الأحد، 25 سبتمبر 2016

مقالة -في الصّورة الشّعريّة بقلم الاديب/ أسامة حيدر

في الصّورة الشّعريّة :(1)

لنْ أتناولَ في هذه العجالة أنواع الصّورة الشعريّة لكنّي سأتناول لطيفةً أو أكثرمن لطائفها :
ثمّة صورٌ كثيرةٌ تُطالعنا فيما أنتجته قريحة الشعراء ، ولكن يتفاضلُ الشعراء في الصّورة كما يتفاضلون في المعنى ودقّته ورونقه .
فثمَّ صورٌ مبتذلة كقولنا : رأيتُ أسداً ، ونريد رجلاً يشبه الأسدَ ، وبحراً ...... ونبحثُ دائماً عن صورةٍ حسنةٍ لطيفةٍ عالية الطبقة ، ولا تكون كذلك إلاّ إن جاءها اللّطفُ من كلِّ حدْبٍ .
انظروا إلى قول الشّاعر :...

سالت عليه شِعابُ الحيِّ حين دعا ... أنصارَه بوجوهٍ كالدنانير
فمن الواضح أنّه أتى على معان كثيرةٍ من خلال هذه الصّورة :
1- هو مُطاعٌ بين أهله وعشيرته .
2- يسرعون إلى نجدته حين يدعوهم .
3- يكثرون حوله حين يناديهم لحرب ، ويزدحمون حواليه حتّى يغصَّ بهم المكانُ .
4- هم كالسيل يتدفّقُ من هنا وهناك .
ثمَّ انظر إلى قول الآخر :
اليوم يومان مذْ غُيِّبْتَ عن بصري ..... نفسي فداؤك ما ذنبي فأعتذرُ
أمسي وأصبحُ لا ألقاك واحَزَنا ...... لقد تأنّقَ في مكروهيَ القدرُ
( يريد أنّ اليوم تضاعفَ طولُهُ عليه بسبب البعاد فصار كيومين )
ولطفُ الصورة في قوله : ( لقد تأنّقَ في مكروهي القدرُ )
1- القدرُ يؤلمُ شاعرنا أشدَّ الإيلام .
2- القدرُ تجمَّلَ إيغالاً في ألمه .
3- القدرُ لا يحسبُ للمحزون ( الشاعر) أيَّ حساب ولا يأبه لمشاعره الحزينة لذلك تأنَّقَ لحزنه .
إذاً كلما ازدحمت المعاني في الصورة كانت أكثر روعةً وجمالاً من صورة تعطيك معنى ذاجانب واحد لا أكثر . هي أسرارٌ في الصُّورة أيّاً كان نوعها لا نطالعها في الكثير ممّن نقرأ لهم اليوم .
قال الشاعر عمر أبوريشة :(2).
مأتم الشمس ضجّ في كبد الأفـــــــــــــــق وأهوى بطعنة نجلاء
فأطلت من خدرها غادةُ الليـــــــــــــــــــــــل وتاهت في ميسة الخيلاء
الصورة هنا كلية .الشمس تودع يومها ، والليل يطعنها طعنة قاتلةً بقدومه ، وقد استطاع الشاعر أن يحول الظاهرة الفيزيائية إلى حالة إنسانية فالشمس مهزومة أمام عظمة الليل . وإن خيال الشاعر الاسترجاعي وخياله التوليدي قد منحنا صورة رائعة غير مسبوقة والأهم من ذلك كلّه كيف استطاعت الصورة هنا أن تعكس الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر وهي حالة الحزن و الألم. والموضوع نفسه تناوله شاعرٌ آخر هو خليل مطران عندما تحدث عن الشمس الغاربة :
و الشمس في شفق يسيل نضاره فوق العقيق على ذرا سوداء
مرّت خلال غمامتين تحــــــــــــدراً وتقطّرت كالدمــعة الحـــمراء
الصورة الشعرية الناجحة تحوّل ،وبلا تناقض، مظاهر العالم الخارجي إلى تجربة إنسانيّة تمتزج فيها ذات الشاعر بعناصر هذا العالم وتعكس في الوقت ذاته أحاسيسه ومشاعره تجاه محيطه وعالمه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق