الثلاثاء، 3 أبريل 2018

الضرورة الشعرية، و(الفهم الصحيح) لحقيقتها بقلم / الاديب شاكر الخياط

الضرورة الشعرية،
و(الفهم الصحيح) لحقيقتها ...
***
أ.شاكر الخياط
----------------
في بدايات كل شاعر يحبو نحو التعلم والمعرفة ودراسة الشعر لتطوير موهبته التي هي اساس الشاعر والتي توجد معه بالفطرة ولا تكتسب اطلاقا، فهي يجب ان تكون موجودة من ذي قبل، سيصادفه كثير من الالتزامات والاشتراطات والتي هي بمثابة قوانين وأنظمة سار عليها ركب من الشعراء فيما مضى من الزمن ولم تتح الفرصة لاحد لكي يجري عليها التغيير بالمعنى الشرعي( المشرع) او بالمصطلح القانوني( الرسمي) للتغيير والذي يمكن اعتماده وهذه بحد ذاتها مشكلة...
الضرورات الشعرية هي : (مايجوز للشاعر ومالايجوز للناثر)، والضرورة هي شذوذ ٌٌعن الجادة السليمة . ومن التعريف يتضح أن حدود الضرورة الشعرية هي الألفاظ ولا تتعداها الى غير ذلك مما يفعله المحدثون بحجة (الضرورات تبيح المحظورات) او ربما تعدى هذا السماح الاختياري الى (تبيح المحرمات)، حيث جعلوها شماعة ً يعلقون عليها أسباب فشلهم وعجزهم ومحاولتهم ما لا يستطيعون وتطفلهم على ما ليس من حقهم .وينبغي لنا أن نميز بين (العيب) و(الضرورة) , فالضرورة هي ما عرفناه , والعيب هو حدوث خلل ٍ في الوزن والقافية ولذلك كان علما العروض والقوافي من أجل استقامة الشعر وزناً وقافية ً , وكل ما خالف الوزن والقافية يعد عيباً ويضرب به عرض الجدار مثل الخروج عن الوزن أو استخدام زحافات وعلل غير واردة ٍ أو غير جائزة ٍ أو وجود عيب ٍ في القافية مثل الاقواء والإكفاء والإجازة وما شابهها , أو تعدد الاوزان أو القوافي غير ما أجازوه , وانا بالاساس معترض على ما اجيز( وهذا رايي الشخصي) فكيف اجيز لنفسي ان اكتب شعرا يحتوي على عيب، وهو اصلا مرفوض جملة وتفصيلا ويضرب به عرض الجدار، لماذا لا اكتب شعرا يخلو من العيب، ويخلو كذلك من الضروروة، وهو اسمى اشكال النظم ويدل على قدرة الشاعر وتمكنه من الفاظه ومفرداته التي يستخدمها، ولو سالنا اي شاعر هل تستسيغ الضرورة القبيحة؟ يقينا سيكون الجواب كلا، اذا ما الضير ان يتبع الشعراء الصحيح الاصح السليم المعافى، ويتجنبوا وينتهوا من هذه الضرورات التي تقبل من الشاعر (علنا) في النهار، وتؤشرعليه سلبا في (الخفاء) او في الظلام، لان الضرورة القبيحة والتي تعني النظم القبيح جداً والمبتذل الذي يشير الى عجز الشاعرعن استبدال اللفظة التي اضطر الى تعديلها واحجامه عن الاتيان بغيرها، هو أردأ انواع النظم،
اما ما يجوز للشاعر ارتكابه بدون ادنى مؤاخذة ٍ علّية , وهو كثير الورود والاستخدام في الشعر العربي , فهو المقصود على الاغلب بالضرورة الشعرية .وهذا ربما لايشكل واحدا بالمائة مما نراه الان على صفحات التواصل الاجتماعي والصفحات الثقافية، مما يسمى اجحافا بالشعر وهو لايقترب من التعريف الصحيح للشعر ولا بنسبة قرب السماء من الارض،
والذي يدفعنا الى الالتزام بالراي الذي طرحناه بدءا هو: (لو صح فعله او نظمه، وتمكن منه الشاعر لما لجأ الى الضرورات) لنر قبل كل شيء ما هي الضرورات وبم اجمل تعريفها، وماذا قالت عنها العرب، الضرورات الشعرية كثيرة جداً , وأشهرها عشر ضرورات جمعها الزمخشري في هذين البيتين :
ضرورة الشعر عشرٌ عدّ جملتها ... قطعٌ ووصلٌ وتخفيفٌ وتشديدُ
مدّ ٌ وقصرٌ وإسكانٌ وتحركة ٌ ... ومنعُ صرفٍ وصرفٌ تم ّ تعديدُ
غير ان الضرورات الواردة في أمثلة الشعر العربي , والشائعة الاستخدام أكثر من ذلك بكثير:
وهناك ما يجب الاشارة اليه صريحا دون تلميح او خوف من احد، لان الحديث هنا لايشمل شخصا ولا هو مدعاة للتشهير بنتاجات الاخرين حتى وان كانت ضعيفة او قد تناولت تلك الضرورات مستفيدة منها لسبب او آخر غير واضح او معروف لدينا، فنحن نحترم كل المنجز الابداعي دون فرق بين شاعر واخر، وهذا ديدن عُرفنا به من زمن طويل، لاننا لا نمتلك غيره، وهو مذهب سنستمر عليه فنحن مقتنعون به منذ ان سرنا عليه، ( نقد المنجز الابداعي لا يعني نقد المبدع شخصيا)، واتمنى ان يكون هذا الحديث بادرة للنقاش والحوار المفيد ومن يأت بالاصح نرفع له القبعة ونقف له اجلالا وتقديرا لانه علمنا مالم نعرف، ومن لايعرف فليسأل فهناك على هذه الصفحة وغيرها من يجد المتعة والاستئناس بان ينفع الآخرين، فأن تعرف افضل بكثير من التعند او التصور بانك تعرف وانت لست هكذا..
على سبيل المثال لا الحصر هناك من يجيز ان تكون ( نالوا – نالُ، اسمها- اسمهَ، تراني- ترانِ، لها- لهَ، يبقى – يبقَ، ربما – ربمَ، دعى- دعَ)، على اساس الضرورة، وانا شخصيا لا اقتنع ان شاعرا فحلا متمرسا لايستطيع الاستغناء عن غير المرغوب بالمرغوب والمفضل، هذا ماندعوا له فقط، لكي يفهم كلامنا بالقصد الصحيح، وليختبر الشاعر نفسه وليضعها امامه كمثال وكبادرة فعل حسن، اخي الشاعر الكريم، انت وشعرك على الراس تجلس لا على الارض، وفي العيون تنزل وفي الحدقات تحل، ابتعد عن المذكور البسيط هذا، وادرس ماتستطيع وما تيسر لك من وقت لانه يجب على الشاعر أو المتعلم معرفة الكثير ومنها مثلا الممدود والمقصور ( وهو احد موضوعات علم الصرف ( وسترى انك حققت الصحيح، واذا لم تستطع فنحن عونك متى ما شئت...
دعوة اتمنى ان تنال رضا من ظن اننا نقصد غير هذا، لان مثل هذا هي محرمات!! و(الضرورات لاتبيح المحرمات)، وان كانت تبيح المحضورات فهي في امور معدودة وقليلة وقد اجيزت شرعا في نواح فقهية دينية، وليس على اساس اعتمادها في الشعر، لان محرمات الشعر واضحة، ليس كل من وضع كفتي كلام متساويتي المقاطع ورتبها واجاد لها نمطا تفعيليا يعبر عنها. قال " هذا شعر" لان الكثيرين من الكتاب والناظمين من يرى أن هناك فجوة وفوهة بينهم وبين الإبداع الشعري فتسربلوا بعذر الضرورةالشعرية التي كلما أكثر الشاعر من اللجوء إليها قبح شعره. وانا هنا ادعي ان من يلجأ الى الجوازات ربما فهم الامر بغير شكله والاساس الذي بني عليه، ولو استعرضنا بعضا مما لجأت اليه العرب لما راينا انهم استخدموا الضرورة لولا اشارتنا اليهم بالتنبيه، والامثلة كثيرة على ذلك، مثلا:
(1) تنوين ما لا ينصرف، مثل:
ويومَ دخلتُ الخدرَ خدرَ عنيزةٍ ** فقالت: لك الويلاتُ إنكَ مُرْجِليْ
والأصل (خِدْرَ عُنَيْزَةَ) لكنه صرف للضرورة.
(2) تنوين المنادى المبنيّ، مثل:
سلامُ اللهِ يا مَطَرٌ عليها ** وليس عليكَ يا مطرُ السلامُ
والأصل (يا مَطَرُ) لكنه نوَّن للضرورة .
(3) مد المقصور، مثل:
سيغنيني الذي أغناك عني ** فلا فقرٌ يدوم ولا غِناءُ
والأصل (ولا غنى) لكنه مدَّ للضرورة.
(4) إشباع الحركة فينشأ عنها حرف مد من جنسها، مثل:
تنفيْ يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ ** نَفْيَ الدنانيرِ تَنْقَادُ الصيارِيفِ
والأصل (الصيارف) لكنه أشبع للضرورة.
(5) قصر الممدود، مثل:
لابدَّ من صَنْعَا وإن طال السَّفَرْ ** وإنْ تَحَنَّى كلُّ عودٍ ودَبِرْ
والأصل (صَنْعَاءَ) لكنه قَصَرَ للضرورة.
(6) ترخيم غير المنادى مما يصلح للنداء، مثل:
لَنِعْمَ الفتى تعشو إلى ضوء نارهِ .... طَرِيفُ بْنُ مَالٍ ليلة الجوع والخصرْ
والأصل (مَالِكٍ) لكنه رخَّم للضرورة.
(7) ترك تنوين المنصرف، مثل:
وما كان حِصْنٌ ولا حابسٌ ** يفوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ
والأصل (مِرْدَاسًا) لكنه ترك التنوين للضرورة.
(8) تخفيف المشدد في القوافي، مثل:
فلا وأبيكِ ابْنَةَ العامريِّ ** لا يدَّعيْ القومُ أنِّي أَفِرْ
والأصل (أَفِرّ) لكنه خفف للضرورة.
(9) قطع همزة الوصل، مثل:
ألا لا أرى إِثْنَيْنِ أحسنَ شيمةً ** على حَدَثََانِ الدهرِ منِّي ومِنْ جُمْلِ
والأصل (اثْنَيْنِ) لكنه قَطَعَ للضرورة.
(10) وصل همزة القطع، مثل:
يَا ابَا المُغيرةِ رُبَّ أمرٍ معضلٍ ** فرَّجْتُه بالمكر منِّي والدها
والأصل (يَا أبَا) لكنه وَصَلَ للضرورة.
(11) فك المدغم، مثل:
الحمدُ للهِ العليِّ الأجْلَلِ ** أنتَ مليكُ الناسِ ربًّا فاقْبَلِ
والأصل (الأجَلّ) لكنه فَكَّ للضرورة.
(12) تقديم المعطوف، مثل:
ألا يا نخلةً من ذاتِ عرقٍ ** عليكِ ورحمةُ اللهِ السلامُ
والأصل (عليكِ السلامُ ورحمةُ اللهِ) لكنه قَدَّم المعطوفَ للضرورة.
هناك الكثير من الشواهد التي تعين المتعلمين او الشعراء وقد تغيب عنهم لانهم لم يطلعوا عليها لسبب او لاخر، يعني كيف يعرف الشاعر ان حرف الجر( في) لايجوز تحريكه مثلا( فيَ)، فهذا محرم اذا حصل..
وهناك جوازات قد لايعرفها وهي من صلب اللغة الشعرية بل وهي جميلة، مثلا:
كسر آخر الكلمة اذا كان ساكنا ً : لأن الساكن اذا حرك في اللغة العربية حرك بالكسر لأنها الحركة الأقرب الى السكون وهذا خاص بالروي فقط , وقد يكسر أيضاَ لإلتقاء الساكنين اينما كان , ومثال الاول , قول عنترة العبسي :
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل ُ الفوارس ويكَ عنتر ُ أقدم ِ
فقد كسر ميم ( اقدم ) وهو فعل أمر ٍ مبني على السكون , وقول امرئ القيس :
تطاول َ ليلك َ بالإثمد ِ ... ونام َ الخلي ّ ولم ترقد ِ
فقد كسر دال ( ترقد ) وهو فعل مضارع مجزوم بحرف الجزم ( لم ) وعلامة جزمه السكون .
وقول لبيد :
عفت ِ الديار ُ محلها فمقامها ... بمنى ً تأبـّد َ غولها فرجامها
فقد كسر تاء التأنيث الساكنة في ( عفت ) لالتقائها بالف ( ال ) التعريف الساكنة .
واريد ان اضيف الى تلك الجماليات الكثيرة التي اظن البعض لم يتعرف عليها ومنها:
تسكين المتحرك في ضميري الغائب والغائبة ( هو , هي ) إذا سبقهما حرفا ( الواو , الفاء ) وأقل من ذلك اذا سبقهما حرفا ( الهمزة , اللام ) وهذا جائز في الشعر وهو جميل ومستحسن , ومن أمثلة ذلك قول أمرئ القيس :
فأخطأتهُ المنايا قِـيس َ أنملة ٍ ... ولا تحرّزَ إلا وهـْو مكتوبُ
وقول أحمد شوقي:
نظمت أسامي الرسل فـهـْي َ صحيفة ٌ ... في اللوح واسم محمّد ٍ طـُغـَراء ُ
وقول الشاعر :
ما لها الأيـّـام تبكي ما لها ؟ ... أهـْيَ مثلي ضيـّعت آمالها
أما تحريك الساكن فانه كثيرٌ جداً أيضاً ومنه :
- تحريك الحرف الساكن أصلا ً في الكلمة : مثل :
تباً لطالب دنياً لا بقاء َ لها ... كأنما هيَ في تصريفها حُـلـُُمُ
فقد حرك اللام في ( حلـْم ) الساكنة اصلاً .
- تحريك الياء بالفتح : كقول أمرئ القيس :
ظللتُ ردائي فوق رأسيَ قاعداً ... أعدّ الحصى ما تنقضي عبراتي
- تحريك ميم الجماعة : فإذا كان ما قبلها مضموماً حركت بالضم نحو ( هُمُ ) وان كان ما قبلها مكسوراً حركت بالكسر نحو (بهـِـم ِ ) ولا يكون ما قبلها مفتوحاً .
ومثال ذلك قول المتنبي في رثاء جدته :
لئن لذ ّ يوم الشامتين بيومها ... فقد ولدت مني لأنفهـِم ِ رغما
فقد حرك ميم (أنفهم ) بالكسر , وكقول ابي طالب (ع)
قابلتُ جهلهـُمُ حلماً ومغفرة ً ... والعفو عن قدرة ٍ ضرب ٌ من الكرم ِ
فقد حرك ميم (جهلهم ) بالضم.
وهناك ماينفع في القافية ايضا من جوازات، على سبيل المثال تخفيف المشدد وهو امر جميل ومستحسن لانه لا يحمل العيب في لفظه، كقول الشاعر :
لبنان مجلى ً للجمال وجنـّة ٌ ... رسمت روائعها يمين الباري
فلا يمكنه استخدام كلمة (البارئ ) دون تخفيف لاحتياجه الى قافية الراء المكسورة .
وكقول ابي تمام :
ما في وقوفك ساعة ً من باس ِ ... نقضي ذمام الأربع الأدراس ِ
فقد خفف همزة (بأس ) لاحتياجه الى قافيةٍ مؤسسة ٍ تجانس (الأدراس )
وكقول ابي الطيب المتنبي :
كم زورة ٍ لك َ في الاعراب خافية ٍ ... أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب ِ
فقد خفف همزة (الذئب ) لاحتياجه الى قافية ٍ مردوفة ٍ بالياء .
وهناك من الجماليات مايمد حديثنا الى اطول من هذا ونحن لانحبذ الاطالة الا اضطرار، فهناك من اجاز لك ان تحذف كلمة كاملة بتقدير وجودها ان لزم الامر، ساكتفي بهذه التشريعات التي وضعت لكي تضيف الى جمال الشعر جمالا لا لكي تزيده قبحا وتبعده عن الذائقة فتنسحب بالنتيجة الى اخراجه من الوزن والايقاع والموسيقى وفقدان الجرس والابتعاد عن المعاني الحقيقية التي بها يكتمل مفهوم الشعر من الوجهة النقدية الصحيحة، ولم يكن عرضناهنا لانتقاء مانظنه جيدا ورفض غيره طبقا لفهمنا وقناعاتنا الشخصية فحسب انما يضاف اليها ما اجمعت عليه العرب والعارفون بالشعر وشأنه...
ارجو ان اكون وفقت في ايصال ما اريد، فان اخطأنا فلنا، وان اصبنا فلله الشكرعلى نعمه...
محبتي
....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق