السبت، 20 يوليو 2019

أغنية بصرية /قراءة في نص ( أغنية خارجة عن الاتفاق ) للشاعر غازي الموسوي ..بقلم الروائي الناقد جمال قيسي

أغنية بصرية /قراءة في نص ( أغنية خارجة عن الاتفاق ) للشاعر غازي الموسوي ..
بقلم الناقد Jamal Kyse
في واحدة من لحظات الإبداع. البشري، قفز. سيغموند فرويد بنظرية التحليل النفسي ، بمستوى الوعي الى مرحلة في غاية الجدة ، لتنسحب فيما بعد على مجمل المعارف ، بالإمكان ان نقول انها نقلة ابستيمية فارقة ، ثمة شيء استباح ساحة الادب ، لا،،بل ابعد ، انه اجتياح لكل الموروث المتصلد، الإعلان عن التفكيك للمنظومات القيمية ، و اعادة التشكيل،،في لحظات نادرة من الملكة النقدية الثمينة ، في التاريخ ،ما يعنينا هنا كلمة ( لا) ،،حيث يقول فرويد ان النطق ب (لا ) ،بما معناه انه الاعتراف ب المكبوت والمقموع ، ومع أن فرويد ذهب إلى الشخصية الفردية وليست الكلية،،لكن تلاميذه طوروا مبدأ اللذة ،من صراع فردي داخل النفس البشرية بين الأنا العليا و الأنا السفلى ،،اي بين منطقة الشعور المقيدة بتعاليم القطيع ومحرماته وبين منطقة اللاشعور المتمثّلة بالرغبات المقموعة والحية بذات الوقت،،والتي ستجد مسربًا ما بعيدًا عن الرقيب ،لتقفز الى العلن ،،استطاع إريك فروم و هربرت ماركيوز وبقية أعضاء مدرسة فرانكفورت ،،بربط كشوفات فرويد على مستويات واسعة من خلال الدمج بين الماركسية والفرويدية ،، والخروج بتيار اليسار الفرويدي،،استطاع هذا التيار أن يجد المستوى الاجتماعي للفرويدية على يد فروم،،والحضاري على يد ماركيوز،،والتعمق البنيوي النفسي على يد لاكان ،،
الغرض من هذه المقدمة ،،هو استخراج كلمة ( لا ) في نص الموسوي الغارق في الترميز،،نوع من البوح عن مكنونات اللاشعور لدى الموسوي،،والذي اجتهد بإخفاء ما تتوق لها. نفسه،،فكلمة ( لا ) ربما لم ترد صريحة،،وردت على شكل عبارات ،،وهذه هي احد الأساليب اللعينة للأدب. ( لعينة هنا للمواربة ، وليس للسوء ) لنرى ما نحن بصدده،،
"كُلَّمَا جَفَلَتْ لُغَةُ البَحْرِ،
ألْقى على كتِفِ الريحِ امراسَهُ
وغنّى أُغنيةً حالمة
ما انفكَّ مثلَما كانَ:
بعيداً عن اوهامِ السابلة،
كانَ رغمَ المفازاتِ
يشهدُ تطابقَ الفصيلةِ
كما ويشهدُ الجهةَ القاحلة"
كيف تجفل لغة البحر؟ ،،واي بحر؟ ،،هنا تبدأ المواربة،،بين البحر الشعري والبحر المائي ،،ولزيادة التعمية يلحقها ب أمراسه أي شدة بأسه واصراره لكن هذا البأس سينفذه إلى الريح ،،وغنى،،ليدخلنا في متاهة جديدة ،،الى عالم الريح ،،بحلم يرتجى، هناك رغبات متضخمة بل متورمة،،لاتفصح عنها منطقته الشعورية،،فالشعر غواية لعينة للإفصاح ،،أشبه بعميل الاستخبارات المتخفي ،،هو وسط القطيع في مهمة لاتعنيه السابلة ،، كل تقولاتهم ومعتقداتهم،،حتى وإن اظهر إيمانه بها فهي بالظاهر،،لكن جوهره يقول ( لا) ،،هويته الفردية ،، الرافضة للهوية الاجتماعية ، هوية القطيع،،لكن لائه ،،تجلت شاعريًا ،،اعتقد فهمنا مقصده بتطابق الفصيلة،،وكونه شاهد الجهة القاحلة ،،
في المقطع الثاني،،سنرى كيف تجلت ( لا ) ،،هنا يسلك الموسوي،،رفضه بتقمص دور الحلاج ،،الخائب في تمثل رغباته الرافض الموارب،،ومع أن كل مواربة لم تبعد السيف عن رقبته ،،في لحظات تيقنه أن العقاب نافذ لا محالة ،،وكلمة ( لا ) التي جاهد بإخفائها قد كشفت،،ازداد إصراره على موقفه،،وما أجمل الصورة التي جسدها الموسوي ،،( مجلجلاً بتوتره الفروسي القديم ) ، نوع من العزة والثبات ،،لأنه لم يعد يملك غيرها،،حتى وان لم يرغب،،والا،،لم التوتر،،انه اعلان عن احتجاج من منطقة اللاشعور ،،على الأنا العليا،،طالما الواقع قد سفح الداخل،،في ذات التشابه بين الحلاج ويوحنا المعمدان (يحيى ) ،،وغازي الموسوي ،،لقد أزاح. الموسوي هنا فواصل الزمان والمكان،،ودخل بالمطلق،،هنا يصرخ الموسوي ب ( لا ) ،،للتعبير عن كل ما تم قمعه في اللاشعور ،،
" ما زالَ مجلجلاً
بتوتّرهِ الفروسيِّ القديمِ
صارخاً بصوتِ المعمدانِ.
في رئةِ المدينه:
- ايّها الراقصونَ على انغامِ المذبحةِ
ذروني ودمي منفرداْ!!
لا واسطةَ بينَ العينِ ومدامعِها
اتركوني ومنْ احبُّ
انهُ يراني واراهُ
والعالمُ يتحدُ
خارجَ الزمانِ.
وخارجَ المكانْ........................."
.........
أخيرًا ،،يعطينا درسًا. جميلًا في عملية الأدب ،باعتباره تورخة حقيقية للمشاعر والصراع بين الأنا العليا والأنا السفلى،،هذا النص أن تم تجريده من هويته الشرقية،،هو إعلان إضافي. لمدرسة فرانكفورت،،انه يساري فرويدي بامتياز،،لولا،،ال (لا) الشرقية ..
جمال قيسي /بغداد
نص الشاعر:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أُغنيةٌ خارجةٌ عن الاتفاق...(مجلة المعلم..تموز..1999..البصره)
*******************
كُلَّمَا جَفَلَتْ لُغَةُ البَحْرِ،
ألْقى على كتِفِ الريحِ امراسَهُ
وغنّى أُغنيةً حالمة
ما انفكَّ مثلَما كانَ:
بعيداً عن اوهامِ السابلة،
كانَ رغمَ المفازاتِ
يشهدُ تطابقَ الفصيلةِ
كما ويشهدُ الجهةَ القاحلة
ما زالَ مجلجلاً
بتوتّرهِ الفروسيِّ القديمِ
صارخاً بصوتِ المعمدانِ.
في رئةِ المدينه:
- ايّها الراقصونَ على انغامِ المذبحةِ
ذروني ودمي منفرداْ!!
لا واسطةَ بينَ العينِ ومدامعِها
اتركوني ومنْ احبُّ
انهُ يراني واراهُ
والعالمُ يتحدُ
خارجَ الزمانِ.
وخارجَ المكانْ.........................
غازي الموسوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق