الثلاثاء، 6 مارس 2018

قراءة في نص/ الثآليل (.لــ أ.صالح جبار محمد خلفاوي).. بقلم الأديبة/نائلة طاهر


حين تستغرقنا الملامح في وصفها ونركض خلف تحديد الإطار المادي للحالة اعرف انك لم تكتب إلا ندوبا ..لان الواقع هو المكتنف لذاك الظرف ،الواقع هو مجرد ندبة تزداد عمقا مع الأيام كلما انغرزت الاقدام بالأرض .تراب الارض صار ملحا والملح يقرّح الجراح . 
يحليني نص الكاتب الى الأدب الواقعي ذاك الذي نُظّر له في القرن التاسع عشر ليشهد مع الأدباء الروس ك .تولستوي ،غوركي ،دستويفسكي وتشيخوف ..والأدباء الفرنسيين ك. بلزاك ،زولا ، وموباسان، وفلوبير ،اوجه وطفرته ،لنجد بعدها عبد الرحمان منيف كنموذج للواقعية الحديثة .الواقعية الحديثة برأيي أخذت من كل من نظّر للأدب الواقعي ممن ذكرتهم المبدأ الفكري وبعدها قدموا نصوصا تليق بالواقع المعاصر ،اذا أن القضايا تغيرت في محتواها عن ما كانت عليه قبل و بعد الحروب العالمية .لذلك كانت هذه النصوص واجهة اخرى للواقعية التي نطلق عليها (ميكرو تاريخية )والتي تجعل مواجهة الكاتب للواقع انطلاقا من ذاته واستبدال الواقعية ذات الابعاد الانسانية بأخرى فردية .شرعية هذا الجنوح الى الداخل استمدها الكتاب من تشذر الذات الانسانية و اختلاف الاهداف وخاصة تضارب المصالح .لذلك يلاقي هذا الأسلوب الأدبي رواجه سواء في النثر او الرواية.
نص الكاتب أبو عثمان الجاحظ هو المدخل الاساسي لبسط الوجهة النظرية. وقد أراده تعبيرا عن الشخصية المأزومة التي تتحول الى مادة طينية لا جوهر لها و انتهى الى أن الخلل الجيني الموروث لا بد ان يفرز وجودا مشوه الملامح والروح .
الكاتب له من الذكاء ما منحه القدرة على الاسترسال في الرسم دون أن تخذله الألوان ولا الحبر وكان بودي ان يخلو النص من اخطاء الرسم لان عملا كهذا لا بد ان لا يسمح كاتبه بأن تكون به هنة لغوية عند النشر تقصيه عن المراتب الاحترافية.
النص:

رحت أحك ظاهر يدي بقوة , حتى أحمر الجلد , بعدها شعرت بالنعاس .. ولم أعد أشعر بشيء .. تتلاشى صور النهار في عتمة الليل , حين يطوي أراجيح الامل تتدافع الذكريات المخزونة تحت وسادة تحمل هم رأسي المتخم بأمور لاحصر لها ..
تمتد أصابعي , تحت صدغي , أتحسس جار جمجمتي , وتتراءى خطوط بيضاء تزحف الى جدار الشمس , حيث ينهمر الضوء بلا أنقطاع ..
تكتوي الاحاسيس, بلهب يغطي مساحات لخرائط توقض الندوب على جسد يمتد بأتساع الوطن ..
يلعق تواصل الجلد المفروش على حجارة الحضارة المبنية من رموز باهتة ومبهمة , لاتتناول سوى مسلة تحكي تأريخ لاينتهي .. من دوامة النبض يوميءبسريان الحياة ...
واجهني , بوجهه المزروع عليه أبتسامة , وحنك دقيق , ولما عرف معاناتي .. تعاطف معي , واستل من الرفوف الموضوعة خلفه , قنينة دواء قائلا :
-- أنها تفيد حالتك
مابين الغفوة والحلم , نهضت ليلة كاملة , بنجومها التي تبرق في الفضاء , وكلما تومض نجمة .. يكون لها في جسدي أثر .. يتلف أعصابي الموجوعة ...
أحتجت أن أقول للصيدلي البشوش :
-- لاأحتمل هذا الدواء ..
وجعي في القلب , حين يكون القلب , مضخة لاتدفع في أوردتي سوى حفنة دماء .. وتبقى مشاعري مستلبة , وأمنياتي مستلقية على ظهر الجدب , النابت في طين الهوس , حاصدا أصراري لحياة أفضل ....
لازال الحلم يتمرغ في وحل رأسي والنجوم تضع في المسامات ألمها المدمن ...
كيف يجروء , من أحمرت عيناه من البكاء على وقف تداعي حقائق كانت ثابتة , وزمن تحول لهوس يبني حضارة عمياء ... حاملا أصرار الوجوه المخفية , خلف أقنعة , بلا ملامح تشي بالآتي ...
ولاعرق يهتاج فيها ليكشف خلل الجينات بطفرتها الوراثية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق