الجمعة، 29 سبتمبر 2017

قراءة نقدية لقصيدة الشاعر غسان الحجاج ( آيات الوفاء) بقلم/ الاديب الناقد كريم القاسم

هنا قطعة من النظم ، نسجها الشاعر المبدع غسان الحجاج مستخدما اسلوب الخطاب ، والتي يفوح منها
عطر دم زكي ظاميء ، قد احسن الشاعر واجاد في رصف معانيها وسبك تراكيبها فأحالها الى صورة
قوية الايحاء جلية الرمز ، فلا يتيه المتلقي بين ثناياها ولايضيع القاصد بين
جنباتها . ومن البلاغة
المستوفية ان يستطيع الانسان ان يهدي المعنى الى قلب المتلقي في احسن صورة وبايجاز ودون اطناب
ممل.
 
 
 

ــ العنوان جاء مستنبطا من عدة حكايا ، كل واحدة ترمز الى آية من أيات الوفاء التي يعجز الجنس
البشري على الاتيان بمثلها إلا من صقله الايمان صقلا . فالمتطلع الى بطولة هذا الشاب المسلم ( العباس
بن علي بن ابي طالب ) الرافض للبغي والناصر للحق والحامل لراية جيش ( الحسين بن علي بن ابي
طالب)عليهم السلام ورضي الله عنهم وارضاهم ، سيجد من آيات الوفاء التي يندر وجودها في تاريخ
المعارك والحروب ، والتي إستطاع الشاعر ان يجسد معانيها في مفارق القصيدة حين اشار لها :
" وبجودكَ المكنونِ قصة كوثرٍ... للان يحكي عن صداها الدهْرُ"
ثم يردفه بموجز رائع :
" كفّاكَ آيات الوفاء جميعها .... حتى استقى من ساعديكَ البرُّ "
ــ ابتدأ الشاعر قصيدته بمطلع أخّاذ :
" القلبُ في عطشٍ وذكْركَ نهْرُ... والصبحُ ظلماءٌ ووجهكَ بدْرُ
والكون مفجوعٌ بيوم من أسى ... وكأنما مِنْهُ المصائب صِفْرُ "
وحسن الابتداء يدل على البيان ، ففي بيت المطلع جاء الشاعر بالطباق (الصبح ، ظلماء) والاستهلال
بـ (عطش) والذي يرتكز عليه المعنى والفكرة .وبعدها يصف لحظة الاخاء ونكران الذات للعباس حين
رفض شرب الماء رغم العطش الشديد احتراما لعطش اخيه وقائده واكتفى بملء جوده للاطفال والنساء ،
والتي يذكرها الرواة في كل فصل لنبل هذا الطبع لدى هذا الفارس الغيور ، حيث اجاد الشاعر غسان في
تصوير هذا المشهد حيث يقول :
" فملئتَ جودكَ ما شربتَ معينهُ .... عطش الحسين وفِي الحسين السرُّ "
إن صفة العطش والظمأ هي التي كانت سائدة في جو معركة (الطف) في كربلاء ، والتي أوضحت
للتاريخ مدى خبث ونذالة الجانب المقابل المتمثل بالطغيان والزيغان عن جادة الحق والصواب ، لذا نجد
ارهاصات الشاعر ومكنوناته قد نثرت الفاظاً في جسد النص تشير الى هذا المعنى عندما ابتدا المطلع
ببيت شعري يحوي لفظة (عطش ) و (نهر) وهذا من بديع النسج وجمال المشاركة الوجدانية ، حتى كرر
مفردات اخرى تسير الى ذات القصد والمعنى، منها ( استقى ، شربتَ ، عطش الحسين ) .
ورغم الاشارة بالتصريح لبعض عناوين وعناصر المعركة الخالدة ، الا ان الشاعر استطاع ان يأتي
بالبديع من المقابلة والطباق ليزيد النص انعطافة جمالية اخرى . فمثلا : يأتي بلفظتين متضادتين منها
(الصبحُ ، ظلماءٌ ) و ( عذوبة ، مُـرٌّ) و ( شربتَ ، عطش) في الابيات الشعرية التالية :
" القلبُ في عطشٍ وذكْركَ نهْرُ ... والصبحُ ظلماءٌ ووجهكَ بدْرُ"
" يا من صنعتَ من الطفوفِ عذوبةً ... وبسيفكَ البتار موتٌ مر"
" لو ترمق الليل البهيم بنظرةٍ ... سيخاف من نور النهى ويفرُّ"
" فملئتَ جودكَ ما شربتَ معينهُ ... عطش الحسين وفِي الحسين السرُّ"
ــ استطاع الشاعر تجسيد الرثاء والمدح في آن واحد حيث أتى بالفاظٍ فصيحة تناسب مقام الرثاء والمدح
وكم هزني هذا البيت حين احسن تصويره وابتدائه بـ (وهناك) مستخدما المجاز الذي ملأ ارجاء البيت
وابدل المداد بأثر السهام وهو الدم النازف المُسال . وهذا هو بيت القصيدة وقلبها المحرّك .
" وهناك في جسد اللواء كتابةٌ ... اثر السهام مدادها لا الحبْرُ" ..

ــ استخدم الشاعر اسلوب الهجاء والاقتضاء العفيف الذي يجعل المتلقي يميل الى جهة الحق ، وهذا من
أدب الحرف وجمال الطبع والسجية ومن مكارم الاخلاق ، ولنقتطف امثلة على ذلك :

" فعساكر الشيطان تضمر حيلةً ... فلطالما طبع الخئون الغدْرُ "
كمنوا كأوكار الأفاعي بغتةً ... قطعوا الزنود ففاض منه العمرُ"
" وخيامُ آل البيت تُحرقُ غيلةً ... وبسوطهِ ضربَ النساءَ الشمْرُ"
كم تفتك الارزاء حيث اميةٍ ... صبّتْ ضغائنها فبأسَ الامرُ "
ــ استعمل الشاعر اسلوب (التعريض) والتلميح في بداية الامر عند المرور والاشارة تكرماً وتعففاً فقال:
" فعساكر الشيطان تضمر حيلةً ... فلطالما طبع الخئون الغدْرُ "
لكنه بعد ذلك استعمل (التصريح) باللفظ الذي لايقبل التأويل ولا المجاز لأن المعنى لايتم الا به فقال في
مسك ختام القصيدة :
" كم تفتك الارزاء حيث اميةٍ ... صبّتْ ضغائنها فبأسَ الامرُ "
وهذا من روائع السبك والنسج ، وذكاء ممزوج بالفطنة .
ــ امتلا جسد القصيدة بالرثاء والتأسي والتلهف والاستعظام وبيان هول المعركة وفظاعة اسلوب البغي
بالتشفي والتمثيل والتنكيل بأل البيت ، وحضرت الفاظ وتراكيب لفظية تكشف هذا التصوير (قطعوا
الزنود ، فعساكر الشيطان تضمر حيلةً ، طبع الخئون الغدْرُ ، كمنوا كأوكار الأفاعي ، فوق القناة الرأسُ
يرسل دمعةً ، خيامُ آل البيت تُحرقُ غيلةً ، بسوطهِ ضربَ النساءَ الشمْرُ )
ــ في البيت التالي :
" لو ترمق الليل البهيم بنظرةٍ ... سيخاف من نور النهى ويفرُّ"
جاء الشطر موافقا في بعض الفاظه للشطر في البيت الشعري التالي من قصيدة لمدح الامام علي بن ابي
طالب (كرم الله وجهه) للشاعر الدكتورمحمد مجذوب حين يقول :
" قم وارمق النجف الشريــــف بنظرة .... يرتد طرفك وهو بـــــــــاك أرمدُ "
وهذا الاسلوب لايؤاخذ عليه الشاعر ، كونه جاري على لسان العرب ويدخل في باب الاشتراك في
المعنى او في اللفظ.
ــ استخدم الشاعر اسلوب الترديد ، وهو ان ياتي بلفظة ذات معنى معين ثم يرددها بذاتها لفظا ومعنى في
البيت نفسه ، وهذا الاسلوب يزيد في بلاغة النص كونه يفيد في توكيد العبارة والاصرار على المعنى
المكرر في الالفاظ ( النصر ، الحسين ، مهر ) حيث رددها في ثلاثة ابيات متتالية وغير متفرقة ، وهذا
من بديع الرصف والسبك وكما في الابيات التالية :
" ما نازلتكَ سيوفهم أنى لهم ... فالنصْرُ انت ولا سواك النصرُ
فملئتَ جودكَ ما شربتَ معينهُ ... عطش الحسين وفِي الحسين السرُّ
وركبتَ مهر المجد خطوتك الإبا ... حتى نعاكَ مدى الزمان المهرُ "
ــ الشاعر احسن الوصف بما يمثل الموصوف عيانا للسامع ، وجعل المتلقي يعيش لحظة التصوير
التمثيلي
ــ اعتبر هذه القصيدة من الشعر الجيد لسلاسة قافيته ، وحلو الفاظه وحسن وزنه مما تتقبله نفس المتلقي.
ـ الشاعر غسان الحجاج قلم يجيد الرصف والسبك وسريع الانجاز والتأليف .
تمنياتي لكم بالتقدم والابداع المستمر
تقديري الكبير ..
...........................................................................................
ملحوظة / النص جاء انجازه على عجل ، يرجى اعادة تهذيب الوزن


تعقيب غسان الحجاج

غسان الحجاج الإضاءات النقدية التي سطعت في كل جوانب القصيدة هي أسفار موازية من المعاني تمثل أوسع مجال مقابل او افاق مرسومة مفتوحة على مصاريعها وكأن القصيدة حبة حنطة ونقدها يمثل سبع سنابل ملئى في موسم الريعانِ ..
الملامح اصبحت واضحة جدا للمتلقي بسبب التكامل و التراصف الذي أنشأته هذه الإضاءات النقدية الساطعة ..

وان   ملاحظة الوزن كانت في محلها ناقدنا الكريم كريم. القاسم فعند التدقيق لاحظت انني لم أضع (الشدة) في موضعين من القصيدة مما اثر على موسيقى القصيدة ..خالص تقديري وامتناني ومودتي للاستاذ الاديب الناقد الكبير كريم القاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق