الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

طائران من البلور بين اضلاع الدمشقي الكبير بقلم / الناقد غازي احمد ابو طبيخ الموسوي

طائران من البلور
بين اضلاع الدمشقي الكبير
-----------------------



بعد استكمال قراءتي للنص المحكم ،كان اول من حضر من المجازيين القدامى،شيخ المجاز البحتري الكبير،
انما اسست انت بهذه النقلة العصرية لمشروع مجاز بلاغي بارع في طراز شعري مختلف لم يعتد مبتكروه ولم يقصدوا اصلا ان يربطوا بجدل وثيق قديم الشعر بجديده عبر جواهر البلاغة العربية والعالمية من دون اخلال بالسياق او هلهلة بالمساق..
والذي ارى انه كان سببا رئيسا في وقوف هذا النص ..موضوع الحوار..على دكة الذرى الشعرية المعاصرة لكبار الشعراء في هذا الطراز بالذات جانبان:
1-نضج الاداة التعبيرية الى حدود الوعي الاستبطاني لمادة خطيرة جدا واعني( فقه اللغة)..هذا الوعي مهم للغاية لانه يمنح المبدع القدرة على تطويع المفردات والجمل والمقاصير والصور كلها وفق مشيئة الخلق بشكل تلقائي خال من التعسف اللغوي او التقعيب او التقعير الناشزين..لهذا جاءت لغة النص محكمة البنى، قوية الاداء،تتحرك وفق ارادة شديدة الإصرار على ضخ الفن بروحه كلها في كل سطر من دون استثناء،وهذا يعني الايمان بان الصورة الشعرية هدف وغاية وليست وسيلة وحسب،يحميها من التمنهج بالبرناسبة ما اكتنزت به من المعاني الانسانية الكبيره..،مؤمنة بأن الشعر يتطلب الانتماء الى الجمال بكل تفاصيله ،في نفس الوقت يتطلب ان يكون شديد الارتباط بالماحول المباشر وغير المباشر..وهذا كله لا ياخذ مداه الاعمق والارحب الا بعد ان تتحول اللغة والمعرفة الفنية الى حقائق جوانية يزدحم بها صدر الشاعر..
2-على الرغم من الرواحات البلاغية المتراكمة الانزياحات ،لم يقع الشاعر ابدا في اية مغامرة لغوية بعيدة عن الجدوى او الضرورة الابداعية ،والسبب الاهم هو أن شاعرنا الدمشقي كان قد احتشد بالمعاني ،حين امسك بيراعه ليباشر بالتحويل الفذ..
هذا يعني اننا نلاحظ كثيرا ممن يزاولون الكتابة هذه الايام وهم لايعلمون ماذا سيقولون،او ربما لايعرفون كيف يقولون ،او ..وهنا تسكب العبرات..ليس عندهم ماسيقولون ،فينهرقون في صخب لغوي معترك مع بعضه مغامر بطيش بحثا عن معنى ما علهم سيصادفونه في طريق الدربكة اللغوية المنفلشه..
من هنا سيتحول نص الدمشقي الكبير الى قدوة حسنة ،ونموذج تربوي وتوجيهي لكل من اراد ان يفهم عمليا كيف يكتب الشعر الفني المغرم بالمجاز ،ولكن مع الاصرار في ذات الوقت على التعبير الواسع المعمق عن اوسع الشرائح الاجتماعية وطنيا وانسانيا..
هذا النص اذن.. يشرح لكل متلق ذكي كيف ان المجاز بلا معنى لاقيمة له..وكيف انهما معا سيرتبكان ويتهلهلان بلا بيان منسبك محتبك واضح وسلس شفيف ووارف الظلال على كل طبقات الوعي الجمعي..
*
البيان..
*
البديع..
*
والمعاني..
كلها كانت في عناق مخملي خلاق ونموذجي،في هذا النص البارع الجميل..
انما لابد هنا من الاشارة الجديرة الى ان وصول هذا القصيد الحيوي الى هذا المقام الرفيع ،لم يكن ليحضى بكل هذه الجاذبية لولا هذا الحبل الموسيقي الرابط بين اجراس جميع المفردات منذ المدخل وحتى مسك الختام..
كاني بالشاعر قد اختار لنفسه موقع ضابط الايقاع..او المايسترو..ليحكم سيطرته الموسيقية البالغة العذوبة بتناسل وتوالد واضح الحرفنة والسلاسة الممتنعة الا على من بلغت به قدراته التحويلية بكل طواقمها مبالغ الرشاد ،وعيا فنيا مبدعا،ورؤية فكرية واسعة الافق،بعيدة النظر ،صافية المنطلقات ،جمعية الاهداف..
كما ولابد من الاشارة ايضا الى ان هذا المنشآ التعبيري الباسق،يمثل لونا بالغ الخصوصية ،ليقف بكل جدارة بجوار الوان تعبيرية اخرى على دكة الرقي المشبع ب( شعرية) طاليس،و( ادبية ) الإنتماء الى هذا المدخل الكبير على رحلة البحث المعرفية الواسعه..
النص:
........
تعالي نلتقي : ( جديدي )
قبلَ أن يغرزَ الليلُ شحوبَهُ
في خاصرةِ الضوء ،
و يسدلَ صمتَهُ الأجشَّ
على نوافذِ الهديل ،
لتنزفَ النهاراتُ و الأزهار ،
و تغرقَ المدينةُ في النحيبِ و اللعناتْ
تعالي ... نلتقي
...................
قبل أن تجلدَ الأسئلةُ نفسَها
بسياطِ التأويل ،
و تذرفَ الحمائمُ صباحاتِها و مآذنَها
على أسطحِ الحريق ،
و تشطبَ سماءَ أجنحتِها
من دفاترِ التحليق ،
تعالي نرتّبُ موعداً مع الآه ،
نقايضُها بدمعِنا
فيتلقفُنا الوجد ،
نلملمُ شظايا القصيدةِ
بوردةِ عناقٍ
تقطفُنا من بين أشواكِ الوجع ،
ليستنشقنا العبير ،
يُلبسُنا رعشةَ نجمةٍ
توقدُ ذاكرةَ الدفء ،
و توقظُ لهفةً ...
نامتْ بلا قمر ! .
.....................
قبل أن يختنقَ العطرُ
في كلماتِنا
و يذبلَ الحنين ،
فتصلبُ الخيبةُ ندى أحداقِنا
على أوتادِ الأنين ،
لتعربدَ بنا أنخابُ غربةٍ مثقوبة ،
تتسربُ منها المرافئُ و الأيام ،
تعالي نشعلُ شموعَ أمنيةٍ
على غيمةِ الأرقِ الراكدةِ في حيرتِها
لتنهمرَ الصلواتُ و الأحلام،
نسكبُ أشواقَنا فوقَ كمَدِ التراب ،
فتتفتحُ الأغنيات ،
و تنتشي الدروب ،
نرى خطواتِنا الهاربةَ من الريح !
الباحثةَ عنا
بين أشباحِ الرحيلِ
و رقصاتِ الدخان !
نتْبعُ ظلَّنا الخائفَ
من قهقهاتِ العتمة ،
و حكايا الرمادِ الذي ...
أيقظَ لهبَه !!
..................
تعالي نترجمُ التنهيدةَ
إلى لغةٍ بيضاء ،
لا تتخطفُها طيورُ الجراح ،
و لا تهوي بها الآلامُ
في صمتٍ سحيق !
نقصُّ على الطريقِ شذانا
علّهُ يدركُنا
يرممُ أفقَه ،
و يسقينا ترانيمَ الوصول !
أنت المعنى الضائعُ مني
خلف الآه ...
و أنا الرجفةُ في نغمتِكِ
رجعُ نداءاتِكِ
بين وديانِ التلاشي
نظرتُكِ الشاردةُ
في هذيانِ البحر !!
تعالي ..
نفرغُ حقائبَنا منا
على ضفافِ قبلةٍ
ترتشفُ منا صباحاً ...
خبّأَ في غفوتِهِ الطويلةِ عصافيرَه
نحررُ الوقتَ من عقاربِهِ
ليتخلى عن حذرِهْ
و يجريَ خلفَنا
تعالي ...
نخمدِ البعدَ و النيرانَ ......
.....
........
و نلتقي .
محمد الدمشقي من ديوان حديث الياسمين 3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق