الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

جحيم نور السعيدي بقلم /الناقد جمال قيسي ،،قراءة في قصيدة ( تحت ظلال اللفاح )

جحيم نور السعيدي ،،قراءة في قصيدة ( تحت ظلال اللفاح )
 
 
لا اعرف كيف لناقد ،،او رائي،،،ان يتعامل مع مثل هذا النص،،دوامة من الفجيعة وعوالم ،،تستوجب استحضارات ،،عريضة،،،محكمة في بناءها ،،وحتى تتغلغل في وسطها،،لابد ان تقترب،،ومن المؤكد انك لا تفلح ،،في الاقتحام من المرة الاولى،،ربما تحتاج الى حصان طروادة،،،وهنا حصان طروادة،، هو جردة. وقاموس دلالة،،فالتوظيف،،الميثالوجي ،،متشابك مثل غصون أشجار غابة مدارية ،،وحتى تتعامل مع مثل هذا النص لابد ان تلجأ الى عزل الإنساق ،،كل على انفراد،،ومن ثم تعود بعد هذه الرحلة المضنية لتجمعها ،،على طريقة حل الاحجية،،لترى المشهد برمته،،وأول الإنساق التي يجب التعامل معها الميثالوجي وتأشير حدوده الأدائية ،،تستهل السعيدي قصيدتها ( جريمتها) برمز أسطوري ،،(اللفاح) ،،النبتة التي حيكت عليها الا ساطير الكثيرة،،ومع ذلك أحكمت السعيدي ،،الناحية الأدائية ،،بأنها تنبت تحت المشنوقين،،نوع من التسلل ،،من العالم السفلي الى الواقع،،ولكن اي تسلل،،تحت ظل الموت،،وفي توظيف ميثولوجي ثاني،،تستخدم الجسر الأشيب وهو السراط المستقيم،،وملائكته. الغلاظ ،،وقسوتهم اشبه بالجنود الاسبارطين،،وتوظيف اخر لنهر ( ستيكس ) الفاصل الأساس بين الجحيم وعمقه الأخير ،،،وهو نهر لاطهور،،،يستحم فيه ( السامري ) المسؤول المالي لفرعون،،،،هذا في النسق الميثالوجي،،،محاكاة مع دوائر جحيم دانتي،،بعض الدوائر،،وليس كلها،،وسنعود الى هذا الامر في فقرة اخرى،،،اما النسق الظرفي اي بعدي الزمان والمكان،،،،فالزمان هنا مقيد بتقويم المكان الافتراضي،،الذي صنعته السعيدي،،هو زمان غير اي زمان،،انه الخريف كناية ،،عن بلوغ الانسان خريف العمر او شتائه،،ودليل ذلك،،نقيق الضفادع،،في الموسم الخطأ،،اي ليس الربيع،،،وهنا احالة في غاية الأهمية ،،نستوضحها في النسق السايكولوجي ،،ونعود الى المكان،،وهو مسرح الفجيعة،،او بالأحرى الجحيم ،،الذي خلقته السعيدي،،بالممازجة بين موروثين،،الاول الاسلامي،،والثاني المسيحي وفق رؤية دانتي،،في تصويره لجحيمه الذائع الصيت،،،( نتبارى بالصمت ) ،،انها ساعة الحساب كما ورد في الآيات الاخيرة من سورة. عبس ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)) ،،لقد فُقدتْ لغة التواصل،،ونسرق الفراغ،،ونركض الى الوراء وكل منا متأبط جزءً من شاهد للبحث عن حسنات فيما مضى ،،،وطوابير وبيلة ،،حشود تتسارع نحو السراط المستقيم ( الجسر الأشيب ) ،،وتوظيف اخر لكي تكمل السعيدي مسرحها المرعب ،،في القمر المحنط ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) وهنا يبدأ الحساب اي يوم القيامة،،وهذيان الانسان ،،من هول الموقف،،بشكل عام هي تنقل الصورة ،،لدينا فقط من الجحيم،،وتهمل ( وجوه يومئذ مسفرة ) ،،وهذا ايضاً لنا عودة عليه في النسق السايكلوجي،،،بشكل عام امعنت نور السعيدي،،في تهويل المشهد وربطه بواقعنا الذي يشبه الجحيم،،،،،اما في النسق السايكلوجي ،،وهنا نقاط الارتكاز في القصيدة ،،( نقيق الضفادع في الموسم الخطأ ) ،،تعبر عن عدم الاكتمال الوظيفي من الناحية النفسية،،مشاعر ماتت وتعضت،،وهنا في الزمن الخريفي،،على اعتاب النهاية،،من يستجدي تلك المشاعر،،ويطالب بالتمثل،،احالة الى زوال الشغف بسبب تقادم العمر،،وان الزمن المطلوب لذلك،،قد مضى،،وهو ما تؤكد عليه في نهاية القصيدة ،،بمخاطبة ( فيا ألقي الممنوع ) لتخبره ان في رأسها جنازة،،احالة الى موت المشاعر والعواطف الهرمونية،،لقد جاء متأخراً ،،وكل إمكانيات الإغواء غير قادرة على التحفيز،،لدرجة حتى لو ترطب لها السامري،،لقد نجحت نور،،في ترجمة سمفونية ،،يا محظوظ،،الشهيرة على شكل كلمات لاتقل أهمية ،،عن الموسيقى الهادرة من الجحيم،،وهنا تكمن أهميتها كشاعرة من الطراز الرفيع وربما من الصف الاول في فن الشعر،،لقد سطرت ملحمة لاتقل أهمية عن جحيم دانتي،،او رسالة الغفران لابي العلاء المعري،،او اعمال رودان الفنية عن الجحيم،،ان مثل هذه القصائد تعيد للشعر هيبته،،ودوره القيمي،،وانا أشبهها هنا بكتابة مسّلة ،،ولذا انا منهمك بمتابعتها هي وكريم عاشور وعادل سعيد،،،تحياتي سيدتي،،وكل قراءة نقدية لقصيدتك،،تبقى أدنى من مراميك وابداعك،،،
جمال قيسي
 
 


تحتَ ظِلال ( اللَّفاح )
بقلم الشاعرة/نور السعيدي

 
تحتَ ظِلال ( اللَّفاح )*
نتبارى بالصمتِ
نسرقُ في الفراغِ
ونركضُ الى الوراء
صوب أصواتٍ مُكَدَّسةٍ...

بَرْبَرَتْ في الظلامِ
كنقيقِ الضفادعِ بمواسمِ الخطأ
قمرٌ مُحنطٌ وحشودٌ وَبيلةٌ
على الدروبِ الراكضةِ تلوكُ غُبارَها
متأبطةٌ ببنودٌ من ضريحٍ وشتيمةٌ مُبجلةٌ
من أفواهٍ دُسَتْ برَوثِ أرانب
تهذي ،،،، لا مَساس
وعلى ذاكَ الجسرِ الأشيبِ
مخلوقاتُ نَذُرٍ كقسوةِ إسبارطي ،،
ثلجٌ يتعرقُ من أنفاسِ اللاهثيين
وماءٌ تكومَ ليموت
ــ فيا ألقي الممنوع ،،
جنازةٌ برأسي
يَترعُ لها السامرّيُ المُسْتحِمُ بنهرِ لاطَهورٍ
نخبهُ ،،،،
اللآ أخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اللَّفاح / نبات عشبي جذورهُ تشبه الجسد البشري ـ يُستخدم في الطب والسحر
يُقال أنهُ ينبت تحت المشنوقيين ويصرخ عند أقتلاعهِ من الأرض
 
 
تعقيب الناقدة/ ندى الادب 
 
ندى الأدب أود أن أشير إلى العبثية التي تستبيح الكل بالقصيدة مثلما كان ولازال الوجود عبثا .إذ نجحت الشاعرة في تهديم كل الماديات المحيطة بالجسد ثم جهزت جنازة للعقل .الكل هنا في فوضى وفوضى مرتبة بذهن الشاعرة أكيد .
نجمة على كتفك يا شاعرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق