الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

قراءة على قصيدة رقص وثني - للشاعر احمد نصر الله ..بقلم الناقد / ناظم الابراهيمي

قراءة على قصيدة
رقص وثني - للشاعر احمد نصر الله ..
..
لطالما كان الهاجس الكوني المتصاعد في الوعي البشري ضاغطاً للتساؤلات , انه اعظم مجس حضاري في الانسان , ان هذه التساؤلات الكونية انما تعبر عن مدى انحيازنا الفطري للكمال – الكمال المعرفي والنفسي , وليس غريبا على الشعر والشعراء ان يطرقوا هذه البوابات – كونهم الاقرب اليها من حيث الكشف النفساني وحتى الكشف الشعوري بالرغم من تعقيده وصعوبته وكما قال الشاعر ( ونحن اولى بدين الله يا ابتي ) (1).
الاخ الشاعر الملهم احمد نصر الله – يجسد لنا هذه التساؤلات بهذ اللوح الشعري النابض بالحياة , مع ان اليأس القاتم يظهر في بداية القصيدة الا انه لا يعبر عن الانقطاع او الفصل بين العنصر والمعنى – بل هو السؤال نفسه – السؤال الذي اعيا البشرية منذ الطوفان والى اليوم .
...
الوثنية تعبير عن المادة في الشعر وليس عن العبودية كما يسوقها بعض الاخوة الشعراء بلحاظ هذا المعنى – نعم هي تعمل في القريض والمموسق هكذا اما النثر فهو ابن المعنى ابداً لأنه اختراع ليس بعربي الاصل , ولذا فنحن لا نستطيع اعماله على باطن اللفظ بحسب الوضع العربي ابداً, وسواءاً أقلنا بهذا او ذاك فان الوثن تعبيرٌ عن المعنى في الدلالة الشعرية – على اعتبار ارتباط الشعر في المعنى وبه ( هذا المعمول به ) - وعندما اقول في المعنى او به – لا اعني به معنى الوثن مقيداً بالدلالة الظاهرة عرفا للفظ – بل كل المعبودات هي اوثان الا ما لا يصح عليه الاطلاق اللفظي في اللغة , نعم استخدام اسم الوثن يدل على العبودية اما لفظ الوثن فلا , هذا طبعا اذا اردنا ان نقرأ الشعر بلحاظ اللغة العربية وجذورها وقواعدها فتأمل هذا لطفاً.
..
قصة القدم والحداثة – الماضي والحاضر – انه نفس الاحتجاج البشري على ذات القافية التي نتبادلها يوميا – ما الجديد – ان هذا العالم المتخم بالتساؤلات – لا يحصل على ما يسد رمقه – اننا تائهون ونحتاج الى خصب بعد هذا الجدب , ان نفاقكم وتناقضاتكم يا صناع الكلمة قد ارهقنا – انتم يامن تصنعون الوعي ايها الدعاة الى الجنان والحور العين – ايها الدعاة الى عالم الحداثة والسيارات الطائرة – انه نفس العالم - لم يتغير – لازال الانسان ينهش لحمه – يقضم عظامه – فما الجديد لديك يا من تدعي العلم ايها ( البحر ) ؟
لم يعد تأطير الخطاب العلمي بالوعود نافعاً بلحاظ الوعي الحالي – ان هذا الوعي الذي يعيشه المجتمع البشري منتفض من الداخل – لكنه مقيد بآلة اللهو – ما ان تنتهي تلك الخدعة – خدعة الكولوسيوم – حتى ينتفض الحر والعبد بل حتى الامبراطور طلبا للاجابات – سوف تنهش وجوهنا ويصاح بنا كما فعل الرومان بالمجالدين اذا لم نضع الناس على بر .. ان النجمة وسواء عرف بها الشاعر ام لم يعرف تعبير عن الفيض العُلْوي – ان هذا الاستخدام مستفز جداً لو كان يعلم ( وان شاء الله يعلم ) وله الحق كل الحق ( فالشعر لا يصح حين يغرق الشاعر في المنام ) (1) , ولذا فهو في ذات السياق – يسئل هذا السؤال التقليدي – ما الذي حصلت عليه كي تريد منا ان نقبل هذا الجو العائم على هامش المعنى والذي تقدمه لنا بسحنة الحداثة ؟.
انه سؤال فطري للغاية , انه ذات السؤال الذي سأله اسلافي وماتوا دون اجابات وهم يملئوون القرية بفسائل النخيل – ان تلك المخيلة البسيطة لم تغادر هذه الاجابة . ياله من سؤال بريء .
لكن ...
ما الذي يريده السندباد ؟ ان كل التساؤلات التي سوف تخطر في ذهنه باتت مستهلكة من كثر ما اجيب عنها – فمع تكرر هذا السؤال تتكرر الاجابة بديهياً وقس انت – منذ الطوفان والى اليوم - كل انواع الاسئلة واجاباتها – الفرعونية - البوذية على طريقة الفودو – البابلية على طريقة كلكامش الهندوسية على طريقة الموكشا - ما الذي يريده بالضبط – واي نوع من الاجابات يريد ؟ – انه ذات السؤال وذات الاجابة منذ بداية سفر التكوين والى اليوم , ان هذا العالم نفسه - العالم لم يتغير ابداً – ان من يعرف تلك الاجابات هم الاموات فقط – ان اللؤلؤ المخبوء هو ان تعرف ان لكل شيء معنى وتنصاع للمعنى بخشوع لا اكثر – انها عبودية الحقيقة – ان الانسان لا يشعر باللذة في شيء اكثر من ان يعرف انه يعرف ما يريد – ان هذا الاحساس يجعله يعوم على سطح الكوكب – فقط ان يعرف الحقيقة , والا فأن ادوات ميدوزا قد استهلكت منذ العصر الزيوسي – لم يعد ذلك الشغف الاول باكتشاف حفلات الشواء والسمك المنقوع بالعسل ملفتاً لها , بل ولا الطين الملون بالوان زاهيه – انها الرائحة البشرية نفسها في الملون والقاتم والفاتح .
بقي ان نشير الى ان هذا التطور في البحث الشعري ليس على مستوى الافراد انه ضمير شعري جمعي – منهم من يبوح به بلحظة الشقشقة كهذه القصيدة ومنهم من يكتمه بعقل ومنهم من يسخر منه داخل العتبة .
النص للاخ الشاعر احمد نصر الله – مع تمنياتي له بالتوفيق .
)رقصٌ وَثَني)
بماذا تُفاجئُني أيُّها البحرُ ؟
أنا لا أرَي في عَينيكَ المُعتِمتين سوَى
يأسِ القادمين مِن تحتَ أنقاضِ الذِّكرَى
اللؤلؤ المخبوءُ في أعماقِك
الأسرارُ المَحفورةُ في كُهوفِك
ما عادت تُغرِي السندبادَ البَحري
أيُّها المَسكونُ بالحَشرجاتِ
و هواجسِ الرَّاحلين
و خَيباتِ مُنتصفَ العُمرِ
حدِّثني عن آخرِ نَجمةٍ
سكبَت تحتَ شُرفاتِك أنينَها
حدِّثني عن ذلك الكوخُ القَمري
الذي إحترقَ بحماقاتِك
ماذا كنتَ تَعني
برقصِكَ المُتواصلِ تحتَ صهيلِ العطشِ ؟
و ما الذي كنتَ تَرجوه
من طَرقِ أبوابِ المُستحيلِ ؟
أنا ألفُ هيتَ لك
و أنتَ لم تكن غيرَ بوح ِسرابٍ
و هدهدةِ شبحٍ
و مِخلبٍ يُمزِّقُ أوتارَ القصيدةِ
على أعتابِ مَزاميرِك
قَضمتُ ألفَ تفَّاحةٍ
تَعاهدتُ مع الغُوايةِ
شرَّعتُ لكَ الأبوابَ
فلماذا تُلاحقُني بلعنةِ طُروادَةٍ
و تَستدرجُني بمَنطقِ صيادٍ
في صوتِكَ
المُزخرَفِ بالخطِّ الكُوفي المنقوشِ
بالرُّسوماتِ المصريةِ القديمةِ
المشغولِ بسحرِ الفُودو
أُفتِّشُ عن سفينةِ نوحٍ
فلا ألقَى غير
جَرادةً تقتاتُ العمرَ
و طاووساً يَصبغُ ريشَهُ بدِمائي
و شَهرياراً جديداً
و خنساءً لا تَجِفُّ دَمعاتُها
------
(1) الكهف والرقيم – ابو طبيخ غازي .
(2) نفس المصدر اعلاه
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق