الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

الجرس في الشعر العربي - 4 - بقلم الناقد /شاكر آل هيت

الجرس في الشعر العربي - 4 -

ان من مطيبات الشعر العربي بعض الملاحظات التي يتعود عليها الشاعر بدون حتى دراسة وان اجهد في دراستها فذلك افضل بالتاكيد من ذلك، التصريع والترصيع والتكرار والتدوير ولكل واحدة من هذه المصطلحات والاستخدامات ماينقي ويزيد من حلاوة وجمال البيت الشعري، وحتى الاختيار السليم للبحر الذي سيتخذه الشاعر بعد قناعة يعتبر حالة من الوعي الجمالي ويذهب ذلك الى شكل حرف الروي او كلمة الروي وطريقة القائها وتثبيتها بالشكل الذي يرفع من قيمة القصيدة ومن جمال النص وكل هذا يجب ان يتوائم مع الموضوعة التي قرر الشاعر ان يتبناها كقصيد يعبر من خلاله عن كل مايجول في نفسه وكل ماينوي ايصاله...
ان حسن الجرس في الشعر هو نفسه حسن الجرس في النثر ولابد من انتباهة الى ان الجرس الذي التزمته الآيات التي ذكرناها في سورة النبأ وغيرها وهي كثيرة جدا انما جاءت موسيقاها معبرة عن روح الموضوعة سواءا كانت في قيد الترغيب او في قيد الترهيب، على ان القاريء سيرى ذلك الارتباط العالي الذي يوحي انك في الجنة تماما وانت تستمع الى الشرح المموسق في ايات تتحدث عن جنة وما بها وهي وعد من الله للمحسنين، في نفس الوقت الذي ترى فيه الثقل الواضح في استخدام المفردات المتميزة بثقلها ولفظها المتجبر وانت تقرأ عن الجحيم ويوم الحساب، اذا مما لاشك فيه ان كان العليم الجليل قد استخدم مبدا الجرس والنغم الملائم وموضوعة الجنة والنغم الملائم وموضوعة الجحيم بدون شك ومايلائمها لكي يوصل مايريد سبحانه الى الاذن التي تستسيغه بكل جوارحها ايجابيا نحو التمعن والتصور لحقيقة الجنة حتى وان كان الوصف رمزيا هو نفس الشعور حين يذهب رب العرش القدير في القران الكريم لكي يبعد قدر الامكان بني البشر عن الجحيم وعذاب النار والقيامة والاخرة باستخدام تلك النغمات الثقيلة التي تشير الى الرهبة والخوف، ومن هنا فقد وجدت نتيجة تتبع طويل الامد ان هناك اصواتا وحروفا لها شدة صوت قد لا تسمعها الاذن الاعتيادية للانسان، لانها اما كانت ادنى او كانت اعلى من مستويات قابلية الاذن البشرية السليمة على السماع، لكنني حين كنت ادرس الصوت والصورة والالكترون قد رايت ان هناك شدة صوت صلطت على آذاننا نحن كتلاميذ آنذاك لم نكن نسمعها لكننا احسسنا بوجودها وكانها صوت سين مستمر دون انقطاع لكن هذا الصوت الذي يصل الى قرابة 17 الف هيرتز لم يكن يسمع من خلال الاذن الخارجية مرورا بالطبلة واجهزة السمع الاخرى في الاذن الطبيعية المعتادة انما كنا نستمع له ونحسه بعد تجاوزه هذه الاذن مباشرة الى اذن داخلية اخرى، وهنا يجب التوقف لكي نثير انتباه السادة المتابعين والمعنين ان الجرس في الشعر العربي هو نغم حرف او نغم كلمة او نغم تركيب، ليس من السهل ان تراه لكنك تحسه، وهو على انواع وهذه الانواع لايشترط الالتزام بها انما هي خيار للشاعر يستطيع استخدام ايا شاء منها على ان يكون الشاعر قد فهم من ذي قبل ان جرس هذه القصيدة معروف لديه ويقينا هو سيكون ميزانا صافيا للشاعر مع امتلاك الشاعر لتلك الاذن التي خبرت الجرس نتيجة قراءات كثيرة ومتنوعة سواءا للشعر العمودي او الشعر الحر مع محاولات الكتابة المبكرة ولربما ذهبنا الى ابعد من هذا فنطالب بدراسة المعلومة على يد العارفين لاكتساب الخبرة الصحيحة التي ستمنح الشاعر ذلك الحق دون غيره لكي يؤشر وينقد ويلاحظ ويسير هو على الدرب الصحيح لا محالة...
اما اشكال الجرس فهي ليست بالصعبة رغم تنوعها، وهي بسيطة لمن يريد التعرف عليها، وقد حاولت جهد امكاني ان اوضح ذلك بالرسم الممكن فعذرا ان لم اوفق بايضاحها كما اريد بالشكل السليم والاشارة الجرس هنا الواضح باللون الاحمر، وهي :
الجرس المنساب الممدود 0 (من يدعو/ مستفعلْ / - - - /) كما مبين في الشكل رقم (1) ، وهذا المد المنساب الممدود دون رفع او خفض او سكون.
الجرس المنساب المرتفع المنساب : مثل ( طوفانن / مستفعلْ/ - - - ) كما مبين في الشكل رقم (2) .
الجرس المنساب المكسور المنساب: مثل ( زيديني / مستفعلْ / - - - ) كما مبين في الشكل رقم (3).
بعد هذه الامثلة يجب الانتباه الى ان الوزن واحد ( مستفعلْ / - - - ) لكن الجرس هنا قد اختلف، ولو اننا قمنا بلفظ ( من يدعو، طوفان، زيديني) في الاشكال 1و 2 و 3 لراينا ان الصوت وشدته ستتغير وبنفس الاشكال الموجية التي اوضحتها في الرسم، وهذا مايشكل عليه الكثيرون حين نتابع بالنقد قصيدة احد الزملاء ونؤشر الى ابتعاده عن الجرس الموسيقي، ربما يستغرب الشاعر ان الوزن والتفعيلة وحتى الايقاع المركب هو صحيح، نعم صحيح والبيت موزون ولم يخرج عن سياقات البحور الفراهيدية لكن المشكلة ان حسن الاصغاء والنغم والتتبع الدقيق سيجعلك تتفق معي انك خرجت عن الجرس !!
السؤال هنا هل الخروج عن الجرس وربما غير المقصود هو خلل عروضي؟ الجواب كلا، هل هو خلل ايقاعي؟ الجواب كلا، هو خلل فني عالي الاحساس به ويستحسن على الشاعر عندما يلتزم سياقا جرسيا واحدا وخصوصا في الروي عليه الاستمرار به وهذا من محاسن النظم، وهو غير مكلف، وبالتمرين والقراءة المستفيضة يستطيع الشاعر ان يتوصل اليه، هل يسري هذا على كل الحشو؟ الجواب هذا تمام التمام ورقي الرقي اذا استطاع الشاعر ان يحسب حساباته الفنية بحيث تكون القصيدة متكاملة لاغبار عليها ايقاعا ووزنا وجرسا، والامثلة كثيرة جدا لاحسر لها هنا، خذ مثلا : ( مكر مفر مقبل مدبر معا) اي جرس راق هذا في كل الصدر؟، وهو جرس واضح صارخ بالموسيقى، واشتمل على الحشو وعلى كامل الصدر، ولو لاحظت الميم وكيفية توضيفها قراءة وصوتا لعرفت ان الشعر العربي قوي بتلك الموسيقى التي حكمها الوزن.
لاحظ معي قافية هذا المثال ودقق في جرس كلمة الروي فقط :
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا ........... وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا ............. إِذَا مَا المَاءُ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ .......... إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ ......... عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو ...... وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
لاحظ الجرس الواحد في ( بحينا، درينا، سخينا، يلينا، مهينا، يمينا) كلها على وزن ( فعولن / ب - - ) صح لكن اين اختلف الجرس؟ الجواب لم يختلف الجرس نهائيا لانه سار على نغم واحد مكونا ايقاعا موسيقيا واحدا ولو اختلف الجرس لاختلف الايقاع لكننا لن نحسه الا في الاذن العالية الحساسية والعالية الانصات كما في الصوت الذي نسمعه في الاذن الداخلية وقد لايسمعه الكبير العجوز او من في اذنه خلل فسلجي لاي سبب كان، والذي يقوي من الجرس واحد اهم اسباب النضوج في الجرس هو ان يرتبط الجرس بماقبله دون ادنى نشاز، وان ارتبط كذلك في الحشو مع الذي بعده فهذا حسن وحسن جدا، على انني هنا لابد ان اذكر ان التدوير في البيت الشعري له جماليات حسنة جدا وهو مقدار مقياس ومعيار للشاعر وملكته وامكانيته في استخدام التدوير الداخلي والخارجي، ونعني بالداخلي التدوير المعنوي من العجز الى الصدر الذي يلي، والخارجي هو التدوير من الصدر الى العجز، وهذا له ارتباط عال ووثيق بالجرس الذي الزم الشاعر التدوير اتساقا معه،
للتقريب بعد هذه الشروحات اوجز ذلك بمثال بسيط جدا: لدينا ( مستفعلن / - - ب - ) كثيرة هي التراكيب على وزن (مستفعلن) لكننا لو نطقنا (مستفعلن) باصوات ممدودة ومرتفعة ومكسورة هل سيختلف الجرس هنا؟ يقينا لكل منها جرسه الخاص اي بتعبير آخر ان مستفعلن على سبيل المثال لوحدها يمكن ان تكون بثلاثة اجراس:
فنقول مثلا:
( تم تم ت تم / مستفعلن / - - ب - ) ممدودة منسابة،
( تا تا ت تا / مستفعلن / - - ب - ) مرتفعة عالية اي حادة.
وكذلك لو كسرناها الى اسفل ستكون منخفضة عالية حادة، وهكذا...
الموضوع يحتمل الاطالة لكنني اخشى على المتلقي ان يمتد الملل اليه فتنتفي فائدة الموضوعة لذلك انا كلي آذان صاغية لكل نقد بناء لعله ينفعنا ومن خلالنا ننفع به الاخرين



 
 
 
 
 
تعقيب الشاعر / حسين ديوان الجبوري
 
حسين ديوان الجبوري اوصلت فكرة الجرس الموسيقي بطريقة جميلة جدا وقد نبهتنا على غاية في اﻻهمية حيث التفعلية تقبل عدة اجراس ولكل جرس نغمه الخاص كما تفضلت (تم تم ت تم )جرسها غير جرس (تا تا ت تا) وازيد مني (في في ف في ) جرس جميل ولكل لتفعيلة واحدة هي مستفعلن ..
استاذنا المحترم هذا ما نبحث عنه دائما كدارسين للشعر العمودي والتفعيلة بارك الله فيك واطال الله في عمرك لترفدنا بما هو جديد ومفيد كمن يلقح اﻻجسام مضاد يصحي اﻻبدان تحياتي لك استاذ شاكر الهيتي على هذه الملومات المهمة والمفيدة بنفس الوقت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق