الاثنين، 11 سبتمبر 2017

صراع الاجناس في مئزر الضوء للمبدعة مليكة الحامدي - قراء نقدية بقلم / الناقد غازي احمد ابو طبيخ الموسوي

صراع الاجناس
في مئزر الضوء
للمبدعة
مليكة الحامدي
 

***
***
لم يعد هذا المركب التعبيري المبتكر بالغريب على مشهد الثقافة العالمية عموما والعربية خصوصا،ونعني به ظاهرة التداخل بين السرد والشعر،حتى ليظنُّ المتلقي بأنه يقرأ قصا مرة او شعرا مرة ،لكن غلبة احدهما هو سبيل الترجيح،فكيف يتم الفرز ،وكيف نتمكن من الترجيح في مثل هذه الحاله?..
يقينا اننا لانتحدث عن القص المقصود بعينه والنائي بذاته واسلوبه عن اي نوع من انواع الممازجه..وانما نعني بالتحديد مايماثل هذا النص الجميل العميق الذي امامنا الان،وهو مشروع ابداعي للشاعرة مليكة الحامدي..
وللاجابة نقول:
لدينا هنا دليل مهم للترجيح يتمثل في:
* : مستوى الشعرية*..
بمعنى ..
*طريقة التفكير..
*وطريقة التعبير..
فعلى صعيد طريقة التفكير نقول :
ان الفكر الفني ذا الصفة الاشراقية ينبلج اصلا من دخيلة المبدع،مفكرا باحساسه بمشاعره بحيث نحس ان النشاط النفساني العميق هو الذي يقود التجربة الابداعية وليس العقلنة والبرمجة الواعية الظاهره..نعم قد يكون الوعي مشرفا من بعيد ،ولكنه لايتدخل في حرية الانهمار الشعوري المنتج للرؤى بشكل اقرب مايكون الى التلقائية اذا لم نطالب الشاعر بحرية التداعي،وعيا منا من طرف اخر باشراط حرية الاديب في خياراته المنهجية او المدرسية الخاصه..
ومن الواضح على هذا النص انه منحاز بكل وضوح الى الشعرية في طريقة التفكير منذ مدخله اللافت ولكننا نسجل مقدما وجود خيار اخر في تفاصيل البناء:
*
يتوغل عيوني الناعسة
عصفور
هزيل الرؤى
امرّده على السيطرة
اوجه نظر الروح اليه
فانداح ضوء
حتى الحدود القصوى..
..
اذن..كاننا بها تريد القول:
انا الشاعرة من ذاكرتي العميقة..استدعي
عصفورا اعلم انه مايزال هزيلا!!!
اسمح له ،او استسلم له لكي..يتوغل......
امرّده..!!
على السيطرة
اوجه نظر الروح اليه..
فانداح ضوء
حتى الحدود القصوى?!!
..
كل عنصر هنا خارج تاطيرات الواقع المعلومه..وكل الحوارية في الاستحضار والاستدعاء تجري احداثها في الدخيلة الانسانية..
حتى هذا المتناقض السوريالي المدهش الجميل ( امرده على السيطرة) !!!
مركب كاشف على ان الفعل في اصله مخصب بالتوفز مدعو بكل صراحة الى التمرد ،لكنه تمرد من اجل بغية غاية بالاهمية بالنسبة للشاعرة او ربما لما تدعو اليه ضمنيا..
فالتمرد هنا لغاية السيطرة تحديدا..
انما لابد من السوال الكبير:
ياترى على ماذا ينبغي ان يسيطر هذا العصفور الهزيل..الممرد او المدعو للتمرد،الذي يمثل دفينا نوعا من الارادة او العزيمة التي كانت ذات حين قلقة او ضعيفة او ركيكة او مهزوزة ،فيحصل في توقيت درامي قررت الشاعرة ان يكون هو لحظة البدء الفارهة الفاتا لنظر المتلقي،ثم اوجه نظر الروح اليه?!
من هذا المسيطر الان?
هذا الذي يمرّد
والذي يوجه نظر الروح
والذي يشخص في البدء علة عصفورنا عميقا،ليس من الخارج فقط وانما من الداخل ايضا..
ثم من بعد شحنه وترويضه وتحريضه على السيطرة يتم بعد تفاعلات داخلية يمكن لنا تصورها من اجل الوصول - بعد تنضيجه وتهيئته- الى توجيه نظر الروح اليه.....
طبعا اقترح - والراي يعود لشاعرتنا ان يتم التداخل بمضايفات تصعيدية تنضيجية تقدم لسطر هذا المقطع الذي يشكل ناتجا يفترص ان يكون بديهيا يوفر اكبر قدر من الاقناع ،واعني( فانداح ضوء ..حتى الحدود القصوى)!
ولسنا بصدد الابتعاد عن هدفنا في التساؤل عن ماهية( الحدود القصوى).. التي ربما يظنها احد ما مدفوعة بحس موسيقي ضاغط قاد اليها كضربة حسم لمقطع انهى على وجه التقريب ماعليه مشهدا ورؤية..
*كيفية التعبير:
وهي وسيلتنا الثانية لتشخيص شعرية النص ،من خلال اعتماده الكلي منذ الوهلة الاولى على الحس البلاغي بكل اغراضه المنزاحة عن اصلها المعجمي ،(كالعصفور) ذاته الذي يمثل استعارة ورمزا في ان واحد..بحدود المقطع الاول..
في المقطع الثاني،الذي انا اسميه مقطعا لغرض التجزئة الاعتبارية فالنص قد وصل الينا قطعة واحدة ،ولكننا نراه هكذا لكونه في بنية السرد هكذا،انما نجد ان هذا المقطع بالذات يكاد ينحاز تعبيريا الى اسلوبية القص القصيرجدا( الاقصوصة) ،والتي بودي لفت نظر الست ام جواد الفاضله الى وجود قدرات ادائية في طبيعة تناولاتها وعموم اسلوبها تسترعي الانتباه ،وعلى سبيل المثال دعونا نتفرس معا في المقطع الثاني لهذا النص- موضوع المتابعة-والتي نرى انه ..كما قدمنا..اقرب الى القص منه الى الشعر:
*
شئ شهي خرج من كوّة قديمة استحدث جل تداعياتي،قذف لي وجه صببة ..
وصوت رجولي جلجل بي..
الالوان تعتمد التاثير،ولكنها ليست مدهشة..
...
الى هنا مانحتاج اليه للتدليل على تداخل الاجناس،فما عرضناه الان لايفكر بالنفس وانما بالوعي المعقلن،كما وانه لايعتمد اي شكل من اشكال الانزياحات البلاغية ،لكونه لايحتاجها الان بحكم طبيعة المشهد ذاته..
لكننا نود ان نحيل الذهن على ان يتسائل معنا ،عن هذا الصوت الرجولي المجلجل،في دخيلة الراوية( الشاعرة) التي تروي لنا طبيعة تصاعدات الحدث الذي تتنازعه هو الاخر عناصر الخلق في جانب ،وشخصيات الحدث في جانب اخر..
هل هناك علاقة تحليلية قصية لهذا الصوت الرجولي المجلجل،بمادة ( السيطرة التي وردت في اعلاه? )
وعلى ماذا ..تكرارا.. تدعونا للسيطرة هذه المبدعة التي تبدو هادفة التصعيد والعرض والمفاهيم..
ماهو نوع الايديولوجيا الفنية التي تقود هذه التجربه..
كل ذلك فضلا عن البعد التحليلي السيكولوجي ابواب واسعة للبحث لمن اراد التوسعة والتقصي من زملاء النقد الكرام..
بينما نعود بوضوح كاف ،في خواتيم النص،الى الوجه التعبيري المنحاز الى الشعرية انطلاقا مما ورد في طياته من الزحزحة اللغوية المعجمية باتجاة التعبير المبتكر بالكشف وبالتوليد اللذين يعتمدان اساسا على خصوبة المخيال الشعري..
هذا المقطع يشكل مع المدخل الغلبة النسبية للشعرية في هذا النص،بما يجعل المقطع الوسطي المشار اليه في اعلاه مضايفة ادائية استدعتها ضرورات البناء الحدثي والفكري في ان واحد:
*
اسألي المحلقات عن ذلك
وكذا الغواصين..
طوقت اندهاشي
بزخم الاعتياد
ثم افرغت عمود الوهم
من اساسه
وارتديت مئزر الضوء
يمم عصفوري شطر سر
انا اليوم
وجه امراة
بالف سؤال?!!!
...
ومن قبيل الاستنتاج كخلاصة للاجابة على مجمل التساؤلات نقول:
ان هناك رحلة بحث عن الترقي في البعدين الافقي والعمودي بداتها شاعرتنا حتى افصحت عنها على لسان ( شيخها اوربما عمقها الذاكراتي العارف) -اذا جاز لنا التعبير-( اسالي *المحلقات..في الافق المفتوح..موضوعا ..ومثالا..كل اجناس الخليقة المحلقة بالجناح ..بالارواح ..بالمخيلة..
* وكذا الغواصين..المبحرين في الاعماق عموديا،علماء..او عرفاء..او تحليليين من كل انواع السعاة)..
ولم تنكر (المريدة) دهشتها الرائعة ،مع انها حاصرتها بزخم الاعتياد،والوعي الذي يفترض ان يكون نوعيا،والا كانت الرحلة في خطر كبير،من اجل الخلاص من كل انواع الوهم( من اساسه) فجذوره ضاربة في اعماق الزمكان،بكل قيودها وكوابحها وموانعها وضبابياتها،من اجل ان ترتدي مريدتنا الشاعرة مدنيتها الملتزمة المسؤولة كمئزر ضوء محصن بالوعي الواسع الافاق ويجمع بين جناحيه هو اشتمالا وقدرة عصفور الارادة الباحثة الخلاقة التي تصنع في النهايات الناجحة نوعا اخر من ( المراة الموقف) المراة الرائية التي لاتخدعها الالوان...
الى هنا لابد لنا ان نشكر لجنابك هذا المسعى الابداعي الحثيث،املين الامساك الدقيق الدفيق بالبنية السردية والادائية الشعرية،فضلا عن تعميق المركبات الدلالية العالية ،بمايخلق نصا اكثر انسباكا واقوى نسيجا،واعمق فكرا،وادل على رؤيتك المعمقة مفهوما، تحياتي واعتزازي اختي الفاضلة والسلام
..
 
نص الشاعرة مليكة الحامدي
# مئزر الضوء #
يتوغلُ عيوني الناعسة
عصفور هزيل الرؤى ..
أُمرّده على السيطرة...

أُوجّه نظر الروح إليه
فانداح ضوء حتى الحدود القصوى ..
شيءٌ شهيٌّ خرج من كوّة قديمة
استحدثَ جُلّ تداعاتي
قذفَ لي وجه صبيّة
و صوت رجوليٌ
جلجل بي يقول :
الألوان تعتمد التأثير
و لكنها ليست مدهشة
اسألي المحلّقات عن ذلك
و كذا الغوّاصين ..
طوّقت اندهاشي بزخم الاعتياد
ثم أفرغتُ عمود الوهم من أساسه
و ارتديتُ مئزر الضوء
يمّم عصفوري شطر سر
أنا اليوم وجه امرأة
بألف سؤال .

/ أم جواد الحامدي
 
 
 
تعقيب مليكة الحامدي
مليكة الحامدي السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سعادة الأستاذ القدير غازي أبو طبيخ ..
أياديكم الكريمة مدينة زاخرة بذهب التمكّن المعرفي على بساط سحري .. أفلا تحاول أيادينا الفقيرة الأداء الصعود على سلم التّرقي للتجول بين ظهراني مدينتكم ؟ .. إنها لنعمة من الله الكري
م و فضل أن تمنحوا محاولاتي شرف الصعود لبساطكم البهي الموشى ببنية اتصال رفيعة المستوى .
- ( شرح أي نص أدبي هو تشريح له ) أؤمن بهذا القول استناداً إلى طبيعتي الخاصة أثناء الكتابة .. فالكتابة لدى مليكة الحامدي وحيٌ من روحها ينزل ضيفاً مؤقتاً و يعد بزيارات لاحقة
- دراستكم القيّمة ذات المجهود الرائع هي لمسة نورانية كادت أن تكشف سر الكلم حدّ الإفصاح
أما اقتراحكم فقد كان ذكياً جداً حيث أن خبرتكم التقطت الفراغ الذي بخس جمالية الضخ الشعري و البنيوي للنص ..
إن شاء الله سأضعه موضع الإعتبار .
حقيقة عاجزة عن الرد ..
عاجزة عن الشكر
شكراً و شكراً لهذا التقدير مع خالص احترامي و امتناني دائماً .
 
رد الناقد غازي احمد ابو طبيخ الموسوي
آفاق نقديه كنت احس عميقا ان من وراء هذا النص ذاتا شعرية واعية وخصيبة،فكثير من النصوص التي تمر علينا هنا من دون ان تبعث فينا الرغبة بالمتابعة النقدية المطولة،انما بعضها يلفت النطر ،فنقف عنده ،وقفة مبعثها استحقاقه ،فلم يكن بيننا تعارف مسبق،وحتى الان لا اعلم من اي قطر حضرتك،انما كان سفيرك هو قصيدك،فاستقبلناه بمايليق به ،مع خالص الاحترام والتقدير ،سيدتي..

مليكة الحامدي شرف لأي نص أدبي أن ينال منكم أهتماماً ثرياً كان أو متواضعاً ..
فأنتم أهل للنقد البنّاء
و مثلكم من يبحث عنهم الموهوبون أدبياً .

نعم صدقت .. ليس بيننا معرفة مسبقة و أعتز ههنا بمعرفتك أخي الفاضل المحترم .
و أما منبتي فهو القطر العربي السوري الحبيب .
كل الإحترام و الشكر أستاذنا القدير .


التعليقات
غسان الحجاج جميلة هذه الرؤية الاستكشافية من خلال الغوص الذي قام به الاستاذ غازي الموسوي في مدلولات النص والنظر من زواياه النقدية واسعة الاطياف وتركيزه على الجانب البنيوي للنص من خلال الكشوفات التي تحدثت عن صراع الاجناس الأدبية في النص الواحد وتسليط الضوء على حالة اللاوعي في التداعي الشعري الذي يشبه هبوط مياه الشلال وبين الموازنة التي يقود دفتها الوعي دون التسبب في ارباك الصورة الجمالية بنوع من التأطير المسيطر ..
النص مفعم بالحداثة غني بالشاعرية وحضور الرمزية الشفيفة
خالص التقدير للشاعرة المبدعة مليكة الحامدي والناقد الكبير غازي احمد ابوطبيخ


Tarek Hegap الله الله عليك.
قراءة نقدية تحليلية رائعة اضفت علي النص جمالا ومتانة ورصانة ونص رائع الحرف والبوح البديع سلم قلمك الراقي
 
الناقد غازي احمد ابو طبيخ الموسوي
آفاق نقديه د.Tarek Hegap العزيز..راي المتخصص مثل جنابك يهمنا بكل تاكيد ..ولحضورك نكهته المميزة جدا صديقي العزيز..تقديري الكبير..
 
كاظم عبد النبي العلوان اما والله ماهذا الذي بين يدي الاّ احد أنعُمِ الله تعالى التي اسبغها ظاهرة وباطنة....له الحمد اننا لازلنا نعيش في كَنَفِ الكبار ونسعد بأفياء دَوحهم الظليلة....ماهذا التحليل الرائع الذي ينبع ثَرّاً سلسالا من بين ثناياك سيدي الناقد الكبير والشاعر المتمكن الكبير حقيقة اذهلتني فخامة الكلم وجزالة اللغة وعمق الفهم الواعي المتمكن ومارد الاستاذه مليكة الحامدي الرائع الا مكملا لنسيج الديباجة الرا ئعة....سلامي على حبيب حبب الينا الحياة وشدنا للابداع شدا واطيب التهاني القلبية للاستاذة التي اوليتها هذا الاهتمام الباذخ
الناقد غازي احمد ابو طبيخ الموسوي
آفاق نقديه كنت سببا في هذا التواصل مع مثل هذا الموقع الكريم ،ايها المهندس الفذ والشاعر المنهمر بكل اصيل وجميل،اخي ابا جلال ،الاستاذ كاظم عبد النبي العلوان الانسان القيمي الحميم..تحياتي من خلالك الى جميع زملاءك في الادارة هنا،والى جميع الاعضاء ،متمنيا للجميع الرفعة ومزيدا من الالهام،والسلام..
 
كاظم عبد النبي العلوان نتشرف بك استاذ الكل الحبيب لقلبي...صاحب المواقف المشرفة النبيلة والناقد العربي الفذ الذي يشهد له القاصي والداني بعلو الكعب وبسمو المنزلة...الف مرحى بك ولاشك بانك موضع تكريم واجلال من قبل زملائي وزميلاتي في هذا الصرح الادبي الجليل...
 
حسين ديوان الجبوري ما هذا النفس الطويل والقدرة على ترجمة الكلمات الى لغة تضع كل منا في اتجاهين مع النص مرة ومع الناقد مرة اخرى .
اخي الكريم العزيز الغالي استاذ
غازي احمد ابوطبيخ انك فعﻻ الرحى التي تدور لتطحن القمح ليشبع من في الدار هكذا انا اشبهك اﻻن وربما ﻻ يليق بناقدنا هذا التشبيه ولكنه رمز كما في قصائد النثر
بارك الله فيك ودمت لنا عونا ونصيرا





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق