الأحد، 17 فبراير 2019

تفاحة تاء التأنيث .قراءة في ديوان "عال هذا السرج " للشاعرة سعاد محمد : بقلم الناقد/ محمد رستم

تسم الشاعرة المتألقة سعاد محمد ديوانهاالثاني بعد ديوان( الغريب )والصادر عن المؤسسة السورية للكتاب ب(عال هذا السرج )وهي عنونة تشي بدخول مملكة الشعر من بابها العالي .وكلنا نعلم أنّ العنوان هو العتبة التي نلج العمل الأدبي من خلالها وهي بؤرة مكثّفة لمجمل العمل ....ولغاية بلاغيّة اعتمدت الشاعرة التقديم والتأخير في التسمية لعلها تقصّدت أن تغدو الجملة أكثر بهاء وللفت النظر إلى العنصر الأكثر أهميّة والعبارة هنا تنفتح على مسارب التأويل .ولعلها عنت بذلك صهوة الشعر السامقة ...وتتنوع المحاور الدلالية في الديوان ..من محور الشهيد ..إلى المحور الاجتماعي إلى محور الوطن ..إلخ................في المحور الأول تصف الشاعرة الشهداء في بهاء خلودهم تقول ..(ليسوا ميتين ..هم أكثر حياة منّا) وهنا تتكئ على تناص مع الآية الكريمة (ولا تحسبن الّذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ....) وتبرع في وصفهم بحراس الوطن .(يحرسون الحيطان من طباشير التاريخ الكاذبة ) ومما يؤكّد عمق الثقافة لديها حسن تناصها مع التراث الإنساني (حتى بروتس احتلّ فراشه ) وبعمق النظرة تؤكد أنّ هناك أثرياء الحرب (في البيوت الكبيرة والطارئة كانوا يتحاصصون عمره المنهوب )وهنا نلمح تناصا شفيفا مع قصة يسوع حين اقترعوا على ثيابه ..وفي تراسل للحواس بين الإحساس بالألم والمذاق تقول (أعادوا له مذاق الرصاصة ) وهي تضع الأنثى (الأم ..الأخت ,الزوجة ,البنت ,الصديقة ,القريبة ,)في مكانتها )التي تستحقّها فهي جسر الراحة في أزمنة التعب (وأنّي الجسر الوحيد المتبقي في أزمنة التعب )
ولعل المحور الأهم الذي تدورمعظم القصائد في فلكه هو محور علاقة حواء بآدمها .. وتكاد القصائد تشكل ملحمة واحدة مع عزف منفرد على بعض التنويعات في جوانب هذه العلاقة ...ولا بد من التنويه منذ البدء إلى أنّ الشاعرة المتفردة سعاد وإن تحدثت بلسان أناها مسلطة الضوء على خصوصية معينة ابتكرتها فإنّها كأي مبدع لا يتقصد بحبره خصوصيّته الذاتيّة بل يعني شريحة واسعة لها ذات المعاناة (وإلّا لكان الأمر شخصاني لا يعني الآخرين ) وهي هنا تمثّل الضمير الجمعي للجنس اللطيف .لذلك فإنّنا نعتبر ديوان (عال هذا السرج )أنّما هو رسالة من تاء التأنيث إلى آدمها .هي صورة حواء في توقها اللاهب لنصفها الآخر منذ حكاية التفاحة وإلى مالا نهاية .....
تقول .(.بيني وبينك تلال من اللهفة ..وقصيدة تطلب اللجوء )وتجري الشاعرة مقارنة مؤلمة بين قلبها الملتهب شوقا والمتّقد اشتهاء نحو شريكها والذي غدا هاجسها المتوثّب بينما يرمي حضورها في غياهب الإهمال والتجاهل ..(تعبت من ملاحقة هذا النشيد الهارب ...منسيّة أنا على شفا كلمة ....واسمك هتاف حين تفيء الغابة إلى هواها ) مع أنّها ترى فيه الملهم الذي يأخذ بمجامع القلب (لك حظوة الوحي ..وتسلط الحظ ..لك أتباع من ورد وباع من نجوم ..لك حفاوة الفاتحين لغابات الحسن ) وكأنّها تقول ..إن الحياة بلا آدم منقوصة النبض .
وتمضي في الإعلاء من شأنه .فهو أميرها وفارسها المتحكّم بلجام حواسها (لك مصاف الإمارة على جوارحي ..وخمارة آهاتي ..ولي نكبة الأسر فيك )
ومع ذلك فليس لها إلّا أن تتجرع مرارة الإنكسار ..من آدمها الذي يسدّ أذني عاطفته بأصابع اللامبالاة فتغدو (ككلّ النساء المنكوبات ..اللواتي يلمّعن العتمة لتبرق ضحكة )..هي موجوعة ومفجوعة حد الترمّد كيف لا وقد قذف بها الصدّ إلى ملكوت الاحتراق..
إنها بذات الوقت حواء التي تأبّطت آدمها .وهي تكتنز رغبة أنثويّة عارمة في بناء علاقة تعادليّة معه يتماهى فيها رافدا الحياة علاقة تكامليّة أساسها حاجة النصف إلى نصفه الآخر
لا علاقة تفاضليّة .تناحريّة...هي علاقة احترام الآخر والذوبان فيه .(تعال تمسّح بقلبي ..وتبعثر لألمّك ,ثمّ أجدني ضارعة بين يديك )..
والأنثى وإن أظهرت اللين فهي تمتلك كلّ عناصر القوة فتبعث برسالة تحذيرية كي لا يدخل الذكر الساحات الرمادية المراوغة ..(لا تقامر بي يا آدم ...فأنا شجرة التفاح ..والله لأردمنّ بحرك إن رمشت غيري )(أعيذك من مكر الثعالب ..إن كاد لك ليلي ..)وتحذرمما لديها من قوة (أنا التي إن خاضت البحر ترمّد)
والعلاقة هذه ليست عطر غرام خياليّ يضوع في فضاءات الرومانسيّة بل حقيقة حيّة تتجسد على تضاريس الواقع. لذا فهي ترغب أن تبقي روحها مصلوبة على خشبة آدمها وهي تحمل صليب توقها على درب جلجلة الذكورة ...
وتدرك أنها الأنثى الأمارة بالعطر وأنها تفرش هذا الكون بسبع سموات من العشق .وتعلم أنّ النساء هن فتنة الله الغاوية بالأريج على أرضه ....
وكل ما تصبو إليه أن تتفلّت بعض الشيء من عنكبوت الوصايا الاجتماعية ..تلك الوصايا التي جعلت منها ضلعا قاصرا ..و كائنا غير مكتمل بل هي متاع.
وبجرأة المنفتح على معطيات المجتمعات الحديثة ,تقترب أحيانا مما يرى فيه المجتمع الشرقي خطوطا حمر ,فترسم على كيان القصيدة دوائر الجسد لحظة التوق والحريق (كم سهى التاريخ حين قال ..لم يعد فيّ من نبيّ..أشهر عينيه وقلبي أعزل ..وزوّ ق على جسدي حانة نوايا ..لم أعد أرملة القصيدة ..)
وبمواربة ذكية وبمجاز رهيف توضح كيف تتهاوى حصون الأنثى لحظة اللقاء الحار إذ تستسلم لتيار الرغبة العاصف بتأثير أعاصير التوق ..(مزقت قطة الجيران رعد الستارة ..قميص القشعريرة فقد مناعته...ونفرت أزرار الدمع..تبسّمت شامة صيف مخمور ..على خد ألف سنة من اللهفة ..قال ..مازلت يابنت غشيمة هوى ..سأعود لأعلّمك الحريق ...وبريشة فنيّة ساحرة تبين كيف تفور الرغبات ويتنامى الانتعاش لحظة القبول (ترتطم الفصول ببعضها ...يسيل شتاء عن أكواع صيف ..ويسدل ربيع ستائره على عيني خريف ..فأنضج كدراقة تسح بالسكر .على غصن رجولتك ..ينشف دم الكلمات ...بحقك لا تنقذني ...دعني أنسل فيك كسمكة ...
إن ّكل إشاريات النصوص وأبعادها الدلاليّة تشي بأنّ العلاقة المنقوصة بين حواء وآدمها هي الرحم الذي ولدت منه نتيجة تقصف أوتار تلك العلاقة تاركة خواء روحيا ونفسيا مزلزلا ....
والمؤدى الفني في الديوان يظهر مقدرة فائقة لدى الشاعرة سعاد محمد
إنها تغرف من نبع الخيال وترسم لوحات نابضة بالحياة ..معتمدة الغموض الشفاف
لذا تعتبر بحق ظاهرة أدبية .فهي تهتم بانتظام أنساق بنيتها الشعريّة مما يحقق الأداء التعبيري وذلك باستخدام دوال دافئة في تراكيب جديدة تقيم تعالقات لغوية مبتكرة وذلك بانزياحات جديدة وصور بكر فتخلق عالما حسيّا عبر ممكنات الخيال والعاطفة ..مما يثير الدهشة ويترك في الذاكرة عطرا يدوم طويلا .. وبذلك تضع اللغة باعتبارها كائنا حيا في مضمارها الإبداعي كاشفة عن طاقاتها المتفجرة ...وما يميزها أنّها تنأى بقاموسها عن المفردات التي فقدت لونها لكثرة الاستخدام .
وقد تبني مداميك قصيدتها من لوحات صغيرة وبألوان مختلفة كقطع الفسيفساء ..(إله زاه ,يفطم ملائكة سلام ..صلاة تعمل داية للأماني ..نجمة تعثرت ..)
وقد تتكئ على الأجناس الأدبية الأخرى مثل الحوار المسرحي أو السرد الحكائي
وهو ما يلحق الغبن بالجملة الشعرية لديها ..أخيرا لا بد من القول ..إن الشاعرة سعاد محمد هي نجمة في سماء الشعر لا تخطئها عين وتنتمي إلى أسرة الشعر بالأصالة لا بالتبني ولا بالوكالة .....

حرفية نقد اعتباري النص الشعري والنص النقدي المقابل... الشاعر وليد..ع العايش ....الناقد حميد العنبر الخويلدي _ لنْ تموتَ المِحْبَرةْ _

لأجلِ عينيكَ أُصلّي 
قبلَ أنْ تَجِفَّ المِحبرةْ 
أرسمُ صوتكَ على نُسغي 
كما ترسمُ الخطَّ المُستقيمَ المِسطرةْ
لا تُبالي بِما قالهُ عابرٌ , أو مسافرٌ 
فإنَّ القولَ تمسَحْهُ صلواتي المُزنرةْ
طرزتُها بصريرِ قلبي 
وألبسْتُها آهاتي المُجمّعة , والمُبعثرةْ 
لا تقلْ بأنَّ الحظَّ راحلْ 
أو سَتُحرَقُ في الدربِ القوافلْ 
فالخطُّ المستقيمُ لا يشبهُ المائلْ 
أيقنْ على هاتيكَ الرابيةْ 
بأنّي لنْ أخلفَ وعدي 
فهكذا علمني عندما كنتُ كهلاً 
جدّي ؛ وأبي ...
وهكذا كانَ لقاؤنا 
مُستقيماً على توازٍ 
معَ أزيزِ مُجنزرةْ 
فلتحلمُ كما تشاءْ 
كما طفلٍ , مازالَ ينتظرُ الغناءْ 
أو ك ميْتٍ يُصغي للرثاءْ 
أو ك صخرةٍ هشّمتها مطرقةْ 
لا تعرفُ مِنَ الحياةِ إلاَّ العنْتَرةْ 
لنْ يُقتَلَ الحُلمُ 
إنْ آمنتَ بأنَّكَ أقوى منْ قدرٍ 
يأتي بِلا استحياءْ 
أو رصاصةٌ تهوي على صدركْ 
مُرسلةٌ هي من جوفِ السماءْ
لأجلِ عينيكَ أُصلّي 
إلى أجلٍ غير مُسمّى 
صلاةُ فجرٍ ؛ صلاةُ عصرٍ 
وتنهيدةْ ... 
ك ماردِ المصباحِ تُغني 
لمنْ أتى الآنَ 
وتقولُ وداعاً لمنَ غادرْ 
لمنْ راحَ مُهاجراً ؛ مُسافراً 
راكباً دَفّةً خشبيةَ الأطوارْ 
لمْ يعِ الليلَ إنْ حضرْ 
ولا يدري كيفَ عبرَ النهارْ 
فعلى الرصيفِ تتربصُ 
بمنْ سيأتي المِقبرةْ ...
لأجلِ عينيكَ أُصلّي 
ولأجلِ عينيكَ , لنْ تموتَ المِحْبَرةْ ... 
__________
وليد.ع.العايش
31/12/2018م
٠
٠
٠النص النقدي المقابل
٠لذّةُ التَّلَقّي في غيبة النص وظهوره .......... 
.…………………………………………………………. النص فارض لجماله حتما..من خلال شَدِّهِ للمتلقي في غضون القراءة وترك الاثر الى زمن مابعد القراءة..فلعله الكاءن الحي الذي يجوب عوالم الذهن ليترك البصمة الجمالية عن ذاته وصفاته..وكما هي المِزْية في ادب العرب ..من انّ اللّذة في النص لذّتان
لذة الحضور في القراءة ولذة الموادعة
والموادعة اطول وابقى..
وكما هو الحال مع.. قفا نبك للملك الضليل.. وانشودة المطر للعظيم المرحوم السَّيّاب.وهذا في سبيل المثال وتدعيم الفكرة..اذ عاش السياب نفسه
انبهارَ ودهشَ اللقاء في غامض الوجود عند استجلاب الخامات الاولى
في الدخول التهجسي للخلق الفني في النص..انشودة المطر.. حتى قبل ان تُكنّى وتُوسّم بالاسم ذاته..
وبعد ان اعلن شهودية حال التَّصْيير لها
في الموقف واكتمال المخلوق في مشيمة العبارة ونظم البُنْية راى السياب صورة مخلوقه ..الرؤية العيانية قبل الظهور ..الى عرض الوجود..
وحين مجاراة الخروج من العمق الرحمي المظلم ..وامتلاك النص اراداته وشفراته والمبدع يرى ويشعر
في هذا الحال اذ اخذ دور التَّلقّي بعد اكتمال تمام الصورة في وحدتها النصية.. وهذا اول البصمات..واول اللذاذات..بل هي رجفات جسد الفنان بين فرحه وخوفه دهشته وانبهاره..
وقد يظن وهو في تلك الحال قد امتلك سر الربوبية..
وهذا قمة سمو ذاته لولا انه بَرَدَ من حُمّى الصيرورة والتي لو قسنا معدّلَها في اللحظة لتبين انها تصهر احجار جبال الالب في اقل من ثانية وتبقي على مايريد ذو الربوبية واعني المبدع
ايما مبدع..
هذا الاجمالي المختصر من الفكرة عن منظور اللذة في الابداع والمبدع غاءصٌ في وحدة شهود مع الكون والطبيعة قبل الظهور..الى العرض..
اما في الاكتمال والتمام فهناك لذة اخرى للفنان اذ ياخذ دور المتلقي قبل المتلقي القاريء او السامع المتفرج ..اريد ان ابين ان الفنان المبدع هو الربوبي الاول الذي صيَّرَ
الامشاج وشهد عليها في الكيفية ضمن عواملها التكوينية..
وهو المتلقي الثاني في امتاع جماليات البنية
والمستوعب والمقدر لنشاط ماتبثه من سحريات اذ ياخذه التردد والهذيان والخوف والقلق فضلا عن كونه هو الكون ذاته او الوجود في وحدته الاعتبارية..فلعله في اللحظة يتم تبادل الادوار والوظيفة يصبح المبدع وجودا كلَّ الوجود وطبيعةً كلَّ الطبيعة ريثما ينفكُّ من موقف الخلق
في النص..
هنا نؤشر ان النص اكتمل واعلن الشاعر او الرواءي او اي حِرَفِيٍّ قدَّمَ صنعةً للحياة ..
دخل دور التلقي في الوعي والتبصرة
الفنية الاختصاصية متابعةً في المشوار او نفعاً ربحياً .. وهنا حلت الموادعة بين المبدع وابداعه..
اُبَيّنُ في هذا المقال كيف للمبدع وليد
العايش تناول منصوصتَه الموسومة هذه......لن تموت المحبرة...
اذ تحرينا نقدا وفلسفة اجراء الكيفية
في خلق نصه ..واخذنا على عاتق منهجنا الاعتباري في الفن والادب موضوع ...اللّذة في التلقي من قبل الظهور وبعده..
وقسّمنا لذة الفنان وهو غايص تحت جلدة الوجود يستجلب امشاج النص الى لذتين .الاولى شهودية العنصر البكر في الخامة عند الاستجابة..
والثانية..لذة امتاع استشعارية بعد تمام الصورة في الهيولى التدرجية عند الاستحالات..
وبعدها ياتي دور الموادعة او المفارقة
الفنان يستدرك على حاله وينفض غبار طلعه ويخرج من غيبته الى ظهوره هو ذاته كانسان فرد ..متلق جديد يعرض بيده ...لن تموت المحبرة...
يعيش التباهي وفعل النرجسية والتفرد وذوق الجوارح والادراك الذي سبق به حس الاخرين من جنسه في خدمة غرض الوقت..
ومن بعد هذا ياتي دور التلقي واللذة 
في العرض عند المتلقي غير المبدع..اذ رايتُ وراى غيري..
وهنا اللقاء في الامتاعي الحقيقي
المحسوب اذ يُسخّر النتاج حسب طاقاته وضروراته ونقص الحياة له 
باعتباره عوضا لسد نقص استشعره الفنان قبل غيره..واتانا به صيدا حرا
من بريات الجمال
لاجل عينيك اصلي 
قبل ان تجف المحبرة
ارسم صوتك على نُسغي
كما ترسم الخط المستقيم المسطرة
تجلي ونشور الحمى معا عند ذات وليد العايش في بحبوحة زمكانه حيث الضرورة اعلنت لابد وحتما
من ان يهاجر وليد الان ليستجلب خامات التراكيب تفكيكا من غيرها اذ
كانت هي تلكها مشتركات من ابدان لغيرها في الوجود..
تثاءب وليد ترنح نعس وفز
اضطرب شك ان صديقا يغامره 
يخادعه يراوده..
استغفر الله على طريقة الصوفيين
فلعله انمسك ولايدري اي اللذة اخذت تسحب به الى عقد قران نظيف ..
.....لاتبالي بما قاله عابر
او مسافر
فان القول تمسحهُ صلواتي المزنرة
طرزتها بصرير قلبي
والبستُها اهاتي المجمعة والمبعثرة
لاتقل بانَّ الحظ راحل
او ستحرق في الدرب القوافل
فالخط المستقيم لايشبه المايل
هذا الاقناعي الجميل
والالتذاذي في تلقي الحجج المتاصلة في روحه كلها متاع رحلة من اجل ان يجر الزعلان الى كهف الاسرار 
او قل المحبوب الى شهادة سرية وكانه يظن ان الكون لايعلم
لا ..اقول لك ياوليد ويا ايَّ فنان اننا مؤخوذان فان الوجود معنا في وحدة اعتبار لدني مربوطان ربطا تلازميا لافراغ فيه ولاسر محفوظ ابدا انما هناك اخبار وسيع مع الخليقة دون 
الذي تخشى منه وهو الاخر مثلك اعني الانسان ..
فالوردة تدري والغزالة والحوت الازرق
والسحابة والطاير تدري فيك ما توسوس به نفسك ...
وهكذا هو ...دمت. 
ت...12...2...2019
أ.حميد العنبر الخويلدي..

الذاكرة،،المكان،،والبعد الثالث / قراءة في نص ( لما غبت ) للشاعر محفوظ فرج : الناقد جمال قيسي

يتخطى محفوظ فرج ،،مايطلق عليها فرويد عقدة التصالح مع الماضي وهذه العقدة تتلبسنا كلنا ،،الأمر ببساطة نشعر بالحنين الى الماضي لأننا خبرناه كتجربة ،،لا شيء يمكن ان يسبب لنا التصادم مع المجهول،،مع ان عقلنا الظاهر ينحي التجارب المؤلمة،،لكننا بعد أن تخطيناها،،لم تعد بالشيء المهم،،
نلاحظ هنا الصورة عند محفوظ فرج. تشتغل بسياقات معاكسة الألم متولد لديه من أن الذاكرة أخذت. تمحو الأماكن الجميلة تلاشي. قسري بحكم التقادم ،،واية أماكن انها اماكن نابضة بالحياة لها أجساد تنطوي على قلب وشراين واوردة بل وحتى على وعي وهنا سر لعبته الشعرية الجميلة والمبدعة ان تتحول الأماكن الى كائنات واعية ،،اجمل شيء في الأدب،هو إكساب مورفولوجيا الأماكن. الروح، وأي روح ، أنها روح الشاعر بعمقها التاريخي الجمعي،،
لنتخذ وجهة اخرى مع هذه المقطوعة الموسيقية الشجية انها طللية رشيقة رغم محمولاتها الوجعية ، هنا الشاعر ،،يشكل بعدًا ثالثًا بوعيه المعاتب المصاب بالفقد إذ لاقيمة للاشياء دون الإنسان وتعالقه الاجتماعي نوع من الظاهراتية بمحمول تاريخي،،الجميل في النص. أن محفوظ فرج يقتطع فسحة زمنية ، تبدو من الماضي ، لكنه يشحنها بالحضور ، والرهونية ، يأتي بهذه الفسحة بأماكنها ،،أي مسرح أحداثها ، وشخوصها رغم ان بعضهم ،،فقط تشعر بهم لانهم مغيبين بحكم الموت والغربة ، يجعلها. مقاضاة لنفسه ولعمره وللزمن الذي أصبح بلا ملامح جراء الفقد،،في جانب اخر،،وهنا تظهر لدينا متعة الأدب واقصد ميتافيزقياً العوالم. التي يخلقها الشاعر،،يتحول الزمن الى مطلق،،ويولج الماضي بالحاضر، في هذا العالم المختلق لاشيء غريب،،عندما يحضر ( الصولي ) او ( ابن المعتز ) ،تمكن الشاعر وهو على مكنة عالية في البناء الفني،،من استحضار قدرة إنجازية ،،أي بمعنى أفق من الوعي منذ العصر العباسي ، حتى رهونية وقفته ، وهي أيضًا مطلقة، وحتى لا تكون استغراقاً ثبت الفضاء الشعري بحضور ارتكازي مادي من خلال (النخلة و النارنجة والآسة ، وناظم الثرثار ، وباب الحاوي ،،الخ ) ،،مع جمالية باهرة،،الحقيقة لم اقرأ مقطع شعري يضاهي (ما كانَ لنا أنْ نختارَ حياةً أخرى ،،) بجمالية بسيطة وعميقة ،،والسر في هذا ان السؤال مضمر ،،وهذا يفترض وجود محاور اخر،،هنا يتكئ على عتبة (المسرود له)
في الجانب الأهم ،،وهو ما ابحث عنه،،الجانب الارتكازي في الخطاب وهي عتبة المرور الى المطلق في الزمن والتي تتلبسها الحالة الشعورية،،هي بمطلق الاحوال جوهر الخطاب أو القصيدة اسميها انا ،،الترهين ،،أي إضفاء الحاضر المستمر والمشروط ،،ولنرى هذه العتبة الترهينية في نص الشاعر محفوظ فرج ، وهي بطبيعة الحال نقطة الارتكاز في خطابه،،يمثل المقطع التالي ما ذهبنا إليه
(ما كانَ لنا أنْ نختارَ حياةً أخرى
مُبْتَعدينَ عن الساحل
عن الغابِ
وإذا تاقتْ نفسي تتوَغَّلُ بي
نورُ الشمسِ إلى أقصاهُ )
ختامًا اقول ان تجربة محفوظ فرج الشعرية، متفردة ،،لأنه ينحت جمله الشعرية بمحمولات كبيرة مع بساطة في اللفظ ،،ولا يهدر في نفس الوقت العمق الدلالي،،وهي قدرة فذة،،
أ.جمال قيسي / بغداد
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نص الشاعر
"لَمّا غبتِ "
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لمّا غبتِ وغابوا عَنّي
مَنْ كانوا رفاقَ صبايَ
وأردفتِ الوحشةُ تمحوَ قاموسَ
خيالي
أبقيتُ حبيباتي
( نخلتُنا والنارَنْجَةُ والآسةُ )
في الدارِ
ليسمَعْنَ نشيجي
لم تبقَ منافذُ لي
أنْ أنقلَ أقدامي
بفضاءاتِ حنيني
.......
( حارَتَنا )
آهٍ يا حارَتَنا
حوريّاتُ مدارسِ سامراء
الرائحةُ الجوريةُ
والغاديةُ اليسمينيةُ
تَلْتَفُّ على صدرِيّتِها
بعباءَتِها لا تلمحُ إلا وجهاً نورانياً
يذهبُ فيَّ على بسمةِ شفتين
إلى مدنٍ الشعرِ السحريّة
بابُ الحاوي شريانُ النَسَماتِ
الغربيّة
ونوارسُ ناظمِ سدِّ الثرثار
كانَ تراءى لي
أنَّ ابراهيمَ بن العباس الصوليَّ(١)
في ديوانِه
يخطُّ رسائلَ غَزَلٍ تَتَخَلّلُها
أشعارٌ في الحبِّ
تراءى لي أن ابنَ المعتز (٢)
في زورقهِ الفضيِّ
يقولُ لخادمِهِ :
ما أشهى السَمَكَ المسقوفَ!
يردُّ الخادمُ بعد سنةٍ
في مَوْضعِ دورانِ الزورق
: بِمَ يا ابنَ المعتز ؟
ويلقي في دجلةَ بعضَ شِباكِه
ما كانَ لنا أنْ نختارَ حياةً أخرى
مُبْتَعدينَ عن الساحل
عن الغابِ
وإذا تاقتْ نفسي تتوَغَّلُ بي
نورُ الشمسِ إلى أقصاهُ
تحتضنُ البهجةُ روحينا حين أحَدِّقُ
في عينيها
وينهمرُ الشِّعْرُ على صدري
يرفلُ بالخببِ
وإذا لملمَ فيضُ حنانٍ منها
كلَّ نثاري
فرَّ خفيفٌ معسولٌ
من بينِ شغافِ القلبِ
لفرطِ ذهولي في قافيةٍ
دَوّارة
أ. الشاعر محفوظ فرج
١٩/ محرم / ١٤٤٠هـ
٢٩ / ٩ / ٢٠١٨م

نفحة نقدية عاجلة: الناقد: كريم القاسم

/ انقلب السحر على الشاعرة../
عائشة بريكات
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،بطريقة استعراضيّةٍ و مثيرةٍ للدّهشة تحولت فجأةً بفضلك
.... إلى ساحرة..
منذ آخر لقاء بيننا و تمتمتي بكلماتٍ سحريّةٍ تستعملها عاشقة /غير عادية/ لدغها التجاهل بسُمِّ الشوق القاتل فاستبدلت عبارة ال(آبراكادابرا)* ب(أنا امرأةٌ مريضةٌ بالاهتمام) .
.........
اختفيت أنتَ فوراً بعدها من على الكرسي المقابل لي حتى قبل أن تكمل شرب فنجان شايك الأخضر.
يومها تأكدتْ نبوءة إحدى جداتي فكم كانت تلقبني بالساحرة.
و كتصديق مني لمقدرتي رحتُ أمارس حركات الخفّة لعلّي أسترجعك بإحداها.
...
جمعتُ ما استطعت من قصائدكَ المكتوبة لأجلي، لامستها بقلمي ثلاث مراتٍ و همست
(أنا إمرأة مريضة بالاهتمام) فتحولت جميعها لأعواد ثقابٍ مشتعلةٍ.
ثم تلاشت
و لم تعدْ أنتَ.
......
أتيتُ بكل الأزهار المتيبّسة بين صفحات دفاتري ، زهرات الجوري حصراً التي كنتَ تقطفها من حديقتي وأفرح بها كعاشقةٍ غبيةٍ
جمعتها ..
لامستها ثلاث مراتٍ ..
و همستُ
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
تحولتْ كلها لسحابةٍ حمراء..
فاح عطركَ..
و لم تعدْ أنتَ.
....
تذكرتُ كل قبلاتكَ في باطن كفي ، القبلات الخطرة منها و التي كانت تسمح لي برؤية الخصلة البيضاء المستفزّة فوق صدغك الأيسر
.. دسستها في جيبي
و تمتمتُ بجملتي العجيبة
(أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فخرجتْ منها حمامة بيضاء
.. طارت عالياً
و لم تعدْ أنتَ.
.....
استحضرتُ كل غمزاتكَ، فكاهاتكَ.. ضحكاتكَ.. صوتكَ.. و خاصّة اللّكنة الشغوف حينما كنتَ تهمس /عائش/
جمعتها كلها
لامستها بصمتي ثلاث مراتٍ
تمتمتُ بجملتي
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
تحولتْ فجأة لمجموعة من أوراق اللعب(الكوتشينة)
صففتها مخفية فوق الطاولة
ناديتُ باسمك
فأظهرتْ ورقة (السّبعة الدّيناريّ) نفسها
و لم تعدْ أنتَ
....
أخرجتُ فستاني الأسود من الخزانة
الأسود القصير ذو العقدة الدانتيل على كتفه
لامسته بحسرةٍ ثلاث مراتٍ
و تمتمتُ بعبارتي السحرية
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فتحول لسربٍ من الفراشات
اقتربتْ من خدي
احترقتْ كلها
و لم تعدْ أنتَ.
.....
بنسيانٍ مبالغ فيه ، جمعت كل أعذارك المستعملة
و ضعتها في المزهرية
لامستها بأناملي
همستُ جملتي المعتادة
(أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فخرج منها أرنباً رمادياً
رفعته عالياً
سألته: أينك؟
هو لم يجبْ
و لم تعد أنتَ.
....
أنا الساحرة و الجمهور و صاحبة الاستعراض
أصفق لإخلاصي بإعجابٍ
أنحني محييّة
و أتلّهف للعرض القادم.
.....
الجزء المحذوف من العرض
/ وراء ستارةٍ مهيضةِ الأوان
أمسح دمع الضوء عن وجه كلماتي
النازفة بألقابكَ العشرة
أهمس لقلبك الجالس في الصف الأول :
هلاَ أخبرتهُ بأنني
امرأة مريضة بالشعر
.. هو يصفق
و أختفي أنا!
....
العائشة.
..............................
نص النفحة النقدية:
……………………………...
كل نصوصك جميلة ...
عائشة بريكات ... اثق بحرفك تماماً .
قدرتك الساكبة للجمال الباذخ تفيق مَن عاش في سُبات .
كل منشوراتك امام نافذتي ، الا ان هذا النص تضمن ابداعاً وابتكاراً لابد من الإشارة اليه .
فحينما يدخل حرف الشاعر في عالم السحر ليحيل النص الى ثيمات وكأننا نشاهد فيلما هوليوديا لهو الجمال بعينه والروعة بقمتها .
كنا قد تحدثنا عن الأسلوب التأليفي والبصمة الشخصية المتفردة التي يحتاجها المؤلف ، والتي تميز هذا الكاتب او الشاعر عن ذاك ، حتى تصبح (ماركة مسجلة) .
عائشة بريكات كانت ومازالت ، تحافظ على هذا الثراء الإبداعي المُنجَز ، وهذا العنفوان التاليفي البارع ، فهي بارعة وفارسة في انتاج الومضة الشعرية ، وقلم دؤوب لايهدأ في نتاجات القصيدة النثرية بمقاطع مدروسة حد الاناقة والرشاقة دون تكلف او ابتذال ، ليس من باب السرعة والعجلة ، إنما الثراء اللغوي والعتاد الادبي الذي فاض من بين اناملها لابد ان يحتويه حيز ادبي لائق .
قدرتكِ ايتها المبدعة على المزاوجة بين الفنون الادبية لهو ابداع آخر وقدرة لايستهان بها وقد نشير اليها في مقال خاص بعونه تعالى ..
(انقلب السحر على الشاعرة) يالها من استعارة رائعة وياله من عنوان جاذب حاذق ... هذا العنوان وحده يكفي ان يسوقنا اجبارا على المتابعة والتسلق على جدران قلعتك السحرية . حتى نجد انفسنا امام شاعرة ارادت ان تكون ـ بفضل صاحب الفضل ـ ساحرة ، فاستبدلت كلمات السحر التحويلية (آبراكادابرا) الى كلمات تحويلية خاصة بها (أنا امرأةٌ مريضةٌ بالاهتمام) لتجربها على بطلها فتجعله مختفيا في عالم الغياب ، ليبدأ الاستعراض السحري في ستة مشاهد مدهشة خلابة تكون نهايتها في كل مرة فقدان البطل ، رغم استحضار كل الوسائل والسبل .
فكرة النص وحدها هي ابداع آخر ...
أسلوب القصة ممزوج مع الشعر النثري ، يعتبر نباهة واحترافية ، فشاعرتنا لاتبخس حق النغمة في الالفاظ ، فهي تهتم بانتخاب مفرداتها التي تحمل بين ثنايا حروفها نغما وجرسا موسيقيا ، كي تحرك النص وتجعله مترنحا ، متمايلاً من شدة الانشراح والانتشاء ، وهذه السمة هي التي تحيل النص الى عتبات عالم الشعر بعد ان كان قائما في عالم النثر ، فالنكهة الشعرية لابد ان تتوفر ، لان النغمة ليست وليدة الوزن والقافية فقط ، وإنما حروف اللغة مشبعة بهذه الميزة بل وتتعشق بها . والمؤلف الذكي هو من يستطيع ان يكتشفها ويدرك كنوزها ...
الكاتبة عائشة بريكات ...
قلمكِ يحمل نكهة متميزة كقهوة ممزوجة بالهال .
مقدرتكِ على نسج هذه القُماشات بزهوها الأخاذ كفيل بأن يحرك في دواخلنا حب الاستطلاع والحراك النقدي ..
احترامي وتقديري
الاستاذ كريم القاسم
،،،،،،،،،،،،،،،،،
*"ابراكادابرا "هي كلمة شائعة يستخدمها السحرة أو أصحاب خفة اليد في أعمالهم السحرية، وكان يُعتقد تاريخياً بأن لهذه الكلمة صلة بمعتقدات تزعم أن لها قوة شفائية

الاثنين، 11 فبراير 2019

العبور الخالد / قراءة في نص. الشاعرة ريم البياتي.. بقلم الناقد/ جمال القيسي



هذا النص الرائع. للشاعرة. ريم البياتي قد أحجمت عن قرائته لفترة مع انه نص. يأسر الألباب لسببين الاول. إن هذا النص قد تم تناوله من كبار النقاد غازي ابو طبيخ وكريم القاسم وشاكر الخياط وحميد عنبر الخويلدي وهم بطبيعة الحال قامات سامقة في النقد عندها سوف لن تجد شيء. لتقوله لذلك ما. سأذكر هنا هو قراءة وليس نقداً ، ثانيًا ، أن الشاعرة ريم البياتي معروفة بنهجها المتبني. للمقاومة وإعلاء صوت المظلومين ، متنكرة. لذاتها ، وهذا اول نص وجداني اقرأه لها الأمر الذي وضعني. في حيرة من هول هذا الخزين المؤلم التي تنطوي عليه ببساطة. نحن نرى الشاعر او المبدع. بصورة مثالية من خلال منجزه وننسى في اغلب. الأحيان انه انسان مثله مثلنا في معاناته بل ان وطأة. الحياة. عليه أكثر قسوة لانه بحس مفرط
يتدحرج بِنَا دولاب الايام ،،ربما نحسبها حركة هوجاء او تعاكس ٌلمقدرات في حيّز التمني ، لكن الاصل في الامر ،هو اننا غالبًا ننزلق من مركبتها تلك اللعينة. المسماة الحياة ، لانستطيع ان نتمسك بهذا الدفق العظيم لها،،وفي لحظات الانزلاق نتشبث بالاحلام ،،نصنع رؤية لما كنّا ان نتمناه،،لكي نطوي الأوجاع ،،المتحصلة من عنفها على مشاعرنا،،ليس بيدنا حيلة ازاء تعسفها،،لكننا ننحت عوالم مرتجاة،لعل في الأمر بعض العزاء،،نوع من الهامش ،،لكنه بثقل الواقع وربما يفوق،،لانه يكسر حاجز الزمن ،،بالتاكيد انا اتكلم عن صناعة الأدب،،وكل أدب لا يحمل أوجاع الإنسان ،،ليس الا لغط ،، وخطاب لا يمتلك شروطه،،الأدب هو خطاب الإنسان في لحظات عزله من الزمن ، عندما تتخطانا الحياة لأي سبب كان،،وبالتأكيد ليس ماديًا،،وإنما بفعل خروجنا من صيرورتها ،،تعترينا وحشة الوحدة،،فنهرع للبحث عن نظير لنا ،،بشغف واستسلام ،،نسميه حبًّا،،وهو ابعد من هذا ،،أنه نوع من المقاضاة ،،لكل وجودنا ،،اعتراض عليه ،،ومحاولة لتغيير وقائعه ،،نوع من تثبيت الحقوق،،وليس مهما أن تنتزع حق،،سنقول قولتنا ونذهب،،فكل شيء سيمضي للمجهول ،،هنا يكون من حقنا. ان نجعل الآفاق مفتوحة ،،نوع من الديمومة ،،ستشحن جفاف الوقائع وقسوتها ،،ببعض مشاعرنا 
، نعبر الحواجز المادية ،،ونتخذ من كل الموجودات ، حتى تلك التي لا يمكن ان تكون طوع أيدينا ،،إلا في عالم الخيال سنسخرها لخدمتنا،،مثلما فعلت هنا الشاعرة ريم البياتي،،مسكت بغمامة شاردة،،لتجعل منها ساعي بريد يقطع الفيافي،،ليبلغ رسالته،،والمعجز أن مفردات الرسالة ،،عبارة عن مشاعر شغوفة لا يمكن أن تنطوي عليها رسالة مكتوبة أو ابجدية اللهم إلا اذا أسقطنا عليها فعل الادب من احالة وإزاحة او ترميز ، لانها تنهدات روح أزلية ، كسرت الزمن،،فهي تذكر من البداية حتى النهاية ،،وترجع تكسر التحديد بالحنين وهو شعور ،،يعتريه المطلق،،أي الديمومة ،،هي في الهزيع الأخير من الليل وربما ساعة الانبلاج ،،لانها تنتظر الصباح،،المسرح الذي تدور فيه،،هو الحلم، حلم اليقظة ،،أعادت تشكيل السماء ،،بصورة حركيّة ،،الغمام كقطيع ،،الأجواء هنا تشبه الشرق الإبراهيمي. القديم،،مثل لوحة توراتية ،،الهية،،تشكيل رائع لبديع السموات والارض،،اقتراب من احدى لوحات الفنان المطلق والاوحد بديع السموات والارض ،،تسري روحها،،مع الغمام ،،وكأن مرسال الاله قد شعر بشغف مشاعرها،،هذه الريم قد صنعت منحوتة على شكل نص ادبي ،،اشبه بتمثال القبلة للنحات العظيم رودان ،،أو إحدى لوحات الرسام وليام جودوارد في تحميله المشاعر الحية والنبض على مخلوقاته الفنية ،،رسمت مسار الرحلة لغمامتها ،،وأسقطت مشاعرها وهي في مكان ناءٍ ،،على امتداد المسافة ،،والمرسل إليه كأنه احد أبناء الآلهة. الإغريقية مع نفس تراجيدي ،،لانها توشي بالعبور ،، فالجسر هو الزمن ،،لن يبقى احد عالق عليه ،،الا المشاعر ،،والأجساد ستسير لاقدارها ،،ستمضي الغمامة والأحبة الى غاية ،،ويبقى سيل المشاعر المعبأ بالاوجاع وحده يرتاد ذلك الجسر ليروي،،حكاية لايفلح التاريخ ولاغيره بتدوينها الا الادب
أ.جمال قيسي /بغداد
مرَّ الغمامُ وكنتُ أنتظرُ الصباحْ ...
يتراكضونَ كأنَّما خلفَ القطيعِ ثعالبٌ ..
وعصا الرعاةِ تدبُّ تُبْعِدَهُمْ، 
وصوت الرعد يجمعهمْ...
فَهَمَتْ دموع الغيمِ خائفةً على كل البطاحْ ..
رَكبتْ جناح الريح لا تدري المصيرْ... 
ونأتْ عن الغيِم الكبيرْ ..
فرنوتُ أرقبها، وترقبُ لهفتي..
ودنتْ لتسألني عن السر الخطيرْ...
فأجبتها ياحلوتي..
لو كنت تدرين الهوى..
غُذّي المسيرْ..
فهناك عند الجسر قلبٌ لاينامْ..
عيناه خابية وزيت ْ..
لاتخطئيهْ..
وستعرفيه لأنه كنخيل بابل والسماوة والخصيبْ.. 
يمشي فيخضرُّالطريقُ ويزهرُ القاع الجديبْ..
كفاه (إنكي) يلمس الصوان ينساب العذيبْ...
يرنو ولايتكلمُ..
وإذا دنا لايصرمُ..
يأتي الحمام لطهره يَتيمَّمُ...
ويحطُّ في دعةٍ فلا يتبرَّمُ...
القلب ساح للسلامْ..
وديار اسراب اليمامْ..
فإذا وصلتِ دياره عند المغيبْ...
فترفَّقي لاُتفزعيهْ..
مري برفقٍ والثميهْ...
وعلى يديهْ..
حطّي بصمت ٍ وأسمعيهْ...
منيّ لعينيهِ السلامْ ... 
بين البداية والنهاية والحنينْ..
جسر وسارية العبورْ..
ويدان تمتلكانِ مفتاح الأزلْ..
والجسر مزهو ويعرف ماحملْ..
يحنو ويحني كتفه،
لتحط أسراب الطيور وتنقد الحَبَّ الذي ألقاه قديِّس الأملْ..
قُبَلَ الخلود على الروابي..
فتعانق الأكوار والأدوار اسرار الخوابي..
يتغلغل الزمن المعتق في دنان الياسمينْ..
ونخيل بابل والسنينْ..
وانا وجسري والفتى..
قيد العبورلمحبسينْ

رؤية الناقد/ أسامة حيدر حول المنهج الذرائعي



الذرائعية نظرية عربية في النقد:
==================
من خلال الكثير من المطالعات التي تتحفنا بها المنابر الثقافية عموما والأدبية بشكل خاص ,وهو ما يهمنا هنا , نجد أنّ الكثير من النصوص تكاد تفقد جنسيتها وهذا بسبب الكثير من المنظرين الذين , في رأيي , تآمروا على الجنس الأدبي بأكذوبة النصّ . الأمر الذي أدّى إلى أن يفقد النصّ توازنه وهويّته الأدبيّة , والخطر الحقيقيّ هنا أنّ أغلب الذين يكتبون النقد ( ولا أقول نقاد ) عكفوا على الدّراسات النقدّية الغربيّة واتّخذوها إماماً لهم فيما يذهبون إليه في دراساتهم النقديّة هذه . أي راحوا يحاكمون النّصوص العربية و اللسان العربيّ وفقاً لما فهموه ودرسوه من بنيويّة وما بعد البنيويّة وتفكيكيّة ونظريات كثيرة تتّصل بالحداثة وما بعد الحداثة . وكلّها دراسات غربيّة تفتقر إلى الحسّ العربيّ بحجج واهية .
الذرائعيّة لغة : 
=========
مصدر صناعيّ من الذرائع , والذرائع جمع ذريعة وهي : الحجّة والتّعلّة . هي أيضاً السبب والوسيلة إلى الشيء . 
والذرائعيّة في الأدب هي : نظريّة نقديّة عربيّة متكاملة جاءت لتدحض ما قاله مفكّرو الغرب من أنّ الأمّة العربيّة بعيدة عن إنتاج مذاهب عقليّة وفلسفيّة مستقلّة . وقد جاءت هذه النظريّة لتؤكّد أنّ الأمّة العربيّة فيها قامات فلسفيّة وعلميّة قادرة على إنتاج مذاهب مستقلة وابتكارها على أن تكون نابعة من لغة هذه الأمّة وحضارتها . 
رائدها :
======
رائد هذه النظريّة النقديّة الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبيّ من عراقنا الحبيب وقد جاء بنظريته هذه ليؤسس للنقد العربيّ ويحمي النصّ العربيّ ولغته العربيّة من التشويش الذي لحق بهما نتيجة لتبني بعض كتاب النقد مناهج غربيّة لا تليق بالنصّ العربيّ الذي يتميّز بأثوابه الخاصّة ومداخله , وكذلك للغة العربية آلياتها الخاصّة التي لا يمكن فهم النصّ إلاّ بإلقاء الضوء عليها وكشف أسرارها . وقد صدر له كتاب بعنوان " الذرائعية في التطبيق في تحليل النص الأدبي " وهو يفتح الباب لنقلة نوعية في آليات النقد من زاوية التحليلات النفسية والفلسفية في تحليل النصوص الأدبية . نظريته النقدية هذه تطوف بنا بدءاً من قشرة النص إلى أعمق نقطة فيه فترانا متنقلين ما بين : 
- الاحتملات المتحركة في النصوص شكلاً وموضوعاً - المنظور الاستنباطي – المدخل السلوكي – البناء الجمالي والبلاغي – المدخل العقلاني – المدخل اللساني – درجة العمق و الانزياح نحو الخيال – الموسيقا الشعرية – المدخل البصري – الخلفية الأخلاقية – تجنيس النصوص – البؤرة الأساسية الثابتة في النصوص .
خصائص الذرائعيّة : 
============
الذرائعيّة ترى أن النقد علم كبقية العلوم كالرياضيات والكيمياء وغيرهما من العلوم
يجب أن تكون له قواعده الدقيقة التي تضبط كل حركاته وسكناته ومن خلالها توضع قوانين للأدب من شأنها أن تحدد مراميه ومقاصده وغاياته ومنطلقاته .ولعلّ أهم دور أنيط بهذه النظريّة هو التفريق بين الأدب و اللاأدب وهي تضع المعايير الدقيقة لاختبار بنية النصّ الأدبيّ وتمنح الأديب أدواته التي يمكنه أن يكتب بها . ولهذه النظرية سبع خصائص هي :
1- علميّة النقد : ما لاشك فيه أنّ أغلب الكتابات النقديّة تتسم بالانطباعيّة والإنشائيّة ولا تستند إلى علم . والذرائعيّة استبدلت المنهجيّة بهذه الرؤى الانطباعية . وهذا ما يجعل النقد علماً له أسس و أركانٌ . 
2- رؤية نقديّة ميكانيكية : الذرائعية لديها آليات ممنهجة يستطيع الناقد من خلال هذه الآليات أن يكشف مواطن الجمال في قشرة النصّ الخارجيّة وأيضاً إماطة اللثام عن المعاني الباطنيّة .
3- الوسيط الحتمي : المقصود بهذا الوسيط هو اللّغة العربية التي تختلف عن بقيّة لغات العالم بالكثير من الخصائص البنيوية والشكليّة و التّعبيريّة , وبالتالي فإن النص العربي يختلف عن بقية النصوص التي كُتبت بلغات أُخرى . 
4- التجنيس الأدبي : نتيجة للفوضى الحالية في النقد والتي سبّبها عدد كبير ممن يتعاطون النقد باستخدامهم مفاهيم ومصطلحات غربية , ومحاولتهم تطبيقها قسراً على النصوص العربيّة وتطويع النص لخدمة المصطلح وخلقهم تأويلات للكلمة ورفضهم أو تمردهم على تجنيس بعض النصوص جاءت الذرائعية لتقف أمام هذا المدّ الفوضويّ ولتضع الأمور في نصابها الصحيح .
5- التحليل الأدبي : الذرائعية كنظرية نقدية عربية تحمي المتلقي من التعمّق في النصّ إلى درجة التكلّف و البحث عن التأويلات التي لا تغني النص بقدر ما تزيده إبهاماً وغموضاً وبعداً عن المتلقي الذي هو أساس العمليّة الأدبيّة . وهي تولي اهتماماً بشكل النصّ ومضونه وقد يظهر الاهتمام بالمضمون أكثر أو بالشكل أحياناً ( القشرة الجمالية ) وهي بذلك تختلف عن التفكيكيّة التي وقعت في الكثير من مشكلات التناقض لأنها باختصار تكسّر النصّ وتُشظيه وتشرخه وتدمره . والذرائعية فوق هذا تؤمن بمبدأ التدرّج في الأفكار وهذا يعني أن الأفكار يكمل بعضُها بعضاً في تعاقب مستمر والتي يحظى بها الناقد حين يغوص في نصّه ولا ينتهي به المطاف إلى التناقض .
6- إمكانية التطبيق : هذه النظرية النقديّة ليست مجرد تنظير غير قابل للتطبيق . بل هي نظرية قابلة للتطبيق على النصوص العربيّة وقد قامت الدكتورة عبير يحيى بالكثير من التطبيقات على هذه النظرية وهي بذلك تؤسس لمن سيبدؤون الجهد والعمل و البحث و التدقيق مطبقين أساليب وتحليلات هذه النظرية المهمة . 
7- الأخلاقيّة : في اعتقادي أن من أهم خصائص الذرائعية هي هذه الخصيصة , فهي ترى أنّ أي عمل أدبي لا ينتمي إلى الأخلاق عملٌ يخرج عن نطاق الأدب لأنها تعدّ مهة الأدب الحقّ تثبيت القوائم الأخلاقية والمثل الإنسانيّة العليا في المجتمع , وهي لا تسمح للأديب أن يتعرّض للأديان و الأعراف والقوانين بشكل هدام وينشر الفوضى والعداء والفرقة بين أفراد المجتمع .
خاتمة ورأي : 
===========
ثم اختلاف بين صاحب نظرية التفكيك ( دريدا ) والذي يمركز نظريته على الصوت , وصاحب نظرية البنيوية ( سوسير ) والذي يمركز نظريته على العلامة اللّسانيّة , و السبب في هذا الاختلاف يعود إلى عدم التفريق بين " عند كليهما طبعاً " الأدب و اللّغة . وقد استغلت الذرائعيّة هذه الثغرة , وتمركزت بين البنيويّة والتفكيكيّة و الشكلانيّة و السيميائية لتأخذ النص العربي غير المعني بهذه الاختلافات الفلسفية المتجذرة لكونها ترتكز على الديناميكية في اللّغة الأدبية التي تفضي نحو سلسلة من المعاني المقروءة بتعابير النص المصنوعة والمتكشفة بالتحليل .
إن الكثير من النقاد ينبهرون بما قرؤوا من نظريات غربية و أكثرها لا يتفق مع النص العربي فيلبسون النص أثواباً لا تليق به مسوّقين لما يمكن أن يئد حتى مجرد التفكير في ظهور نظرية نقدية عربية . 
يقول الناقد الدكتور محمد عبد المطلب : “ كثير من النقاد يقولون : قال فلان الغربي كذا وكذا ولا يقولون قال الناقد العربي محمد مندور أو صلاح فضل أو عبد القادر القط …..”.
=======================
المراجع : مجموعة مقالات كتبت عن هذه النظرية النقدية ودراسات ولقاءات .

الأربعاء، 6 فبراير 2019

ضرورة الادب،،،، قراءة في نص ( مساء المحبة ) للشاعرة سعاد محمد،، بقلم الناقد/ جمال القيسي

تميد الارض بك،،جسدًا فيزيقيًا ،،وترتعد الفرائص ،،شيء من الخوف والرعب ،، للحفاظ على الحياة،،أمر طبيعي ،،بحكم احدى الغرائز الأساسية ،،عند الكوارث،،او التحديات،،ربما أمر مشترك عند كل الأحياء ،،ميزة الانسان فوق هذا الامر،،،هو بامتلاكه الذات الواعية ،،والفاعلة ،،إزاء الواقع ،،او الحدث ،،لكن هذه الميزة ( الوعي ) ،،لها مردودها السلبي،،بسببها يتألم الانسان ويفقد كرامته ،،عندما تكون في حيّز الإستغلال ،،والعبودية ،،او عندما يكون مجرد شيء،،مقوض الشعور،،وليس العيش البايولوجي ،،اشبه بالموت السريري،،
لعنة كبيرة هي الحياة ،،حينما تحاول استيعابها شعوريًّا ،،وعلى الفطرة الاولى ،، وهناك من بني جنسك،،يسلب منك كل شيء،،وبكل وحشية،،باسم الحق العام،،او الدين او العرف او الوطن،،او مصلحة الجماعة ،،،في هذا الهدر الانساني،،وتقالب القيم،،،وأفول الآدمية ،،تنهض الارواح الكبيرة لمقاومة الظلم،،في محاولة لتعديل المسار المنحرف،،،والكشف عن الواقع وبؤسه ،،لتنتشل الانسان من الاغتراب والتشيؤ ،،هنا هي المنطقة التي يشتغل فيها الادب ليكون ضرورة وجودية ،،انها منطقة النور الساطع ،،في النص الذي سنتناوله لشاعرة العصر وبجدارة ( سعاد محمد ) ،،علينا أن نبحر في عوالم الكبار ،،،كارل ماركس،،وبالذات في قضية التشيؤ،،وكذلك لوسيان غولدمان ،،وفي طروحاته بالبنيوية التوليدية ،،وأخيرًا نقف مع أهم النقاد الأدبيين في القرن العشرين. نورثرب فراي،،،في قضية المماثلة والتوحد ،،لكي نكتشف عملية الربط،،للنص،،وكل هذه المصطلحات سنتطرق لها مع تعريفها،،وتطبيقاتها على النص النثري للشاعرة ( سعاد محمد ) من هنا ،،كانت قضية الصعوبة في قراءة النص،،،وقبل كل هذا وذاك،،،سنتناول قضية مهمة،،وهي جدوى الادب،،،او بمعنى ادق لماذا نكتب ادبًا،،وهل هو ضرورة ،،،
يذكر باختين (( إن القول الحي الناشئ عن وعي في لحظة تاريخية ما وفي وسط أجتماعي ما ،لايمكن إلا أن يلامس آلاف الخيوط الحوارية الحية التي ينسجها الوعي الاجتماعي الايديولوجي حول موضوع هذا القول ))
هذه القاعدة في مفهوم الخطاب ذهب بول ريكور ،،الى تفسيرها في قضية تحقق محفل الخطاب،،عندما تتوفر او تتحقق وظيفتين أساسيتين هما وظيفة الأسانيد ووظيفة الهوية،،،عندها سيكون لدينا خطاب ذَا هدف،،وربما يتحقق لاحقًا ،،فائض معنى،،وحتى لايكون كلامنا ملغزًا،،او ذات عسرة أكاديمية،،نصوغه كالآتي ،،
ماهو القول الحي،،،؟ نتناول في حياتنا ،،الكثير من الكتب المتنوعة،،وكل واحد منها هو خطاب ،،اتخذ صفة النص،،والخطاب قول ،،ببساطة ،،يتحول الى نص متى ما تم. تدوينه او مارس وظيفة ،،اي بمعنى تفاعل معه المتلقي ،،نحن نقرأ كتابًا في التاريخ،،يذكر وقائعًا واحداثًا،،جرت،،في تحقيب زمني معين،،او كتابًا في علم الاجتماع يتناول ،،تحليلًا،،لحركة الجماعة،،وطبيعة العلاقات القائمة بين الفرد والجماعة او الجماعات بينها،،ونقرأ كتابًا في علم النفس،،يتناول طبيعة اشتغال الدافعية والغرائز،،الاولى لدى الفرد،،وانعكاساتها،،ونقرأ كتابًا في الفيزياء ،،يتناول العلاقة بين المادة والطاقة،،وتحولاتهما ،،وهكذا لكل ،،العلوم الذي امتلكت منهجًا،،ولانستطيع بمطلق الاحوال،،ان نعتبر اي من هذه النصوص،،هو خطاب حي،،حتى خطاب الاعلام الذي يعتمد التوثيقية،،لانه يتسمر مع الحالة ذات العلاقة،،،لكن الامر مختلف،،مع خطاب الادب،،،في كل اجناسه،،لانه حي ومتواصل،،،نحن لحد اللحظة،،نتفاعل مع طللية أمرئ القيس،،او إشعار ابو الطيب المتنبي ،،لحد اللحظة نحن نقرأ ديستوفسكي ويترك فينا أثرًا تفاعليًا ،،ونعيش مع ابطاله ،،ونتموقع. داخل. قصصه ،،اذًا مالسر في ذلك ؟ ،،في ان يبقى الادب،،خطاب حي ؟ ،، انها ببساطة قضية ( الشاعرية ) ،،
جمال قيسي / بغداد
،،،
نص الشاعرة:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مساءُ المحبّةِ لسكانِ العيدِ والمطلّينَ عليه..
،،،
غداً يحملُ العيدُ حقيبتَهُ ويسافرُ
تكنسُ الرّيحُ الزّينةَ..
وتتوجّسُ الأشجارُ مصائرَها على أيدي عمالِ النّظافةِ
يفقد التبارز بالثّرواتِ شراستَهُ
وتتلاسنُ الماركاتُ في الخزاناتِ المنسيّةِ
باسمِ الفرحِ الإنساني.
لا تُوجعني البيوتُ المكتومةُ الفرحِ خجلاً من موائدِها الشّحيحةِ
ولا الثيابُ المتوارثةُ من جيلٍ إلى جيلٍ
وحتّى من بيتٍ إلى بيتٍ درءاً للعريِّ
إنّما توجعني العلكةُ الإنسانيّةُ المتداولةُ بكثرةٍ
بطعمِ الشّعورِ العامِّ والتّحابِ والتّضامنِ,وقدْ فقدِتْ سُمعةَ السّكَرِ
توجعني حالةُ العماءِ..
عن شبهِ التّوسّلِ من حماةِ الدّيارِ المصابينَ لأهلِ ديارِهم بعضاً منَ العلاجِ!
وجسورِ المعوناتِ الّتي تزربُ في مكانٍ ما
تزربُ قصوراً وسياراتٍ.
إنّ أمّةً تنسى رجالاتها ستبقى دميةً في أيدي الحروبِ
الجسدُ يحتاجُ النزرَ اليسيرَ ليعيشَ
وكلُّ ما يفيضُ عنه ادّخارٌ للدّودِ!
فالفرحُ كائنٌ متقشّفٌ ورشيقٌ!
فلنسندْ صلواتِنا وأمانينا بضمائرِنا.

من حقيبة المذكرات/( 3 ) الجزء الثالث من لقائي مع الروائي الأردني " غالب هلسا ".. الأديبة/ وفاء كمال

 
كانت شخصية المرأة تتنوع في روايات " هلسا " . فهي تارة الأم , وتارة عشيقة ,وأخرى مناضلة او خادمة او امرأة بغي . وكان السؤال
ـ ( س ) ـ هل كنتَ تنقل صورة فوتوغرافية للواقع في رواياتك ؟
ـ ( ج ) ـ أنا ارفض ان أنقل الواقع بشكل فوتوغرافي ’ رغم أن الحياة تجتذبني بحلوها ومرها ..فحين اكتب تنبثق عني رغبات متزايدة تتوجه إلى العمل الكتابي نفسه . اما الناس الذين كنت أراهم وأراقب سلوكهم ثم أتحدث عنهم كثيراً . فكنتُ أضع نفسي مكانهم . لأرى كيف يمكن ان أتصرف . وماهي ردود فعلي تجاه حدث معين .
وبطريقة اخرى قد أنقل الحوادث والشخصيات معتمداً على حدسي الذي قلما يخطئ تجاه الآخرين .
فأعتقد أنني أمتلك قدرة فاحصة لاكتشاف مايدور في أذهان الآخرين ’ وماسوف يحدث في كثير من الأحيان .
قلتُ في أحد حواراتي : إن العلاقة بيني وبين أدبي ..هي توقعي أن يقنعني إلى الحد الذي يشعرني أنه بمعنى من المعاني من تأليفي .أي أنه يبني شخصيات وعوالم تذكرني بشخصيات عشتها وعوالم عرفتها ..حدث لي هذا مثلاً مع رواية " تولستوي " " الحرب والسلام " فقد كتبت لأحدهم انني دُهِشْتُ عندما رأيتُ شخوصها في " فيلم " روسي مأخوذ عنها .ولكنني شعرتُ بخيبة امل لأنني ألبست شخوص الرواية ملابس عربية ووضعتُ لهم ملامح عربية .
ـ ( س ) ـ هل شخصية السفَّاح في روايتك " السؤال هي شخصية عرفتَها فعلاً .أم انها نوع من حنينك إلى المراة , الذي كنتَ تبطنه بسادية تشبه سادية " كولن ولسون "
فسلوك السفَّاح في " السؤال " يشبه سلوك السفَّاح في " رجل بلاظل ل"كولن ولسون "
وكذلك نهاية الاثنين كانت الدمار فعندك انتهى للإنتحار وعند ولسون إلى مصحة عقلية .
ـ ( ج ) ـ أردت من خلال السفَّاح ان أعطي بعداً سياسياً بالإضافة إلى البعد الاجتماعي , وأردت أن أشير إلى مساوئ السلطة في مصر عام ( 1962 ) , وإلى التناقضات القائمة بين الشعارات المطروحة وبين التطبيق .
ففي " السؤال " كان أحد أفراد السلطة يعاني تمزقاً وجدانياً , ولايجد له متنفساً سوى بالقتل . فكانت ضحيته الأولى إمرأة أربعينية .تركها زوجها .وكان "عبد العليم " عالم في مركز الطاقة الذرية .الضحية الثانية .
والثالثة وًجِدَتْ جثتها مرمية تحت نصب تذكاري في ميدان التحرير . والرابعة مضيفة جوية , اغتصبها السَّفاح ثم قتلها . والخامسة سيدة . والقتيل السادس رجل ينتمي للحزب الشيوعي .
ـ ( س ) ـ لماذا انتهى السفَّاح محمود بطل روايتك إلى الانتحار .
ـ ( ج ) ـ رفضاً للحياة القاسية التي كان يعيشها وتمرداً على الواقع السياسي الذي لم يتمكن من تغييره وقد وجد نفسه محاصراً فيه .
وكذلك فإن انتهاء " مصطفى " الشاب المثقف إلى الاعتقال كان يعني ان تطلعاته كانت محاصرة بذلك الواقع الرديء
ـ ( س ) ـ روايتك الأخيرة " الروائيون " تقع أحداثها في فترة الستينات نفسها وتصف وضعاً معيناً للشباب اليساري في مصر .فهل تعتبرها استمراراً لرواية " السؤال " ؟
ـ ( ج ) ـ " الروائيون " وإن كانت تصف وضعاً معيناً للشباب اليساري ماقبل ومابعد 1967 إلا انها تنفصل تماماً عن رواية " السؤال " . وكلا الروايتين بحاجة إلى جزء ثالث
(لقد قال غالب ذلك دون أن يعلم ان صدى تلك العبارة سيظل معلقاً في أذهاننا وبأننا سنظل نبحث عن الجزء الثالث للروايتين ولن نجده ) . واسترسل قائلاً :
في " الروائيون "
يبدو المصير القومي المأساوي في مصر عام 1967من خلال الأحداث الهامة التي تعرضت لها مصر في هذه الفترة , ومااستفحل فيها من فساد وانهيار للديموقراطية , معتمداً على شريحة مثقفة , جسَّدت صورة المثقف العربي . ومزجت بين التاريخ الشخصي والعام , معتمداً على جغرافية المكان وروح الأشياء.
للحديث بقية

تاملات نقدية في قصيدة ( ثمة رجل ) للشاعرة الليبية جنان محمد: الاديب إحسان الموسوي البصري

حينما تحيط بالشاعر او الشاعرة ظروف ضاغطة من نوع شامل فلا بد ان يظهر تأثره بها في نتاجه الابداعي بما يؤكد صلته الوثيقة ببيئته ومحيطه الإجتماعي .
هذه المقدمة الموجزة تفسر لنا مانحن بصدده فيما يخص قصيدة الشاعرة Jenan Mohammadالتي فقدت ذات يوم انموذجها الرجولي المتميز المتمثل بوالدها الشهيد الشاعر الذي اغتالته الايادي الآثمة ،في لحظة هي بامس الحاجة اليه،فترك هذا الفقدان القاسي اثره الكبير على بنيتها السيكولوجية،بحيث باتت تسقط صورة هذا الفقيد المحبوب على كل مثال معشوق،واقعي او متخيل..
وقد تتعالق هذه الرؤى الوقادة التي تتضمنها إحدى القصائد المعبرة مع توجهات هذا الرمز الجمالي بما تحتويه من المؤثرات العاطفية والانفعالية ، والتي غالبا ما تكون عملية استنهاض واستذكار في وقت واحد، ولربما تتجلى القصيدة في افق المنادى الغائب فالشوق إلى عزيز يطرب في مواطن الحنين العارمة ، والحزن الشديد يطرب أيضا كما في رثاء عزيز .
ومن خلال ماتقدم توجب الوقوف على النقاط المفصلية المهمة في شعرية د. جنان محمد من حيث الأسلوب وطريقة التعامل مع النص والقيمة الشعرية الرفيعة التي بلغتها من خلال قصائدها الدائمة الحيوية المتجلية في منجزاتها المتتالية ،
وفي نصها الذي أمامي الآن وجود زمني غير محدود من خلال التعامل مع المحيط بحساسية عالية ورهافة من منطلق الأبعاد الانسانية العالية الشاملة.
فهو نص وجداني مفكر في إطار تخليق انموذج بطولي عالي السمات في وسط الركام الهائل من شعر الأيديولوجيات.:
،،،
النص
......
"ثمة رجل":
أناجي موقد الحكايا الغافلة ..
أن ربت على كتف الليل ..
قبل أن يهترىء الحلم ..
و تتلاشى الغيوم ..
قبل أن تتهجأ الكلمات الحب
بطريقة خاطئة ..
تقرأه من جهة الغبار
المنسي
على سطح الأحرف الصامتة ..
ثمة رجل
أطفأ نجمات الذكرى ..
وأوصد على إصبع الحنين
النافذة ..
ثمة رجل
تلهث وراءه القصائد ..
وما كفت لأجله الفراشات
عن مراقصة الفكرة ..
رجل منذ أن عرفته ؛
وأنا مفعمة بالحدائق
بطريقة معدية ..
لدرجة أنني
كلما بذرت في طريقه :
"أحبك"
تغدو زهرة ..
،،،
ان الشاعرة تمتلك من الامكانيات الشعرية- من حيث الفكر والاسلوب وطريقة التعبير _ ماجعلها في دائرة الابداع والتنامي العميق ، ففي هذا النص بالذات نحت الشاعرة منحيين:
أحدهما يمثل التأريخ الوجداني الماضوي، والآخر يحكي عن سمات البطل المتمثلة بصورة الأب الفقيد الشهيد من خلال ذلك الإنموذج الخفي ، وربما تكون حادثة استشهاده واغتياله هي اللحظة الفاصلة بين دفء المواقد القديمة وصورة الأمل الحالمة الممتدة عبر الزمن القادم.
(ثمة رجل أطفأ نجمات الذكرى
وأوصد على إصبع الحنين النافذة)
ياله من انموذج لبطل وجداني شعري، ذي مواصفات عالية بحيث يستحق أن تخاطبه كأنثى بمركب عملاق حقيقة.
(وكلما قلت
أحبك
تغدو زهرة)
هناك ماضي علاقة وطيد ممتلئ بالدفء،ولكنه تعرض إلى انتكاسة ما ،مع ان هذه النكسة لم تغلق باب الحلم ،
من هنا عبرت الشاعرة بكامل حريتها ووعيها التعبيري عن هذا المشهد الجامع بين احساس الإبنة واحساس العاشقة ،وهو احساس يصعب تصوره والتعبير عنه اصلا..ولولا اطلاعي الشخصي على حدث هذا الفقدان الرهيب،فلربما يصعب الوصول الى فكرة متكاملة عن هذا المحبوب المتداخل مع كل من رات فيه شاعرتنا لمحة منه..
ومن الملاحظ ايضا إن الألفاظ التي وردت في سياق النص توحي بكل تفاصيلها بتجليات هذا الشخص المعني بشكل واضح مما يشي بان حجم الإحساس بالخسارة في كلا الحالتين كان كبيراًجداً.
ويمكن استنباط ما تم ذكره من خلال صور وتراكيب قلما وجدت لها نظيراً حيث كانت مبرزة بشكل مقصود لتركيز انتباه المتلقي عليها ربما لضرورة فنية اقتضاها التعريف مرة ،وربما لصدق الاحساس العارم،وبالتالي لتعميق دلالة التعريف بحيث يصل إلى مستوى قداسة ذلك المحبوب المفقود .
ان مثل هذه التراكيب اللغوية والصورية تمثل المادة الخام في هذا النص، فالشعر كما يقول الجاحظ (صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير)1..
إن مثل هذه الصياغات المميزة المتصاعدة عبر الانتقالات السلسة هي كما قال عبد القاهر الجرجاني في المدخل (تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها سببا في بعض)2.
ولقد ركزت الشاعرة في قصيدتها على خطاب الغائب لاستثارة وعي المتلقي من اجل حسن الإصغاء تماماً ،وسلكت الى هدفها اسلوباً مجازياً يستدعي مراجعة الفكر بدلا من استحضار صورة المخاطب نفسه ،
وقد يعود السبب إلى نظرة الشاعرة الرومانتيكية الإنعكاسية، وطبيعة تصورها للحياة بروح حيوية تجمع بين الحلم والواقع.
أتمنى للشاعرة د.جنان محمد مزيدا من العطاء مع التقدير..
أ.إحسان الموسوي
هوامش:
…………
1كتاب الحيوان/ الجاحظ
2دلائل الاعجاز/ المدخل/عبد القاهر الجرجاني.

من حقيبة االمذكرات/ الجزء الرابع من لقائي مع الروائي الأردني " غالب هلسا " .. الأديبة: وفاء كمال


.ـ ( س ) ـ لقد اتهمك البعض بالماسونية, رغم انتمائك للحزب الشيوعي الذي يؤكد ارتباط الماسونيين بالمخابرات الأمريكية فما قولك في ذلك ؟
ـ ( ج ) ـ اتهمني في ذلك شخص سوري يُدعى " بشار مصطفى " , ودافعتْ عني أسرة تحرير مجلة " الموقف العربي " حينذاك . وربما كان التباس المدعو بشار , ناجما عن قراءته لإسمي في مجلة " فلسطين الثورة " بين قوائم الماسونيين .دون أن يقرأ التنويه المذكور في الهامش الذي يؤكد أ ن " غالب هلسا " المذكور في القائمة ليس هو الكاتب العربي المعروف ..وذُكر في التنويه عمل ذلك الشخص ومواصفاته التي لاتنطبق عليَّ مطلقاً .
ـ ( س ) ـ لقد ارتفعت نغمات كثيرة غير اتهامك بالماسونية . كاتهامك بالنيرونية والسادية , وتشويه حقائق الحياة ,بالإضافة إلى الموجة التي ادعت أنك صاحب الروايات الإباحية ’ التي تروج للبغاء وللمومسات..وأنت تؤكد دوماً ان النقَّاد لن يتناولوا رواياتك بشكل إيجابي .
ـ ( ج ) ـ لأنني أعرف نقادنا تماما ..فالنقد الأدبي يجب أن يكون معرفة وثقافة , والناقد يجب ان يتعامل مع النص بشكلة وروحه , بأفق مفتوح , دون مواصفات مسبقة ونظرات ومعطيات يدخرها النقاد الذين تناولوا رواياتي بالنقد
نح نفتقد لنقاد يبحثون عن أسرار النص ومزاياه , ويقرأون النصوص قراءة معمقة قبل ان يحكموا عليها . وأغلب نقادنا يتناولون النصوص بسطحية تجعل القارئ أشد ارتباكا ً وتشوشاً .
" نجيب محفوظ " عندما أصدرتُ روايتي " الضحك " , أُ عجِب بها . وكتب او تحدث عنها في أربع مقابلات صحفية وإذاعية . ولم يُكتب مع ذلك عن رواياتي إلا القليل وتناولوها بسطحية . مع ان هنالك روايات متدنية القيمة نالت اهتماماً نقدياً اكثر من رواياتي .
اما عن موضوع المرأة المومس ..فقد تناوله الكثير من الأدباء العرب " نجيب محفوظ وحنا مينا وهاني الراهب ويوسف إدريس وادوار خراط وغيرهم .بالإضافة إلى ان هذا الموضوع شائع في الأدب العالمي .
وكبرهان على ذلك أذكر العديد من الأسماء التي تناولت هذه الفئة من النساء مثل . بروست .سارتر ,غوركي ,تولستوي ,شتاينبك , نورمان ميلر ودستويفسكي .بالإضافة إلى فوكنر وبلزاك ومورافيا وغيرهم ....وانا لم أتحدث في رواياتي عن تلك الشخصيات بعمق ولم اخض بتفاصيلها .لانني لم أكن أمتلك معرفة عميقة وكافية بتلك الشخصيات ولا أقول ذلك فخراً او اعتزازا بل تلك هي الحقيقة .
ـ (س ) ـ كيف ترى موقف الرواية العربية من المرأة .
ـ ( ج ) ـ الرواية العربية تضم أنماطاً من النساء غير واقعية . وهذه الأنماط نفسها هي التي تحدد مسيرة الرواية , وليست الرواية هي التي تحدد مسيرتها , فلو كانت المرأة مومساً فاضلة , تجدها تتمتع بحب جارف عنيف ويكون مصيرها الموت في النهاية . وإذا كانت فتاة فاضلة , فإنها ستتعرض لعقبات كثيرة تحبط طموحاتها .وتؤذي حياتها العاطفية .كأن يقف الأهل عقبة دون زواجها ممن تحب , او تقف التقاليد الاجتماعية ضدها ,أو يخونها الشاب الذي تحبه ويخدعها .. بالإضافة إلى أن رواياتنا لاتصور المرأة العربية على حقيقتها. فمثلا : المرأة السورية متطورة وراقية , وكذلك المرأة المصرية حضارية جداً , بينما المرأة اللبنانية متخلفة برأيي وبدوية حتى ينقطع النفس , ومع ذلك لانلمس ذلك في الروايات .
لقد أذهلني موقف " هلسا " من المرأة اللبنانية . خصوصاً أنه قال لي معقباً : وهذا الكلام للنشر . دون ان يعلم أنني لبنانية بسبب لهجتي السورية . ولاأدري لم َ لم أسأله يومها عن سبب ذلك التصريح ؟!! ربما لأنني منحازة إلى نصفي الشامي .ولكنَّ الأمانة الأدبية تستدعي مني ان أذكر ذلك دون تبرير الكاتب , حتى لو كان الأمر يمسني بسوء . وقد أكد " هلسا " أيضاً أنه لم يحب بيروت في يوم من الأيام . قال:
ـ قد كنتُ اكرهها على الدوام وكنت أشعر ان حياتي فيها لن تكون مستمرة . ودمشق هي المدينة الوحيدة التي انغزتُ فيها واحببتها , ولم أقدر على مغادارتها.
ــ ( س ) ـ لمْ تحب بيروت , لكن مواد الكتابة عنها كثيرة لديك . وخاصة فترة الحصار التي عشتها.
ـ ( ج ) ـ بصراحة لاأحب أن أكتب عن مدينة لم أحبها , ولم أمارس فيها أحلام يقظة خاصة تتعلق بمستقبلي .
ـ ( س ) ـ إ ذاً لمَ لم تكتب عن دمشق مادمتَ قد احببتَها حتى الذوبان ؟
ـ ( ج ) ـ لان دمشق تراوغني باستمرار . وتتحداني , وعليَّ ان أنغمس بتجربة إنسانها وأحسُّ معه . وأتذوق بمذاقه .
" حنَّا مينا " الذي عاش فيها سبعة عشر عاماً ,لم يكتب عنها حتى الآ ن .فلاتلوميني .
ـ كل مااتذكره في أنه قال لي في نهاية الحوار :
سأقول لك سراً لم أبح به لأحد من قبل :
( خفقت الكلمة في أوردتي كسيمفونية شجية وتوثبت كل حواسي) ) . همَ " غالب " ليبوح بالسر لكنه تعثر وتلعثم قليلاً , ثم صمتَ .
قلتُ له :
ـ ماذا هل ارتكبت جريمة على غرار أبطالك وتريد ان اساعدك بإخفاء الجثة ؟
ضحك وقال متكتماً : لا...لا ..
قلت :لقد عرفتُ السر.. أنت السفاح بطل رواية " السؤال " .
ضحك وقال : بلهجة مصرية :
ـ كش برة وبعيد .
ـ ( س ) ـ ما هو السر إذاً ؟
قال: لن أبوح لك به إلا بعد ان تحضري لي من أرشيف مجلتكم " بيروت المساء " مقالين لي عن " جمالية المكان عند غاستون باشلار " .
ــ ( س ) ـ وهل تذكر تاريخ المقالات ؟ فانا أرهق زميلنا في الأرشيف دوماً في استخراج المقالات حين لاأعرف تاريخها .حتى بتُّ أخجل منه .
ـ قال إذاً لاتريدين أن تعرفي السر .
ـ قلت امري لله .
بعدها بيومين سافرت إلى لبنان وألحيْتُ على رئيس التحرير ( زهير الهواري ) حتى احضرَ لي تلك المقالات من الأرشيف . عدتُّ فرحة بها واتصلتُ عدة مرات ولم أجد " غالب " , ولا أدري لماذا لم اكن لجوجة وملحَّة . فالمقالات بقيت بحوزتي وغالب رحل من امامنا دون ان يستأذن .
ترى ماهو السر الذي كان سيبوح به ( غالب هلسا ) قبل ان تنسل الحياة من بين جوانحه وقبل ان يغلق جفنيه في غفوة كبرى !!؟
في آخر مرة رفعت السمَّأعة للاتصال به .كان هاتفه يردد لهاث قصيدة حزينة .
كذلك نعيش
في كل خطوة نستأذن للرحيل
تمت
أجرت الحوار وفاءكمال الخشن
مجلة / بيروت المساء

من حقيبة المذكرات الجزء الثاني من لقائي مع الروائي الأردني " غالب هلسا " ... الأديبة/ وفاء كمال


أثناء حواري مع الروائي " غالب هلسا " استأذنتني فتاة حسناء ,وهمست في أذن الكاتب بضع كلمات. فانشغل معها في حديث هامس .فاستأذنته قليلاً ريثما ينهي حديثه مغتنمة وجود الفنان المصري أحمد زكي في قاعة الميريديان .وكان قد خرج حديثاُ من تهمة تعاطي المخدرات .فاستأذنته في حوار صغير .وخضت بعدها مباشرة في الحديث عن انتشار المخدرات في مصر . وحين أحس أن الموضوع سيتناوله ..قال لي بصوت مرتفع :كلميني بغير هذا الموضوع ..كلميني في الحب كلميني في الملوخية ..فتجهم وجهي . فتدخل أحد المنتجين لم أعد أذكر اسمه ربما " مدحت أو ممدوح الليثي " قائلاً :
ـ " ليه كده يااحمد ماتحولش الموضوع لهزار دي حاتطَّلع عيونك بعديها " .
ولاأدري لمَ بنى هذا التصور عني ؟ رغم أنني لم ألتقِ به من قبل .
المهم أن حواري مع الفنان انتهى على خير وبسرعة .وعدتُ لأجد " غالب هلسا " مازال بصحبة الفتاة . فاستأذنتني وغادرَتْ بلطفٍ . ابتسم غالب وسألني أين وصلنا بالحديث .
قلتُ : علمي علمك ..وضحكتُ .. ثم قلت:
ـ افتكرت (وضغطت زرالمسجل) ... كنت تحدثني عن تجربتك في السجن .
ـ ( ج ) ـ إن سجن الخماسين كان فعلاً فقيراً بالصور . فقد التهمت الصور التي سبقته والصور التي لحقته صورة ذلك السجن . فقد تم استدعائي قبل السجن لمقابلة أحد المحققين في وزارة الداخلية .وهنا كان لابد أن تبرز صورة الرجل الخائف . وبرزت صورة القسيس القلق الذي هرب من القاعة . وصورة رجل الأمن المكلف باستقبال المطلوبين ليقوم بواجب تأديبهم . ويترفع عن الحديث معهم . كما تبرز صورة الأمريكي والفتاتين والشاب والعجوز ..كل ذلك كان يمثل حاضر الرواية . بينما يعرض البطل بواسطة " فلاشباكه " صورة المرة الأولى التي كان فيها سجيناً في زنزانة مظلمة . ويتحدث عن تعذيب أناس آخرين خلال وقت متأخر من الليل .وهذا يمثل الماضي .
ـ ( س ) ـ وماذا عن تجربتك في سجن عمَّان ؟
ـ ( ج ) ـلقد كانت تجربة شاَّقة ومتعبة للغاية .
كل حياتي في عمَّان كانت مرهقة .لأنها كانت محاطة بسرِّيّة تامة , اختفاء مستمر, ورعباً من المصادفات والمفاجآت وكلاب الحراسة والبوليس.
ـ (س ) ـ لقد أعطيتَ السجن في " الخماسين " عن طريق التداعي امتداداً في المكان إلى سجن عمَّان المركزي. كماأشرتَ إلى مكان سجنك في مصر .وإلى مكان التحقيق .
هذا التحديد للمكان في السجون السياسية لم نره في روايات سابقة .
ـ ( ج ) ـ ربما طغى خوف في السابق من السلطات .إلا أنها في كل الأحوال ألاعيب الذاكرة التي تخفي ماتشاء من الأمكنة , وتكشف ماتشاء.
ـ (س ) ـ وغياب الأردن من ذاكرتك في معظم كتاباتك ,هل هو أيضاً لعبة من ألاعيب الذاكرة ؟
ـ ( ج ) ـ والله لم أعرف سبب غيابها عن ذاكرتي بالضبط ..لقد تحدَّثْتُ عن طفولتي في الأردن ,في روايتين قصيرتين هما " وديع والقديسة ميلادة " و " زنوج وبدو وفلاحون " . وعدتُ للحديث عنها في " سلطانة "
ـ ( س ) ـ وبعدها لم تعد تتحدث عنها ابداً فأين كنت تجد المكان البديل لمرابع طفولتك ؟
ـ ( ج ) ـ ربما كانت القاهرة هي البديل الأول الذي منحني الأمان وحقق كل أحلام طفولتي المنهارة في القرية .
الحديث عن الطفولة بالنسبة لي لابعني مرتعها ومكانها الأول . أو استذكار مرحلة معينة منها وإنما هو حديث من خلال رؤية معينة للعالم .
ـ ( س ) ـ إذاً أنت لاتدقق بتفاصيل المكان .
ـ ( ج ) ـ إن ذاكرتي ليست بصرية أو صورية .إنما هي ذاكرة إنحيازية. فقد تعلق بها بعض الأمكنة التي أنحاز إليها بشدة . أولا لايعلق من المكان سوى خيوط صغيرة .
ـ (س ) ـ أنت لم تطرح حدثاً معيناً في الخماسين .
ـ ( ج ) ـ الخماسين هي عبارة عن رؤيتي للعالم . وبالذات علاقة المرأة بالرجل .
ـ ( س ) ـ لقد حاولت طرح نفس الأشياء في روايتك " الضحك " .
ـ ( ج ) ـ هناك فارق بين الروايتين .
في " الضحك " اليساريون كانوا أناساً هامشيين , يقضون أوقاتهم في اللهو في المقاهي ,وتبادل النكات والأحاديث السخيفة . أما في " الخماسين " فهم مناضلون ملاحقون ومراقبون .وعلاقة المرأة في الرجل في " الخماسين " كانت تؤكد ان المرأة باحثة عن اللذة شانها في ذلك شأن الرجل .لكنَّها مفجوعة .تخاف التقاليد كما هو حال " ليلى " في الرواية .
بينما في " الضحك " فعلاقة المراة بالرجل مازالت محكومة بفكرة الخطيئة. لذلك لم تنته علاقة البطلة " ناديا " مع البطل إلى الزواج الذي كان يؤكد كل منهما منذ بداية الرواية على أنه سيكون النهاية الطبيعية لعلاقتهما بعد ان تغاضيا عن مسألة اختلافهما بالدين .
لقد فشلت علاقة البطل بنادية لأنه كان فارغاً ومشغولاً بالأشياء التافهة .
للحديث بقية....

من حقيبة المذكرات/ لقائي مع الروائي الأردني غالب هلسا.. الأديبة/ وفاء كمال

إثر اختطاف الموت لحياة هذا المبدع الذي أثرى المكتبة العربية بنتاجه الأدبي والفكري ..تساءلتُ نفس تساؤل " رودان " إثر وفاة " مالارميه " : " ترى كم من الوقت سيقضي هذا الكون ليخلق فيه دماغ كهذا " ؟ .
فقد كان " غالب هلسا " نموذجاً للأديب الملتزم بصفوف حركة التحرر العربي, وفي مقدمتها صفوف المقاومة الفلسطينية . حيث أمضى أجمل سني حياته في رحلة مكوكية بين السجن والمنفى والإقامات الجبرية أو الرحيل القسري . فمن سجن بيروت حتى سجن طرابلس, ثم إلى سجن عمَّان المركزي .ثم سجن بغداد التي ذهب لدراسة الحقوق فيها فاعتُقل بسبب صلته بحركة الخمسينيات الثورية . ثم إلى القاهرة التي اعتقل فيها مرتين ثم غادرها إلى بيروت في فترة حصارها . وكان ينقل مشاهداته وينشرها في جريدة " العودة 
" .ثم غادر بيروت إلى اليمن الديموقراطية مع خروج المقاومة . وكانت دمشق مقراً أخيراً لإقامته وآخر محطاته .
كنت ألتقي به كثيراً في المناسبات الفنية أو الأدبية .وكلما تصافح نظرانا كان يبتسم . فأمضي وأنا أحمل المزيد من الدهشة والتساؤلات حول هذا الجسد الذي لايألف الراحة وهو يجلس بين صفوة من الكتَّاب والشعراء , يهبهم طراوة الحديث ونضارة الأفكار . حتى أصبحت ممن يحبون لقاءه والاستمتاع بمجلسه ونقاشاته وتجلياته . 
وفي المرة الأخيرة التي رأيته بها ,استبقني بنظرة طفل غرير وابتسامة عذبة ,وبدماثته اللامتناهية قال :
ـ هل زعلتِ مني بالأمس ؟ 
قلتُ :متلعثمة لا لكل إنسان ظروفه .
قال: أنا اليوم مرتاح وجاهز للحوار . 
قلت: 
ـ أنا " بقى " لستُ جاهزة للحوار .مضطرة أن أذهب لتغطية نشاط المهرجان السينمائي اليوم .. 
ضحك قائلاً :
ـ هذا يعني أنكِ مازلت غاضبة مني .
ـ وهل تعتقد أني " تفيدة أو سلطانة " تزعلني متى تشاء ,وترضيني متى تشاء ؟! 
أنا لست بطلة من أبطال رواياتك . 
ـ وهل تكرهين أن تكوني بطلة من أبطال رواياتي ؟ 
ـ بصراحة لستُ من أنصار هذا النوع من البطلات اللواتي يزرْنَكَ في اوقات القيلولة , وفي الأجواء الخماسينية الحارة .
ـ تقصدين ليلى , صدقيني أنا مظلوم .ليلى كانت طالبة في معهد السينما , جاءت لزيارتي وكانت مشمئزة من ذلك الحر . يومها خرجنا وجلسنا في كازينو ثم أوصلتها إلى موقف الباص وعدْتُ راجلاً. 
قلت ضاحكة :
ـ اردتَ ان تحلم دون أن يقطع عليك السائق أحلامك . 
ـ لا والله ...لم أكن أحلم .بل كانت حرارتي تكاد تقارب الأربعين درجة .
ـ إذا عدتََ سيراً على الأقدام لأنك دفعتَ كل ماتملك في الكازينو, ولم تحتفظ بأجرة الركوب 
ــ ليه فقد كنتُ أعمل في وكالة أنباء وكان لدي فلوس كفاية .
ـ هذا يؤكد أنك بطل الرواية الذي كان يقوم بنفس العمل . حتى اسم البطل كان نفسه .وقد تحدثتَ في الرواية عن تجربة في السجن في مصر .فهل سُجِنتَ هناك ؟
ـ لقد كان ذلك في زمن ملاحقة اليساريين في مصر . وسُجنتُ لأسباب سياسية في سجن القلعة في القاهرة .
ـ ولكنني كررت قراءة هذا المشهد أكثر من مرة لأعرف ماذا حلَّ ببطل الرواية "غالب في السجن؟ وأي عذاب كان يعاني ؟ . ولم أعثر على صور كثيرة تروي شغفي لتلك المعرفة .
ـ "يبقى كنتِ عايزة تشمتي فيَّ " . 
ـ لا والله كنت عايزة أحس بوجعك . 
للحديث بقية