الجمعة، 9 سبتمبر 2016

ما هو الخط الفاصل بين الشعر والعرفان?..بقلم: -غازي أحمد أبو طبيخ.. مجلة: آفاق نقدية

هكذا مبحث لا ريب سيكون عميقا وغاية بالاهمية..لأنه يقدم في الواقع مفاتيح واضحة الملامح اعتقد شخصيا انها بالغة الضرورة.. 
ولربما تجد من يختلف عنك في زاوية النظر الى معنى الشعر اصلا.. معتقدا ان الشعر تنويعات مختلفة ومستويات مختلفه ..كل منها يرتبط بطبايع الناس المختلفة بدورها تبعا لاختلاف البنى السيكولوجية لبني البشر..
فمن البشر من يلامس الشعر ملامسة المغني او المنشد ولا يريد الذهاب ابعد من ذلك ..او ربما لايمكنه ذلك ..بحكم مستوى طاقته او بحكم الضغوط والحواجز والحجب والمعوقات المانعه.. 
ومنهم من يحاول الاقتراب الى عالم الفطرة القصي.. ولكنه لذات الاسباب السالفة يظل ..ربما طول عمره في دائرة الحومان.. 
ومثلك ايها العارف من يعي بكل تأكيد ان الشعر.. كطريق من طرق المعرفة..قد يغرق في رحلة البحث حد الانفراط عن عقد الشاعرية والوقوع في حومانة الاشراق المحض.. 
ومن الواضح ايضا.. من خلال سؤالك الكثيف الرائع.. انك تدرك عميقا معنى الفصل بين الاشراق المحض الذي يدخل بنا ..اذا لم نحكم الفصل بين النوع والنوع.. الى عالم آخر انت تدركه عميقا يخرج بنا عن معنى الشعر اصلا.. ولكل من العالمين اسمه ورسمه كما تعلم.. وان خرجا من مشكاة واحده.. 
وقد يظن البعض ان بعض مقولات او كشوف العرفان شعرا.. لجمال عبارتها وكثافة صياغتها ولون او نوع مضمونها ..ولكنك ايضا تعلم ان ما يعتقدونه خاطئ تماما..ولا ريب ما دمنا قد ذكرنا هذا من الاشارة الى ان الشعر غير ممنوع عن العارف.. فأذا ما اراده وهو موهوب امكنه تحويله الى بنية حمل كبرى لفيوضات كبرى.. لكونه يمتح من توصلاته التي ينفرد بها عن الشاعر وان كان رائيا.. 
نعم قد يصيد الشاعر الرائي كشوفه الباهرة احيانا من ذات المشكاة ..ولكنه لا يذهب اليها بغير عربة الشعر التي يتميز بها عن بقية الوسائل التي يركبها السعاة الاخرون..
نعم فد يكون العارف شاعرا.. ولكن جذره ومحوره ومركز تركيزه هو العرفان.. ولهذا نرى صيوده اكثر حضورا وكثافة.. وهو بهذا يختلف كثيرا عن الشاعر الرائي.. 
السؤال الان ..مادام طريق العرفان ..مثلا.. كفيل بصناعة او خلق العارف ..فهل يفعل طريق الشعر ذلك.. بمعنى هل يمكن للشعر ان يخلق عارفا بنفس المعنى.. 
هذا هو ما تبحث عنه جنابك الكريم ..اقول لك.. 
الشعر يصنع رائيا نعم.. بشرط ان يترقى رويدا اوالهاما.. فيصيد ما يصيد من جواهر الاشراق.. ولكنه بالشعر تحديدا لا يكون عارفا ابدا.. لان الطريق مختلفة ..وان كان الاختلاف بحدود شعرة الرأس.. ولكن الحصيف المدقق مثل جنابك يرى هذا الشعرة بوضوح تام..
ولكي يكون الفصل واضحا للجميع اقول..الشعر مرتبط بالشعور ..الشعر بعد لصيق بالنفس.. الشعر لا يكون شعرا من دون السباحة بماء حياته واعني مجمل فعاليات النشاط النفساني الشديد الارتباط بالاحاسيس والعواطف والانفعالات والتفاعلات والاستجابات الشعورية جميعها فرحا وحزنا.. حبا وكرها ومقتا ..انحيازا وتراصفا وتباعدا وتقاربا.. الشعر يعبر بذلك وعنه في آن واحد ..وقد يكتفي بذلك فيسمى شاعرا مغنيا او منشدا او محتجا او مدينا اومضيفا بهاء جديدا او مجملا او.. او.. وكل ذلك في مراتبه ومواقعه وطبقاته ايضا.. 
اما الشاعر الرائي ..فهو نوع آخر مستقل في جانب.. في مقابل ..الشاعر المغني.. ومقابل الشاعر المنشد.. والمدين والمحتج والمجمل والمؤانس والتحليلي والوصاف الخ…… 
هذا التقابل والاستقلالية بقدر ماهي نوع مميز جدا ..فهو في ذات الوقت طبقة وخيار صعب للغايه.. فهو طبقة لانه ..كما يفترض به.. قد ملك براقه المجنح الجاهز للاسراء والمعراج والتحليل والاستبطان والتشوف والاستشراف من منطلقين ..الملكة الموضوعية ..والطاقة الاشراقية.. 
وهذا ما لا يملكه من هب ودب.. ابدا.. وليس الرحيل اليه وثوبا قط ..وانما توثبا وحدبا ورياضة وانقطاعا سم المصطلحات بما شئت ..شرط اليقين المطلق بانك ذاهب للاغتراف من بئر الطرائق بغض النظر عن اسمه ..ومن فيض السراج بغض النظر عن رسمه .. هكذا من لابدية وجود واهب هناك في ماوراء الكائنات والاشياء.. بل فيما وراء الطبيعة في ابعادها الثلاث التي ذكرناها سابقا..واعني تكرارا مفيدا.. ماوراء النفس عموديا.. ماوراء الجسد الكينوني ..واعني المحيط الموضوعي ماوراء الطبيعه ..واعني الميتافيزيقيا.. 
هذه الثلاثية غير ممنوعة على الشاعر.. مثله مثل جميع الباحثين ..في شتى الميادين ..ولكنه محكوم كغيره بطاقته وقدرته ومستوى موهبته وشريحته ومؤثراته وضغوطه… ووو.. الخ.. 
ولن يطرد من جمهورية الشعر مطلقا من اكتفى بالغناء او الانشاد ..ولن يدعي الباحث عن الرؤي والكشوف انه وحده الشاعر ابدا.. فكل في فلك يسبحون ..
نعم سيخرج من اصطلاح الشعر من خرج عن طريقته في البحث والتفكير.. التي ترتبط كما قلنا بالمشاعر والاحاسيس والعواطف الانسانية الطبيعية.. لانها سره ومصدر تسميته وماء حياته.. فأن غادرها وركب غير سفينها فعندها سيسمى باسم الطريق الذي اختار وباسم السفين الذي ركب ولا يسمى شاعرا ..ابدا.. 
نعم يمكن ان يكون عارفا.. فيلسوفا.. عالما.. مفكرا..باحثا.. وكلها جميعا طرق للمعرفة لا غنى للإنسانية عنها ..على الاطلاق.. 
اشكر لك شحنتك النووية التي خصبت هذا الحوار.. ودفعتنا لمحاولة تفسير ما افضت به علينا من كريم الاستفسارالمعمق ..والسلام. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق