الاثنين، 19 سبتمبر 2016

كلامٌ في القافية( 2 ) بقلم الكاتب/ أسامة حيدر

كلامٌ في القافية ( 2 ) :
 

يقول الشاعر مردوك الشّامي في نصّه ( حفيف النعش .. إلى أبي ) :
ووعدتَ أنك لن تنام /وتظلَ تحرثُ إرثنا الغالي/ وأسطحةَ الحمـامْ./ووعدتَ ترجعُ للبيـوتِ وتفتح البابَ الحديديَّ العتيقّ/ وشرفةَ البيتِ الرخامْ../هل كنتَ تسألنا الصمودَ/ وأنتَ تحفرُ في المدى قبــراً/ وتلتصَّ الظـــلامْ؟../ هل كنتَ ترجونا البقاءَ على العهــودِ/ وأنتَ تدلــفُ في هزيعِ الفجــرِ تدركُ أننا الجيلُ الحطامْ؟...........
استخدم الشاعر هنا قافيتين في نصّه الميم الساكنة والدّال بالتناوب ( تنام . حمام . رخام . ظلام ) ( الصمود . عهود ..)
والقافية جاءت مرتبطة بالمعنى ارتباطاً لازماً بحيث لا نستطيع الاستغناء عن الكلمة التي تحمل القافية . وجاءت ملبيةً لأكثرَ من وظيفة لها ؛ فإضافة إلى التطريب و الإيقاع جاءت لتلبي حاجة فنيّة وتلم شتات الجوّ بالنغم الذي تحمله ( الظلام . الحطام ..) فمن الواضح والجلي ما تحمله هذه الكلمات من جو نفسي يوحي بالمعاناة والألم يكمل لوحة النص كلّه .
وفي نصّ آخر للشاعرة المصريّة عبير الصلاحي والذي تقول فيه :
في بحار البوح ابحر قلمي العتيق...
هامسا للعقل خلسة راجيا الا يفيق...
جاب بالاسحار دهرا حاملا حرفا دقيق..
ورد عشقا خالدا واستهي قلبا رفيق...
راح يعدو اثره باسطا كفا رقيق...
راجيا محض التفاته او ان يحذيه الرحيق..
جل ما اخشاه حقا ان قلبي لن يطيق...
من سنا الحب انبساطه فالهوى جب سحيق...
والفؤاد صار هرما.هده حلم زهيق...
استبيحك يا زماني ..كن ودودا يا صديق...
نجد الشاعرة تلهث خلف كلمات لمجرد أنها تلائم قافيتها دون أن تأبه لما تقدمه هذه المفردات من معنى يخدم نصّها( زهيق ) وتعني المتلاشي والمضمحل . وهي صفة على وزن " فَعِيْل " وتدل على الثبات في موصوفها . والسؤال : كيف يكون الحلم متلاشياً وقد أتعب الفؤاد ؟!!!! وكذلك ( لن يطيق ) ( يا صديق ) .... فهي قوافٍ لم تقدم الكثير للمعنى أو للجو العام في نصّها هذا غيرَ التطريب والإيقاع .
وفي نصّ للشاعر المصري أيمن لا شين
" أناقة الغياب "
ربما تحتوي الصورة على: شخص واحد
شَكَـوْتُ إلَيْــها لا لِقَصْـــــدِ نَوَالِهَا
قريبًا ولَا مِن بَعْـــدِ طُـولِ عَنَــاءِ
ولا أَمَـلًا فِي وَصْلِـهَا أَشْتَفِـي بِهِ
وَقَدْ صُمَّ مَن يُرجَى لَدَيْهِ شِفَائِي
وَلَمْ أَرْجُ يَومًـا أَنْ تَـرِقَّ لَأَدْمُعِـــي
وهل نَالَ دَمْـعٌ مِن قلـوبِ نِسَاءِ !
ولكِنْ لتَسْكابِ الفُؤادِ عَلَى المَلَا
حُــرُوفًا رَآهــــا الخَلَــقُ دُونَ رِدَاءِ
فَسَــاغَ لِهــذَا أَنْ يَقُــولَ ، وهـذِهِ
وما كُـلُّ ما قَالُــوهُ غَيــــــرُ هُـــرَاءِ
فَأَمْسَيْتُ أَخْشَى أَنْ تَظُـنَّ بِأَنَّنِي
لِعِشْقِ سِـواها قد جعَـلْتُ بُكائِي
وَلَيْسَ بِعَيْبٍ لَو جَلَـوْتُ مَقَاصِــدِي
وَإِنْ قُوبِلَـتْ بِالكِبْــــرِ وَالخُيَـــــــلاءِ
نعم ترق النساء للدموع وما جاء به شاعرنا يخالف الواقع ، ويخرج عن المألوف بالنسبة للمرأة التي عُرفت على مرّ الزمن بتعاطفها ورقتها وقرب بكائها في المواقف العاطفية . وهو إنما أتى بكلمة ( نساء ) من أجل القافية ليس إلاّ .
ثم جاءنا بكلمة ( الخيلاء ) وهي مرادفة لكلمة ( الكبر ) وما دفعه إلى استخدامها سوى البحث عن قافية ملائمة لموسيقا النص لا من أجل المعنى وما يتطلبه . هذا ناهيك عن الإطناب الواضح في النص لإتمام الوزن العروضي فمن الملاحظ أن بعض المفردات جاءت قلقة في مكانها مثل ( دون ، جعلت ، غير .)
وسنقف عند بيتين للشاعر اللبناني عماد منذر :
حينَ أتَتْ سائلةً عمَّ جرى * ردَّ شِعْري قائلًا قلبي انْكَسَرا
صارتِ الأوْهامُ تُريها العجبَ * حينَ صمتي زادَ والنُّورُ انْحصَرا
ومن الملاحظ أولاً : الغلط اللغوي في قوله ( عمّ ) والمفروض ( عمّا ) . وثانياً : استخدامه لوزن عروضي غريب في هذين البيتين واجتهاده في ذلك ، فهو قد زاوج بين ( فاعلاتن ) و ( مستفعلن ) وزحافاتها الأمر الذي أدخله في الاجتهاد وغير المألوف . ثمّ لو ترك ألف الإطلاق في القافية وسكن حرف الروي لجاءت أكثر مُلاءَمةً للجو العام الذي يحمله النص ، ولبقي الحزن دفيناً وانكسارُ القلب في القلبِ متردّدا كتردّد الراء الساكنة .
إذ أتت تسأل عما قد جرى
رد شعري قائلا قلبي انكسر
-واستبد الوهم يحدو فكرها
حين شح النور والقول احتضر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق