الجمعة، 8 سبتمبر 2017

يوميات أسماعيل / ١٠ بقلم الروائي جمال قيسي

يوميات أسماعيل / ١٠
 
 
حشر نفسه في الزاوية ذاتها ،،من المقهى ،،لايعرف لماذا يختار المكان ذاته في كل مرة،،،المكان المألوف منطقة تشعرك بالأمان ،،فيما طوف بصره،،عبر النافذة،،ومنها الى الارجاء الفسيحة ،،التي يختلقها ،،او يتذكرها مع اعادة صياغتها،،طبعًا وفق ،،النظام النفسي الذي يتلبسه لحظتها ،،يراقب كل شيء،،لايمتلك غير المراقبة،،يتداعى مع أفكاره ،،قلع حذائه،،،ليعطيه الى صباغ الاحذية بعد أصرار الأخير ،،،هو غير مقتنع بالعملية ،،لأسباب كثيرة أولها ،،يعتبر أن هذه المهنة عبارة عن بطالة مقنعة،،وثانيها ،،هو شخصيًا يجد متعة بالغة عندما يصبغ أحذيته بيديه،،لذلك حرص على اقتناء ارقى انواع الفرش الخاصة بدهان الاحذية مع نوعيات فاخرة من الدهان،،،ويكاد ان يمارس هوايته بانتظام،،نوع من الاستمناء والتفريغ،، حتى كانت اهم القرارات التي يتخذها ،،في تجارته المعقدة جدًا،،،تتبلور وهو يمارس هذه الهواية ،،مع انه في قرارة نفسه كان يتمنى ان تكون هذه مهنته،،وأقصى أمنياته عندما كان طفلاً ،،،علقْ حب هذه المهنة لديه ،،عندما اصطحبه والده ،،في احد الايام الى مدخل شارع الرشيد قبل اكثر من خمسة عقود ،،وكانت اول المحطات،،هو ولوجهم الى محل لدهان الاحذية ،،كان المحل اشبه بموقع الكرنفال ،،المرايا التي تغلف كل الجدار،،والإنارة ،،واحلى ما في الامر وجود مسطبة اشبه بالمسرح ومن ثم تعتليها مسطبة اخرى مغلفة بالجلد معززة بمسامير ذهبية كبيرة ترتصف بانتظام وزخرفة لتثبت الجلد على على الأريكة الفارهة،،وهناك دكات منحوتة يضع عليها الزبون احدى فردات حذائه،،فيما يجلس قبالته ،،صباغ الاحذية ،،ولكن بمستوى منخفض بحيث يكون مستوى وضع الحذاء موضوع البحث ،،بمرمى يدي الصّباغ ،،،وهناك سلطة زمنية يمارسها الصّباغ بكل دكتاتورية ،،حيث يأمر الزبون بإبدال ،،الرجل المغلفة بالحذاء،،ونتيجة البريق الوهجي لجلد الحذاء،، يتحول بما يشبه المرآة،،لذلك يحتل الصدارة في ،،في المكان ،،وكل أوامر الصّباغ ،،عبارة عن نگزات خفيفة ،،على حذاء الزبون،،شاهد والده ذلك الرجل الغاشم ،،صاغرًا ،،لهذا الصّباغ ،،إذًا هذه هي ارفع مكانة ممكن لانسان ان يحصل عليها وفق تصوره،،
( الرجل ،،،شخصيته ،،بحذائه ،،،
الاحذية ،،سعد،،أنماط حياة - معظم شخصية الرجل ،،تتلمسها من حذاءه،،
اغلب ،،مقتنيات الانسان،،وخاصة التي تلازمه ،،معظم الوقت،،هي انعكاس شرطي
ربما كان على عمنا بافلوف ان يشرك الاحذية في اختباراته
الى اين سرح فكرك،،اسماعيل ؟!!
يجب ان تؤلف نظرية الرجل والحذاء،،،ولم لا ؟!!
انت تعرف وضع الانسان الاقتصادي ،،من حذاءه،،بل حتى انتمائه الطبقي وايمانه الايديولوجي ،،إذًا على مراكز البحوث ،،ان تمارس استطلاعاعتها الإحصائية ،،بتوثيق المارة،،حتما،،ستتمكن من ،،ان تخرج بنتيجة ،،مقبولة،،سيتوفر هناك مثلاً ،،مصادر علمية بهذا الشأن،،مثل ( التراكم الحذائي،،ودوره في البنية الاجتماعية )،،او اذا كانت دراسة نفسية يكون العنوان ( الحذاء ذلك المجهول ) او اقتصادية ( تآكل كعب الحذاء،،وانعكاساته الاقتصادية ) وعلى صعيد الرواية ( عالم الاحذية ) ربما كان سيغتاض كولن ولسن لكنه بالنتيجة ،، سيتفهم الامر في الآخر او ( دور الاحذية في تشكل السلطة السياسية في الشرق الأوسط ) ،،نعم هناك احذية متسلطة،،واُخرى ،،خاضعة،،والخ
هذا موضوع يحتاج الى دراسة،،،
قتل أخيل،،لانه لم يرتدي حذاءً يغطي كعب قدمه،،،
وفهم فان كوخ اللعبة،،،وجسد دور الاحذية فنيًّا ،،وهل هناك فن،،بعد فان كوخ ،،
الم يطلب الامير عبد الرحمن الربضي من خادمه وهو في اصعب المواقف،،بان يأتيه بقارورة عطره،،وهو في اعلى برج قلعته التي تتعرض لهجوم من الغوغاء ،،والقتال على أشده ،،وعندما خاطبه الخادم معترضًا ،،بان هذا الوقت ليس للتعطر،،فكان جواب عبد الرحمن ،،في غاية الحكمة ورباطة الجأش : ويحك،،وكيف سيعرف رأس الامير،،من بقية الرؤوس المقطوعة
نحن اليوم ،،رؤسنا في أحذيتنا ،،فعلينا ان نعطرها،،،على الاقل نكسب ،،القناعة،،لأننا أمراء في الوهم
نحن نسير بالمقلوب،،،من هنا يأتي الدور التاريخي للأحذية ،،،
آه،،يا اسماعيل،،،ستضيع رؤسنا في الاحذية ،،ستكون فضفاضة،،
يجب ان نسير حفاة في هذا الرواق،،لكي نتملص من تقسيم العمل الجائر
حفاة بلا انتماء،، وربما سنشكل جمعية حفاة بلا حدود،،،الفقراء حفاة وان لم ينتموا،،على نهج بشر الحافي،،،وبهلول الكوفي،،لقد ادركوا الامر مبكرًا ،،
يا الله،،،لذلك حنبص عاري القدمين ،،لو أدركه نزار قباني لخاطبه ب ( يا حافي القدمين ) ،،)
لم يخرجه من هذه الدوامة ،،الا بعد ان شخص أمامه الصّباغ حاملًا له حذائه ،،،لكنه أعاد له الحذاء،،منزوعًا من اربطته،،في حين أعطاه الأربطة باليد الاخرى،،،هو لا ينتعل الاحذية الا ذات الرباط مرددًا ،،( انها تشد من أزري )
( كيف سأعيد الأربطة ،،على نفس النسق،،،كان تشابك الرباط في الصف الداخلي ( زگزاك ) والخارجي متناوب ،،
الامر ،،شبيه بشخصيتنا،،،متوالي سلس المظهر،،معقد متراكب ( زگزاك ) ،،في دواخلنا،،،)
انهمك في الامر ،،واقدم على عدة محاولات،،بائت جميعها بالفشل ،،لإعادة ،،الأربطة ،،على ما كانت عليه،،
( لن تقدر على الامر ،،اسماعيل ،،
القضية ببساطة مجرد خوارزميات،،ولطالما كنت خائبًا في الرياضيات ،،،)
اقترب منه صديقه ،،وجلس بجواره،،،
- مالذي يشغلك اسماعيل ؟
- القضية معقدة
- اي قضية ؟
- اعادة هذه الأربطة ،،كما كانت
- بسيطة،،،ادخل الطرفين ،،كل في حلقة،،،،،،،
- وهكذا عادت " سيرتها الاولى"
- بدأت شراكك ،،يالك من أفاك ،،
- هل تظن ان حذاء ( منتظر الزيدي ) كان من النوع الفاخر ؟
- مهما كان،،،فقد دخل التاريخ
- هو ام حذائه ؟
- طبعًا هو
- اختلف معك
- وهل اتفقت مع احد يوماً
- ياسيدي ،،مسيرة الحذاء وهو محلق في الجو،،قبل ان يبلغ هدفه،،اهم مافي الامر
- كيف ؟
- الفعل كله تجسد ،،في التحليق ،،اشبه بحذاء خروتشوف،،عندما ضرب المنصة في الامم المتحدة ،،الحذاء هو من جذب نظر الاعلام،،،ولكن كلامه لم يشكل اي أهمية ،،،
مقطع من رواية ( حنبصة ) ،،يوميات اسماعيل
رقم الإيداع القانوني: المحلي والدولي المخطوطة في دار الكتب والوثائق ببغداد : ( ٢٠٥٥) لعام ٢٠١٧ في ٢٢ /٦/٢٠١٧
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق