الأحد، 11 سبتمبر 2016

بطاقة تهنئة الى جناب السلطان - بقلم الاديب/كريم القاسم

بطاقة تهنئة الى جناب السلطان
 
تحيةٌ من طفلةٍ تعيش كل يوم في سنة . عُمرُها عُمْر أهرامات
مصر ، جنائن بابل المعلقه ، مَسَلَّة حمورابي ، حجارة بعلبك ،
طورسيناء ، عين زمزم ، والقيروان .
تحيةٌ من طفلةٍ قَرَأتْ ذات يوم ملحمة كلكامش ، قصة عنترة ،
شِعر مجنون ليلى ، المتنبي ، وقصص ابو زيد الهلالي .
تحيةٌ من طفلةٍ زَقزَقَتْ ذات يوم بأغنية (فوك النخل فوك) ورَفرَفتْ
على (القدود الحلبية) وَعَشعَشتْ في اوبريت (الليلة الكبيرة) .
تحيةٌ من طفلةٍ أنشَدَتْ في حَفلٍ مدرسي ذات يوم ، قصائدَ صَفيِّ
الدين الحِليِّ ، وأحمد شوقي ، و جُبران ، والفيتوري .
تحيةٌ من طفلةٍ كانت تسابق الريح على صهوة جواد ابيها ذات يوم،
لايسبقها إلا حلمها فوق الروابي . تحصد كل يوم سنبلة ، وتزرع
كل يوم نخلة او شجرة .
تحيةٌ من طفلةٍ عريقةِ النسب ، الى صاحبِ العرشِ والصَوّلَجانِ
والرُتَب.
ياسيدي السلطان :
أنا من مدينةٍ ، كِلانا ينتمي لها ذات الإنتماء . الفرق بيننا ، خَلقني
الله من حُرِّ طينها ، وانتَ مِن شائبةِ سَبخها . فانحرفَ كلّ فرعٍ الى
أصلهِ ، وحَنَّ كل نَسلٍ الى أرومَتهِ . فاحتضَنتُ جراحَ الوطنِ ،
والتحفتُ غبارَهُ ، وتوَسدتُ رصيفَهُ العاري .
وانتَ ياسيدي المُبَجَل ، مازلتَ تتنفس ضباب لندن ، وتلتحف غانيات
الروم ، وتتوسد حقائب السِحت الحرام .
متى ابتسم ياسيدي السلطان ....؟
أَتَعْلَم بأني ماذقتُ طعم الابتسامة ، مذ عَرفتُ بأنك سلطاني .
مُذ عرفتُ بأن مملكتي تُنهَبُ كل يوم ، وعرشكَ يَعلوهُ تاج مُتَطفّل
على التاريخ .
مُذ عرفتُ بأن سنبلتي تَطحنُها سَنابك الغُزاة ، وسجادتك الحمراء
تَبولُ عليها كلاب الحراسات .
مُذ عرفتُ بأن عرشكَ مِن قَصَبٍ ، وبلاطَكَ واهٍ كَبيت العنكبوت .
مُذ عرفتُ بأن دمائَكَ تَسري خِلاف المنطق ، وإن مَنبَعَها آسن .
أيها السلطان الغائب الغَيور ، ياصاحب الصقر الذي جناحاه من
ورق .
يا أيها الجود الذي لايُقاس ، يا أيها المٌبَشِر بالإملاق والحرمان
والافلاس .
يا ايها الجهل الذي في كل دار نَما ، واثمرَ حنظلاً مٌرّاً شريّاً عَلقَماً.
كل عام وأنا ابحثُ عن فرحةِ عيد ، عَلَّني أجدها بين حقول الالغام،
وجثث السيارات المفخخة بالحقد والكراهية ، وصراخ الطائرات
المُتخَمة باللعنة والهلاك .
كل عام وأنا ابحثُ عن عيدٍ بين سوط جلاد ، وقُضبان ملك مُبَجَّل،
وخفافيش عهركَ المتواري خَلفَ عطر الغانيات .
كلّما اصغيتُ الى صيحةٍ من بعيد ، قَصدتُها ظَننتُها زغردةَ سرورٍ
وحبور، لقدوم ِ عيدٍ سعيد ، فوجدتُها نياحاً وعويلا .
كلما هَتَفَتْ مآذن الحي بالتنابذ والتنازع والتضاد ، ظننتُ بان العيد
وافد لامحالة .
كلما اشرَقَتْ شاشاتُنا بشَبَحِ وريث عرشكَ ، مَزهوّا بنياشينهِ
الوهمية ، تَوهَمتُ بأن العيدَ آت .
مازلتُ ابحثُ في القمامةِ عن لقمةِ زادٍ عَفِنَة . اوبقايا جيفةٍ او مِيتَةٍ
يَسترُني بها الشَرْع .
مازلتُ ابحثُ في ضَرعِ الوطن المُرهَق الواهِن عن قطرةِ لَبَنٍ ،
مُذ هجرتُ الحنان ، وانا لاهثةٌ استجدي ماءي مِن وراء الحدود .
مازلتُ ابحثُ عن عقلٍ ومعرفةٍ ، تبطشُ بالحُمْق والبلاهة ...
مازلتُ ابحثُ عن ضوءٍ سماويٍ يُشتتُ عُتمة الدَيجور ...
مازلتُ ابحثُ عن عدلٍ يَفتُّ عضد الإفك والبُهتان ...
لِمَ تصمُّ سَمْعكَ عن صهيلِ طفلةٍ ، تلتقطُ انفاسهَا بين ثنايا غبائكَ
المُدَجَج بتسابيحِ الزيفِ ، وصلاة التَبجّحِ وتراتيل التيهِ والتباه ِ .
ياسيدي ياصاحب المَكرُمات ، ياواهب الأنين والآلام والآهات .
أتدري بأني مازلتُ ابحثُ عن كَفَنٍ طاهرٍ يستر عظامي التي باتتْ
وسام شرف ٍ كوثر ، لِعَصرِكَ الشائن الأبتر .
أتدري بأني مازلتُ ابحثُ عن قبرٍ ، جاوَرَ النيل أو دجلة والفرات،
أو نخلةٍ شامخةٍ مِعطاء ، أو شجرة زيتونة مباركة .
لكنني لم اجدْ سوى بقايا وطن .
كل عام وجناب السلطان ، يبتسم فوق جماجم شعبه .
كل عام وجناب السلطان ، سطر بائس على رفوف التاريخ ،
يروي قصة وطن سرقه السلطان وحاشيته .
فلقد دعوت الله على السلطان وبطانته أن تأحذهم الصيحة ،
او يخسف بهم الارض ، او يأخذهم بالغرق ، أو يرسل عليهم
طيراً أبابيل .
وكل عام ونحن ننتظر سُنّة الله في السلطان ...
(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
 
 
تعقيب الشاعر/غسان الادمي

 

غسان الآدمي بطاقة تهنئةٍ كُتبتُ بالدموع على طروس الخدود وعندما رأها العيد شقَّ جيبه وركنَ الى الصمت ونظرتهُ تعاتب السلطان الذي نحر الجميع قبيل قدومه .

يا لقلبك الكبير استاذ
كريم القاسم كيف استطعت ان تحمل كل هذه الرزايا

لتبثَّها في سفر مخطوطة الاحزان ...
 
رد الناقد/ كريم القاسم
 
كريم القاسم في قلمك خزين جمال مثير ايها المثير ... سلال الشكر بين يديك استاذ غسان الغالي وكل عام وانت بخير.
 
تعقيب الناقد/ غازي احمد أبو طبيخ
 
 
 
آفاق نقديه اذا كان مثل هذا النص لا ينشر في مجلتنا ،فأي النصوص سينشر.. اذن.. عجل يا أخي ابا فاطمة أ.غسان الآدمي بنشره للأسباب التاليه..
********************
1-مع طول هذا المقال الخاطر،او الخاطر المقال،فإنه في واقع الحال كثيف جدا ومضغوط جدا وموجز جدا ،ولكن ذلك كله
لم يمنعه من ان يستوفي اصغر التفاصيل وابعدها عن ذاكرة المتلقي الكريم.. وسر شعورنا بايجازه يكمن في جاذبيته ،حتى اننا ما كنا نرغب في نهايته..
2-مع أن النص يعنى بموضوعة ذات ظاهر سياسي ،ولكنه ،خرج عن طوق المقال الاعلامي او الصحفي ،ليكتسي ويكتنز بالروح الأبداعي الادبي الجنس شكلا ومضمونا.
3- الجمع بين التراث والمعاصرة بسبيكة ذهبية من البلاغيات السلسة غير المتكلفة ،في سياق عربي فصيح ،ذكي الاستهلال،قوي الحجة والاستدلال ،عبر حدث عصري لم يتنازل عن زمنه طرفة عين.. ولكنه ،ولدقة مبانيه وسعة معانيه يكاد يشتمل على عموم علاقة الانسان بالحاكميات عبر التاريخ..
4-ختاما ،هذا الامتداد الافقي والعمودي للظاهرة السياسية الخطيرة ،بما يخرجها عن خصوصياتها القطرية المحدودة ،الى عموم الساحة العربية والاسلامية المعاصره.. ورب اشتمالات مبرقة تضرب على اطناب العالم المترامي..
*****
أخي ابا عمار العزيز..
لقد قرأنا لك قدما ،كل مايبعث على التقدير والاحترام..
أما اليوم.. فقد قرأنا ما يدعو للفخر والاعتزاز..
شكرا من القلب.. تليق بقامتك.. صديقي الذي يعلم ودي.. أ.كريم القاسم الرائع.. تحياتي..
 
رد الناقد/ كريم القاسم
 
كريم القاسم اخي الحبيب ابانعمان ... تقديري الكبير لهذا الحضور الكبير ، وما ذلك بغريب . فلقد تاه الفكر حتى تشظى الحلم ، وبات طعم الامل مر كالعلقم ، واصبحنا كالذي يغني لستُ أدري ... ويبقى الامل بالله الواحد الاحد ... مودتير واحترامي الكبير آفاق نقديه



 
 
تعقيب الشاعر/احسان الموسوي
 
Ihsan Almousawi Almousawi تحية لقلبك الحاني الكبير
كل عام وانتم بألف الف خير
استاذنا ومعلمنا القدير..
 

رد الناقد/ كريم القاسم
 
كريم القاسم وتحايا من القلب اليك ايها الفارس ... وكل عام وانتم بألف خير

هناك تعليق واحد:

  1. اما انا فلا ارى سياسة في هذا المقال، ومهما امعنا النظر فيما بين السطور نرى بينها سطورا لا كلمات .. ايها الكريم دعني اسميها رسالة (( من مظلوم الى السلاطين)) لانني واثق ان القلم الذي انجز هذه الترتيلة المرتبة والمنظمة حتى في تسلسلها التاريخي وتدرج الاحداث والاعلام لهو يدرك كل الادراك انما كان السلطان كلمة جمعت صفات السلاطين مع قصد توحدهم في الظلم وجمعت آهات الاطفال الحائرين ونزلاء المخيمات من النازحين، والتائهين للآن في دروب المجهول بحثا عما يسمى مصير.. استاذ القاسم اهنؤك على نص ناجح، لا اشك في مقدرتك على التوسعة لكنك اجزلت خشية من الملل انا اعرف ان ما في النفس لاتسعه هذه السطور ومع هذا اخي الكريم نجحت فيما اردت ونجحنا نحن احبتك فيما اهديتنا من ( عيدية) .. خالص اعتباري وتقديري... مودتي

    ردحذف