الخميس، 20 يونيو 2019

وقفة موجزة مع نص شعري للشاعرة سميا صالح بقلم الاديبة جنان محمد

وقفة موجزة
 للشاعرة سميا صالح
*
بقلم الاديبة جنان محمد Jenan Mohammad
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
الأديبة الشاعرة "سميا حسين صالح" شخصية دافئة محبوبة..عملت على نفسها ابداعياً كثيراً.. فقد نذرت مخلصة للثقافة والفن عمرها ووهبت للفن جهدها بكل تفانٍ..من مواليد دمشق عام ١٩٧٢ ،تخرجت من معهد المعلمين اولاً ثم استكملت مشوارها في كلية التربية بجامعة تشرين.. شاركت بقلمها المبدع كنجمة مضيئة في مهرجانات أدبية متعددة على الساحتين السورية والعربية كما وشاركت في مسابقات شعرية عديدة محرزة مراكز متقدمة بقصائدها الرقراقة..وقد أجريت معها عدة حوارات في عدد من الجرائد العربية لا يتسع المقام لذكرها هنا ،مع ذلك سانشر بطاقة تعريف كاملة بنشاطات هذه الشاعرة ومنجزها الاجمالي كملحق اخير لمن يرغب بالاطلاع..ولكنني أحببت أن أسلط الضوء على جوانب جميلة في شخص الشاعرة " سميا صالح" عبر هذا التقديم الموجز قبل أن أتناول قصيدتها العذبة التي شدتني لقراءتها مرارا ..
القصيدة مكتوبة على " بحر الوافر الجميل " (مفاعلتن مفاعلتن فعولن او" مفاعل")والترفيل فيه هو الشائع اذ يندر ان يكتب على الوافر التام..
ولكي تكون صورة النص واضحة للقارئ الكريم سأنشر هذا النص قبل الخوض في قراءتي المتواضعة:
** النص :
…………...
تـَرَنّـَمَ فِي الْصَّباحِ رُؤَىً خَيالِي
وأَشـْرَقَ مِن غَرامِكَ سُقْمُ حَالِي
.
اُحـِبـُّكَ كـُلَّ ثـَانـِيـَة ٍ وإنـِّي
أَكـَادُ أَكـُوْنُ فِي قـَلْـبِ الليـَالِي
.
نُـسَـيْـمَاتٌ تـُداعِبُكَ اشـْتـِيـَاقَـاً
فـَقُربـُكَ صـَارَ ضـَرْبـاً بِـالْمُحَالِ
.
أَحـِنُّ إِليْـكَ يـَأخـُذُنـِي حـَنِيْـنِي
إِلَى حـُلُمٍ ، إِلَـى يـَوْمِ الْوِصـَالِ
.
فحبّكَ بات كـَالْقَـدَحِ الْمـُعَـلَََى
كـَأَحـْلامٍ تـَعـَالـَتْ كـَالـْجـِبـَالِ
.
ولا تـَسـْاَلْ عَـلَى مِقْدار حُـبـِّي
فَحـَالِي بـَاتَ يُـغْنِي عَنْ سـُؤالي
.
أَظـَلُّ أُرَاقـِبُ الـْطُّـرُقَـاتِ عـَلِّي
تـَقـُوْلُ : إلَـيَّ يـَا قَدَري تَـعـَالِي
*
بعض انماط البوح يتميز عن الغزل المعتاد،
وقد يحسبه البعض من صوره..لا بأس بذلك ،حيث يمكن أن نعده غزلا عذريا عفيفاً.. ولكنني أرى فيه ضربا من الإشراق الروحي ،كونه اقرب إلى البوح الصوفي الشرقي عند رابعة العدوية وابن الفارض "سلطان العاشقين" والحلاج الذين نهجوا في شعرهم نهج فلسفة "وحدة الوجود" كما نعلم جميعا ..
وهاهي شاعرتنا تبدأ أبياتها بهذا المطلع المصرّع:
تـَرَنّـَمَ فِي الْصَّباحِ رُؤَىً خَيالِي
وأَشـْرَقَ مِن غَرامِكَ سُقْمُ حَالِي
ومن الجميل حقاً ان نجد مفردة الاشراق التي قدمت لها في سياق النص نفسه ( واشرق من غرامك سقم حالي)..هذا معناه انها تقصد هذا النوع من البوح تحديداً..فدلالات أن يكون سقم الحال وعذاب الروح والجسد مشرقاً من اثر هذا النوع من الهيام واضحة الانتماء الى ظاهرة الترويض النفسي والجسدي المعروفة عبر الفلسفات الشرقية وعلى وجه الخصوص(في الطقوس الدينية الهندية ومنظومة الترقي عبر الترويض الصوفية).
ولقد كان أسلوبها التعبيري بديعاً ماتعاً سلساً مؤنساً مع مافيه من الشجن العميق ،لكنني اقصد السلاسة البعيدة عن التكلف ، من خلال عذوبة الوصف وصدق الحرف حتى كأنك تقرأ بقلب الشاعرة لا بعينيك ..
وقد صورت لنا حالات وجدانية بالغة التأثير تارة في قولها :
اُحـِبـُّكَ كـُلَّ ثـَانـِيـَة ٍ وإنـِّي
أَكـَادُ أَكـُوْنُ فِي قـَلْـبِ الليـَالِي
وأخرى في :
فحبُّكَ باتَ كـَالْقَـدَح الْمـُعَـلَََى
كـَأَحـْلامٍ تـَعـَالـَتْ كـَالـْجـِبـَالِ
وكل منا يعي أن كل محب يدخل في هالة حب خاصة به لا تتكرر، يستقي منها طبيعة مشاعر ذات خصوصية أو مفردات ما كانت لتخرج من هالة حب أخرى ..لكن الجمال في هذه الهالة أنها تحيط بالقاريء بدفء يروي القلب ..
حقا لا أدري كيف قامت أديبتنا بخلق المشاعر بتلك الكيفية المدهشة .. براعة اللفظ و رقة الشعور ودقة الحس وسمو العاطفة التي كانت واضحة في الأبيات بشكل قوي يدفعك للقراءة مرارا -كما حدث معي -
تحايا عاطرة ملء قلبك وبحجم قلمك أيتها الشاعرة المتألقة ..
""""""""""""'''''''""""""""""""""""''''''""""""""""""""""""""""
ملحق التعريف بالمنجز الاجمالي للشاعرة:
"""""""""""""""""""""""'"'''""'''"'''''''''''''''''''''''''''''''""""'''''''''''''''''''"
الشاعرة سميا حسين صالح
من مواليد دمشق /١٩٧٢
خريجة معهد إعداد المعلمين
خريجة كليه التربيه / جامعة تشرين.
مؤلفاتها :
…………
1-ديوان "كوردة هكذا تماما ".
الصادر عن مطبعة الهلال /طرطوس عام 2015
2-ديوان "عشق ثلاثي الابعاد"
الصادر عن دار أرواد للطباعة والنشر والتوزيع عام 2016
3-ديوان "كل ما بقي مني"
الصادر عن دار باكير للطباعه والنشر عام 2017
4-ديوان "غربة النرجس"
الصادر عن دار باكير للطباعه والنشر عام 2018
5-مجموعة قيد الطبع بعنوان "كإنك إني "
في دار آس للطباعه والنشر .
6-مجموعه قصائد في ديوان مشترك تم طبعه في العراق
دار آراء للطباعه بإشراف مجلة الآداب والفنون.
7-مجموعه قصصيه عام 1986،مخطوطة.
8-ديوان "حين يهمس الشعر ".
الصادر عن دار باكير الطباعه والنشر.
9-ديوان رقص على إيقاع المطر الصادر عن دار باكير للطباعه والنشر..
عضو جمعية بانياس الثقافية.
عضو المنتدى الثقافي في بانياس .
عضو الجمعية السورية التاريخية.
عضو مجموعة منارات الادبية.
*شاركت في عدة مهرجانات:
مهرجان الجمعية التاريخية في اللاذقية برعاية وزاره الشؤون الاجتماعية
مهرجان منارات الاول في دمشق برعاية وزاره الثقافة
مهرجان بلوزة الثالث للثقافة
مهرجان جمعيه التنميه الانسانيه في عيد المرأة.
*شاركت بدعوات لامسيات أدبية في أغلب المراكز الثقافية
*شاركت في عدة مسابقات شعرية.
1-فازت قصيدتها (قال لي) بالمركز الثاني في مسابقه أقامها المركز الاستشاري للثقافة والفنون في سويسرا عام 2017
2-فازت قصيدتها( زدني اشتعالا ) بالمركز الأول في مدينة سلميه.مدينه الماغوط ...بلد الثقافه والفكر.
*عضو لجنة تحكيم لقصيده النثر أقامتها جمعيه العاديات في سلميه عام ٢٠١٥
عضو لجنة تحكيم قصة قصيرة عبر موقع الكتروني للشاعر حمير ونوس.
نشر لها في عدد كبير من المجلات والجرائد العربية
1-جريدة الثورة وتشرين والبعث والفداء السورية
2-جريده الرؤية في سلطنة عمان
3-جريدة كواليس التونسية من الصحفي مصطفى بو غازي
3-مجلة الآداب والفنون العراقية
4-مجلة مبدعون العراقية
5-حوار ثقافي في جريدة المستقبل العراقية
6-حوارات عديده على اغلب الصحف العراقيه أثناء فعاليات مهرجان المربد في البصرة العراقية.
7-حوارات متلفزه مع اغلب القنوات التي غطت مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية في العراق.
*شكر وتقدير من وزاره الثقافه للمساهمة المتميزة في مهرجان منارات.
شكر وتقدير من مديرية الثقافة في حماه للمساهمة المتميزه في نشاطات المديرية .
بطاقة شكر وتقدير من مجلس إدارة الجمعية العلمية التاريخية.
*المشاركة في مهرجان المربد لعام ٢٠١٩.
وكان لها شرف تقديم الحفل ماقبل الاخير في البصرة.
* المشاركه في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية لعام ٢٠١٩في العراق.
*دعوة للمشاركه في مهرجان ساكب في الاردن الشقيق.
ختاماً تقبلي محبة اختك
د.جنان محمد-ليبيا
ادناه صورة الشاعرة في مهرجان بابل -العراق.





الأحد، 16 يونيو 2019

هدية تليق بالمقام: قصيدتان للشاعر محمد صالح محمد بحق الناقد جمال قيسي

هدية تليق بالمقام:
"""""""""""""""""""""""
بين ايادينا بادرة ابداعية خيرة مائزة من اروع ما وقعت عليه عيني على صعيد التفاعل والتواصل بين الناقد والشاعر..وقد قيل قديماً " إنَّ الهدايا على مقدارِ هاديها"..
وكم هو جميل ورائع حقاً ان تكون الهدية من جنس الإختصاص ..وللايجاز نقول:
لقد تفضل الزميل الشاعر الاستاذ محمد صالح محمد Mohamed Saleh من دولة البحرين الشقيقة بتقديم هدية شعرية لناقدنا المبدع الاستاذ جمال قيسي الذي بذل من الجهود الكبيرة ما يستحق عليه انفس الهدايا واروع الجوائز والتكريمات ،مع ثلة من امثاله النقاد الرائعين الذي اغنوا هذا المتصفح بكل نافع ضليع وماتع رفيع جزاهم الله عنا الف خير..بيد اننا نعتقد ان اعظم الهدايا التي يمكن ان تقدم لاي ناقد في العالم هي تلك التي يقدمها الشاعر له..فكيف اذا كانت هذه الهدية قصيدة من جنس الاختصاص كما اسلفنا..
الاستاذ محمد صالح محمد شاعر بحريني متخصص باللغة العربية وادابها، وله اطلالات نقدية معمقة ايضا ،هذا فضلاً عن اجادته المبدعة لاكثر الطرازات الشعرية المعروفة ..
النص ( الهدية) الذي سنقوم بنشره وتوثيقه اليوم ينتمي الى طراز ( التفعلية الحرة) نعني الشعر الحر بالاصطلاح الشائع،وهو مكتوب على "بحر الرمل"( فاعلاتن) مع زحافاته الجائزة المعلومة..وهو قصيد يستلهم روح ناقدنا القيسي التحليلي العميق في قراءة موازية مقابلة،وكأني بروح الناقد قد تسلطت روحياً على روح الشاعر دون التنازل عن اسلوبية الثاني في التعبير والتعاطي والتناول فأنتجت مزاجاً حميما رائقاً يجمع بين الشعرية وروح القارئ النقدي الحصيف ،وكأني به يتعايش مع الاستاذ القيسي خلال لحظات كتابته لمقالاته النقدية..وتلك لعمري من لوامع التعبير عن الاعجاب والتلاحم والتفاعل بين الناقد والشاعر...
فشكراً تليق بكما معاً ..ناقدا وشاعراً..
وشكراً مخصوصة لشاعر البحرين الوفي الناضج الجميل الذي وفر لنا فرصة مشاركته في التعبير عن بالغ اعتزازنا بحبيبنا وصديقنا وزميلنا الناقد الكبير الاستاذ Jamal Kyseالغالي..مع خالص الوداد وعميق التقدير..
***
هدية الشاعر الثانية:
"""""""""""""""""""""""""""
آفاق نقديه
استميحك عذرا هناك نص متواضع في حق الأستاذ جمال قبل هذا النص كنت سأرسله لك.. تنشره عندك..احتفاء بناقدنا لكنني ترددت..
والآن وقد شفي شيء من غليلي بنص (ينابيع)
أضع النص المتواضع الثاني هنا..
مع شكري لكما
*****
الكاهن
محمد صالح محمد
إلى جمال قيسي ناقدا
حين يوقد النص بأصابعه
فيكوينا بلسعات ظنونه وهواجسه.. وأسئلته..
.
.
.
يشعل النار، ويُزجيها
من الأضلاع ضلعًا
ثم ضلعًا
ينحني
في قلقٍ
في أرقٍ
في ألقٍ
يسجرُ نارْ
ثم يرمي جمرةً مخبوءةً،
ثم يصلّي...
كاهنٌ أدّى الطقوسَ،
الزّيتُ من عينيهِ فارْ،
وكلامٌ مُبهمٌ.. تمتمَ، والرؤيا استبدّت
بالقرارْ
-أوقدَ النّصَ-
أضاء الغرفَ...
الجدرانَ.. والأركانَ
والقاعةَ
والمعبدَ
وحتى السّككَ السوداءَ
من بيتٍ لبيتٍ
ثم من جارٍ لجارْ
ثم زاد الحطب المخزونَ
كي يجرح بالحبِّ
حجابَ الليلِ
عرشَ الفجرِ
والأيام والمسرى
.
.
ولما أوقد الآفاقَ
والشريانَ
-والبلدانَ-
في الليلِ المُسجّى،
عانق العتمةَ
والأشباحَ
والأظلالَ
والنور..
تجلّى
باسمًا
هيمانَ.. والنارُ على عينيهِ/عينينا
تولّى
وإلى أروحنا الرّاعشةِ المزجاةِ
بالرؤيا اسْتدارْ
.
.
.
كاهنٌ
في شرفة المعنى تجلّى وأنارْ
معبدٌ،
نارٌ
وأضواءٌ
وأوراقٌ
وأشباحُ حروفٍ..
واقفٌ
لا ينحني
إلا لكي
يُضري الشرارْ
---------------
مع ودي وإكباري
---------------
""""""""""""""""""""""""""""""""""""
تقديم الناقد
ونص الهدية الاولى:
"""""""""""""""""""""""""""""""""""
ان تنال هدية وانت محاصر وعلى تخوم غريبة،هي بمثابة طوق نجاة،،
نعم الروح تتجول في طرق التغريب،،
شكرا سيدي على هذه الهدية
Jamal Kyse الناقد
ينابيع
محمد صالح محمد
إهداء للناقد جمال قيسي احتفاء بيديه المشتعلتين وثناء بما يتحفنا به
--------------
مسيّجةٌ هذه الكلمات
بأسلاكٍ صدئةٍ حادة
تلتفّ ..تحاصر رئتي
وتتلف حنجرتي..
ثعالبٌ مراوغةٌ.. تمرق من البساتين
-غابةَ النص-
ثم تعود خلسةً
من فتحةٍ ضيقةٍ.. خفيةٍ تتوسّع
بماذا رجعتْ؟
ذئابٌ كثيرةٌ يقحمُ قطيعًها الليلَ الخائفَ الواشي
وأنا مثلكَ أؤجّلُ هجومَها الوحشي
جيوشٌ غفيرة
ومن بعيدٍ صوتُ اشتعالها يؤنسني
فأعوي
وأبحث عن أنثاي.. أتشهّاها
وفريستي
وقطيعي
فأعوي
وفي فمي سكراتٌ وشهوة
وفي مخالبي بقايا أحلام..
وعيني الحمراء بنارها تدور
لغةٌ
من الحطبِ المقطوع
بفأسٍ حادّ..
الحطابُ سيشعلُ فيها روحَ الغابة
ولونَها
ويشوي فيها أصواتَ الطيور
والوحوش..
والدخان
خيوطٌ ننشقُها.. من بعدٍ
فنختنق
ننتشي
وفي الخلاء
بعد أن نبول على أحاسيس الشجر
نقطع حطبًا آخر من أشجارِ البيوت
-وأغصانِ الزمن-
من أجسادنا
لكنه لا يشتعل..
فتنطفي فينا -في سخطٍ-
نارٌ صاخبة
تسقط الاستعارةُ المشتعلةُ من بين يدي
تخبو
أنفخ فيها ..من روحي
أدوسها لاعنًا
أرمي حجرًا أثيمًا
أقذف به سقفَ السماء الطاهرة
تتساقط نيازك
يشتعل صراخها في الفضاء
تتّقد استعارةٌ ميتة
ألعن نفسي
ويدي
والحجر
والكناية
تنفجر بالوناتُها
الأطفال يملأ ضجيجهم أذنيّ:
(حربًا.. وأمواتًا وجرحى
وفوارسَ اصطخبتْ
جبُنت..
عن دحر العدو وتحريرِ العبيدِ الأسرى والأرض..)
أنا ضجرٌ
لكنّ الأطفال عذبين
مرحون
هم وحدهم ينفخون بالونات الكناية
ويطيّرونها فرحًا
في بهجةٍ وخيلاءٍ وحماس:
-"لا تنفجري -يا كنايات-
لا تنفجري
اذهبي للبعيد
اقطعي المسافات
طيري.. طيري"
صرت أغنّي وأرقص مع الأطفال اللاهين
ساهرٌ والمحلاتُ مقفلة
والمكتبات مظلمةٌ جدا
الدبابيسُ دومًا تسقط على ورقتي
من أين..
هل تنبع كلما لامست ورقةً..؟
والأقلام
تحتاج إلى مبراةٍ
والمبراة فاسدةٌ لا تجدي
تثلّم سنها
والمحلاتُ مقفلةُ الأبواب
أريد أن أكتب
سأغزّّ أصابعي..
وبخيطٍ أحاولُ أن أجعله دقيقًا
واضحا
متوهّجًا
سأكتب
سأكتب
باسمِ الاصبع المجروح
باسمِ الورقة المدبّبة
وباسم المكتبات المظلمة
وباسمك
أنت
نعم
أنت



***

الجمعة، 14 يونيو 2019

النموذج السردي،،،في قصيدة النثرعلى حافة القراءة،،لنص الشاعرة سعاد محمد ( سرد واقعة )بقلم الروائي الناقد جمال قيسي

النموذج السردي،،،في قصيدة النثر
على حافة القراءة،،لنص الشاعرة سعاد محمد ( سرد واقعة )
ربما سأكون غير منصف،،لتناولي قصيدة ،،( سرد واقعة ) للشاعرة سعاد محمد،،بحكم المحمولات التي تظمنتها القصيدة ،،والتكنيك الشاعري الساحر،،لهذه الشاعرة المتألقة ،، اذ ربما سأتناول ،،مواضيع. اثارتها في داخلي ،،أقول. ربما كل هذ سيكون. على حساب. النص ،،فالعنوان بحد ذاته ،،محاكاة سيمولوجية مدهشة ،،سيرة مشاعر تمت سرقتها،،اعتبرتها الشاعرة ،،مجرد واقعة ،،نوع من التهكم ،،في هذا الموغل العميق ،،هناك وحش كاسر،،يتمرد بعنفوان ،،يكسر الأغلال ،،لكنه يتمنع عن الخروج،،فالضوء ،،سيحرقه،،لانه مودع في سجن عميق،،لايملك الا ان يعبث،،في محتوياته،،هذا السجن،،هو المجتمع الشرقي وتقاليدة،،مع احكام إضافية ،،من الكبرياء،،والتمنع الذي يمليه الاعتداد بالنفس والشرف الشخصي،،
طوبوغرافية. الفضاء النصي ،،هو اللاشعور
هذا النص هو رسالة امرأة،،،من الشرق ،،ولكن احدنا لم يسأل ماهي المرأة ؟ ،،،اي ماهو جوهرها ؟،،بعيدًا عن التوصيف الاجتماعي والجنوسي،،الخ.
مع. اني لا ادعي،،اني اعرف،،لأَنِّي كما قلت سابقًا ،،من عرف المرأة،،امتلك الحياة،،،المرأة برأي،،،هي جوهر الحياة،،وسافسر ذلك،،وهذا ليس توصيف شاعري،،،في النظرة الاولى،،بمأخذ فيزيقي ،،مورفولوجية المرأة،،يكمن فيها بعض السر،،فجملة المنحنيات الساحرة للمرأة ،،ذات الجذب ،،الذي يستسلم له اي رجل،،ونحن هنا نتكلم عن الرجل الطبيعي. في ميوله الهرمونية،،المتوازنة،،والتنشئة ،،الاجتماعية المعتدلة ،،ذات النزعة الخلاقة،،اي بمعنى صنع الحياة وديمومتها ،،في جانبها البايولوجي ،،والإحساس. المحايث له ،،في الحفاظ على النوع ،،بصرف النظر عن مايترتب لهذا الميل والتنافس الذكوري ،،الذي أخذ بتراتبية ،،اجتماعية وأعراف ،،تجتهد الى تنظيم هذه العلاقة،،والتي انعكست شرطيًا ،،في تاريخانيتها،،على التقنين والضبط الذي أدى ،،الى صنع كوابح ،،للنزعة الفردية ،،وازدادت تعقيدًا،،كلما تشعب تقسيم العمل،،في نهاية المطاف ،،تخطت المجتمعات الغربية،،هذا الامور بثورة جنسية،،وهو امر طبيعي لتخطي المجتمع الرعوي الأبوي الذكوري،،فعندما وجدت المجتمعات الصناعية وما بعدها،،تشكلت منظومة علاقات جديدة،،مفارقة ،،لكن هذا كله لم يغير من حقيقة الامر شيء،،،المرأة هي جوهر الحياة،،في هذه الطبيعة ذات المنحنيات اللطيفة،،رافقتها مشاعر بذات اللطف ،،والشكل وان كان مظهر،،الا انه ذات صلات وثيقة في توليد ،،النظرة للمحيط الخارجي،،فالاطار ،،هو يتاثر ويؤثر في العمق،،انا هنا اؤكد ،،على الجانب البري للانسان،،المهمة الاولى،،لصناعة الحياة،،بالشبكة الهرمونية التي تبثها المرأة،،لاينجو ،،منها احد،،هي المهمة الاولى بصرف النظر عن ما راكمته الحضارة،،يبقى الرجل صيد،،مهما حاول ،،لاينجو من الشبكة الهرمونية ،،للمرأة،،انها الدعوة للسيرورة الحياتية ،،دعوة بدء الخلق،،تهيأها المرأة،،وتتقن طقوسها،،من اجل اللحظة التاريخية الحقيقية،،،وهي لحظة الخلق،،والديمومة،،،
اذًا نحن نتكلم عن الوظيفة الاساسية التي جهزت بها المرأة،،فكل تعويق لهذه المهمة او الوظيفة،،هو تعويق للحياة ،،شيء ضد الحياة،،،
في اي حضور اجتماعي ،،يخلو من المرأة،،سيكون جافًا ،،فالتجمع الذكوري،،هو تجمع عدواني،،مهما ،،كانت صفته،،حتى الديني منه،،،لكن تواجد المرأة في اي تجمع،،يعطي صبغة أخرى،،،انها صبغة الحياة،،فكل نزعة للحياة سببها المرأة ،،في المضمار الأدبي كانت هناك نماذج رفيعة المستوى،،للتعبير عن هذا الامر وتشخيصه ،،ففي الجزء الثاني من رواية الكبير كولن ولسن ،،( عالم العناكب ) ،،المعنون ب ( الدلتا ) ،،يتألق في وصف الامر لدرجة ساحرة،،وهنا بالضبط يقصد بالدلتا كرمز للعضو التناسلي للمرأة،،وكرمز للخصوبة ،،
وفي هذا النص. الباهر. تطل علينا ( سعاد محمد ) بفخامة ،،لتوريد تاريخانية المرأة الشرقية،،اي بمعنى الحياة في جوهرها ،،ومعاناة هذه المرأة ،،هنا تكشف ( سعاد محمد ) عن الصراع الداخلي ،،والصراع الخارجي للمرأة،،اي الحياة،،في تموقعها بهذا الشرق البائس ،،تختزل الصراع المتراكب ،،بواقعة،،مجرد واقعة،،تحترق فيها الامال والمشاعر،،
أقول ان هذا المقال ،،ليس دراسة للقصيدة على الإطلاق ،،وإنما اتخذتها نموذج إسنادي،،وكما قال تودوروف ،،النص اذكى من الكاتب ،،وأذكى من القارئ،، اي بمعنى. ان النص. يمتلك. عالمه الخاص. وقاموس دلالاته ،،التي تتخطى. احيانا. مقاصد. الكاتب،،و يتنوع التأويل ،،في عملية. تداولية. من قارئ الى أخر ،،فنص ( سعاد محمد ) نص في غاية الروعة وبحاجة الى دراسة متأنية،،وتحليل،،ومن ثم الاستمتاع بالشاعرية ،،المبهرة التي تمتاز بها نصوصها،،وربما سأتناوله ،،لاحقًا ،،،
جمال قيسي / بغداد
سَرْدُ واقعةْ!
(عساكِ بخير؟)
فقط لا غير...
اخضرَّ الهاتفُ ورنَّ قلبي
كلمتانِ بلباسِ النومِ..
بيجاما منقطّةٌ بالألغازْ
والفاعلُ مجهولْ!
العقلُ على البابْ يرمقني بعصا
والقلبُ لبِسَ لوحةَ(الطّفل الباكي)
جائعٌ بينه وبين طيفِ الوليمةِ سوطْ
أوشكَ الوقتُ على حربٍ
والّليلُ محايدٌ كالحظّْ
نجمتان مستعارتان وقعتا في خرائبِ الذّاكرةْ
عدوّتان كصدعٍ في معنى السّحابِ
يهربُ منه السنونو
بل صديقتان..
وإلّا لمِ كرجَتْ برتقالاتُ أمي في دمي
ورقصَ الرعدُ فوق حقولِ البنفسجْ؟!
من الفاعلْ؟
لا يملكُ أرقامَ هواتفِنا إلّا من داسَ بساطَ العمر ِ
ولا يقتحمُ هذه المنطقةَ الحرجةَ من اللّيلِ..
إلّا من عرفَ حُرمةَ المفاتيحْ
حشدْتُ الأرقامَ المتّهمةَ في قبوِ الظّنِّ
وبدأتُ باستجوابِها
كلُّ من مرّوا بالقلبِ قتلْتُهمْ
أيردُّ الموتُ أمانةْ؟!
آخرُ الأحبابِ نعتني(بالشّمسِ الباردةْ)
قبلَ أن يدفعَني عن جسرِ النّبيذِ
إلى سحيقِ الصّحوِ, وماتْ
حدثَ هذا منذُ نسيانٍ ونَيّفْ!
والّذي سبقَهُ بدهورٍ..
كانَ مصاباً بالرّحيلِ
فقضى دربَهْ
وما بينهما أقلُّ من وحمةٍ على كتفٍ منسيّ!
في آخرِ سَكَراتِ الوجدِ
وجدٌ لأحدٍ أرتّبُ لهُ غزوةً
استعجلُ بها أجَلَ صمتهِ
يتقطّرُ دمُ الصّمتْ..
يرنُّ الهاتفُ
يركضُ قلبي
ذات الرّقمِ..
تضحكُ صديقتي:
تَقبّلي تمرينَ اللّهفةِ هذا!.
سعاد محمد


(اعادة قراءة)!!! لنص هاك قلبي للأستاذ الاديب حميد العنبر الخويلدي.. بقلم الاديب جاسم السلمان

(اعادة قراءة)!!! 
لنص هاك قلبي للأستاذ حميد العنبر الخويلدي.. 
سمعي يلتقط اصواتا تختلط، نفثات أنفاس وحفيف حركات آدمية، ائتلقت أنوارا، أنها ضبط الهوية بالمساحة الدلالية تصوير مباشر للبعد الوجودي والدلالات التي تحولت إلى تاريخ والأصرار على الحب والطموح والتضحية، أنا هنا لازلت على احتراسي كلما تقدمت واجهت كثافة الشعر وأتساع الأماد،وما أن لمعت الفكرة بضوء قمر ساطع، كان السكون مطبق والسير مرهق، وأني وأيم الله واثق من صعوبة مهمتي صرخات أسئلة واسئلة صرخات لعل أعثر على أجوبة، الى أين يريد أن يصل بنا الخويلدي مع هاك قلبي انا أعرفه لأنه كان صاحبي السجن أعرف نواياه هواجسه طيبته وعيه وفهمه أدميته وخلقه وأخلاقه؟غير انه هنا بأبهى بريقه هو هيك لما يبدع، وعليه ربما تزول الوساوس وتستقر الأنا، ولاتتعجلوني بالحديث وأنا صنمي في الكتابة وغير مسؤول عن أدمية الكلم. عندما تدهشني الصورة وتصعقني العبارة المذهبة وعند الأفاقة وبعد الزوغان، رأيت وأدهشني مارأيت فوانيس ملونة علقت على زوايا الجدران تنثال عليها واليها الأنظار والأنوار هذا ذا دار الأنس والطرب ورشف الدنان بعدما يأتي معتقا بعد الصيام وبعد طول انتظار سورات الحان وأنغام تفيض في أرجاء المكان شنفت أسماعنا السكرى فأردتنا أسارى،الأذهان محلقة والنفوس شبقة والأبصار مدققة، تدفقت كحمامة ترف ترتجيك حروفا هي النبع وكل شئ في غاية العشق والأبهة.. فلعل فيك من تحبك تعشقك،هي ادراك للفكر القومي المطلوب وحقيقة لابد أن تستحثه نحو المزيد من التعمق في فهم التحديات المترسخة والمتأصلة والمشرقة التي تتشوف عطاءات متميزة ونتاجات تزخر بأختراق الموروث ضمن سياق سردي أو نصي واحد ومغامرة تشير في الحقيقة الى بداية العد التنازلي الحاسم لنضوب الحس القومي وأفتقاره الى الخلق حتى ولو بجهد ابداعي او حلمي استنساخي ينتفض والروح ينتفض حتى على الأقل تكتب شعرا أو نصا لذلك التاريخ وحلكته الدامسة..
أنا تعشقني الطيور
تعشق هند
تعشقها
الفراشات والنهر
أنا فيٌ منهن
وفيهن مني
يارغيف القمح
يارفة الله في الجفن
يابعض كبدي
أحاكيك أن هذا الجناح هدية
من رجل من العراق
يحب الدمشقيين
يحبهم حد
التشكر جدا
جامع صورهم بوجهي كلهم
انه الالتصاق ولاغرابة ان تعشقك الطيور وتعشق هند وأنت وهند ابناء عمومة وحقائكم في المخيلة والخطاب والتفكير الجمعي فهي ابنة الصحراء وأبنة المحار والزيتون وأبنة اول وأقدم عاصمة في العالم والسلوك المتجذر في العلاقات وتجترح لنفسها تيارا عارما ومهما،وانت وجهدك الوسيم فديتها وتفديها بروح الأنتماء المخلص، رغم أنها تغلبك في كل شاردة وواردة في الجمال والياسمين مثلا رغم أنك وماعندك من الهلم كعشتار وليلى العطار وبنت المعيدي وبلقيس!! أتذكر لما غلبتك بصفين هي اختارت الداهية ابن العاص وانت اخترت الأشعري الذي خلعك في أول جولة مثلما يخلع الخاتم من الأصبع وكان كالحمار يحمل اسفارا؟اذن هي الجمال والسلطة تعشقها الفراشات والنهر حد الأثارة والعشق والتوحد لتكون قارة فسيحة تصل إلى أخر مديات الحلم، وأنت فيك منهن، وفيهن منك حتى اتسع رغيف القمح من حولك ،واحتفظ باسمك وكنيتك لما تراه مناسبا. ماعليك تدثر بثوب فرحها هي الربيع كله والشموع والألحلن ودبكة الضيعة الشامية المحفزة للنشاط، وانت المهوس بها حد الثمالة والجنون تحب شقائق نعمانها الحمراء وزنابقها البرية وعصافيرها وخصرها ونعاسها الذي يتسلل إلى الجفون وهذا (البله ابوك يعگاب )حتى تكتمل اللوحة وتمنحك القوة العجيبة لتسترد بها كل شئ مغتصب ومحتل.
احتسي قهوتك من مطبخها فالفنجان يفوح منه النشاط ولتبقى رفة الله في الجفن يابعض كبدي، فلاعليك من الأنفجارات والرصاص والخوذ المثقوبة والوجوه الابليسية البشعة انها فصل مؤلم لكنه خاب وانتهى، تمترست بعده دمشق دفاعا عن الحياة..والان جاء دورك، اهديها في العيد ماتشاء من خيرات حسان ومن برحي التمر ومن وردالخزامى ونماذج من طيبة أهلنا وفلسفة النقاء، وأذهب اليها مقاتلا كي تعمق ابداعك وايمانك وتطير بجناحك وتحب الدمشقيين تصفر حدود الجسد..
جامع صورهم بوجهي كلهم
مانع المكرهين
باصق عليهم
لم يقف عند جدارهم
ليس لديهم
جدار
دفعتها بحدة فأرتدت اليك متشبثة،
لتقول لك أنا وأنت لسنا في وطن اخر كي نقول ان الحرب لاتستهدفنا، فانغرز فحيحها في الرأس يحرق هشيم الأسئلة، ولماذا كل هذه الصور تتجمع في وجهك، هل النوارس متعبة وهل عادت الطائرات من جديد؟وتفجرت الحواس ارتعادا، لاتخف انها انهمار الطفولة في غرفتك البيضاء كأن الثلج في قلبك يلمس الجدار فيذوب وتسقط الأقنعة، والمكرهين نبصق عليهم رغم انهموا لايملكون جدارا وكلما يسقط كان قد سقط!!ولأنهموا أشكالهم شاحبة وجوهم صفراء بدون عله فاحذرهم في أنى وقت. يخافون منك لأنهم سينحشرون بواد غير ذي زرع يأكلون من خمط وينضحون نحو مصير مجهول، ،طيار سيار يجيد الدواليب في سريانها الليلي وكمثل شجر مهرولا الى الهجرة،
ذاك انظره
واقفا امام دارنا
نحيفا مثل شعاع منفلق كالعمود
ذاك اشد بالخيزرانة على يده
مساحة من قمر اقبل
لاعب الليل
مثل فتى
وعروس مشتهاة
تبتسم بشفتين كالورد ضمئتين،
هذا غناء عذب ومبارك تجيده حنجرتك سيما وانت سيار طيار بهلوان تعرف كيف تنجو من الموت وتقصف حصار العقوبات بوابل من الحب وشجرك المهرول عاد من الهجرة والناس في قلبك وقلبك فيه كل الناس، شعاعك النحيف المنفلق كالعمود نشيد وكورال وزمكان أفتت به الأذاعات مع الذكريات فارتعش مابين الحب والحرب مضطربا كالمواعيد التي يتهامس بها العشاق لحبيباتهم، مساحات قمرك اكتملت وقصائدك كانت قد ودعت القرن العشرين وهي الان في قرنها الواحد والعشرين اصبحت اكثر صوفية واكثر حلولا واكثر هوىًٌ ،وانت تحمل هداياك مع النوارس تزيد الضوء في بقع الظلام وانت تنثر شعرك وظفائر حبيتك القرمزية فوق ضريح السياب وابي الطيب، ثم ادلفت الى الفتى الذي لوى من الزمن العنانا حيث هو ودمشق تحتضنه انتزعت وعيه الذاتي ورموز ذلك العالم المرسوم على الطريقة الأنتيكية ثم حاولت وحاولت أن تنظر ببصيرة لاببصر ثم
تحسر مرتين اثنتين فاتحا كنفك
للهواء الرغيب
حيي قاسيون
الشام العتيقة المزة حلق
مقهى الرشيد
خط بالأخضر القدسي
وبالأحمر
مثل الدم العبيط ضاحكا
ضحك من نحتوا جسد الوقت
هم الان مزارات هم الان مدارات
هم الان مثل النجوم،
انت الان تمارس سورياليتك تقف عند سواحل هواءك الرغيب ثم تحسر مرتين اثنتين فاتحا كنفك للهواء ولما تغرق بعد، ، يقول الحلاج رأيت طيرا من طيور الصوفية عليه جناحان وأنكر شكلي حين بقى على الطيران، فسألني عن الصفاء، فقلت له اقطع جناحك بمقارض الفناء والا فلا تتبعني، فقال بجناح أطير؟فقلت له ويحك ليس كمثله شئ وهو السميع البصير فوقف يومئذ في بحر الفهم وغرف، ، لذا حييت قاسيون الشام العتيقة وانت في التشهد الاخير للصلاة تتمتع بالمسحة الميتافيزيقية ،اذن انت والشام العتيقة موسيقى فيروزية ونواقيس انجليكية ومصابيح ملونة تملأ النوافذ ضوءا وبهرجة وكركرة طفل وطعم قبلة وحرارة لهفة وعربدت ليالي في الحانات وأغفاءة جفن وتغريدة عندليب، ومقهى الرشيد خط بالأخضر القدسي، ولماتكتمل بعد والفرات عند خوانق بردة امرأءة ولاكل النساء هي كشف لبواطن النفس ولذات الوجود؟ لب لبيب أخضر متميز مثل خضر الياس هو أخضرك القدسي نكهته تنحاز للعطاء الثر.. صحيح انت ليس وحدك من اماط اللثام عن الكنز، كنز الحب المألوف والحميمية فكان جهدك مزجا معنويا وخارطة طريق صحيحة مهيأة للغد المتلاحم القوي المنظم.
فلولاه ما مات غصن
ولولاه مانام جفن
ولولاه هبت أعاصير أشد
فكن في ظله برتقالة
وكن كما صرنا حياة
مثل تلك الغزالة،
مثل هذا وكل ما تمنحه من دلالات معنوية ونفسية يثير الدهشة والأعجاب، هكذا كان النسيج الشعري لأبي سراج الدين الخويلدي موسيقيا وبيانيا اصطف وأتراصف ومعطياته وقلقه لانها وبالمعنى العريض ارادة شاعر اراد في بواعث القول والحال وحلاوة وغلاوة الشعر وانماط الصور والموروث الفني المؤثر حتى كان مؤثرا وبليغا.
مع أني كمتلقي بسيط كنت اتمنى ان لايكون للسلطان او الحاكم دور او اسم يذكر لأنهم في شعوبنا العربية اكثرهم كانوا نقمة وليس رحمة وكانوا علينا وليس معانا وبسببهم شاع الفساد وكثرالجهل ومات الناموس وعم التخلف والحرمان، فالجدار قوي والغصن لايموت اذا كانت التربة خصبة وفيها الزرع مختلفا الوانه والسنابل تنحني بحملها الدسم، واما لولاه لهبت اعاصير اشد، فربما بسببه هبت أعاصير شتى وضاعت الاوطان والعباد، غير أنه أخذنا مرة أخرى في ظل برتقالة كما صرنا حياة مثل تلك الغزالة، وكنااندمجنا مع القيم الجمالية الفنية مع ماينسجم والرؤى الابداعية التي تتقبل المستويات الطاغية وتنجذب للبساطة والتشذيب الذي هو أس متميز يتمظهر فيه النص مثل ارتباط اللوحة الجدار، وكانت الوظائف التعبيرية ذات نكهة جمالية متفردة متصلة اتصالا وثيقا بالدور الاساس للفن وكنهه، وكل ما كان كان مكانا للقيم محتويا المظاهر والتشكيل الخالص واموره وأدواته الحسية وابعاده الفلسفية وفيزيائته الفكرية وحركةفضاءه وقيمه التي يحتويها المضمون والشكل والمعادل الموضوعي المبتكر...!!! شكرا ابا سراج..؟!! 




قراءة في نص (بلا ضفاف) للاديب السوري محمد الدمشقي بقلم الاديب زكريا عليو

&& قراءة في نص &&… ..
قراءتي في نص للأديب السوري محمد الدمشقي

النص
بلا ضفاف : ( بقلم : محمد الدمشقي )
كما العمرُ الهاربُ
من زنزانة اللا مكان
المتسربُ من بين أناملِ القصيدة
يسيرُ ... و يسير ..
قابضاً على جمرِه ،
غيرَ آبهٍ بتعرجاتِ الدرب ..
و ثرثراتِ الضفاف ،
ينزفُ نحو وجهتِهِ نزِقاً
بعنفوانِ قائدٍ عائد ..
لا يلتفتُ إلى آهاتِه
و لا يلقي سمعَهُ
لنحيبِ السهوب !!
..
النهر ...
ليلٌ طويل
يعبرُ حزنَهُ إلى آخرِه
دون عسسٍ ولا تأشيرة،
لحنٌ ... أسيرٌ
في نوتةِ دمعٍ
لا يجفُّ أنينُها
و لوعتُها .. لا تنطفئ
..
كسيزيف يتسلقٌ الهاوية
مدحرجاً الجرحَ على جسدِه
و يصعدُ مخموراً
خلفَ كذبةِ ريح !!
....
النهر
وحدَهُ يحفظُ تجاعيدَه
و يكتمُ سرَّ غرقِه
صامتٌ ... حدَّ الصراخ
صاخبٌ .. حدَّ النسيان
يلاعبُ أطفالَ العشب ،
يلامسُ خدَّ الأرضِ
حين تنكرُها أقدامُ العابرين
و يحملُ وصيتَها إلى الملح
قبلَ أن تنفَدَ صلواتُها
و تحترق !!
هو نفسُهُ
يُكَبِّرُ في أذنِ كلِّ أمنيةٍ
و يوقدُ على أغنياتِها
شموعَ الرحيل !!
......
مثلك أيها النهر
أسيل على أخاديد اللهب
لكنْ .. يؤنِّبُني الرماد !
تتعمشقُ بي
أذرعُ الوحلِ
و طحالبُ الآثام
كيف أحملُ على ظهري
مدائنَ حسرةٍ
أبتلعُ غصتي ...
و أسري هكذا رزيناً ساجيا
بكل حجارتي و طميي
و بقايايَ المتناثرةِ
في قاعِ السؤال .
و لا أغيرُ نغمتي
أنظرُ أمامي
دون أن يسحبَني ورائي
و لا تتخطفُني الشجون !
......
أيا نهر
ما لوني
دون سماء ؟
ما طريقي
إن مضيتُ بلا وطن ؟
كيف ترسمُ كلَّ يومٍ نفسَ موتِك
من دموع العابرين
بلا وجوه
تسكبُ الأشواقَ
في الندمِ القديمِ
ثم تقسمُ أن تعودَ
و لا تعود !!
بل تتبعُ الظلَّ الذي
يحميكَ منك ... و يسجنُك ،
ألا تملُّ من وعيِكَ المهدور ؟؟
ألا تضيقُ ذرعاً
بهذيانِ الفصولِ
و رقادِ الغيم ؟؟
تمرد ..
تمرَّد يا نهر
غرِّدْ خارجَ سربِ أساك،
ماؤكَ صوتُ عطشِك ..
لن يجفَّ صداه ،
بحْ بجحودِكَ المكبوتِ
في قعرِ المسافةِ
بين منبعِكَ الجريحِ
و آخرِ الكلماتِ
في منفى مصبِّك !!
محمد الدمشقي
… هذه رؤيتي لهذا النص الشامخ المقام
ــ أول مايلفت انتباهي أي نص أدبي العنوان ، وانظر له ،كما الباب المقفل هل يغريني للدخول ، أم أمضي ، وهنا العنوان بلا ضفاف ، الضفة شاطئ أمان سواء بحر أم نهر ، و تأتي تأويلات النجاة من الغرق ، والاستراحة من عبء سفر طويل ،
ــ ثم أستنبط الفكرة والغاية / الرسالة التي يحملها النص / وأي نص ﻻ يحمل رسالة أراه ناقصاً ، وهنا فكرة النص مختلفة مبتدعة من أديب شاهق الحرف ، كلّنا ينظر إلى النهر أنه استمرار الحياة ، لكن كيف يراه الاستاذ الدمشقي هنا مكمن الابداع ،
ــ المقطع الأول
كما العمرُ الهاربُ
من زنزانة اللا مكان
المتسربُ من بين أناملِ القصيدة
يسيرُ ... و يسير ..
قابضاً على جمرِه ،
غيرَ آبهٍ بتعرجاتِ الدرب ..
و ثرثراتِ الضفاف ،
ينزفُ نحو وجهتِهِ نزِقاً
بعنفوانِ قائدٍ عائد ..
لا يلتفتُ إلى آهاتِه
و لا يلقي سمعَهُ
لنحيبِ السهوب !!
… لنقف عند هذه المفردات
عمر هارب ، زنزانة ، أنامل قصيدة ، يسير
قابضا على جمره
الدرب ، ثرثرات ، آهاته سمعه ، نحيب السهول
هذه المفردات محور هذا المقطع
حياتنا شبيهة بمسار النهر ، بتعرجاته ، وأهاته ، فالحياة ليست كلها مسرات ، ﻻ بد من بعض المنغصات وبعض الآلام ، والعمر يهرب منا سواء ضحكنا ولهونا ، أو عملنا ، هي ماضية ﻻ محالة / بإشارة هارب من زنزانة اللامكان / والعمر لم ينتظر ولا يأبه بتسولاتنا ، فهو يمضي دون أن نشعر ،
الجميل هنا أن الشاعر كأنه يراقب مسار النهر ، دون أن يذكره بشكل مباشر ترك القارئ يتخيله ، والشاعر رأى مساره كما حياتنا / وهنا الابداع والفكرة /
ــ المقطع الثاني
النهر
وحدَهُ يحفظُ تجاعيدَه
و يكتمُ سرَّ غرقِه
صامتٌ ... حدَّ الصراخ
صاخبٌ .. حدَّ النسيان
يلاعبُ أطفالَ العشب ،
يلامسُ خدَّ الأرضِ
حين تنكرُها أقدامُ العابرين
و يحملُ وصيتَها إلى الملح
قبلَ أن تنفَدَ صلواتُها
و تحترق !!
هو نفسُهُ
يُكَبِّرُ في أذنِ كلِّ أمنيةٍ
و يوقدُ على أغنياتِها
شموعَ الرحيل !!
...... هنا يفصح جهاراً أن ما يتكلم عنه النهر ، ويصف مساره ، صمته عندما يكون هادئ وغاضباً عندما يثور جريانه ، استغلها الشاعر بطريقة مفكر / اي مازال يراقب مساره /
يلاعب أطفال العشب الطفل بريء وبحاجة لمن يطعمه وكأن النهر أم حنون تعتني بالأعشاب ، ويقرأ رسائل الأرض التي هي العطاء الدائم ، ويرميها في البحر ، استخدام مفردة الملح ليث عبثياً ، لحفظ الود نقول بيننا عشرة وملح ، لذلك هو وفي لها ، قبل أن تموت ورودها يرويها ، فهي صداقة وعشرة مشتركة ، وهنا رسالة قوية لمن يخون ملح الوطن
… المقطع الثالث
مثلك أيها النهر
أسيل على أخاديد اللهب
لكنْ .. يؤنِّبُني الرماد !
تتعمشقُ بي
أذرعُ الوحلِ
و طحالبُ الآثام
كيف أحملُ على ظهري
مدائنَ حسرةٍ
أبتلعُ غصتي ...
و أسري هكذا رزيناً ساجيا
بكل حجارتي و طميي
و بقايايَ المتناثرةِ
في قاعِ السؤال .
و لا أغيرُ نغمتي
أنظرُ أمامي
دون أن يسحبَني ورائي
و لا تتخطفُني الشجون !
......
الشاعر هنا يتقمص النهر ، وهذا المقطع عميق الفكرة ، أنا أعاني ليست حياتي كلّها هناء ، هناك مطبات كثيرة / أذرع الوحل / وهناك من بشربني ليبقى حيّا ويعكر صفاء العمر /طحالب الآثام /
رغم ذلك أتعايش مع الحياة بحسرتها ومنغصاتها ، هنا الرسالة الأقوى ، / عدم الإستسلام مهما كانت الظروف
رغم الحجارة ، الحجارة قاسية وصلبة / كالحجارة بل أشد قسوة /
ويرفق الحجارة بعبارة الطمي وهذه مفارقة رائعة ، الطمي طباعه اللين ، وهو الخير والعطاء ، لتنمو الأعشاب والأشجار ،
ويكمل وانا مثلك يا نهر ﻻ أغير مساري ولا افكر بالماضي أمضي إلى المستقبل ، غير آبه بخساراتي ونكساراتي
وهي أيضا رسالة إنسانية جميلة ، أن ﻻ نتوقف عن العطاء ،
… المقطع الرابع
أيا نهر
ما لوني
دون سماء ؟
ما طريقي
إن مضيتُ بلا وطن ؟
كيف ترسمُ كلَّ يومٍ نفسَ موتِك
من دموع العابرين
بلا وجوه
تسكبُ الأشواقَ
في الندمِ القديمِ
ثم تقسمُ أن تعودَ
و لا تعود !!
بل تتبعُ الظلَّ الذي
يحميكَ منك ... و يسجنُك ،
ألا تملُّ من وعيِكَ المهدور ؟؟
ألا تضيقُ ذرعاً
بهذيانِ الفصولِ
و رقادِ الغيم ؟؟
تمرد ..
تمرَّد يا نهر
غرِّدْ خارجَ سربِ أساك،
ماؤكَ صوتُ عطشِك ..
لن يجفَّ صداه ،
بحْ بجحودِكَ المكبوتِ
في قعرِ المسافةِ
بين منبعك الجريح
وآخر كلماتك
في مستنقع مصبك
… هنا يتحرر الكاتب من نظرته المتألمة ، وكأنه قرأ الحياة وتعلم من جريان النهر ، قبل الاستيقاظ يتسائل ، ما معنى الحياة بلا عطاء ، والعطاء هنا هبة ﻻ ينتظر أجر ، كما النهر يعطي بلا منّة ولا شكورا ، ولا ينسى الشاعر الوطن فهو يعتبر الوطن أساس الحياة ويستحق كل عطاء ، ويتعلم من النهر الصبر والعطاء ، ولا تكترث بما مضى وبما يقال فأنت تعطي للحياة ، ﻻ تكترث بمعكرات الحياة
( إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
…… … ظمأت وأي الناس تصفو مشاربه )
… ويصرخ من الغفلة / وهنا الرسالة الاجمل والاقوى تمرد تمرد ، على جراحك ولا تجعلها حجة لتقاعسك ،
اخرج من قوقعة الحزن وسر للأمام ، ولاتقف اجعل نفسك معطاءة من الولادة حتى الممات / بين منبعك الجريح ، ومنفى مصبك /
… ..
ــ النص رسائل للعطاء دون توقف ،
ــ عدم الاكتراث بجراحنا بحيث ﻻ تصبح عائق
ــ عدم الانصات لمحبطات الحياة
استطاع الكاتب تصوير الحياة كما النهر
وطبعا مشهود للأخ الدمشقي ببراعة الرمزية ، وجمالية الحبكة ، والانزياح ، ورصانة النص
الكاتب واضح أنه متمكن ويتقن نسج نصوصه من خلال تنوع الجمل الاسمية والفعلية ، واعتماد أفعال المضارع للدلالة على الاستمرارية من خلال حركية الفعل المضارع ،
وفي المقطع الأخير ظهرت التفعيلة ، للحفاظ على الايقاع الموسيقي ، حيث أنه لم يكتفي بالموسيقا الداخلية للنص ،
ونلاحظ التوصيف الجميل للمفردات من خلال تكثيف الجمل والصور الشعرية
شكرا أستاذنا على النص الجميل ، حمال روحك
وشخصيا قرأت بهذا النص حياة ومذكرات محمد الدمشقي وهذا كان الاهم بالنسبة لي
لذلك أتعلم منك الكثير
بقلم : زكريا عليو
سوريا ــ اللاذقية
٢٠١٩/٦/٩



البعد الاجتماعي في (اللص والكلاب)لنجيب محفوظ:بقلم الأديبة حياة مسعودي

البعد الاجتماعي في (اللص والكلاب)لنجيب محفوظ:
بقلم الأديبة حياة مسعودي
-----------------------------------------------------------------------
تقتضي دراسة هذا البعد إبراز العلاقة بين الرواية والمجتمع باعتبارها الأداة المثلى التي يعبر بها الكاتب عن وقائعه وقضاياه وتحولاته لما تتيحه أدواتها الفنية من التقاطها على نحو يمتزج فيه الواقع بالمتخيل.
ويعد نجيب محفوظ من أكثر الروائيين قدرة على التعبير عن قضايا المجتمع المصري وهموم أفراده وانشغالاتهم ، تشهد بذلك رواياته التي كرسها لغالبية الشعب والفئة الهشة أساسا .
وللوقوف على هذه الدلالات في (اللص والكلاب) تحديدا لزم تَعَرُّف المرحلة التاريخية التي تحيل عليها أحداثها والتي يمكن التقاطها من إشارة صريحة في فصلها الأول (الحمد لله على سلامتك ..قلنا من القلوب سيفرج عنه في عيد الثورة) (1)
ويعني ثورة الضباط التي قامت بمصر في يوليوز (تموز) 1952 بزعامة جمال عبد الناصر،
ونظرة في وقائع الرواية كفيلة برصد ملامح المجتمع في هذه المرحلة .
بطلَها (سعيد مهران)، شاب ثلاثيني من وسط فقير ، مشبع بقيم الاشتراكية، لقنه إياها صديقه أيام الثورة (رؤوف علوان) غير أنه تحول - بعد خروج من سجن دام أربع سنوات إلى عدوه اللدود بالتنكر والخيانة على نحو صنيع زوجته السابقة (نبوية ) وتابعه (عليش) الذي وشى به وصادر حياته بأن تزوج (نبوية) واستفرد ببيته وماله، ومما زاد من مرارته وخيبته نفور ابنته (سناء) منه حين قصد زيارتها، فكان ذلك كله بمثابة الدافع القوي الذي أجج في نفسه الرغبة في الانتقام، وسرعان ما عمد إلى تنفيذها مدعوما من المعلم (طرزان) الذي مَدَّهُ بالمسدس وبتحري تحركات المخبرين، و( نور) فتاة الليل بأن ساعدته على سرقة سيارة تسهل تحركاته في محاولته الانتقامية الأولى، وفتحتْ له بيتها وأعانته على التخفي فيه والتنكر ببذلة الشرطي خارجه، كما دعمه صديق والده الشيخ( جنيدي) بأن فتح له هو الآخر باب بيته كلما ضاقت به الدروب.
ورغم كل هذا الدعم إلا أنه فشل في الانتقام من الخونة الثلاثة، ووقع في مغبة القتل الخطأ مرتين الأمر الذي ضاعف من حدة مطاردة الشرطة له، ومن تأليب رؤوف علوان الرأيَ العام ضده عبر جريدته (الزهرة)، كما أن اختفاء (نور) عَجّلَ بنهاية استسلامه للشرطة.
تقدم هذه الأحداث صورة واضحة لمجتمع تحكمه الفوارق الطبقية ، بحيث يمكن التمييز فيه بين ثلاث فئات:
الأثرياء : ويشكلون الأقلية التي كونت ثرواتها على حساب الشعب الكادح، يجسدها رؤوف علوان
الانتهازيون الوصوليون الذين حققوا مكانة اجتماعية مُرْضِيَة بالاستغلال يمثلها (عليش) و(طرزان).
الفقراء الكادحون الذين يعيشون على الهامش، يمثلها عامة الشعب أمثال (سعيد) و(نور) والشيخ (جنيدي).
ونتج وعن هذه الطبقية المجحفة ظهور قيم سلبية منها :
الانتهازية والوصولية : يجسدها عليش الذي استغل سجن سعيد مهران لصالحه.
سيادة بعض الممارسات الممنوعة قانونا : يمثلها طرزان من خلال حيازة الأسلحة وتوظيفها في التحريض على القتل :
الخيانة : تجسدها (نبوية) بخيانة زوجها، و(عليش) بخيانة صاحبه ، و(رؤوف علوان) بخيانة مبادئ الثورة.
الدعارة : نور
اللصوصية : يمثلها اللصوص"الكبار" الذين خانوا الشعب وسرقوا ثروات البلاد في شخص (رؤوف علوان)، واللصوص الصغار في شخص (سعيد مهران) الذي اعتبرها حقا مشروعا يسترد به ما أخذه أولائك.
أما القيم الروحية فيمثلها الشيخ (جنيدي.)
من هنا تتضح رؤية الكاتب التي تنحو نحو انتقاد النظام الذي تغاضى عن حقوق الشعب، وتملص من واجبه في تأمين حياة كريمة له وكرس مؤسسات الدولة الرسمية ممثلة في رجال الأمن والمخبرين والإعلام للحفاظ على نفوذها ومصالحها، في مقابل التخلي عن الفقراء الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة مصائرهم المظلمة بأنفسهم كل بحسب طريقته، وما (سعيد مهران) في حقيقة الأمر إلا رمز لكل هؤلاء كما يشير الكاتب إلى ذلك في المقطع :
(إن من يقتلتي إنما يقتل الملايين، أنا الحلم والأمل وفدية الجبناء، وأنا المثل والعزاء، والدمع الذي يفضح صاحبه، والقول بأنني مجنون ينبغي أن يشمل كافة العاطفين، فادرسوا أسباب هذه الظاهرة إن شئتم )(2)
وبمراجعتنا لتاريخ صدور هذه الرواية وهو 1961 - أي ما يزيد عن تسع سنوات بعد الثورة - نلحظ أنها جاءت بعد توقف الكاتب عن الكتابة لسنوات شأنه شأن بعض كتاب تلك المرحلة لأسباب يوضحها د.سمير حجازي في قوله (نستطيع أن نعلل انعزال فريق من المثقفين بعد 1952، ونستطيع أن نقول أن التحولات التي اعترت المجتمع المصري تعلل موقف نجيب محفوظ حين توقف عن الكتابة لعدة سنوات إلى حين استطاع تكوين تصور معين عن هذه التحولات واتجاهاتها للتكيف معها تاريخيا وأخلاقيا، هذه التحولات اضطرت الكاتب إلى أن يجري نوعا من التغيير في بعض عناصر بنائه النفسي جعله يرى العالم من منظور معين) (3) وهذا بديهي فالرواية بخاصة أداة الكاتب التي يعبر بواسطتها عن قضايا مجتمعه والمرآة التي تعكس أحداثه وتحولاته، وكان من اللازم أن تحمل روايته هذه هذا البعد سيما وأنه استوحى مادتها من واقعة حقيقية لمجرم خطير رَوَّعَ القاهرة أواخر الخمسينات يدعى (محمود أمين سليمان)، وعمد إلى حبكها على نحو يصور من خلاله رؤيته تجاه أحداث تلك المرحلة الحساسة يقول بهذا الصدد ( لقد حدثت لي هلوسة بهذا الرجل، أحسست أنه يمثل فرصة تتجسد عبرها الانفعالات والأفكار التي كنت أفكر فيها دون أن أعرف طريقة التعبير عنها: العلاقة بين الإنسان والسلطة ومجتمعه ، طبعا بعد أن كتبت عنه، لم أكتب قصة محمود أمين سليمان، أصبح الموجود هو سعيد مهران.)(4)
بهذا القول إذن يقر نجيب محفوظ برمزية بطله للإنسان المصري بعد الثورة في علاقته بالسلطة والمجتمع على نحو يتداخل من خلاله الواقع بالمتخيل، منتقدا بهذا - ومن دون التصريح المباشر- مَسَاوِئَ الثورة الناصرية التي تشبعت بالفكر الاشتراكي، ومنددا بفشلها في إلغاء الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة التي كانت أحد أهم مبادئها، مُسَخِّرا لذلك وبذكاء مبهر كل التقنيات الفنية وعلى رأسها لغته وأسلوبه والحوارات الداخلية للشخصيات خاصة، إذ عمد من خلالها إلى الكشف عن مواقفها من وضعياتها بما يشي بهذه الرؤية المنطبعة بالرمزية والعبث بخلاف كتاباته الواقعية قبل الثورة .
أ.حياة مسعودي
(الاديبة حياة من مدينة سلا..وهي بالأمازيغية: مدينة مغربية عريقة وعاصمة عمالة سلا الواقعة بغربيّ البلاد ...... سلا - الناظور. . سلا - وجدة. . سلا-أڭادير. ...تاريخ التأسيس: القرن الأول ق.م..الكثافة السكانية: 235 10 نسمة/كم2
المساحة: 95.48 كم2 كم²جهة: الرباط سلا القنيطرة)..مع التقدير..
،،،،،،،ويكيبيديا،،،،،،،
_____________________________________________
هوامش المقال:
………………………...
(1) نجيب محفوظ : اللص والكلاب - دار مصر للطباعة(توزيع دار إحياء العلوم المغرب) ص9
(2) نفسه ص 120
(3) سعيد بكور :تحليل نصوص الباكالوريا (سوسيولوجية القصة القصيرة نجيب محفوظ نموذجا ل سمير حجازي)دار الوطن ص (96)
(4) جمال الغيطاني : (نجيب محفوظ يتذكر) - دار المسيرة - بيروت- الطبعة الأولى- 1980، ص70

المؤانسة......... الظاهر والباطن في موقف اللحظة:حرفية نقد اعتباري بقلم الناقد حميد العنبر الخويلدي نص نقدي مقابل لنص الشاعر محمد الزهراوي

المؤانسة...
...... الظاهر والباطن في موقف اللحظة:
حرفية نقد اعتباري....................
الناقد حميد العنبر الخويلدي
نص نقدي مقابل
نص الشاعر:
---------------
امراَتي...
..............
ايها الشعر
ياامراَتي..
انا لا اشبع منك
وهذا الحب...
لايقترفه احد في
حقك ايتها القصيدة
الا انا
لانك كل نبضات
القلب فيك اجد
القناعة والرضى
عالمي..
فارغ بدونك ا.
اذ انت رفيقة دربي..
وما لي منك مهرب
كيف للجرح ان
يشبع منك....؟
وفيك الدواء
للشفاء من كل داء..
حب ياءس
وماالدين الا انت
ويجمعنا الحب والوفاء.
حبيبتي هذه ان
مشت بحذاء الكعب العالي
قارورة عطر باريسية..ا.
قدُّها الفذ بجماله
البكر سروةُ نهار بهيج..
وكل اسافلها
خلطةياسمين
ومسك من الركبة..
حتى المستنبت
............................................................... .محمد الزهراوي
................ابو نوفل- المغرب-
...................................................
المطالعة النقدية للاستاذ الخويلدي:
"""""""''""""''''"''"'''''''''''''''''""""""""'"''"''''""""""""""""""'"""""""""""
ومثل الحُمّى لا اعرف دبّتْ بفرايص
هذا الجسد ..و فيه انطوى العالم الاكبر..او قدصرتَ متوترا مباشرة فجاءةً..او حزنتَ من هَمٍّ لاتستطيع تحديدَه..
تنظرُ اخذتَ للداخل على طريقة التنصّت وبقلق مثير.. فلعلك تتماسك مع الاحباب الناعمين في الاسرة كالاغصان المزهرة. او مع رواق البيت المنمّق بالقوارير والايقونات
او بحواشي وعناوين الكتب..
قد رضيتَ ..ولا رضيتَ..انما هداَتَ..
هنا اول الغيث قطرٌ...
فان كنتَ ممن نلتَ علمَ التجربة،
طبعا فرحتَ وحلّقتَ مع دخان التخيُّل وتذكرات الطلل في متون فاكرة الوقت وذاكرة الذهن..
تعدُّ وتحسبُ خليقةَ نصوصٍ مرَّتْ عليك نجحتْ وتناولتْها عيونُ المتلقّين سلفا،اذ اصبحتْ معرفةً وجزءا من موروث راهن..تعيش مجدَهُ امام عصركَ وتعيش فيه امام دهرك في الابد..هذا اول التهجس
وانت تتخاطر من دون علم ولا دراية ان ستنزل عليك قصيدةٌ ام لوحةٌ ام منحوتة ام قطعة موسيقية
ام.ام.الخ من مجريات الفن البديع..
واذا بنا المغمورون بالفعل رويدا رويدا..وكان قد مسكتْنا الاستجابةُ البكر في الاول في حمى الوقت..
ولا فكاك من جريان وسريان حسيس الاَتين للموقف معك مدعوّين.. ياترى مَنْ دعاهم معك....؟وهم في مخافي الازمنة وطيّات الامكنة ...ا.ا.
مَنْ خبّرهم انَّ ابا نوفل جَهزَ لكتابة نص..امراتي...
من اعدَّهم من رزم حقايبهم......؟
من نقلهم اليه.....؟
هل بطيّارة ام بسيّارة ام على حصان
ام بظهر جمل .ام.ام.وكثيرات من التوخي بالواسطة..
هذي سؤالات اثيرها لغاية في دايرة ضوء النقد التحليلي اعتبارياً ومنهجيةً...
واقول قبل كل شيء انه اللِّدْنيُّ الوجوديُّ، انها المؤانسة الاولى ،او تنمُّلات اللذة والتخاطر الهمسي في البطانة السرانية للذات للوقت الحميم للقنوات المارّة رجوعا ورحيلا..معكَ او مع غيرك..
الوجودُ كليٌّ ليس فقط لكَ.. ولكنه بدونك يسقط حتما وتختل الموازنة النسبية فيه..انت وغيرك في اللحظة منك وجود حتمي...ومن دونك تنهزل الاعتبارات..وترتبك المعادلة حتى ولو دعسوقة فوق جبال زاكروس ماكانت عمدا وبيد ذي قدرة مثلا ازيحت..وهي لابد حتما ان تكون..هذا فهمنا الفكري بحاصل حركة وقت نرغب به ان نبدع نصّاً نقدياً مقابلاً ونفسّرُ به نصّاً اخرا سبق
لابي نوفل زهراوي.....امراتي..
ولعل هذا الاطراد الذي اشتغل به اعني ناموس المؤانسة وتوزيعها كذلك ينطبق علينا في النقد نتحسسه نستشعره ولولا ذاك ماكان نطبقه على النص الزهراوي..ولا على اي فن مبتدع ...
ولعلي استشعرتُ وتوترتُ وتلفّتُّ كثيرا من حيث لاحسبان للتلفت حتى في المقهى او مع الشجر في الشارع او انسراب الاشرعة من امامي في النهر والشاطي..
كنت تارة ارتاح وانتشي وتارة اشيص للمجهول وانتكس ..نعم جزر ومد ذات المبدع مكانها عند الابداع في حافات الوجود كالمركب السكران.. هي موجات بحر الوجود جذبتني من خلال ات جديد فيَّ في عالمي..لابد من خلقه هناك ونقله هنا في العرض الكوني المشع..
فهل هو شعر ام رسم ام رقص ام خطابة ام نحت صخرة وتوليد مخلوق منها يبزغ على عرضنا الكوني ام اغنية خالدة..
كل هذا الريع في الفنانيين ولكن خسارتنا لانصغي لذواتنا.. نحن ابار النبع الجمالي في طبقات الوجود..
اذن...
فهي عوامل صنعة ونضج صيغة
اولا...الارادة
ثانيا... الاختيار
ثالثا...الحب
هذا في النوعي تحليلا وخلقاً.. واقول عنه .. المال النوعي..
يقابله في الفعل نفسه ماَلٌ اخرٌ هو
الماَل التصيُّري..ويعتمد على اشراط
اولا موقف الفتون
وهنا تُدَبّرُ المُودَعات المشتركة في خلق المُبْدَع صيغةً..
كان يكون استدعاء غزالة او نجمة او جرادة او ضحكة ودمعة..
او جبل او خف بعير او قنبلة او صاروخ..
وثانيا..موقف المؤانسة..وهنا التخالط على سرير الشَّوْف والعيان
بين الرموز الجمالية النوعية..
وبمجرد ان نشعر اِنّنا تعايَنّا بالمشهد الحصري كذلك هوالعَدَمي الشفيف قبل العدم المظلم من ناحية اللون فلعله في الغايص الذي لايرى..ريثما يظهر ويرَ
نعم كل هذا باستشراف ذات ابي نوفل الزهراوي. الذي بثَّ مناخ الحب المثير لعلمه من انه الفريد الذي تبث فيه الاسرار والمكاشفات..
ياامراتي....انا لااشبع منك
وهذا الحب لايقترفه احد في حقك
ايتها القصيدة الا انا..
هذا النفير وهذا الاتيان والانجماع مع الزهراوي في ذاته..طبعا هو لم ينوجد حتما انما هيولى زهراوية حلّتْ في العناصر وهيولى عناصر جمالية استدعتْها قدرةٌ خفيةٌ حلّتْ
بالزهراوي..وعلى عيان شخصاني ملاءكي..قدسي في فراش طهر وحلولية فوق المادي ولاوجود لصلب انما هي ظلال النور او حقيقته..ياتيك العصفور والغزال والنجمه و.و.الخ ياتيك بديعُها ارواحُها هذا يقول طوعُك وذاك قبل ان يرتد طرفُك..و كلهم يحجز لك من المنى والانس..تدخل امتاعك
وطقوس مؤانساتك..
حبيبتي..
ان مشت بحذاء الكعب العالي..
قارورة عطر باريسية..
قدها الفذ بجماله سروة.

نهار بهيج..هنا اختلف ابو نوفل وصار ملاءكيا يعيش انسه وربوبيته
من خلال حسن الاشياء وبهرجها وقدسها ..وفي مناخات اقرب للايمان والطهر ...
...................................
حرفية نقد اعتباري
الناقد حميد العنبر الخويلدي
..............في 12..6..2019



( زاد الـشـاعـر الـثـقـافـي ) بقلم الاديب كريم القاسم

(( أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( زاد الـشـاعـر الـثـقـافـي )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سأحاول من خلال اعدادي لهذه المقالات ان اتخطى خطوط الألغام ، كي نسير الى بر الأمان بمعلومات بعيدة عن الاستهداف والقنص ، فالنشر لايتعلق بالشخوص بقدر ما يتعلق بالفعل التأليفي والأواصر البينية ، كما إن الأمر برمته هو إيجاد متعة استطلاعية توعوية تذكّرية لاتخلو من الفوائد والتي هي عبارة عن مجموعة رؤى قد طرحتها في حديث ثقافي منتصف عام 2007 ، وبعضها قد اكتنَزَتْها الذاكرة ، والتي غَرَسها فينا مَن هُم أعلى مِنّا مقاماً وأكثر إشراقا وأعمّ بلاغة وأوفر فصاحة وأنضج معرفة وعِلْما ـ رحمهم الله تعالى ـ حيث كُنّا كصغار الطير ندرج الى حيث وفرة الزاد ، لتسمن معرفتنا وينبت ريشنا ، كي نسبح في فضاءات المعرفة والادب بأمان وفي جوٍّ نقدي بنّاء قاس ، ومع هذا وذاك مازلنا طلاب علم وباحثين عن حقيقة ، نتجنب الهفوة ، ونبحث عن المعلومة الدسمة .
ان إنكفاء الشاعر عن تطوير الذات هو العجز بعينه ، فهو وإن كان متطلعا عارفا بالكثير فالنسيان كفيل بالتأخير والتأرجح والضياع ، فلابأس من المطالعة أو إعادة الدرس ، فلربما تقرأ سطراً يضيف اليك على الأقل مفردة جديدة او بناء فكري لم يخطر على البال . وهكذا تتشكل وتتجمع رؤى عديدة وأفكار تدفعك دفعاً الى الكتابة والتأليف ، ومادام الشاعر يريد استقطاب الاذواق فعليه أن يجيد العزف وأن يجدد الفكرة ، وأن يأتي بفضاء ادبي جديد .
من خلال تطلعنا ومتابعاتنا على طول الساحة الأدبية وعرضها وبما تيسر من وسائط الوصول والتنقل نجد الكثير من الادباء والشعراء كان ومنذ سنوات ومازال يكتب الكثير ، لكنه ظل واقفا على ذات العَتَبة ، جامداً بلا حراك ، ويكتب بعصب تأليفي متشنج لايقوى على التقدم ، كونه يحتاج الى طاقة دافقة تسري مع خلاياه وتهز كيانه لتعيد اليه الحياة والنشاط ، كي تبدأ المَلَكَة بالتقدم وإفراز كل ماهو جديد .
والبعض الآخر نجده يعيش دور المراهقة التأليفية ، ليطبع ديوانا شعريا أو رواية بلغة ساذجة سطحية غير طازجة وخالية من البلاغة والمعاني المؤثرة الجاذبة ، حتى إن القاريء أو المتلقي يشعر بأنه يبحر في سراب ، أو بين ركام لايجد فيه مَسرباً إلا بعد البعثرة وإزاحة ذاك الركام ، وسبب التذبذب لدى هذا الشاعر او الراوي يعود الى رِكّة المستوى الثقافي ، والانزواء عمَّا حوله من نشاطات واختلاطات وتفاعلات ثقافية رصينة راقية ، وعدم توفر قدرة الابداع لديه ، أو القدرة على انتخاب أفكار غير مطروقة وجديدة على الساحة الأدبية ، لأن تحصيله الثقافي اليومي لايتعدى التصفّح السريع والقراءة الخاطفة الفقيرة الى الفهم والادراك ، متوجساً من كلّ مقالٍ مٌطَوَّل ، باحثاً عن أسطرٍ قلائل لاتشفي الغليل .
ان قدرة انتخاب الأفكار والقدرة على جهوزيتها وتهيأة عتادها الادبي ليس بالأمر اليسير كما يتصور البعض ، إنما المِران والتدريب والاستعداد النفسي وتثقيف الذات المتجدد هو الذي سيكسب المَلَكَة عنفوانها ، وهو الكفيل بجعلها ذات شباب دائم وكاملة اللياقة .
إن عجز البعض عن الخلق والابداع سيخلق فجوة كبيرة وفسحة خطيرة بين المتلقي والكاتب او الشاعر ، وقد لايتحسس بوجودها ـ بسبب الغفلة (الفيسبوكية) الخطيرة ـ لكنها في الحقيقة تعمل على دحرجته الى اسفل التل دون ان يعلم . وقد تُصاحب هذه الغفلة بعض الكتّاب فتقودهم الى طبع روايات أو دواوين شعرية لاتلبث ان تكون مجرد امنيات قد تحققت لاصحابها لاغير ، وهي أمنيات مشروعة على المستوى الشخصي ، لكننا نناقش مستوى التأثير والرسوخ في الساحة الأدبية ، وكيفية الوصول الى هذا الفعل الذي يحتاج الى نقد ذاتي شجاع ، وهذه الغفلة أصبحت عدوى تصيب حتى التجمعات الأدبية الرصينة في بلادنا العربية ـ للأسف الشديد ـ فقد بدأت تنحسر قدراتها الاختيارية والانتخابية للاقلام الرصينة بسبب ضعف القيادات ذات الثقافة الأدبية الشمولية ، وهذا ماسنناقشه في مقالات أخرى ان شاء الله تعالى .
يعتبر الزاد الثقافي المتجدد منبع فكري لاينضب وهو كفيل بإرواء كل الارهاصات والتفاعلات الذاتية مع مايحيط الشاعر من احداث ومؤثرات مهما كان نوعها او شكلها صغرت ام كبرت . وعلى الشاعر أو المؤلف الاّ يتحدد بنوع معين من الثقافة ، كي لايغفل او يبخس حق الاخرين في النشر والتأليف فما تحمله انت من فكر قد لاتستعد له ذائقة الآخر او قد لم تصل مدركاته بعد الى ذلك الفكر ، وهذا متواتر عند الكثير من الادباء والمؤلفين فالبعض لايكتب الا فيما يؤمن به او ما يتذوقه ، ولذلك يقوم هو بعرض نتاجاته ليعلن للجمهور فكرته او يحاول إيصال هدفه الى المتلقي على شكل قصيدة او رواية . وفي هذا الحال سيكون النتاج الادبي متحيزا ومتعصبا ومقيدا بمفردات تلك الثقافة ، وتبقى تلك المفردات هي زاده الادبي في كل مرة ، لم يتغير فيها سوى مرتبتها وموقعها في الجملة وبذات التصوير وبنفس النكهة .
ولانقصد بالثقافة المتجددة ان يُطرّز الشاعر قصيدته بوابل من المفردات والمصطلحات المقتبسة من عوالم وثقافات أخرى او طارئة على لغتنا بهدف التغيير أوالبروز أو إنعكاس لما يقرأ أو لِما يؤمن به ، وهذا مايؤدي الى إبتعاد النتاج الادبي عن الشمولية ، وهو السبب في عزوف المتلقي عن الاقبال ، او على الأقل سينحسر مَدُّ التقبل ، ويبقى ثلَّة ممن يؤمنون بوجوب المجاملة على حساب النوع والتنوع .
ولنتسائل الآن :
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بشؤون البلاغة ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بعوالم الفصاحة والبيان ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا برموز وعلامات الترقيم ليتسنى لنا فهم المعاني ومعرفة بداية الكلام ونهايته ، ومتى يبدأ الشاعر بسكب فكرته الجديدة ضمن النص ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بحروف الهمس والجهر والاذلاق والتفخيم وغيرها من الصفات ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بسمات وخصائص حروف روي اوالقافية لنستخدمها في قصيدة الصبابة والغرام او الفخر او المدح وغيرها من الأغراض ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بتأثير تتابع بعض الحروف في الشطر او السطر الشعري الواحد لتكسبه جرساً موسيقياً ونغمة تطرب لها الأسماع ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بنغمة المفردة العربية وتباينها حسب الأصوات المصاحبة لحروفها لتعيننا على توظيفها في النص حسب فكرته ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بكيفية استعمال المجازات والاستعارات والجناس وغيرها .
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بنتاجات الادباء الرواد من العرب وغير العرب والتعرف على تجاربهم الشعرية ومحطات تطورهم وابداعهم ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بما يحيط بنا من ثقافات وتناقضات متنوعة ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر ونحن لانفرق بين السرد النثري والقصيدة النثرية ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر ونحن نتسلح برحم أدبي ضعيف لايقوى على ولادة نصوص إبداعية ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر وسلاحنا المعرفي لايتعدى بوسترات الفيس ومنشوراته القصيرة؟
ـ إذاً الشمولية هي مفتاح نجاح الاديب بكل عناوينه لذلك نرى الشاعر متغزلاً مرة ومفتخرا مرة أخرى ثم يفاجئنا بقصيدة تفطر القلوب وجدا وحزنا ، وهكذا يُنوّع حسب الموقف ، فهو اشعاع متلون الاطياف يتحسس ماحوله ويسكب مايقدح به خاطره ، فاذا كان زاده الثقافي وفيراً نراه يكتب بعصبٍ تأليفيّ ثابت الجنان منضبط الأداء خال من النشاز ، فهو قد اختزن لكل مقام مقال .
والآن يتجسد امامنا سؤال :
• كيف نطور عَصَب التأليف ، وكيف نحصل على قدرات إبداعية ؟
ــ سيكون لنا ابحار في مقالات قادمة بعون الله تعالى.
احترامي وتقديري ....