الاثنين، 3 يوليو 2017

الناقد العراقي شاكر الخياط :
نقد النقد --- رؤيتنا   (2)
بعد هذا الايجاز الذي توجب علينا فيه ان نعطي توطئة للموضوع قيد البحث ( نقد النقد) ارى التركيز على اشكالية النقد والابداع، فهل النقد هو حالة ابداعية ام هو فعل اكاديمي يشترط بمن يمارسه ان يكون حاصلا على اجازة النقد او هل بالامكان لكل من امتلك ادوات النقد ان يقوم بعملية النقد؟؟ هذه الاسئلة ستقربنا كثيرا او ربما تبعدنا كثيرا عن حالة الابداع وارتباطها بالنقد.. هذا سيدفع ان نشرع للابداع حيزا يعطيه هوية تميزه عن باقي الفنون والفعاليات، فاذا قلنا ان النقد ضمن سياقات النقد المتبعة قديما ما هو الا تعبير " تعبير يقوم به شخص اتجاه شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص بذكر صفاتهم الجيدة أو السيئة لأهداف مختلفة" *، هنا سنرى ان هذا التعريف قد جعل من النقد جدارا صلدا من اقوى المعادن صلابة فلا يمكن تحريكه او تغيير شكله او حتى محاولة النقش او الرسم عليه، وهذا بطبيعة الحال ونتيجة تجربة مريرة مع كثير من الرموز التي كان يشار اليها بالبنان والمنفردة في اعمالها والمتفردة لوحدها دون غيرها بتناول ماتراه هي من وجهة نظرها صحيحا او قابلا للتشريح، جمودا لا حراك فيه وقالبا محرم التقرب منه، وهنا البسنا الناقد حالة من الركود قيدته في عمله وفعله باساليب اطروحية لاتتعدى شكل البحث لاي دارس في الدراسات الاولية او العليا عند التهيئة للتخرج، وهذا واحد من الاسباب التي قتلت مفهوم الابداع لدى الناقد او حتى الاقتراب من هذا المفهوم وكأن النقد حالة والنص الادبي ايا كان حالة مختلفة، وهنا اقترب الناقد من كونه حاكم بل هو قاضي القضاة مصون غير مسؤول، لايمسه النقد لامن قريب ولا من بعيد، ولكي لانظلم حق الناقد في هذا، نؤكد ان ماكان من تعريف الى سنوات قريبة كان يفتح الساحة امام الناقد وله الحق في التجوال اينما شاء واينما ارتأى ان يحل ويفك وثاق راحلته، وهذا الحق كان محكوما ايضا بوجهة نظر متفق عليها تقريبا، ان النقد مقرون بوجهة نظر الناقد وحده سواء كان بشكل لفظي أو مكتوب، ويمكن أن يقدم الناقد بعض الحلول التي يراها مناسبة لإصلاح الأمر الذي لم يعجبه، وهذا لا يقتصر على مجال واحد من مجالات الحياة بل تتعدد مجالاته، كالأدب، والسياسة، والفن، مثلما تتعدد انواعه " كالنقد البناء أو العملي والموضوعي، وهو النقد الذي يقوم به الناقد من خلال تقديم النصائح والملاحظات الهادفة إلى تحسين الحال، ويعمل على إبراز كافة نقاط القوة والضعف، وتقديم النصائح الإرشادية لإصلاح الضعف والتغلب عليه، ويكون الناقد في هذا النوع إنساناً مرناً ومتعاوناً ولبقاً في التعامل مع ما حوله، وليست له مصالح شخصية، فمصلحته الوحيدة هي إنجاح الأمر وإصلاحه،"*
وهناك نوع اخر من النقد يدعى " النقد الهدام: وهو النقد السلبي الذي لا يقدم الخير، ويسبب العديد من الأضرار، وينقسم هذا النقد إلى نوعين، وهما: 
النقد الأعور: وهو عندما يركز الناقد على العيوب وينسى ذكر المزايا، ويضخم الأمور ليجعلها تبدو أسوأ مما هي عليه. النقد الأحول: وهو عندما يركز الناقد على المدح بشكل مبالغ فيه وينسى العيوب والأخطاء، وذلك لتحقيق مصالح شخصية وكسب بعض الأمور والشخصيات، مما يدفعه إلى تقديم المجاملات في غير موضعها ولغير مستحقيها. 
نقد الانتقام: وهو النقد الذي يقوم به الناقد بغرض الانتقام من الشخص المنقود، فيقوم بالتقليل من شأنه وتوجيه الكلام غير المناسب له دون أي وجه حق، ولا يكون هدفه إصلاح الأخطاء بل يكن بهدف الانتقام منه بسبب أذيته
 المسبقة له" * 
هذه المصطلحات لم تأت من فراغ انما هي مستندة الى تجارب كثيرة ومختلفة الانتماءات والحركات سواءا السياسية منها او الفكرية البحتة  ولفترات طويلة، جعلت من هذه القوالب شكلا ارتدى القدسية دون حق المساس به او الاشارة اليه من قريب او من بعيد..
وبعد تطور الادوات وظهور المدارس الفنية والادبية وظهور الحركات الفكرية والمذاهب الفلسفية وبالخصوص منذ  منتصف القرن التاسع عشر صعودا متواترا متعاقبا بتسلسل وظهور تلك المذاهب التي ادت الى نقل النقد من الحالة الجامدة الراكدة التي استعرضنا وصفها الى حالة النقد الفني الذي توسعت كذلك مداركه وتطورت ادواته بل والتي استجدت ادواته فكانت منتمية بشكل او بآخر الى واحدة من تلك المذاهب او المدارس، وهذا النقد الفني ترك الماضي وابتدا يخط لنفسه مدرسة تميزه ومذهبا يشار اليه ويحسب له حساب في ميدان الثقافة وعلى اختلاف اتجاهاتها الفنية والادبية وتعدد بهذا الانتماء وهذه المسميات الجديدة شكل النقد الذي اعطاه تنوعا جعله فنا متحركا ومطواعا فعالا ذا نفح يسر القارئين، قافزا على الماضي بفواصل سريعة من الزمن مختزلا المسافات وحارقا المراحل ولم يعد النقد بتعريفه كما كان معتمدا في سالف الزمن: 
" النقد من خلال القواعد: بحيث يمتلك الناقد معايير معينة للنقد والتي لا يمكنه تجنبها أو إهمالها، فيقوم بقياس الجودة الفنية بناءً عليها. 
النقد من خلال السياق: بحيث يبحث الناقد في سياق الفن التاريخي، والاجتماعي، والنفسي، ويقوم بتقييمه على هذا الأساس. 
النقد الانطباعي للفن: بحيث يقوم الناقد برفض كافة المعايير والسبل الموضوعية للنقد، وينقد العمل الفني بناءً على منظوره الشخصي، ومدى تأثيره عليه وعلى مزاجه وعواطفه. 
النقد القصدي: بحيث يتم النقد بناءً على مقصد المنقود من العمل الفني، أي ما الذي حاول الفنان إيصاله لنا وللناس ومدى تحقيق هذا. 
النقد الباطني: وهو النقد الذي يهتم بما هو داخل العمل الفني ولا يهتم بالعوامل الخارجية، حيث إنه يركز على طبيعة العمل الباطنية. 
يمكن للناقد أن يقوم بدمج هذه الأنواع مع بعضها البعض ليخرج بنقد فعّال وصحيح، وعلى الناقد الجيد أن يدرس كل عمل فني على حدة وأن يكون مرناً في التعامل معها واتباع المعايير المناسبة لكل منها، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى المجتمع الفكري والذوق الفني، ومقدار تعوده على أنماط معينة من الفنون المختلفة." *
الابداع  النقدي :
بعد هذه التحولات اصبح النقد فنا ابداعيا اعتمد على اساس متين بوصول اقلام نقدية مبدعة نزعت عنها كل ما احاط بالنقد قديما من ثياب متهرئة اثقلت كاهله واوحت للاخرين ان النقد هو من القدسية بمكان ان لايمسه قلم آخر وربما كان يعتبر بمثابة نهاية المطاف للوصول الى الكمال،
وشرعت تلك الاقلام باتخاذ النقد كحالة ابداعية وكهواية يستمتع بها الناقد طارحا مالديه من سلة مثمرة للاخرين وما على الاناس الا الانتقاء والاختيار كما شاؤا وكيف ارتأوا، واصبح الناقد باحثا عمن يساند نقده بل هو ينتظر وجهات نظر اخرى من اقلام يحترمها الناقد ذاته...
هنا انتقل الناقد  كقلم كاتب كما انتقل اي قلم آخر من مرحلة ومذهب الى مرحلة ومذهب جديد اختط له افقا يرنو من خلالها الى الوصول الى الارقى، وهذا ما انسحب على النقد الذي تسامى مع تلك الافكار الثقافية والدارس الفنية الادبية منها بطبيعة الحال...
وبعد ان كان يحق للمبدع ان يقدم نصه شعرا او نثرا للنقد والتقييم والتشريح كان على الناقد ان يقدم نصه كنص قابل للتقييم كذلك والتشريح كحالة ابداعية تحكمها ديناميكة الجودة والاتقان مثلما تحكمها ديناميكية الخطا والنكوص كأية حالة ثقافية فنية ادبية  بتعدد فنونها، الامر الذي استدعى ان يخضع النقد الى التقييم والتشريح فاصبح النقد ( نصا) كما باقي النصوص..
اشتراطات نقد النقد: 
مما لاشك فيه عندما اعتبرنا ان النقد حالة ابداعية ساميا تنشد الرقي والنتاج الخالد علينا هنا ان نقف بقليل من التريث الى ان ليس كل نقد هو حالة مبدعة لان الكل لم يتخل عن الاشتراطات السابقة التي ولد الناقد عليها كما ولد ولي العهد على تاج ابيه عاجلا ام آجلا، لكننا سنركز في قصدنا على من يتعامل بالنقد كما اشرنا اليه في شكله وهويته الجديدة فقط،،
هنا يأتي دور المثقف الواعي من النقاد المبدعين الذين غالبا مايكونون كتابا قصصين قبل كونهم نقادا، او شعراء مارسوا الشعر بالوانه قبل ان يتعالى الحس في اقلامهم فينتقلون الى مرحلة تبوأها اغلبيتهم بفضل نتاج اقلامهم المتميز، الامر الذي جعل الشاعر ( شاعرا وناقدا) مثلما اتاح المجال للقاص او المسرحي او الفنان ان يكون ناقدا بعد ان كانت هويته القاص او الفنان او المسرحي وهكذا...
ان الحدود المفتوحة وغير المقيدة التي لا نريد رسمها او ذكرها خشية من ان تتخذ كسنة او كقانون، هي من الوضوح بحيث لايمكن حصرها مهما اجتهدنا في قالب واحد وفي مساحة واحد نرسمها بالخطوط والاشكال ونقول لايحق للناقد مثلما يحق للشاعر او القاص او غيره، لكننا سندع هذا الافق مفتوح الرؤى والتطلعات ونقول هنا مأكدين على: 
( لكل قلم مهما كان اتجاهه حق النقد، ولكل قلم مهما كان اتجاهه حق نقد النقد)...
وما حق نقد النقد الا لان النقد قد اكتسب الشرعية بكونه حالة ( ابداع) لاتختلف في كينونتها عن باقي الفنون لذا فان من الابداع ( نقد الابداع)، ملتزمين بما ذكرنا سابقا ان النقد هو حالة صحية تطورية وليست حالة انتقامية كما ورد في قديم التعاريف التي اجبرنا على تضمينها ضمن بحثنا هذا للفائدة...
ولا يفوتنا ان نؤكد فيما ذهبنا اليه (ان لكل قلم مهما كان اتجاهه حق النقد ) هذا لايعني الانفلات او حق النقد لكل من هب ودب بحيث ينتقل النقد هنا بهذا الجواز من حالة التقييم النقدية البنّاءة الى حالة ناكصة مهينة وهي الانتقاد وهذا فرق بيِّن لا نريد الخوض فيه لاننا لسنا معه ولا نشجع عليه كما اننا بالضد من اية حالة تقترب من هذا المفهوم الاعرج وفي كافة الفنون الثقافية ومنها الادبية، لذلك سيبقى الناقد محتفضا بتلك الحصانة الراقية في حقه في النقد فقط وليس في عدم حق الاخرين بنقده، على اننا نبغي الحالة الابداعية من نقد النقد لا ان نقف بالمرصاد لكل ناقد منصبين انفسنا كحكام جناة حاملين سيوفنا على اي نص بمجرد انه امتلك من الثغرة مايمكن النفاذ اليه سلبا لا ايجابا، حاشا ان نكون يوما هكذا فنحن كمثقفين واعين وبالخصوص على سبيل المثال في ( آفاق نقدية) " التي يحق لي ان اتحدث عنها او باسمها بعد الاستئذان والترخيص من الاعزة ادارتها بكل اعضائها " نبغي الى :
محاولة تقديم  الابداع نصا ونقدا.
محاولة اعانة الاخرين على الصعود والارتقاء بالنصوص من خلال توضيح وتشريح وتقييم الاعمال على اساس الحالة الابداعية الفنية والجمالية التي نتوخاها من كافة الاعمال المقدمة.
لا شرط ولا حدود للنصوص في نشرها هنا الا ماكان يميل الى مايتقاطع مع معتقدات الاخرين واديانهم وقومياتهم وطوائفهم ، على اننا متجردون من هذا سلفا.
من حق المبدع ان يطالب الصفحة بناقد لنصه ان شاء.
لايحق لاي كاتب مهما كان شأنه ان لايسمح لناقد بتناول نصه، على اساس مبدا العمل وخط الصفحة هنا وهو الرقي بالنصوص من خلال النشر والمتابعة والنقد البناء الفاعل.
هذه جملة نقاط وددت طرحها منتهزا هذه الفرصة لتوضيح بعض مما نحن مهتمين به وهو مدعاة فخرنا...
هنا وبعد هذه الجملة من النقاط اللازم معرفتها، نؤكد على ان النص النقدي هو نص مبدع كقصيدة او قصة او مسرح او مقالة او ماشابه، وهنا اجيز للناقد ان يطرح نصه للنقد علاوة على الفائدة التي اكتسبها النص الذي تم تناوله بالنقد، ستنشا هنا نتيجة لما تقدم اطراف معادلة قيمية ابداعية راقية :
نص مبدع – نقد مبدع  / نقد مبدع لنص النقد المبدع
وهنا قامت المعادلة واستندت الى طرفين مهمين : 
صاحب النص الاول + الناقد الاول 
النقد الاول + نقد النقد
ولا يفوتنا هنا ان نؤكد حقيقة لا تخفى على احد ان هذا البناء المتعامد الذي انشاناه يستند على اللبنة الاولى ( النص الاول) وهو المحرك الابداعي  للفعلين الابداعيين القادمين، وهنا يجب ان نتمعن في عملية التصاعد التي قد يشترك فيها اكثر من ناقد للنص الاول مثلما سنتوقع ان يشترك اكثر من ناقد على النص النقدي الثاني وهذا سيوصلنا الى تمتين وتقييم الاعمال في ابداع قل نظيره، ولو عدنا بالماضي الى ماكان يدور في سوح الشعر واسواقها العربية ( عكاظ) مثالا، لرأينا ان هذه الحالة " وان كان السبق لنا فيها" كانت قائمة بتناول اكثر من ناقد نصا واحدا، الامر الذي يتم تناوله وعلى السليقة دون قصد سوى التقييم مما يعطي الاعمال الشعرية بريقا ىخر ويزيل عنها ماعلق من تصورات..
لم نل<ا هنا ان نشير بالذكر الى ماهي شروط ناقد النقد كما قد تم تعريفه من قبل بالنسبة للناقد، فنقول، لكل قلم ناقد مبدع نبيل يرمي الى الفائدة، الحق في نقد مايراه من نصوص نقدية شريطة ان يرقى بنقده هذا الى الرقي بالنقد وبنصه الاول، ولا بأس ان يشترك اكثر من قلم في النقد الاول مثلما لاضير ان يشترك اكثر من قلم في النقد الثاني...
نسال الله ان نكون قد وفقنا في اظهار موضوع مهم على حقيقة مايستحق، آملين التواصل في هذا الشأن ابداعا ورقيا ساميا لاغير...
وما التوفيق الا من عند الله
*نص مقتبس من موقع ( موضوع) مع الشكر
تم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق