تأنى برسم حلبة منافسة وسباق
بين أحزان وأسقام النفس
/ منافسات شجوني كلها همم
حكامها الليل والآهات والأرق /
تلك الشجون التي نالت التكريم بأثمن هدايا مغمسة بأحداق العين
من شجون وآهات
وأرق وسهاد
أضنى الروح والجسد
 /حيث الجوائز صاغت سبكها الحدق/
.ويطرق العليل سقيم الروح
باب العلم لاجئا مستغيثا يلتقط ترياق عذابات تشد الوثاق
وتوثق الخناق ..
فيرفع الستر ويكشف السر ..
إنه علة العلل
.. جوى الهوى والعشق الآسر
/طفقت أسأل أهل العلم عن ألمي
قالوا فتلك علامات بمن عشقوا /
 .. وهاهو يشع نور وألق
ينثر الشوق والعبق
فتسمو الروح
وينبض القلب من جديد
ويرتقي البوح
حين تراوده إشراقة
بوابات جديدة
في مدارات ضحى أشرق
برؤية أعمق وأكثر شمولية
مع هذا النبض المشع الدافق
الذي غسل صنوف  الحزن
بمشاهد ولوحات حية ندية
وسرى كريح صرصر
بجنون ومضة اوقدت جذوة
زوبعة طالت عنان السماء
/ سلكت درب جنون الحب عاصفة /
 بنبوءة
ووقفة تجلي وإلهام
يخفق الحرف
بعبق ترنيمة
تسمو ..
تتسكع على ضفاف
حلم هائج مائج
نبشت سطوره
وعبدتها بوحي رحيق
/تعبدت لي في موج الهوى طرق /
سال نبضا
مغمسا بلوحات
أشرطة ذاكرة كليلة
أم علها
معاناة مريرة ؟!
ترتل
في محراب الحب
بالريشة والكراس
أسمى طقوس صلاة
/ صلى اليراع وصلى بعده الورق /
أجمل تحية لشاعرنا المتألق الاستاذ غسان الآدمي
وحروفك التي لملمت براعمها من بستان محبة وارف الظلال
دام نبضك والجمال




،،،،،،،،،،،
/ النص /
... تسابق الحزن ...

تسابق الحزن كم كانت لهُ فرقُ
 كلٌّ يفوز على بعضٍ ويستبقُ

خط النهاية قلبي والسباق سرى
 حيث الجوائز صاغت سبكها الحدقُ
منافسات شجوني كلها هممٌ
 حكامها الليل والآهات والارقُ
طفقْتُ اسأل أهل العلم عن ألمي
 قالوا فتلكَ علاماتٌ بمن عشقوا
ورحتُ افتح ابواباً تراودني
 هل يغلقُ الباب في وجه الضحى الافقُ
سلكتُ درب جنون الحب عاصفةً
تعبدتْ لي في موج الهوى  طرقُ
اوحيتِ للشعر تغويني نبؤته
هام اليراع وصلى بعده الورقُ
 
 

قراءة تحليلية لنص / عودة الفينيق / للشاعر المتألق نزاري الهوى ..جواهري الحرف والنوى بقلم /الدكتورة نجاح باراوي

قراءة تحليلية لنص
/ عودة الفينيق /
للشاعر المتألق :
غسان الآدمي
نزاري الهوى ..
جواهري الحرف
والنوى
بقلم /الدكتورة نجاح باراوي
..
.. أفينيق في رمق الجوى ..؟!
يرنو لناضج اليعسوب ..
بكثافات دلالية فاح عطرها ..
ورسوم صور ..
نيزكية الوميض
نثرت جماليات
مبناها ومعناها
وكناياتها الثرية ..
..لتتألق شعاعا مقمرا
أضاء ظلالا ..
وحكاية لغواية تشظت
بشعاب طحالب مرجانية ..
وخطاب .. عكس تداعياته
مرآة ذاتية
في التشخيص والتوصيف
وفي انزياحات لفظية ..
باذخة تستلذ مناسك طوفان
أثيري المبسم ..
سومري الأشواق
مناهجه دروب
تتهادى على ضفاف
لغة شاعرية
مرمرية الضفاف
أثيرية
شكلت المحور الرئيس للنص
عبر تداعيات قيسية ..
تختلجها ثري نزعات
عذرية ..
وهاقد اسهمت الانزياحات
الغنية
في زركشة الصور
برائحة جسد
ينصهر عذوبة وتماهيا
وثقة بالنفس
مع طيف الحبيب تارة
ويترنح
بضنى عذابات الروح
التي يؤرقها زخم اللقاء
تارة اخرى ..
عبر ديالكتيك قانون الجذب
/الفيسا كولوجي/
حيث تكمن
جذور خصوبة التماهي
والتجاذب
العاطفي الشعوري
الممتع المضني
والذي ترتسم وتتجذر فيه
صيغة تكامل
الوجود الثنائي المتناغم الخلاق
الذي أمتعنا
بعذوبة الحرف والطرف
والإطلالة الشذية
بجمر نار مستعرة ..
وهبوب رياح عاتية ..
وجذور أصالة
ونبع ماء سلسل زلال
لأعلى منسوب طوفان عاطفي
لثالث القيسين .. !!!!
.. أستاذ غسان ..
دام حرفك المحلق
على ضفاف الإبداع
ودمت شاعرنا المتألق
بعذوبة حرفك الرصين ..
 
 
 
النص
/ عودة الفينيقِ /
ما جمرةٌ في قلبِ كل حبــــيبِ
الا وتسعر في احتراق صليبي
 
انا ثالث القيسين في نهج الهوى
ان الجنون مناهجــــي ودروبي
 
هدّأتُ عاصفة الرياح مســاجلا
أعلنت أشــــــواقي رياح هبوبِ
 
انا رقّة المــــــاء المصفى نبـــعهُ
انا سومريٌ فــــي العراق جنوبي
 
التذُّ بالطوفــــان تلك مناســــــكي
والبدر يحضن موجةَ المنســـوبِ
 
انا عاشق الغيداء عشتار التـــــي
برحيق مبسمها منـــى اليعسوبِ
 
انا ناجحٌ في الحبِّ حدَّ منـــــيتي
واذا التقينا صرتُ محضَ رسوبِ
 
قصص ٌ من السحْر القديم شواردي
وعلى صهيل الصاعقات ركـــوبي
 
انا عودة الفينيقِ من رمق الجــوى
زغب اشتعالي من ضنى التعــذيبِ
 
انا باختصار الصمت ومضة نيزكٍ
فالاحــــتراقُ مــــن الهوى أسلوبي

الأحد، 26 فبراير 2017

قراءة متأخرة في نص متقدم"للشاعر علي فياض -ياسادتي هذه حكايتي - بقلم الناقد / شاكر الخياط

"قراءة متأخرة في نص متقدم"
ياسادتي هذه حكايتي - علي فياض
لمشغولياتي الكثيرة التي ابتليت بها قد تفوتني ولاكثر من مرة انتباهة ما لنص جميل يحمل بين طياته مادة نقدية رائعة تقع نتيجة الانشغال ومستلزمات الحياة في حكم النسيان او السهو او الانشغال فقط، كم يسعدني ان يستهويني نص يجبرني لجماله ولقوة السبك فيه ان اقف واتمعن وادقق لعلي ارى الشاعر او الكاتب من خلال ذلك النص ثم انحو منحى المتأمل ماذا كان يريد المبدع وراء هذا النص؟ وما الذي يمكن ان يأت به من جديد؟ وهل نجح المبدع حسب امكانيات حكمي المتواضعة؟ ام ان النص اجترَّ نفسه ككثير من النصوص التي لايُجهد الاديب نفسه في التدقيق والاعادة والنظر ثانية وثالثة قبل النشر لكي يكون المولود ابنا او بنتا من الجمال ان يقبله الجميع ويُقبُّله المختصون...
هذه الملاحظات او لنقل التمنيات على صاحب اي قلم فيما يختار نثرا كان ام شعرا للوصول الى السمو والرفعة وصولا الى حالى الابداع المميزة بين باقي النصوص الاخرى.. وانا هنا في معرض حديثي عن هذه القصيدة او كما قال ووسمها صاحبها المبدع علي فياض بالحكاية ويالها من حكاية تجرأت فيها الشاعرية على الشخصنة، وتماهى الايقاع مع المعنى، فكان انسيابا كالماء رقراقا في مرة وحاد في نزوله كالشلال في اخرى، ومع كل الهدوء الذي التزمه الشاعر رغم ماكان يدفعه من حدة ثورة ولكز لقوائم فرسه الجامح وقوة مشاعر طافحة ارادت ان تقول المجدي او الملخص الموضوع في نهاية القصيدة حتى بتنا كقراء نتابع القصيدة بنفس الروح التي كتبها الشاعر آخذا بنا دون ادنى قياد ودون ادنى امر بان نتبعه الى نهايتها لكي نرى في الخاتمة سر هذه الحكاية وكل منا يقينا ومن يقرأ بتمعن سيكون حاله كحالي دون ادنى شك لكي يرى بعد انتظار متابعة وقراءة وتوقع وخيال وتخمين وقرار هل الحكاية تعني الحبيبة؟ تلك البنت الشقراء ذات الشعر الذهبي البراق زرقاء العينيين؟؟ كلا.. اذا هي بنت سمراء طبيعية في قوامها شعرها اسود فاحم وعيناها لابد ان تكون سوداء او على اكثر الظن عسلية!! كلا ثانية! هل هي المحبوبة المرسومة هياما؟ هل هي الزوجة؟ هل هي الام؟ هل هي... او هل هي ...؟؟ وكثيرة هي الاسئلة وانا امر على السطور في تلك الانسيابية الشفافة الهادئة العالية الايقاع حتى لان القاريء الذي يجيد فهم الجرس والعارف بموسيقى الشعر يمكنه بلا ادنى شك ودون ادنى جهد ان يغني تلك الابيات لانها مغناة اصلا وكأنها كتبت ملحنة لكي يؤديها ( كورال) ملائكي ذو اجنحة نورانية، اقدامه في الارض وراسه كمجموعة في السماء، حتى يختلط الصوت بالصدى بعد ان قارب اجتياز او تجاوز طبقات السماء العلا صادحا ملائكيا الى حيث العوالم الاخرى.. اي سهل ممتنع واي انثيال اخاذ واي مطر ربيعي يعشقه الصغار وتغرد لاجله البلابل؟! هكذا وجدت هذا النص وهكذا يجب ان ترتقي مثل هذه النصوص فمكانها ليس الارض انها ستستقر في سماوات لايطالها الا المبدعون المحبون للشعر لغة وايقاعا ونغما وجرسا ومشاعر وتنقلات تعلو عن الكلام العادي واللغة البسيطة فتشوح نفسها بما تستحق...
تلك رؤيتي لهذه القصيدة التي اهدي شاعرها اجمل التحايا وارق الاماني بالتوفيق والابداع الدائم...
خالص اعتباري.





النص:
(يا سادتي هذه حكايتي)~
~~~~~~~~~~~~
حبيبتي ...
سيّدة جميلة مُدلّلة
تصحو كلّ يومٍ
على صوت نايٍ
ومواويلِ فُلّه
وشَعرُها المنسابُ على شبابيكها
قدرٌ جميلٌ يأتي على غفلة
ودِيكُها المفتون عند الضحى
ينثرُ الصباحَ على أهداب تلّة
وينزلُ ضيفاً على مشاوير الرّعاة
و يسرقُ من شفاه البساتين قُبله
ويبدأ الدجاج
يُزيّن الأدراج
وترقصُ الأحراج
على إيقاع طبلة
حبيبتي...
الجميلة النبيلة المدلّلة
شبابُها نسور .. نساؤها أهلّه
أطفالها بدور ..جميلةٌ جذلى
مياهها طهور ..كعسلِ النحلة
لا مياه النيل تشبهها
ولا أمواج دجله
حبيبتي تاريخها يبدأ
من مزامير داوود شمالاً
وجنوباً حتّى مضارب عبلة
حبيبتي ...
لا تشيخ ولن تشيخ
حبيبتي ما لها تاريخ
ولا تتبعْ لدولة
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حبيبتي...
قبيلة من الحكايا
فقصّةٌ تعربش فوق الصدور
وقصّة تنمو بين الحنايا
وكلُّ قصائدها تُرتّل فجراً
لتمحو عنّا كلّ الخطايا
ونغفو .. وأغفو في خِدرها
ويداها التوءمان هما يدايَ
وألمسُ فيها خصر الغيوم
وأسمعُ فيها عطرَ الصبايا
فيا سادتي :
أنا مجنون حبيبتي وقيسُها
وليس هناك مجنون سوايا
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(2)
حبيبتي...
وحمةٌ على خدِّ برتقالة
ولحنٌ تفتّتَ على اضلعي
وصوتُ نبيٍّ وصوتُ ابتهالهْ
حبيبتي ..
نبيذٌ مُعتّقٌ .. يا سادهْ
فاشربوا واشربوا حتّى الثّمالة
وانثروا فوق أوجاعها روحي
فوجعُها صعب لا أُطيقُ احتمالهْ
~~~~~~~~~~~~~~
(3)
حبيبتي يزورها الشتاء
كلّما حلَّ المغيبْ
يعبثُ في ضفائرها
ينام فوق بيادرها
كالعندليـبْ
وتنزل الغابات رويداً رويداً
على سلالم الصفصاف
وأدراج الزبيب ْ
لترضعَ من أظافرها
عنباً وخمراً
ومن أشجارها بعض الحليبْ
~~~~~~~~~~~~~~~~~
(4)
حبيبتي... سكّانها
كأهداب المشط سواسية
فلا آثمٌ .. ولا ناقمٌ
لا حاقدٌ .. ولا داهية
وصغيرها وكبيرها
يأكلون من صحنٍ واحدٍ وآنية
حبيبتي مَرضيّة وراضية
فالنبيُّ يزورها كلّ عام مرّة
والله يزورها كلّ ساعةٍ وثانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(5)
حبيبتي ....
تعيش بلا قيودٍ
وخارج أوامر السلطة
وكلُّ من فيها وما فيها
يقرأ كتاب العادلين
وما تيسّر له من سورة الغبطة
حبيبتي ....
حاكمةٌ وعادلة
وواهبة ومانحة
تهدينا كلّ صباح
جيشاً من يراع
ودفاتر من نعناع
وقصائد من حنطة
فيا سادتي :
هذا الكلام الجميل عن حبيبتي
وآخر الكلام يا سادتي نقطة
~~~~~~~~~~~~~
تعقيب كريم القاسم
كريم القاسم حبيبي الاستاذ الكبير شاكر ... لاادري كييف أقَسّم الجمال بينك وبين النص ، لكن يبقى الناقد هو الدال على التعريف لهذه الجماليات ، هذه المرة وجدت استرسالك النقدي يجري جريانا هادئاً ، لعل الجمال المفعم بالواقعية الهادئة التي طرز الفياض قصيدته بها ، جعلتك تمتزج معه ، حتى جاء النص النقدي متوائما مع جمال النص ...حقاً انه اختيار ذكي يستحق هذه الاشادة النقدية . تقديري الكبير .
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي لمحت  الإشراقات التي ظهرت من شمسين عانقت شمس النهار في هذا الفضاء الرحب الذي صنع ابعاده النص والقراءة النقدية بأجواء من الانثيال الشلالي الهادر والهادئ في الوقت ذاته ..تحياتي لكما الاستاذ الناقد شاكر الخياط والأستاذ الشاعر علي فياض
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه الحديث عن ايقاع النص حسمه الناقد الكبير الاستاذ Shakir AL Khaiatt بما لامزيد عليه..
لكنني اتسائل مع لالناقد والشاعر عن جانبين لايقلان اهمية وأعني خيار السرد الحكائي الدي اعطاه نوعا من الفرادة علي ما نحن معتادون عليه في قصيد النثر على وجه الخصوص..
والث
اني اتساءل عن نوع المجاز واغراضه التي غلفت المضمون الحقيقي , وقدمت لنا سطحا متعمد البناء واضح القصدية ولكننا نفهم او نتفهم اسبابه وعلله ومنها الني تمنح كاتبه روعة التبرير والتفسير ..
اذن الى ماذا احالنا الشاعر..?!
ماهو الماوراء الخفي الذي يقف عميقا خلف الكلمات في الاجمال العام..?!..
اسئلة ربما تشي بوجود نوع من الاقنعة الايجابية لروح محكية تحت مجاز يكاد ينطق من دون تصريح..
ولكم مررت على هذا النص ..ولكم اعدت قراءته..ولكم استوقفتني بعض مقاصبره التي تتساحل مع العروض احيانا, حتى لتجبر كاتبنا او شاعرنا على التقفيات المتعاقبه..
ولفد كنت قلقا ..لايمكنني الحسم..حسم الموقف بالضد او مع النص..وكانني كنت محتاجا جديا الى عين الصقر الهيتي او لربما اذنه لهذا القول الفصل..بعدها:
اذا قالت حذام.......
ومالنا الا التسليم ..ثقة بألإذن التي طالما اثبتت دقتها العجيبة علي طول المسار..اخي وحبيبي ابا عبدالله ..كل التقدير ايها الغالي..

"قراءة متأخرة في نص متقدم"للشاعر علي فياض -ياسادتي هذه حكايتي - بقلم الناقد / شاكر الخياط

"قراءة متأخرة في نص متقدم"
ياسادتي هذه حكايتي - علي فياض
لمشغولياتي الكثيرة التي ابتليت بها قد تفوتني ولاكثر من مرة انتباهة ما لنص جميل يحمل بين طياته مادة نقدية رائعة تقع نتيجة الانشغال ومستلزمات الحياة في حكم النسيان او السهو او الانشغال فقط، كم يسعدني ان يستهويني نص يجبرني لجماله ولقوة السبك فيه ان اقف واتمعن وادقق لعلي ارى الشاعر او الكاتب من خلال ذلك النص ثم انحو منحى المتأمل ماذا كان يريد المبدع وراء هذا النص؟ وما الذي يمكن ان يأت به من جديد؟ وهل نجح المبدع حسب امكانيات حكمي المتواضعة؟ ام ان النص اجترَّ نفسه ككثير من النصوص التي لايُجهد الاديب نفسه في التدقيق والاعادة والنظر ثانية وثالثة قبل النشر لكي يكون المولود ابنا او بنتا من الجمال ان يقبله الجميع ويُقبُّله المختصون...
هذه الملاحظات او لنقل التمنيات على صاحب اي قلم فيما يختار نثرا كان ام شعرا للوصول الى السمو والرفعة وصولا الى حالى الابداع المميزة بين باقي النصوص الاخرى.. وانا هنا في معرض حديثي عن هذه القصيدة او كما قال ووسمها صاحبها المبدع علي فياض بالحكاية ويالها من حكاية تجرأت فيها الشاعرية على الشخصنة، وتماهى الايقاع مع المعنى، فكان انسيابا كالماء رقراقا في مرة وحاد في نزوله كالشلال في اخرى، ومع كل الهدوء الذي التزمه الشاعر رغم ماكان يدفعه من حدة ثورة ولكز لقوائم فرسه الجامح وقوة مشاعر طافحة ارادت ان تقول المجدي او الملخص الموضوع في نهاية القصيدة حتى بتنا كقراء نتابع القصيدة بنفس الروح التي كتبها الشاعر آخذا بنا دون ادنى قياد ودون ادنى امر بان نتبعه الى نهايتها لكي نرى في الخاتمة سر هذه الحكاية وكل منا يقينا ومن يقرأ بتمعن سيكون حاله كحالي دون ادنى شك لكي يرى بعد انتظار متابعة وقراءة وتوقع وخيال وتخمين وقرار هل الحكاية تعني الحبيبة؟ تلك البنت الشقراء ذات الشعر الذهبي البراق زرقاء العينيين؟؟ كلا.. اذا هي بنت سمراء طبيعية في قوامها شعرها اسود فاحم وعيناها لابد ان تكون سوداء او على اكثر الظن عسلية!! كلا ثانية! هل هي المحبوبة المرسومة هياما؟ هل هي الزوجة؟ هل هي الام؟ هل هي... او هل هي ...؟؟ وكثيرة هي الاسئلة وانا امر على السطور في تلك الانسيابية الشفافة الهادئة العالية الايقاع حتى لان القاريء الذي يجيد فهم الجرس والعارف بموسيقى الشعر يمكنه بلا ادنى شك ودون ادنى جهد ان يغني تلك الابيات لانها مغناة اصلا وكأنها كتبت ملحنة لكي يؤديها ( كورال) ملائكي ذو اجنحة نورانية، اقدامه في الارض وراسه كمجموعة في السماء، حتى يختلط الصوت بالصدى بعد ان قارب اجتياز او تجاوز طبقات السماء العلا صادحا ملائكيا الى حيث العوالم الاخرى.. اي سهل ممتنع واي انثيال اخاذ واي مطر ربيعي يعشقه الصغار وتغرد لاجله البلابل؟! هكذا وجدت هذا النص وهكذا يجب ان ترتقي مثل هذه النصوص فمكانها ليس الارض انها ستستقر في سماوات لايطالها الا المبدعون المحبون للشعر لغة وايقاعا ونغما وجرسا ومشاعر وتنقلات تعلو عن الكلام العادي واللغة البسيطة فتشوح نفسها بما تستحق...
تلك رؤيتي لهذه القصيدة التي اهدي شاعرها اجمل التحايا وارق الاماني بالتوفيق والابداع الدائم...
خالص اعتباري.
النص:
(يا سادتي هذه حكايتي(
~~~~~~~~~~~~~
حبيبتي ...
سيّدة جميلة مُدلّلة
تصحو كلّ يومٍ
على صوت نايٍ
ومواويلِ فُلّه
وشَعرُها المنسابُ على شبابيكها
قدرٌ جميلٌ يأتي على غفلة
ودِيكُها المفتون عند الضحى
ينثرُ الصباحَ على أهداب تلّة
وينزلُ ضيفاً على مشاوير الرّعاة
و يسرقُ من شفاه البساتين قُبله
ويبدأ الدجاج
يُزيّن الأدراج
وترقصُ الأحراج
على إيقاع طبلة
حبيبتي...
الجميلة النبيلة المدلّلة
شبابُها نسور .. نساؤها أهلّه
أطفالها بدور ..جميلةٌ جذلى
مياهها طهور ..كعسلِ النحلة
لا مياه النيل تشبهها
ولا أمواج دجله
حبيبتي تاريخها يبدأ
من مزامير داوود شمالاً
وجنوباً حتّى مضارب عبلة
حبيبتي ...
لا تشيخ ولن تشيخ
حبيبتي ما لها تاريخ
ولا تتبعْ لدولة
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حبيبتي...
قبيلة من الحكايا
فقصّةٌ تعربش فوق الصدور
وقصّة تنمو بين الحنايا
وكلُّ قصائدها تُرتّل فجراً
لتمحو عنّا كلّ الخطايا
ونغفو .. وأغفو في خِدرها
ويداها التوءمان هما يدايَ
وألمسُ فيها خصر الغيوم
وأسمعُ فيها عطرَ الصبايا
فيا سادتي :
أنا مجنون حبيبتي وقيسُها
وليس هناك مجنون سوايا
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(2)
حبيبتي...
وحمةٌ على خدِّ برتقالة
ولحنٌ تفتّتَ على اضلعي
وصوتُ نبيٍّ وصوتُ ابتهالهْ
حبيبتي ..
نبيذٌ مُعتّقٌ .. يا سادهْ
فاشربوا واشربوا حتّى الثّمالة
وانثروا فوق أوجاعها روحي
فوجعُها صعب لا أُطيقُ احتمالهْ
~~~~~~~~~~~~~~
(3)
حبيبتي يزورها الشتاء
كلّما حلَّ المغيبْ
يعبثُ في ضفائرها
ينام فوق بيادرها
كالعندليـبْ
وتنزل الغابات رويداً رويداً
على سلالم الصفصاف
وأدراج الزبيب ْ
لترضعَ من أظافرها
عنباً وخمراً
ومن أشجارها بعض الحليبْ
~~~~~~~~~~~~~~~~~
(4)
حبيبتي... سكّانها
كأهداب المشط سواسية
فلا آثمٌ .. ولا ناقمٌ
لا حاقدٌ .. ولا داهية
وصغيرها وكبيرها
يأكلون من صحنٍ واحدٍ وآنية
حبيبتي مَرضيّة وراضية
فالنبيُّ يزورها كلّ عام مرّة
والله يزورها كلّ ساعةٍ وثانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(5)
حبيبتي ....
تعيش بلا قيودٍ
وخارج أوامر السلطة
وكلُّ من فيها وما فيها
يقرأ كتاب العادلين
وما تيسّر له من سورة الغبطة
حبيبتي ....
حاكمةٌ وعادلة
وواهبة ومانحة
تهدينا كلّ صباح
جيشاً من يراع
ودفاتر من نعناع
وقصائد من حنطة
فيا سادتي :
هذا الكلام الجميل عن حبيبتي
وآخر الكلام يا سادتي نقطة
~~~~~~~~~~~~~
تعقيب كريم القاسم
كريم القاسم حبيبي الاستاذ الكبير شاكر ... لاادري كييف أقَسّم الجمال بينك وبين النص ، لكن يبقى الناقد هو الدال على التعريف لهذه الجماليات ، هذه المرة وجدت استرسالك النقدي يجري جريانا هادئاً ، لعل الجمال المفعم بالواقعية الهادئة التي طرز الفياض قصيدته بها ، جعلتك تمتزج معه ، حتى جاء النص النقدي متوائما مع جمال النص ...حقاً انه اختيار ذكي يستحق هذه الاشادة النقدية . تقديري الكبير .
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي لمحت  الإشراقات التي ظهرت من شمسين عانقت شمس النهار في هذا الفضاء الرحب الذي صنع ابعاده النص والقراءة النقدية بأجواء من الانثيال الشلالي الهادر والهادئ في الوقت ذاته ..تحياتي لكما الاستاذ الناقد شاكر الخياط والأستاذ الشاعر علي فياض
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه الحديث عن ايقاع النص حسمه الناقد الكبير الاستاذ Shakir AL Khaiatt بما لامزيد عليه..
لكنني اتسائل مع لالناقد والشاعر عن جانبين لايقلان اهمية وأعني خيار السرد الحكائي الدي اعطاه نوعا من الفرادة علي ما نحن معتادون عليه في قصيد النثر على وجه الخصوص..
والث
اني اتساءل عن نوع المجاز واغراضه التي غلفت المضمون الحقيقي , وقدمت لنا سطحا متعمد البناء واضح القصدية ولكننا نفهم او نتفهم اسبابه وعلله ومنها الني تمنح كاتبه روعة التبرير والتفسير ..
اذن الى ماذا احالنا الشاعر..?!
ماهو الماوراء الخفي الذي يقف عميقا خلف الكلمات في الاجمال العام..?!..
اسئلة ربما تشي بوجود نوع من الاقنعة الايجابية لروح محكية تحت مجاز يكاد ينطق من دون تصريح..
ولكم مررت على هذا النص ..ولكم اعدت قراءته..ولكم استوقفتني بعض مقاصبره التي تتساحل مع العروض احيانا, حتى لتجبر كاتبنا او شاعرنا على التقفيات المتعاقبه..
ولفد كنت قلقا ..لايمكنني الحسم..حسم الموقف بالضد او مع النص..وكانني كنت محتاجا جديا الى عين الصقر الهيتي او لربما اذنه لهذا القول الفصل..بعدها:
اذا قالت حذام.......
ومالنا الا التسليم ..ثقة بألإذن التي طالما اثبتت دقتها العجيبة علي طول المسار..اخي وحبيبي ابا عبدالله ..كل التقدير ايها الغالي..
 
 

السبت، 25 فبراير 2017

محطة نقدية في شعر الغـــزل (تأملات في شعر غادة الباز) بقلم / الناقد كريم قاسم

محطة نقدية في شعر الغـــزل
(تأملات في شعر غادة الباز)
..........................................
شعر الغزل هو الذي يقال في المرأة باعتبارها رمز الجذب والعاطفة والجمال ،
فحاول الكثير من الشعراء منذ ولادة الشعر أن يقدموا للساحة الانسانية نماذجاَ من
الشعر الذي تلون بالوصف والتشبب بالانثى . حتى اصبحت القصيدة العربية تُفتَح
بابيات الغزل ثم تنتقل الى مرادها الآخر من فخر او مدح او هجاء وغير ذلك من
مرامي الشعر. وتنوعت فنون الغزل في الشعر على مر الزمان ، حسب تنوع ذوق
ومزاج الشاعر وتنوع بيئته ، ومعظم قصائد الغزل تؤَلَف بمداد الرجل ، وقد ينوب
الشاعر عن حال المرأة فيأتي بقصيدة غزل ، ليتغزل بالحبيب . وليس هذا مرادنا
للاستطراد بهذا الشأن ، بل اننا وددنا أن نشير الى حالة قد تكون أكثر جرأة وإقدام ،
وهي ظهور قصيدة الغزل بالرجل ولكن بمداد انثوي ، وبعاطفة وشجن إمرأة ،
وخاصة في محيطنا العربي الذي يتصف بهيمنة الذات الذكورية حتى في مجال الحرف
والكلمة . وقد بدأت هذه المرحلة متأخرة بعض الشيء وبما يناسب الانفتاح الحضاري
ونزوح النفس الى التطور والتمدن . وإختصاراً للغوص في هذا الشأن ، نجد ظهور
مرحلة جديدة تكاد ان تكون متميزة تحتاج الى البحث والتنقيب ، وهي مرحلة ظهور
(الفيس بوك) والتواصل الاجتماعي ، فهي اعطت الحرية لكثير من الاقلام وخاصة
النسوية ، للأفصاح عن مكنونات عاطفية أخذت شكل القصيدة بأنواعها وخاصة
مايسمى بـ (القصيدة النثرية) او شكل الومضة والفنون الادبية الاخرى . وازدحمتْ
متون (الفيس بوك) بهذا النوع من الادب . وهنالك من تربَّعَتْ على عرش الاحتراف ،
وهنالك من أَبدَعَتْ وهي في مراحل الكتابة المبكرة ، ورغم هذا وذاك لايستطيع احد ان
يقول بأن هذا الحرف اجمل من ذاك ، انما هنالك قصيدة تولد من رحم معاناة وعواطف
وأشجان تعصف بالحال ، فتأتي كالفاكهة اللذيذة ، وألـذّها ما كانت صادقة ومغروسة في
القلب وتسقى بالدم والدموع .
ــ يأتي غزل المرأة بالرجل بفرعيه (الزوج أو الحبيب) اما بتركيبة عصائر (الحب)
أو بتركيبة عصائر (الغيرة) ، والفرق بينهما كبير شاسع ، فالحب دعة وسلام ، والغيرة
قتال وحرب وضرواة ، وكل رافد يأتي بمفرداته التي تنسجم ومراحل الملحمة الادبية.
فلم يطفُ الى سطح الغزل العربي صوت امرأة الا في العصر الاندلسي تقريباً وخاصة
الشاعرة (حمدونة بنت زياد) وغيرها . وماتلاها من تجارب وارهاصات في الساحة العربية .
ــ كانت قصيدة الغزل سابقا لاتتجاوز وصف الشكل الخارجي للمرأة وبيان ملامحها والتغزل
بجوارحها بعيداً عن الاحاسيس الداخلية ، وما تفرزه من شجن قادح ولهيب ذات ، وزلزال
هائل في خبايا النفس ، وهذا ماميَّز القصيدة الحديثة في مراحل تطورها الى وقتنا الحاضر ،
فيكاد التغزل بالعينين والرموش ونبرة الصوت أن يُركَن في متحاحف الآثار للشعر والادب .
ــ مايعنينا هنا ، هو الاقلام الفَتيّة الذكية المبدعة ، التي تحتاج الى تسليط الضوء عليها رغم
بريقها المؤثر في النفوس . فهي تحتل مرتبة جمالية لايُستهان بها ، وتوعد بالكثير من
النتاجات الادبية التي تدخل في حيز الابداع والرقي .
ــ عند تتبعنا لهذه الاقلام ، برز لدينا الكثير منها والتي تحمل صفة التطور والثبات والابداع
، حتى تنوعتْ الكتابات واختلفتْ المعاني بأختلاف وتنوع الثقافات والبيئات والاهداف
والنشأة .
ــ سأتناول مثالاً رخيماً وقلما ملتزماً ، ينحاز الى العاطفة الصادقة والتي تمتلك البصمة
الواضحة في كتاباتها ــ والذي دعاني لهذا الاختيار هو بيان تأثير البيئة وتنوع الثقافة على
تشكيل الحرف وتركيب العبارة الجمالية في هيكل القصيدة الغزلية مع البراعة التصويرية
للفكرة بمداد وقلم إمرأة ــ في الوقت الذي كتب ومازال الكثير يكتب بالغزل إنابة عن المرأة
، فتأتي القصيدة تحمل صور الغزل الذي لايخلو من رائحة الذكورة وغبار الرجولة ، وكان
على رأسهم الشاعر الكبير (نزار قباني) ، إلا ان المشاعر والفيض الاحساسي والعاطفة
والشجن الصادق ، دائما يكون مفتاحه الانثى ، فهي اصدق من يعبر عن الغيرة والحب تجاه
الرجل ، فلايمكن الاستعاضة عنها بمداد ذكوري .
ــ الحب .. هذه المفردة التي انعم الله بها على الخليقة ، قد أقدحت العقول ، وأثارتْ الشجن
على مر العصور ، فجاء التاريخ الادبي زاخراً بتنوع الفكرة والهدف .
ــ الكاتبة المصرية غادة الباز من الاقلام الملتزمة التي تختار مفرداتها بعناية وتبحث دائما
عن النقد والتقويم ، لصقل موهبتها وإضفاء البريق على حرفها الرشيق .
ــ تختصر الكاتبة الرائدة (غادة الباز) لنا المسافات في تعريفها للحب ، فتقول :
• " الحب وضّاء كريم ، لايُستقطب .. يأتي حُراً حاراً ، يمسح على روحك
بالسلام ، وينقش صبابته بخفة ثم يحتجب في روض روحك نَشِقاً من عبير "
• " أول الحب طمأنينة ومساحة دافئة لضوء عينين.. "
ــ هاتان المقولتان الموجزتان كفيلتان بمعرفة الفلسفة الادبية ، والتركيبة الثقافية ، لقلم غادة
الباز . بل وسيأتي المزيد من اللفظ والمعاني ما يندرج تحت هذا المقطع الرائع والزاخر
بالمعاني الجميلة .
• " وتضن النفس على
من سواك..
فليس قبل قمرك قبل
وليس بعد شمسك بعد "
ــ في هذا المقطع الشعري ، نكاد نتحسس النَفَس الانثوي ، والوفاء المطلق الذي يأتي بصيغة
الاخبار المُبطَن ، فتجعل الامتلاك له وحده فقط ، فهودائرة اليوم بكامله ليله ونهاره ، إن
غابَ وإن حَضر .
ــ من المعلوم إن شعر الغزل مهما تعددت انواعه ، يتصف بوحدة الهدف ووحدة الموضوع
، فمن المستحيل ان يتغزل الشاعر بعدة نساء او ان تتغزل الانثى بعدة رجال فيأتي المعنى
ممسوخا ومرفوضا ونافراً للذوق السليم . وكذلك عند الشروع بكتابة النص يجب أن يهتم
الكاتب بوحدة الفكره كي يأتي النسج بأفضل حال ، ومقنع للمتلقي وهذا متوفر في اعمال
شاعرتنا غادة الباز . فمثلا :
• " أما نحن ياسيدي
أنا وأنت..
الصاعدون كالتيه
من خرائط أتون النار
الناجون من لقاء بحر
أفكار الليل
بسراب تفاح التأمل..
فنولد مابين غياب وغياب..
مابين دمعة وبسمة "
ــ لوتفحصنا هذا النص لوجدنا العبارات كلها تنطوي تحت مزاج انثوي واحد ، وفكرة واحدة
فيها احاسيس مجردة متناسقة منذ البداية ، والجمال هنا في نطقها (ياسيدي) لابمعنى
الاستعباد او التبعية المُذِلة ، بل تُستَخدَم احيانا للاحترام والتقدير ، ثم اردفتها بشطر (أنا
وانت) فجعلت المساواة قائمة ، ثم بدأت بفرز الشجن المتناسق حتى الشطر الاخير .
ــ الشاعرة غادة ، ترسم الكثير من الصور الشعرية بعبارات مطرزة بمسميات كثيرة ، بحيث
تأتي ملائمة ومتوافقة مع القصد والفكرة ، ولها قدرة تصويرية هائلة في وصف الذات ،
وهذا قلَّما نجده في شعر الرجل الذي ينوب عن المرأة في الغزل . فمثلا عندما تستخدم
صيغة الدعاء ، نجدها لاتخرج او تزيغ عن أدب الدعاء ، فتأتي باللفظ المناسب للمعاني وهذا
من جمال التأليف ، وخاصة عندما تأتي بمفردة (دثّرني) ثم تردفها في الشطر الآخر بمفردة
(خَلّدني) ، نلاحظ قوة الطلب في الدعاء فتجعل من نفسها نورا وشمساً لهُ ، وهذا من الادب
العفيف ، الذي يضفي على القصيدة طابع العِفَّة والالتزام والسمو ، فتقول :
• " دَثّرني ياالله نورا
خَلّدني شمسا
في كون قلبه "
ــ الابداع في الشعر هو ما يأتي به الشاعر من الجديد والبديع في النظم والقول .ومن
المتعارف عليه ان قصائد الغزل ، تبدأ وتنتهي وهي تجسد وتصور لوعة الحبيب او
المحبوب ضمن مساحة وفضاء أدبي ، يُشبعه الكاتب والمؤلف بأفكار وآهات وشجن ، وهكذا
في كل الاعمال الشعرية التي تنضوي تحت هذه المسميات .لكن الابداع يأتي عندما يدخل
الشاعر باب الغزل ضمن فضاء ناقد او فضاء وصفي يأخذ شكل القصة ثم يطرزه ببديع
عبارات الوجد والجوى ، ولايحس المتلقي بالتناقض او التشظي في الافكار والعبارات . هذا
الابداع يكاد ان يكون صفة متلازمة لكتابات وقصائد غادة الباز . فلو تفحصتا بعمق هذا
النص ، لادركنا الاختلاف النوعي بينه وبين كثير من نصوص الحب والغزل ، فتقول مثلاً :
• " لستُ عملةً أيتها الحياة
ﻷرقص على حافة الغرق
وتسيل مني كومة
من برد القوافي أمامكِ ..
ولا أبجدية تحرر عمري القصير
من نقرة على بيت قلبي "
ــ نلاحظ هذا الدخول المباغت والمفاجيء ، وهو يحمل صورة الاستنكار والنفي والتحدي ،
وهي تخاطب الحياة بأنها ليس (عملة) ولا (ابجدية) .
ــ ولو تأملنا هذا المقطع الوصفي التصويري لعادةٍ تلازم المرأة في تمشيطها لشعرها ،
لوجدنا حدّة التصوير وقوة الابتكار وحسن الربط بينها وبين هدف الفكرة ، وكيف تجعل من
المشط وغرة الرأس صورة ، لايمكن ان يتجرأ الرجل أن ينوب عنها أو يُحسِن تصويرها ،
وقوة تصويرية اخرى في (رشرشة حلق الجرار بندى الحبيب ) ... ولذلك نقول بأن المرأة
هي أصدق من تعبر عن هذه المشاعر ، فهي تخصها وحدها لاغير . فلنستمتع بالآتي :
• " قلبي الذي نسيَّ نكتة التعجب
واستهواه صوت سجادة النجوم
أشعلُ شموع التمني
فما سقط مشط العاج
من نفخة في دمائي
وقت باغتته الريح برقصة من تراب .
نام دهرا في أزقة الحكايا..
وأنا من وعدتُ برشرشة نداك
ﻷبلل حلق الجِرار
نكصت يدي من فكرة النداء
وكم أحببتُ زيت الورد ممددا
في غرَّتي
فعدتُ أنثى تُبَسمل كلما
كبر فيها العناء وشجَّ قلبها
رائحة غريبة..
إنه الوقت المثالي
لتمطر اﻷساطير
وألمِسُكَ عن قربٍ وحدي "
ــ وفي قصيدة (عزف منفرد) نجد قوة التصوير واستعمال البديع من الاستعارات الجميلة
والتي تناسب عنوان النص ، بحيث لاتجد نفسك في تيه او ضياع ، فهي تقول :
• " لم تكن الريح مُدانة
أنا من دفعتُ
بزورق ضفائري
في طقس لؤلؤ عاصف ﻷراك .. "
ــ والآن لنستمتع بقراءة هذا المقطع ، الذي يزخر بالتأمل ، والشجن الذي يعبق بالروحانية
الهائلة ، فتضع الغزل في خانة عذرية نظيفة طاهرة :
• " كنتُ أيضا قد أحببتُ الحَمام
وهو يطير من فوق أثر قديم
كأنما يرفعُ خيام الياسمين الذابلة
ويدعو مآذن الماء لقصيدةِ
مطر ..
وهذا النهر الذي حرَّم ماءه على البؤساء وأخرسهم
لن تزوره طيور الله لتشرب ..
من أهدى عينيكَ كل هذا الحب
فرأيتُ البلاد فيك
ورأيتني فيك عشبة "
ــ الكثير من الشعراء الذين أنابوا عن المرأة في الغزل ، لم يستطيعوا تصوير جزئيات
وحيثيات صغيرة ودقيقة في عالم الحب ، وهي لحظات قد تلهب الخاطر والوجدان لكلا
الطرفين . نجد ان الست غادة ، قد صورت هذه الحيثيات بالصورة الزاهية واللفظ الرشيق
المتناغم مع احاسيس الانثى ، الذي لايخلو من الشجن العالي ، حيث تصوّر فيه لحظة
المكاشفة للحبيب وهي لحظة مزلزِلة عاصفة بالكيان ، ونجحتْ في تصويرها عندما قالت:
( العالم يشطرني كصوتِ مُعذَبْ ) و تصوّر حالها بعد امكانية التنصل والابتعاد عن اخبار
وذكريات الحبيب بابهى صورة (لا الجرائد قديمة تجفف اﻷخبار ) ومابعد هذا الوصف
سيأتي الاكثر متعة وجمال ، فلنقرأ مايلي :
• " العالم يشطرني
كصوتِ معذَب
يلطمُ ضوء النخيل
وللموتى يبني المدن
لا الجرائد قديمة
تجفف اﻷخبار
كرغيفٍ مقددٍ للطير،
ولاضجيج بنات الهمس
ينحني في الزاوية ..
ومابين بداية ونهاية
وسؤال
يثقبني الطل صبح مساء
سأخبرك أول اﻹجابة
سأخبرك اﻵن
كم كنتُ أحبك "
ــ النشأة والثقافة البيئية للست غادة الباز ، جعلت من حروفها هي الاخرى تنطق بالروحانية
وكأنها رذاذ صوفي ، وهذا المقطع الهادر صريح بما ينطق الحال :
• " أقول لروحي الذي سورته
من صقيع اﻷخاديد واستوطنه جلباب العبرات ..
في مروج الله ستحط رحال أثقالك ..
لك ماانتويت
ماأحببت الا الصلاة خلف اليقين
وكأنك ثمرة حَرَّى
لكن الزمان لم يكن مباليا.. "
ــ الشجن الأنثوي يبرع كثيراً في فن وصف الذات ، وخاصة عندما تحتضن الذات روح
الغزل أو التشبب . شاعرتنا تنطلق في المقطع التالي من مرحلة الطفولة لتجسدها في انقى
رصف وأجمل تأطير ، ممازجةً حكايا الطفولة بالشجن العذري وبذكاء حاد ، وخاصة عندما
تصور لحظة الحديث بحديث (أليس) بطلة رواية (أليس في بلاد العجائب) للكاتب (لويس
كارول) وهذا الاقتباس فيه روعة التأثير (الانطباعي) ثم تسترسل في الوصف البارع للحظة
(تدخين السيجار) والتي يصعب على الشاعر (الرجل) ان يتقمص هذه الفطنة وهذه اللقطة
الخاطفة ، حتى تختم المقطع بأجمل سؤال (كم يشبهنا قبل اﻷلم..) والذي نطقت بإجابته
مقدماً ... وهنا تكمن روعة السبك والتقدير :
• " وأضحكُ كثيراً كطفلةٍ ..
وأظل أحكي لكَ طويلاً كـ ( أليس )
وأنتَ في البعيد تدخّن سيجاراً لا أحبهُ ،
وتبتسم ..
وحدكَ تعلم أني أحب اللون
أصلياً صافياً
ولا أحبه ممتزجا حد ضياع الهوية
وأني لو كنت أفاضل بين اﻷلوان
لاخترت لون اللؤلؤ
كم يشبهنا قبل اﻷلم.. "
ــ قوة الابداع هي قوة الخلق والابتكار ، وأحضار كل ماهو جديد أو غريب . والابداع هو
عندما يستقدم الشاعر مفاهيم والفاظ الحب ، ليرصف لوعات النفس وصور الآهات
المجتمعية بأبهى صورها . فقد بدأ مطلع قصيدتها الرائعة (امرأة نادرة) بشطر نرجسي
يحمل بصمة الثقة الانثوية (أنا امرأة نادرة ياحبيبي) اتت بلفظة (حبيبي) وكأنها تريد ان
تبوح له بالشيء الكثير الذي اتعبها ، وهل غير الحبيب مكانا للبوح ..؟ وتستمر في وصف
ذاتها ، وتصور التمرد في حالة غياب الحبيب بأرشق الالفاظ وارَق المعاني ، حتى تبوح
بمكنوناتها التي هي محور القصيدة وهدفها المنشود ، فتحدد صوراً اجتماعية ، غاية في
الدقة :
• " أأنسى طفلاُ بصندلٍ عتيق
يرفع وحده علم البلاد.. "
• " أأنسى محققا أنكر صوت أصابعي
وابتكر الدليل .. "
ــ وتختمها بابداع بعيد عن الغزل والتشبب ، فهي تقدم شكواها للحبيب "
• " فالراوي لاينام
والطغاة يحلمون لنا كل
يوم بالجنون وبالجحيم.. "
ــ أنا شخصياً احترم هكذا نصوص ، محملة بالابداع والابتكار ، بعيدة عن الابتذال ، والحشو
من اللفظ الذي لايأتي إلاّ بالغثيان أوالملل . والآن لنتمتع بهذا النص المهيب :
(امرأة نادرة)
" أنا امرأة نادرة ياحبيبي
في ذروة الغيم
يتناسل بي
اﻷصيل
والفراش
ووسامة النايات ..
أثر دمي أنهار للحيارى..
سأتمرد في غيابك
على برجوازية الدفلى
وأنفاس البجع المرفَّه..
أأنسى طفلاُ بصندلٍ عتيق
يرفع وحده علم البلاد..
أم قصة ألقمتها قلامة الذكرى
تهجأها بئر السكون.
و شحّاذاً دقَّ كتفي
فحملت ليل عينيه الطويل .
أأنسى محققا أنكر صوت أصابعي
وابتكر الدليل ..
غب ﻷنسى وجبة لم نقتسمها
ومطر جرفها فبكيت..
لي منحدر الصبا لم يمهلني ﻷستريح..
لستُ حشرجة نوافل الصحارى
أنا صلوات النسيم ..
تركت أخطائي بألم تمرح
وعدوت ببسمتي..
فثمة لصوص في الليل للبسمات
ومناديل نبيذي تغري بالعطر
سأتبعك اﻵن
فالراوي لاينام
والطغاة يحلمون لنا كل يوم
بالجنون وبالجحيم.. "
ــ تعودنا ان نقرأ القصائد المختلفة المراد والهدف ، وهي تبدأ بمقدمة غزلية او تشبب وهيام
ولهفة ، لكن ان يأتي النسج والسبك معكوساً فهو الابداع بعينه ، وهذا مانرتجيه من الكاتب او
المؤلف ، فالكل يكتب الشعر ، ولكن الابداع يبقى هو النقطة الفيصل .
ــ الكاتبة غادة الباز ، أتت بسبكٍ يحوي رصيد ضخم وزعيم ، يدعو الى التمعن بتروي
وإنصاف ، عندما نسجت لنا قصيدة بعنوان ( عيون وظلال) والتي افصَحَتْ فيها منذ بداية
مطلعها ، بأنها ستبوح بشجن (دراماتيكي) أي سبك تمثيلي وهذا النسج ليس باليسير ، فعندما
تقرأ :
• " هذا العالم ينزلق بخفة على
أسطح الرجس "
• " يتناول فطوره بشهية
وتحت الطاولة
دم نَيّء ورَشّة جبن منشور .."
ــ ستجد نفسك امام نص لايمكن ان تتخيله بأنه سيخاطب الحبيب بعد لحظات . وتتوغل
الست غادة اكثر في ذلك الحال عندما يزيد الوصف في الألم والسخرية من صورة اجتماعية
مرفوضة مقيتة :
• " ﻷخبر البائع البدين عن يديهِ
الكبيرتين وهما تخفيان
البندورة الفاسدة
لامرأة مُسِنّة .. "
ــ وتسترسل الشاعرة بهذه العصارة الحزينة حتى تجد نقطة شروع الى فضاء الحبيب . وهنا
تكمن رشاقة النسج والذكاء في انتقاء الكلمات والمعاني التي تناسب ما ستؤول اليه الامور من
شجن ووجد ، فتوصف الاشجار بتشذيبها الكروي ، كي تدخل محطة الشروع كالآتي :
• " وأن كل الأشجار هنا
تشبه عيون بلدية الحي
الكروية .. "
ــ الآن يدخل السبك في مرحلة اخرى وهي بصمة الشاعرة غادة ، لتربط هذا الوصف لثيابها
ليستمر نولها الشعري بغزْلِ كل مايجذب النفس ، ويصيب ذات المتلقي بالدهشة ، وخاصة
عنما تنسج قُماشة اعترافات جميلة فطرية ، فهي تتعثر بثيابها الطويلة وبكعبها العالي ، حيث
تحب ثياب (الباليرينا ) وهو زي راقصي الباليه ، كونها تحب راقصة الباليه الروسية
الشهيرة (آنا بافلوفا ) :
• " أني أتعثر في الثياب الطويلة
وفي الكعب العالي
وأني أفضّل ارتداء (الباليرينا)
ﻷني أحب ( آنا بافلوفا) "
ــ ثم تنتقل بخفةِ ورشاقةِ راقصة الباليه الى الصورة القديمة ، عندما تعترف مرة اخرى بأنها
تشبه جدتها في خبز الكعك وبلا مقادير ، وتستخدم الأشبار في القياس ، فهي ليست امرأة
عصرية كما يريد منها البعض :
• " لم أخبرهُ
أني أخبز الكعك جيدا بلا مقادير
واضحة كجدتي
وأقيس المسافات
بشبر أنفاسي
ﻷطبطب على اﻷرض الجريحة . "
ــ في نهاية المطاف تسترسل في سبكها الشعري لتضع مقارنة رائعه في رؤية البعض للمرأة
العصرية . وفي هذه المقارنة أدخلتْ مفهوم الحب والحبيب ، لتجعل من القصيدة وحدة
متكاملة النسج والسبك ، ذات قوام هندسي متناسق الابعاد ، حتى جعلتْ منها انموذجاً ، أكاد
اعتبرهُ طفرة قوية واثقة الخطى ، لتحيلها الى كاتبة تستحق المتابعة والنقد والاحترام .
ولنستمتع بهذا النسج :
(عيون وظلال)
" ولدتُ بشجنٍ دراماتيكي
حتى أنني أتدرب على
تمارين التنفس
التي أوصاني بها الطبيب
ﻷجل هؤلاء الذين
دلفوا إلى روحي
طلبا للّجوء ..
إنني أغادر مصعد اﻷسماء
وأتخاطر مع الضوء
ﻷجلهم أيضا ..
هذا العالم ينزلق بخفة على
أسطح الرجس
وفي كل مرة يتحطم طابق
أو اثنان
ثم يخرج أشعثا
يتناول فطوره بشهية
وتحت الطاولة
دم نَيّء ورشّة جبن منشور ..
لم أتحدث كالمجاذيب من قبل بعيون شاحبة
كمخفوق الكيوي المالح ..
ﻷخبر البائع البدين عن يديه
الكبيرتين وهما تخفيان
البندورة الفاسدة
لامرأة مُسنّة ..
ولم أخبر الحديقة المهجورة
بأن سرب اﻷوز
ميتافيزيقي الملامح
هو الكائن الوحيد
الذي سيعبرها بسلام
كبعض اﻷحلام التي
تكسر القلب ولاتعود..
وأن كل الأشجار هنا
تشبه عيون بلدية الحي
الكروية ..
لم أخبر حبيبي
أني أتعثر في الثياب الطويلة
وفي الكعب العالي
وأني أفضل ارتداء (الباليرينا)
ﻷني أحب ( آنا بافلوفا )
وأقلدها في المساء ،
وﻷني أشب كثيرا على أطراف دهشتي
كلما تواطئوا على روحي
دون سبب..
لم أخبره
أني أخبز الكعك جيدا بلا مقادير
واضحة كجدتي
وأقيس المسافات
بشبر أنفاسي
ﻷطبطب على اﻷرض الجريحة .
لست امرأة عصرية تماما ..
على اﻷرجح
يريدون امرأة بلاحنجرة
لاتسأل .
بصدرٍ نافرٍ
وعيونٍ ذهبية
ينزعون من ثيابها
رائحة الليمون وحبّة البركة
وأعشاب البابونج..
سأنام الليلة
يحرسني ذاك الظل البعيد
سأغلق أزرار فستاني
حد آخر نفس
ﻷقطع السبيل على المتلصصين
على الغد ..
سأرتدي جوارب الصمت
أيضاَ
فالجو بارد
وقدماي تحرضّاني
على الهروب من هذا الكوكب
والمضي للزهرة
ربما هم كوكب الحظ.. "
ــ الـتـقـيـيـم /
ـــــــــــــــ
الشاعرة غادة الباز ، من الاقلام الفتية ، التي استطاعت ان تلج في هذا المعترك الشعري
المزدحم والزاخر بالنصوص المتلونة المشارب والمناهل ــ رغم حداثتها ــ وخاصة في هذا
العصر (عصر الفيس بوك) وعالم انتقال المعلومة بسرعة البرق ، فليس من السهل ان يجد
الكاتب والمؤلف بصمته الشخصية او مرتبته الادبية التي تميزه عن ألآخرين ، والكل يكتب
بنفس اللغة والحرف والاهداف ، بل ومن الشاق ايضاً الدخول في هذا المعترك التأليفي
الفسيح ، للخروج برؤية واضحة محمَّلة بالابداع والرصانة والالتزام والثبوت ، لكن المثابرة
والاستفادة من الوقفات النقدية بحسّ التلميذة المتعطشة الى المعلومة الصحيحة ، والبعيدة عن
الزخرفة وهالة الفخر والاعجاب ، والبحث عن كل ماهو جديد ومبتكر ، وبتروي ودراسة
مستفيضة ، هذه الصفات هي التي جعلت من غادة الباز قلماً يُشار اليه ، ويُتابَع من قبل
المختصين ، أوالمتلقين الباحثين عن المتعة الادبية والجمال في الرصف والتعبير .
ــ امامنا قلم بهي رشيق يكتب بمداد سحري واسع الطيف ، له القدرة على التطور الذاتي ،
واختيار الصور الشعرية المتناسقة مع الفكرة ، والمزج بين المتناقضات ، حتى يصهرها في
بوتقة شعرية واحدة ليحيلها الى سبيكة صلدة متماسكة القوام بَرَّاقة خالية من الرَّين والشوائب
، ذلك القلم هو الكاتبة المصرية غادة الباز .
تمنياتنا لها بالموفقية والتقدم .
تقديري الكبير ....

 
تعقيب منيرة العنزي
منيرة العنزي تحليل رائع
بالتوفيق دوما غادة

رد كريم القاسم

كريم القاسم ست منيرة ، اسعدنا مرورك الجميل .... تقديري الكبير

 
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي كم تمنيت ان انقسم الى شخصين وانا اقرأ هذه التأملات لأستطيع اللحاق بكل التفاصيل لكي لا تفوتني فاكهة حتى اتذوقها ..تأملات تشرح الانفاس وانا اراقب هذه الكائنات السحرية من نماذج نصوص الشاعرة غادة الباز تحياتي لكم أستاذ كريم القاسم وللشاعرة المرموقة غادة الباز.
 
رد كريم القاسم
كريم القاسم هاجس الشعراء هو الثورة في التلمس والتحسس للمعاني والالفاظ ، مروركم الاستاذ الشاعر غسان ، يزيد في المتعة والجمال ... تقديري الكبير