وقفة مقارنة تأملية بين (ارض اليباب ) للشاعر الانكليزي (توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot) وبين (انشودة المطر) للشاعر العراقي بدر شاكر السياب....بقلم / الاديب الناقد شاكر الخياط
................................................
................................................
توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot شاعر وناقد ومسرحي وفيلسوف إنكليزي من أصل أمريكي، ولد بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الامريكية. واكمل الدراسة الجامعية ، وقد ترسخ اليوت باطلاعه ودراسته المسرح الإنكليزي في العصر المتقدم نسبيا بشكل مكثف، وخاصة شكسبير، وافرز من وقته الكثير للفصل او المقارنة بين كيفية الجمع بين التسلية في الشعر وبين نفائس الشعر في القصيدة الواحدة او العمل الواحد، وبين الشعر النفيس في المسرحية الناضجة. وقد أدى به ذلك إلى توسيع مداركه بل وانفتاحه على عوالم كانت اشبه بالبعيدة عنه لحين دراستها والانتهاء منها، وربما يكون ما انتجه اليوت متمثلا برائعته ( الارض الخراب، الارض اليباب، الارض الضائعة) وهي ترجمات متعددة لنفس القصيدة، والتي تعتبر من وجهة نظر النقاد في بداية القرن العشرين وبعد ان ذاع صيتها وبدأت بالانتشار على مساحات عالمية واسعة، وبعد ان تم تناولها بالترجمة من قبل المترجمين الافذاذ ولاكثر من لغة واسعة الانتشار، انها القصيدة او العمل الشعري المتكامل الذي توج هذا الشاعر وصنفه الارقى على مستوى بريطانيا وتعدى ذلك على مستوى اوروبا، لاسباب منها تعددية مراحل العمل وتوزعه على مساحات واسعة شاملا بذلك كل من لسعته نار الحرب وخرابها، والتي لم تنحسر في بلد او في حالة شهدتها الحرب دون سواها من اخريات حدثن في بلدان اخرى، والسبب الاخر ان اوروبا كل اوروبا كانت تدعي ان هذا النص الشعري انما يخاطب الاوروبيين ويجسد ماساتهم بعد الحرب العالمية الاولى وليس مختصا ببلد او حالة في بلد دون الاخر، في عموم اوروبا، حتى تعدى الامر هذه الحدود وتجاوزها في لغة النقاد والمبدعين من خارج دائرة الضوء الاوروبي او الانكليزي، واذكر هنا ما انسحب على قضايانا العربية بعد الحرب العالمية الاولى وما كان يتناقله المثقفون والادباء والنقاد على ساحة الوطن العربي، واقرب تمثيل لهذا جبرا ابراهيم جبرا الذي عد هذه القصيدة محاكاة وتجسيدا للواقع الماساوي لقضية فلسطين المغتصبة وشعبها المظلوم ، وهناك ادونيس الذي تاثر باليوت بشكل جلي وواضح، وقد يكون من أكثر الشعراء العرب تمثّلاً لدرس إليوت الجمالي، لتأثره العالي به وبخاصة في قصيدته الهجائية "قبر من أجل نيويورك"1971، حيث حاول الولوج في عوالم ورؤى اليوت وسبر فلسفة اليباب في الزمن الحديث، واعني سحب الحالة في زمكانها المقترح الى زمكان يرى ادونيس انه مفصل لها وهو الارحب لما للقضايا العربية التي عمت الشرق الاوسط من مطابقة ورحم افضل من كل الارحام لولادتها، وكان ادونيس يريد القول مجازا ان اليوت كتب قصيدته في الشان الاوربي ارضا وحدثا، لكن الرؤيا كانت ابعد مما يتصورون وقبل ان يرى الناس الحدث ويشهدوا عليه، لا بل قبل حدوثه، وقد لامس أدونيس لحظات مفصلية في شاعرية إليوت، على رغم معرفتنا بوفاء ادونيس لبلاغة اليوت الرؤيوية، وهو الذي وظف أكثر من رمز إليوتي، وبخاصة العرّاف (تيريزياس)، الذي يصفه إليوت بالصوت المحوري الذي يمثّل وعي القصيدة لذاتها وللعالم. (تيريزياس) لدى أدونيس في ديوانه "تنبأ أيها الأعمى" الصادر سنة 2005 ، في مقطع يقول:
"وكانت نبوءات تيريزياس في ما بعد ملأت عيني هوميروس بظلمة تنحدر".
حيث تيريزياس الأعمى، لدى إليوت وأدونيس، يرى ما لا يراه المبصرون، ويلجأ إليه الشاعران ليكون عيناً لهما في ظلمة مطبقة :
"عين بلورية تقرأ لمن يريد ان يصغي". وتيريزياس في"الأرض الخراب"، يظهر في القسم الثالث، كما رأينا، جالساً عند جدران معبد طيبة، يناجي نفسه :
"انا من مشى بين أكثر الأموات انخفاضاً"،
ومهما كان من فرق بين الرائي في اليوت والرائي في ادونيس الا ان الهدف التقى في النهاية رغم اختلاف صيرورة الرائيين. مع العلم ان الاسماء التي وافقت على راي ادونيس، وتوافقت مع تطلعاته بمساحة الوطن العربي كثيرة لا يمكن احصاؤها انذاك، وهذا يوضح ان الامتداد الفعلي بالتاثير الرؤيوي لامتداد الفعل الابداعي الذي وجد فيه المثقفون وخصوصا الشعراء الملاذ لهم انذاك من قيود تصوروا خطأ انها محددات للابداع في التجديد المنشود الذي طالما تمنوه وسعوا اليه، ولربما كانت الاقلام التي نادت بمشروع الشعر الحر او شبيهاته من دعاة الانفلات عن البيت الشعري العربي والقافية والوزن الى ما الى ذلك من تجليات ظهرت في منتصف القرن العشرين كمدرسة القت بظلالها على الاجواء الادبية ليست في العراق فحسب انما امتدت الى باقي ارجاء الوطن العربي حتى ولادة الشعر الحر على يد مجموعة من الادباء والمفكرين المبدعين يتقدم ركبهم المرحوم السياب الذي كان رائدا لايجارى في هذا المضمار وهو اشهر من خطط ونظَّر لهذا الفعل واكاد اجزم انه هو الذي تحمل وزر هذا الابداع، فكان بحق هو زعيمه..
الأرض الخراب لاليوت تعتبرالنواة التي تنطلق منها رؤياه للعالم، والعالم برمته والقائمة على انزياح مجازي، يتمثّل في تقويض العلاقة التقليدية بين الدالّ والمدلول في مابين مفردات العمل، فلو لاحظنا الربيع في رؤيا القصيدة نجده يدلّ على موات بطيء، وقسوة تفتك بالطبيعة. في حين اننا نرى ونعرف ان الربيع يرمزُ للخصب والانبعاث، كما ورد في انشودة المطر، ولولا الموضوعة الرئيسة لكلا القصيدتين، وهدفهما لما كان هناك من ارتباط بين انشودة المطر وارض اليباب الا في شكل القصيد، ودوافع العمل التي حكمت السياب واليوت في خراب ماثل جسده اليوت بعد الخرب، او خراب متوقع منتظر كان السياب يوحي الى حدوثه في كثير من سطور القصيدة، وما يؤشر بالفعل وايمانا منا لاظهار الحقيقة الراقية لنقطة التقاء اليوت بالسياب هي ميزة الاسلوب المتفرد الذي جمع بينهما دون ان يستند السياب الى اليوت على اعتبار ان السياب متاخر في الزمان في صدور القصيدة عن اليوت الذي تقدم عليه بفترة طويلة حتى اتمام الاصدار واعلانها وليدا جديدا على بلده واوربا، مثلما اعلن السياب ذلك على بلده والعالم العربي، وما انفراد الاثنين بتقنية الانزياح هذه والتي تكاد تنسحب على المعمار الكلّي للقصيدة وبنائيتها المتناثرة الابعاد والاوشاج لديهما، إذ يكاد لا يخلو سطر من سطور القصيدةعند اليوت من رجّة تنقلُ المعنى إلى سياقٍ آخر، منزاحاً عن مركزه، في قراءة تضادّية قوية للموروث الشعري برمّته، يعزّزها افتتانُ إليوت بدمج أساليب أدبية وشعرية ودرامية متناقضة، تتأرجح بين الموغل في سمّوه البلاغي والمسرف في تقشّفه اللّفظي. لكن الذي ابهر النقاد في شعر السياب ليس ما ابهر النقاد في شعر اليوت، لان القفزة التي قدمها اليوت الى بلاده واوربا مختلفة عن تلك القفزة الرائعة التي قدمها السياب الى بلده ومن ثم العرب لاحقا، هذا الانسجام المتواتر المتراصف شكلا مع الوزن الموسيقي الجميل الذي تناوله السياب مع الانسجام الانموذجي في شكل البنائية لقصيدة صورت لنا الشاعر وكأنه لم يبتعد عن خط الوزن ولا عن موسيقى العرب في شعرهم، وما هذه المحافظة على اللون الجديد دون ان يؤشر اي خلل من قبل النقاد، بل هناك من ايد وفي ذلك الوقت بما ابدع السياب وزملاؤه من فن جديد كتب له فيما بعد ان يكون واقفا قويا رصينا على قدمين متجذرتين في ارض صلبة وبقامة شامخة ممتدة الى عنان الفضاء،
ويُجمع النقّاد:
" أن هذه الرؤيا الجديدة للّغة الشعرية ساهمت، إلى حد بعيد، في بلورة حساسية شعرية جديدة غيّرت جذرياً مفهومَنا لماهية الكتابة الشعرية".
وهنا يجدر بنا ومن وجهة نظر تحليلية بحتة النظر الى بواطن الامور لا الى شكلياتها، منطلقين من هذا الاجماع النقدي المختلف المناشيء المتحد الفكرة والنص والهدف، هل كانت غاية النقاد ان تعزو كل محاولة تحديث او تجديد منذ بدايات القرن العشرين شعرا، الى التاثر بروح اليوت ؟ ليس في قصيدته هذه كقصيدة حسب انما الانتقالة العصرية الخطيرة التي لم يكن قد ألفها الاوربيون من قبل في تداعيات تناوله الاسطورة وتمثيلها تجسيدا على الواقع الحي الذي كانت تواجهه اوروبا وكأنها حصيلة تلك العصور من المواجهات، والصراعات التي استمرت عقودا من الزمن..
إنّ لغة اليوت في تمجيده لقيم التضادّ والتقابل والمقارنة في قصيدته، واعتباره الشعر هروباً من الأنا الرومانطيقية، وليس تكريساً لها، شكّل نقطة تحول كبرى في تاريخ الشّعرية الحديثة. على الصعيد الاوروبي ، محاولا تجسيد ذلك ونشره على مساحات اوسع شاملا به على سبيل المثال الشرق الاوسط ومناطق في افريقيا وجنوب شرق اسيا لا اوروبا فقط، وإذا علمنا أنّ إليوت كتب قصيدته، متأثّراً بمناخات الحرب العالمية الأولى، التي لا تغيب صورها المرعبة عن أجزاء القصيدة الخمسة، والتي كانت تصل الى حد التكرار في البنى لولا براعة اليوت في التنقل من حالة الى اخرى وطرح المختلف في القادم من الاسطر، ليكون عاملا جامعا لكل الحالات التي كان يتشوفها في فلسفته الشعرية ذاتها والتي هي الأكثر حسماً في تقديم نصّ مدهش في بنيته ، وإحالاته المنفلتة من كل سياق، والتي تقوم على اجزاء من أحاديث غير مكتملة، ومشاهد مسرحية مقطوعة ، وتأملات فلسفية لا تخلو من التهكم والسخرية، وتهليلات غنائية صوفية، ترثي موت الخالق في الزّمن الحديث. وعلى رغم أنّ إليوت يصف نفسه بالمحافظ أو الملكي في السياسة، والأنغلوكاثوليكي في الدّين، والكلاسيكي في الأدب، إلا أنه باجماع النقاد واهل الشأن أبدع واحدة من أكثر القصائد جنوناً في القرن العشرين. وربما كانت الاولى على هذا الصعيد، إذ تكاد لا تخلو استعارة من إحالة إلى نص سابق، أو نسق رمزي أو أسطوري أعلى، أو استحضار لحكاية رمزية، أو أدبية أو دينية أو شعبية.
( ... وتجدر الإشارة الى انه، وعلى رغم الجهود الجبّارة التي بذلها نقّاد كبار من أمثال لويس عوض، وإحسان عباس، وعبدالواحد لؤلؤة، ويوسف سامي اليوسف، في ترجمة قصيدة "الأرض الخراب" الى العربية، وشرح رموزها، وسبر دلالاتها، كل على طريقته، إلا انها ظلت قصيدة شبه مقفلة امام الشعراء العرب، الذين اكتفوا كما نوّهنا، باستعارة روحها المتشائمة، ونبرتها الهجائية، وموقفها النقدي، من دون تمثل درسها الجمالي الفذ. ويجب الاعتراف بأن القصيدة صعبة المنال، وتجيد إخفاء أسرارها، والنأي بنفسها عن إغواء الشرح والتأويل، وما الهوامش الاثنين والخمسين التي ضمّنها إليوت في القصيدة، والتي باتت أكثر شهرة من القصيدة نفسها، سوى دليل على إمكانية تعدد القراءات وتنوعها، واختلاف الاجتهادات وتناقضها، وبخاصة ان النقد الحديث بات يعتبر هذا النص الحداثي من كلاسيكيات القرن العشرين، ولا يقلّ تأثيره في وعينا الجمالي والنقدي والشعري عن تأثير شكسبير في المسرح، وبيتهوفن في الموسيقى، وبيكاسو في الرسم، ونيتشه في الفلسفة.)
مايهمنا بعد هذا الاستعراض هو حالة المقارنة بين اليوت والسياب كشاعرين في زمكانين مختلفين، في قصيدتين متقاربتين روحا ورؤى وموضوعا ان جاز لنا التعبير، مع تحفظنا على ان انشودة المطر نهلت من ذات الموضوع ،واحتفاظنا بحق الانتصار للسياب في جزء بعيد عما تناوله اليوت لاختلاف ماهية المجتمعين العراقي العربي والانكليزي الاوروبي .. وسياتي شرح ذلك فيما يلي من سطور..
الاسئلة التي تم تداولها من هنا وهناك سنكون واضحين في الاجابة عنها وقد استطعنا جمع اغلبها مع تشابه الاخريات في الطرح
"الارض اليباب" لاليوت و"انشودة المطر" للسياب، هل كان السياب قد تاثر باليوت؟
هل كانت روح "انشودة المطر" تحاكي " الارض اليباب "؟
اين التقارب والتلاقي والتراصف فيما بين العملين؟
اين الاختلاف فيما بينهما؟
ما تاثير اليوت على الواقع الشعري الانكليزي الاوروبي؟ وما تاثير السياب على واقعه الادبي والشعري العراقي والعربي ؟
هذه الاسئلة واخرى غيرها سنتناولها في مايلي من هذه الدراسة.
في قصيدة اليوت كان جل التصويرمنصبا على شخصيات ليست بالعادية، فهي اما معطوبة، او مأزومة، او تشعر بالعجز الجنسي والنفسي وربما الذهني، وهذا اشارة واضحة الى ماكان يعتمر داخل اليوت من نتائج وشواهد مريبة لمخلفات الحرب التي بدت اثارها واضحة واوجه الدمار وحالات الخراب لسنوات رغم ان الدمار لم يكن ليشمل بالحالة التماثلية كل ارجاء اوروبا انذاك، تلك الشخصيات ربما كانت اضافة الى تواجدها كمعالم نهاية حرب ونتائج مخيبة لواقع مجتمع خرج من حرب اودت بالناس ماديا واجتماعيا وتعدت الى الصحة النفسية والجسدية لاغلب الناس، على الصعيد المدني البعيد عن الة الحرب ، واما على الصعيد الثاني فكانت الاثار المباشرة على الذين شاركوا في المعركة هو الدافع الذي انتقل منه اليوت تاركا كل علامات التشويه والعوق الى التاثير النفسي والمجتمعي على الشخوص الذين نراهم متعاقبين في سياق الابيات التي تمر عليهم استعراضا، كشرح وتمثيل لما يريد اليوت ان يقول، تلك الشخصيات كانت تسكن عالماً بائسا فارغا يفتك بها، ويعتريها قفرٌ عاطفي رهيب. وهو ردة فعل كانت بمثابة النتيجة الثانية السلبية للحرب، ولأنه طوّر شعوراً قوياً تجاه الماضي قبل الحرب مستمدا منه ذلك الشعور الدافق نحو تناول الموضوع والاستمرار في تداوله، أو ما يسمّيه الحسّ التاريخي او الموروث المشرق للماضي، تمرّد إليوت على المدرسة الرّومنطيقية، واتّجه إلى الشعر الميتافيزيقي المتمثل بـ (جون دون 1572 م-1631 م) الشاعر إلانجليزي الشهير. والذي كان واحداً من أبرز الشعراء في القرن السابع عشر ، وكاتباً لامعاً ما تزال قصائده الغزلية وتأملاته الظريفة الساخرة والمريرة حتى يومنا تثير الاهتمام . وكان إلى ذلك كاهناً، وُصفت مواعظه بأنها كانت أفضل مواعظ القرن ، وكذلك الشاعر ريتشارد كراشو (1612-1649)) ، الشاعر إلانجليزي الذي يعد عادة من الشعراء الميتافيزيقيين ، والذي ألف بعض القصائد باللاتينية ولكن شهرته تستند إلى قصائده الدينية . تجمع قصائده بين الحسية والصوفية بصورة لا مثيل لها في الإنجليزية . بحيث تقارن بمثيلاتها في الأدبين الإيطالي والأسباني ، ومنها قصائده عن "القديسة تيريزا" ، وكذلك الشاعر (مارفيل) الذي كان كمصدرٍ للإلهام اكثر من سابقَيْه...
( لكنّ الثيمة المركزية التي أضاءت وعي إليوت بالخراب، أتته من كتابين يعترف بفضلهما عليه هما كتاب جيسي ويستون"من الشّعائر إلى الرّومانس"، 1920، وكتاب جيمس فريزر"الغصن الذهبي"، 1915، حيث يحلّل المؤلفان أساطير البعث القديمة، ورحلة البحث عن الكأس المقدّسة، وفك لغز الخراب في تلك الأرض التي أُصيب ملكها بجرح أفقده القدرة على الإنجاب، فمات الشجر في مملكته، وجفّت الينابيع، وتحجّر كلّ شيء...
أما العمل الذي صقل وعي إليوت الجمالي والأسلوبي فهو كتاب آرثر سيمون"الحركة الرّمزية في الأدب(1899)، وقد قرأه إليوت في ريعان شبابه، ما جعله يتأثر بالرّمزيين الفرنسيين، ويكتب بعض القصائد بالفرنسية، خلال عام أمضاه في السوربون، 1910-1911، ليحضر بودلير بقوّة في"الأرض الخراب"، صوتاً داكناً يهجو قيم المدنية الحديثة.
ويمكن، باختصار، تلمّس المراحل الثلاث في تطور إليوت الشعري،
الأولى بدأت مع ديوانه"بروفروك وملاحظات أخرى"، 1917، وهنا يبرز جلياً تأثّره بالمدرسة الرمزية، وحتىّ الصورية imagism))، ويركز على مأزق الوعي الفردي في عالم يضيق باستمرار، بحيث يشعر بطله دائماً بأنه يقبع خارج العالم، منبوذاً، لامنتمياً ، لكنه، وعلى رغم هشاشته، تجده يشعر بتفوق أخلاقي وجمالي على قيم مجتمعه، ما يجعله يخترق الحجب الاجتماعية...
الثانية : تبرز قصيدة"الأرض الخراب"، 1922، بأجزائها الخمسة، مشكّلة نقلة نوعية في رؤيا إليوت الموشورية، القائمة على تعدّدية الأصوات وتبعثرها، حيث الوعي هنا مشروط بظروف الحضارة الحديثة، ما يجعل الشّاعر يهرب إلى الأسطورة، ليدمج رموزاً مشرقية وغربية، ويصهرها في بوتقة واحدة، ويتجاور بوذا مع القدّيس أوغسطين، للتدليل على كونية التجربة الرّوحية التي يسبر أغوارها. ..
الثالثة: تبرز قصيدتان مفصليتان هما"أربعاء الرماد"، 1930، وپ"الرّباعيات"، 1944، واللّتان تطغى عليهما النزعة التأمّلية، الفلسفية، حيث نجد الفرد الإليوتي معزولاً، وحيداً، لكنه يحلم بالاتحاد بالمطلق. ويبحث إليوت عن صمت صوفي، وفصاحة تقترب من رهافة الموسيقى، تتيح له الذوبان في عالم روحي أسمى، وقد اتجه إلى الدراما الشّعرية، ذات الطابع الكنسي، لمسرحة تلك العلاقة الرّوحية كما في مسرحيته"جريمة في الكاتدرائية"، 1935.)
ولابد هنا من الاشارة الى ماقاله واجمع عليه النقاد في اوروبا والعالم انقله حرفيا لكي نرى مدى التاثير الفعال على اليوت والذي سيفترق به من الناحية النظرية والعملية وحتى التأملية عما كان ينتاب السياب من شجن مركز متجذر في واقع امة وحاضرها ومايعانيه البلد الوطن الحبيب وناسه الذين هم اهل السياب، ،
" نظرة سريعة على بنية القصيدة تظهر التعقيد الكبير الذي اعتمده إليوت في نسج شرنقة استعاراته، حيث يقوم بإحالات إلى نصوص مفصلية تبدأ من هوميروس، وسوفوكليس، وفيرجيل، وأوفيد والقدّيس أوغسطين، ودانتي، وشكسبير، وتنتهي عند نيرفال، وكونراد، وميلتون، وبودلير، وهيسه، ووويتمان، كما أنه يتكئ على الكتابات التوراتية والإنجيلية، وعلى النصوص الهندية القديمة. ومن أجل أن يمنح نكهة كونية لصرخته يضمّن القصيدةَ جملاً بالفرنسية والألمانية والسنسكريتية، واليونانية، والإيطالية. وتتألّف القصيدة من أجزاء خمسة، يحيل كل منها رمزياً إلى عنصر من العناصر الكلاسيكية الإغريقية للوجود، وهي التراب والهواء والنار والماء والأثير."
هنا وفي نظرة تاملية لهذا المجمل الملخص لاراء النقاد وعلى مدى سنين من التدقيق المسؤول والاطلاع ومواكبة اعمال اليوت يلخص لنا ماهية هذا الكائن الانجليزي الذي جمع في شخصية واحدة بين اكثر من اهتمام تعدى الادبيات الى مجالات الدين والروحانيات والتصوف والنظر الى ماوراء الطبيعة بل اضيف له في جانب اخر التوجه الى التاملات والبحوث النفسية التي تمس المصابين بالخلل العقلي، هذه صفة تضاف الى اليوت وتمنحه الكعب المعلا لكي يكون البارز والملهم للملايين في كل كتاباته وليس في الارض الخراب، لكننا بصريح العبارة ومما تقدم نشير بوجه منصف الى ان هذه القصيدة هي لؤلؤة التاج للادب والنتاج الثقافي الاليوتي، ولا اريد ان انفرد لوحدي فاقول انها حالة متقدمة للادب الانكليزي عموما، على اعتبار ان هناك من العمالقة والرائعين الذين عرفناهم سيقفون شواخص ومثابات لايمكن تجاهلهم اونسيانهم او عدم ذكرهم في مثل هذا الموضوع، بل تعدى ذلك الى الاتاثير في الادب الاوروبي والعالمي ، لان أثر"الأرض الخراب"على الشعر العالمي بات حقيقة لا تقبل الجدال، وهذا مايؤكده اغلب النقاد، ( إذ لم ينج شاعر حديث من لعنتها، على رغم ان التأثر بها، وبخاصة في شعرنا العربي ظل محصوراً بالرؤيا التي تطرحها، وليس بتقنيتها الجديدة في توظيف الأسطورة، وبنيتها المجازية التي تقوم على انزياح الدلالات، وتعدد الأصوات الشعرية، وزئبقية أدوارها)...
(وعلى نقيض ما يراه جبرا ابراهيم جبرا، الذي ربط بين التأثر بها ونكبة فلسطين، فإن حضور القصيدة في قصيدة (الحداثة العربية) ظل محصوراً بمقولة "اليباب" ذاتها كفكرة جاهزة، وليس كرؤيا أو فلسفة متكاملة. ويمكن القول انه قلما نجد نصاً واحداً استشرف قوتها المجازية، وحاكى بينتها الأسلوبية، واستثمر قراءتها التضادية للموروث الشعري.) (حتى السياب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر"، اكتفى برموز إليوتية برّانية، سطحية، محافظاً على أنا رومانسية غائرة، لطالما نبذها إليوت، داعياً الى ضرورة الهروب من الذات، والبحث عن معادل موضوعي objective) (correlative تكون فيه القصيدة مسرحاً تتقاطع في محرقة ثقافات وأزمنة مختلفة، تماماً مثل رواية "عوليس" لجيمس جويس، التي اعتبرها إليوت نفسه أنموذجاً للنص الحداثي الجديد، الذي يحاول ان يمنح "شكلاً ودلالة للبانوراما الهائلة من العقم والفوضى التي تشكل ماهية التاريخ المعاصر").
هذا ما اردنا التوصل اليه في ماذُكر في اعلاه، وهذه الشهادة النقدية الثاقبة تؤيد ما اردنا قوله من طرح شفاف في مسعانا هذا، انتصارا للحقيقة رغم انني شخصيا انتصر للسياب لانه مصدر الهامي، وهو موروثي الادبي الشعري الحي الذي اتشرف عراقيا ان يكون ابن بلدي اول من امتدت يده للنهل من رؤى عالمية استطاع ببراعته توظيفها في الموروث العربي والعراقي على وجه التحديد، لكنه لم يتكيء قط على اي ممن يحاول البعض ذكرهم - ليس تيمنا وعرفانا بحقيقة ماثلة ومعروفة، انما ينسحب ذلك من وجهة نظري الشخصية على النكاية وطمس حق الاخرين – وهذا وفق معلوماتي الشخصية التي اعتمد بها على ما مكنني الله عليه من تاريخ طويل من الاطلاع والاستكشاف لكي اصل الى هنا الى ان اقول معلومة صادقة صحيحة
( لكنّ الثيمة المركزية التي أضاءت وعي إليوت بالخراب، أتته من كتابين يعترف بفضلهما عليه هما كتاب جيسي ويستون"من الشّعائر إلى الرّومانس"، 1920، وكتاب جيمس فريزر"الغصن الذهبي"، 1915، حيث يحلّل المؤلفان أساطير البعث القديمة، ورحلة البحث عن الكأس المقدّسة، وفك لغز الخراب في تلك الأرض التي أُصيب ملكها بجرح أفقده القدرة على الإنجاب، فمات الشجر في مملكته، وجفّت الينابيع، وتحجّر كلّ شيء...
أما العمل الذي صقل وعي إليوت الجمالي والأسلوبي فهو كتاب آرثر سيمون"الحركة الرّمزية في الأدب(1899)، وقد قرأه إليوت في ريعان شبابه، ما جعله يتأثر بالرّمزيين الفرنسيين، ويكتب بعض القصائد بالفرنسية، خلال عام أمضاه في السوربون، 1910-1911، ليحضر بودلير بقوّة في"الأرض الخراب"، صوتاً داكناً يهجو قيم المدنية الحديثة.
ويمكن، باختصار، تلمّس المراحل الثلاث في تطور إليوت الشعري،
الأولى بدأت مع ديوانه"بروفروك وملاحظات أخرى"، 1917، وهنا يبرز جلياً تأثّره بالمدرسة الرمزية، وحتىّ الصورية imagism))، ويركز على مأزق الوعي الفردي في عالم يضيق باستمرار، بحيث يشعر بطله دائماً بأنه يقبع خارج العالم، منبوذاً، لامنتمياً ، لكنه، وعلى رغم هشاشته، تجده يشعر بتفوق أخلاقي وجمالي على قيم مجتمعه، ما يجعله يخترق الحجب الاجتماعية...
الثانية : تبرز قصيدة"الأرض الخراب"، 1922، بأجزائها الخمسة، مشكّلة نقلة نوعية في رؤيا إليوت الموشورية، القائمة على تعدّدية الأصوات وتبعثرها، حيث الوعي هنا مشروط بظروف الحضارة الحديثة، ما يجعل الشّاعر يهرب إلى الأسطورة، ليدمج رموزاً مشرقية وغربية، ويصهرها في بوتقة واحدة، ويتجاور بوذا مع القدّيس أوغسطين، للتدليل على كونية التجربة الرّوحية التي يسبر أغوارها. ..
الثالثة: تبرز قصيدتان مفصليتان هما"أربعاء الرماد"، 1930، وپ"الرّباعيات"، 1944، واللّتان تطغى عليهما النزعة التأمّلية، الفلسفية، حيث نجد الفرد الإليوتي معزولاً، وحيداً، لكنه يحلم بالاتحاد بالمطلق. ويبحث إليوت عن صمت صوفي، وفصاحة تقترب من رهافة الموسيقى، تتيح له الذوبان في عالم روحي أسمى، وقد اتجه إلى الدراما الشّعرية، ذات الطابع الكنسي، لمسرحة تلك العلاقة الرّوحية كما في مسرحيته"جريمة في الكاتدرائية"، 1935.)
ولابد هنا من الاشارة الى ماقاله واجمع عليه النقاد في اوروبا والعالم انقله حرفيا لكي نرى مدى التاثير الفعال على اليوت والذي سيفترق به من الناحية النظرية والعملية وحتى التأملية عما كان ينتاب السياب من شجن مركز متجذر في واقع امة وحاضرها ومايعانيه البلد الوطن الحبيب وناسه الذين هم اهل السياب، ،
" نظرة سريعة على بنية القصيدة تظهر التعقيد الكبير الذي اعتمده إليوت في نسج شرنقة استعاراته، حيث يقوم بإحالات إلى نصوص مفصلية تبدأ من هوميروس، وسوفوكليس، وفيرجيل، وأوفيد والقدّيس أوغسطين، ودانتي، وشكسبير، وتنتهي عند نيرفال، وكونراد، وميلتون، وبودلير، وهيسه، ووويتمان، كما أنه يتكئ على الكتابات التوراتية والإنجيلية، وعلى النصوص الهندية القديمة. ومن أجل أن يمنح نكهة كونية لصرخته يضمّن القصيدةَ جملاً بالفرنسية والألمانية والسنسكريتية، واليونانية، والإيطالية. وتتألّف القصيدة من أجزاء خمسة، يحيل كل منها رمزياً إلى عنصر من العناصر الكلاسيكية الإغريقية للوجود، وهي التراب والهواء والنار والماء والأثير."
هنا وفي نظرة تاملية لهذا المجمل الملخص لاراء النقاد وعلى مدى سنين من التدقيق المسؤول والاطلاع ومواكبة اعمال اليوت يلخص لنا ماهية هذا الكائن الانجليزي الذي جمع في شخصية واحدة بين اكثر من اهتمام تعدى الادبيات الى مجالات الدين والروحانيات والتصوف والنظر الى ماوراء الطبيعة بل اضيف له في جانب اخر التوجه الى التاملات والبحوث النفسية التي تمس المصابين بالخلل العقلي، هذه صفة تضاف الى اليوت وتمنحه الكعب المعلا لكي يكون البارز والملهم للملايين في كل كتاباته وليس في الارض الخراب، لكننا بصريح العبارة ومما تقدم نشير بوجه منصف الى ان هذه القصيدة هي لؤلؤة التاج للادب والنتاج الثقافي الاليوتي، ولا اريد ان انفرد لوحدي فاقول انها حالة متقدمة للادب الانكليزي عموما، على اعتبار ان هناك من العمالقة والرائعين الذين عرفناهم سيقفون شواخص ومثابات لايمكن تجاهلهم اونسيانهم او عدم ذكرهم في مثل هذا الموضوع، بل تعدى ذلك الى الاتاثير في الادب الاوروبي والعالمي ، لان أثر"الأرض الخراب"على الشعر العالمي بات حقيقة لا تقبل الجدال، وهذا مايؤكده اغلب النقاد، ( إذ لم ينج شاعر حديث من لعنتها، على رغم ان التأثر بها، وبخاصة في شعرنا العربي ظل محصوراً بالرؤيا التي تطرحها، وليس بتقنيتها الجديدة في توظيف الأسطورة، وبنيتها المجازية التي تقوم على انزياح الدلالات، وتعدد الأصوات الشعرية، وزئبقية أدوارها)...
(وعلى نقيض ما يراه جبرا ابراهيم جبرا، الذي ربط بين التأثر بها ونكبة فلسطين، فإن حضور القصيدة في قصيدة (الحداثة العربية) ظل محصوراً بمقولة "اليباب" ذاتها كفكرة جاهزة، وليس كرؤيا أو فلسفة متكاملة. ويمكن القول انه قلما نجد نصاً واحداً استشرف قوتها المجازية، وحاكى بينتها الأسلوبية، واستثمر قراءتها التضادية للموروث الشعري.) (حتى السياب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر"، اكتفى برموز إليوتية برّانية، سطحية، محافظاً على أنا رومانسية غائرة، لطالما نبذها إليوت، داعياً الى ضرورة الهروب من الذات، والبحث عن معادل موضوعي objective) (correlative تكون فيه القصيدة مسرحاً تتقاطع في محرقة ثقافات وأزمنة مختلفة، تماماً مثل رواية "عوليس" لجيمس جويس، التي اعتبرها إليوت نفسه أنموذجاً للنص الحداثي الجديد، الذي يحاول ان يمنح "شكلاً ودلالة للبانوراما الهائلة من العقم والفوضى التي تشكل ماهية التاريخ المعاصر").
هذا ما اردنا التوصل اليه في ماذُكر في اعلاه، وهذه الشهادة النقدية الثاقبة تؤيد ما اردنا قوله من طرح شفاف في مسعانا هذا، انتصارا للحقيقة رغم انني شخصيا انتصر للسياب لانه مصدر الهامي، وهو موروثي الادبي الشعري الحي الذي اتشرف عراقيا ان يكون ابن بلدي اول من امتدت يده للنهل من رؤى عالمية استطاع ببراعته توظيفها في الموروث العربي والعراقي على وجه التحديد، لكنه لم يتكيء قط على اي ممن يحاول البعض ذكرهم - ليس تيمنا وعرفانا بحقيقة ماثلة ومعروفة، انما ينسحب ذلك من وجهة نظري الشخصية على النكاية وطمس حق الاخرين – وهذا وفق معلوماتي الشخصية التي اعتمد بها على ما مكنني الله عليه من تاريخ طويل من الاطلاع والاستكشاف لكي اصل الى هنا الى ان اقول معلومة صادقة صحيحة
نود الاشارة الى من يريد ان يبحث اكثر ويطلع على نص قصيدة اليوت باللغة الانكليزية وترجمتها الى العربية ويرى عن قرب العرض التحليلي للعمل لاباس ان يراجع نص ترجمة القصيدة ( ارض اليباب) بقلم د.عبدالواحد لؤلؤة الطبعة الأولى / 1980. ومن وجهة نظر جامعة للاراء ارى ان هذه الترجمة تعتبر من النسخ الاكثر قربا الى النص الاصلي...
كل الذي تقدم من عرض هو تهيئة الى صلب مانريد، ولعلنا نرجو ان لا نطيل، رغم ان الامر يستوجب ذلك..
بعد ان تأملنا اليوت وقصيدته واعطينا حقه على اكمل وجه ، نود هنا ان نتناول السياب الشاعر العراقي الرائع، كانسان، وشاعر.. وستكون قصيدة انشودة المطر هي موضوع البحث عن باقي القصائد والاعمال الشعرية والادبية التي انتجها السياب طيلة فترة عمره الميمون...
الاسئلة التي كان النقاد والمتابعون للشان الادبي يحاولون التعرف على اجوبتها كثيرة ومتعددة، ومثلما الامر بالنسبة لاليوت بريطانيا واوروبيا، كذلك الامر بالنسبة الى السياب عراقيا وعربيا، وهذا وجه التقاء بين الشخصيتين، الالتقاء الثاني ان محور العملين يتجسد في تقاربهما الواضح بإزاء شخصية المراة في كلا العملين، فنرى ان ( سيبيلا) والتي وردت في ارض اليباب صريحة عند اليوت :
("سيبيلاً ماذا تريدين"؛
كانت تجيبهم دوماً :
"أتمنى أن أموت")
هي نفس المرأة عند السياب الذي يبدا بمناجاتها في انشودة المطر :
(عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
او شرفتان راح ينآى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان...)
من كان يخاطب السياب؟
واية عينين تلك التي بدا بها عملا كبيرا كان هدفه منه اعلى من المراة، لانه سخرها كرمز اراد من خلاله محاكاة العراق، مبتعدا بالرمز اكثر لكي لا يكون في ريبورتاج تقريري بحت يُفقد العمل بريقه الرمزي العالي..
ويعود كذلك ليشرح وضع الام والى اين سار بها الركب، واين حطت في رحيلها، ولعله هنا كان الطفل( ابن الشعب ) الذي يتسائل عن حال تلك الام ( العراق) ربما، وعندما ياتي الجواب شارحا وضع الام وانها ستعود طمأنة للطفل الباكي، يكون الجواب، نتيجة الحال لمن يسال عن العراق في وجه تلك المراة:
(تثاءب المساء ،
والغيومُ ما تزالْ تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ فلم يجدها ،
ثمَّ حين لجّ في السؤال قالوا له :
"بعد غدٍ تعودْ ..
" لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛ )
هل كان الاثنان يتمتعان بموهبة فنية ادبية شعرية خارقة؟ او لنقل غير اعتيادية؟ هذا ماسيجيبنا عليه الدكتور عبد الواحد لؤلؤة في مقاله ( من ت. س. إليوت إلى بدر شاكر السياب: الموهبة وثقافة الشاعر، عبد الواحد لؤلؤة، سبتمبر 2016) والذي اعجبني بكل مفرداته وانا هنا اذ انقلمنه مايعنينا نصا لكي يطلع عليه القراء الاعزة، انما اعترف انني اوافق مؤيدا ما سيرد في
هذا النص جملة وتفصيلا، بل ليس لي فوق هذا القول الا الثناء الى الدكتور الكاتب لاظهاره حقيقة قيمية واخلاقية واجبة ومهمة لمن انفرد من العراق موهبة نبغت كما نبغت من قبلها عند الفراهيدي وعند الاصمعي وعند الحسن البصري وعند كثيرين كانت البصرة الفيحاء هي موطنهم وهي رحم ابداعهم بل وهي الساحة الخضراء وشاطؤها الجميل، لنتابع الدكتور لؤلؤة:
( ... ومن امثلة الموهبة الشعرية في زمان أقرب إلى زماننا قد تحسن الإشارة إلى الشاعر الأمريكي ـ البريطاني ت. س. إليوت (ت 1965) والشاعر العراقي بدر شاكر السياب (ت 1964). لم يكتفِ إليوت بما نهلَ من ثقافة من جامعة هارفرد، بل قصد إلى أوروبا بعد تخرجه فقضى ردحاً من الزمن في جامعة ماربرغ الألمانية العريقة، وجامعة باريس العريقة الأخرى، وجامعة اكسفورد، لكي يجمع مجد الثقافة من أطرافها، فقد كان يُحسن عدداً من اللغات الأوروبية يقرأ في آدابها ويستزيد، مما جعل شعره «صعباً على الفهم» حتى عند أبناء لغته.
ويحسن النظر هنا في مقالة إليوت الشهيرة بعنوان «التراث والموهبة الفردية». يرى إليوت أن من يريد أن يبقى شاعراً بعد الخامسة والعشرين من عمره عليه أن يكون مطلعاّ على أفضل الشعر من هوميروس حتى معاصريه من الشعراء، بمن فيهم أبناء لغته. هذه هي الثقافة المباشرة المقصودة لتكوين الشاعر المثالي، شريطة توافر الموهبة. ويزيد إليوت في القول إن صاحب موهبة مثل شكسبير أفاد من كتاب واحد ترجمه نورث بعنوان «مشاهير الإغريق والرومان» أكثر مما أفاد كثيرون من مكتبة المتحف البريطاني (المكتبة البريطانية) برمتها. وهذا يعني أن «الموهبة» هي التي تنتقي لتصهر في «موهبتها الفردية» ما هو جديد.
لقد كثر الحديث عن ثقافة السياب الشعرية بسبب دراسته في قسم اللغة الإنجليزية بدار المعلمين العالية ببغداد، سنتين بعد أول سنتين بقسم اللغة العربية، وكان ذلك ممكناً أيام بدر. ولكني أقول بمنتهى الاطمئنان أن موهبة السياب الشعرية كانت أكبر بكثير مما تعلمه من الشعر الإنكليزي في آخر سنتين من دراسته في «العالية». لم تكن مناهج الدراسة في القسم تصل إلى بواكير الشعر الحديث، وأنا شاهد من أهلها. لم نسمع بأسماء إليوت، سيتويل، أو بأي شاعر من القرن العشرين خلال دراستنا، ولا بأي شاعر أمريكي، أو فرنسي مترجم إلى الإنكليزية. ولما عدتُ للتدريس في «العالية» بعد حصولي على الدكتوراه في الأدب الإنكليزي جربتُ تقديم بعض الشعر «الحديث» فكان إليوت أول مغامرة أقدمت عليها، بدءاً بأسهل قصائده «مقدمات»، فوقعتُ في شر أعمالي، إذ كانت الأسئلة الأولى: هذا شعر؟ أين الوزن والقافية؟ ما معنى «الشعر الحر»؟ لم تكن «مقدمات» تخلو من إيقاع يشبه الوزن. لكن مغامرتي لم تتكرر إلا بكثير من الحذر. كان هذا وضع قسم اللغة الإنكليزية حتى بعد تخرج بدر بأكثر من عقد من الزمان. فما الذي أفاد بدر من القسم في آخر سنتين من دراسته؟
الواقع أنه تعرف على شيء من شكسبير، شعراً ومسرحية، وقليلاً من شعر الرومانسيين: " كيتس" على الأخص. مع ذلك، كان بدر، كما يبدو لي، باحثاً متطلعاً جهده، واستمر في جهوده الخاصة بالقليل مما تعلمه من اللغة الإنكليزية في آخر سنتين، وقد تخرج في العام 1948.
في ذلك العام جاءنا على «العالية» الأستاذ الفلسطيني، العراقي لاحقاً، المرحوم أستاذي جبرا إبراهيم جبرا: شاباً بثقافة أدبية فنية راقية من "كمبرج"، فالتفّ حوله عدد من شباب المثقفين في بغداد الخمسينات التي كانت تموج بالشعراء والأدباء والفنانين. وكانت مقهى «البرازيلية» في شارع الرشيد «الصالون الأدبي» الذي يقصده عدد من أدباء تلك الأيام الذهبية. كان بدر أحد أولئك الرواد. وبعدها كان يزور أستاذنا جبرا في داره، يستمع إليه ويسأله كثيراً، ويستعير منه كتباً في الشعر والنقد، يدرسها بشغف كبير، مستعيناً بشروح أستاذنا، وأستاذ جيل من الشعراء والأدباء في تلك الايام، حتى آخر ايامه.
كان من أبرز أحاديث جبرا كلاماً عن الأسطورة والرمز وأثرهما في الشعر الحديث. وقد تلقف بدر هذه الإشارات فأثرى بها شعره، بإفراط أحياناً، لكنه أضفى عليها مسحة «سيابية» وبخاصة استخدامه الأساطير المشرقية، والإغريقية، كما في قصيدة «المومس العمياء» (1954): «وتفتحت، كأزاهرِ الدفلى مصابيح الطريق/ كعيون ميدوزا، تُحجّر كل قلبٍ بالضغينة». في «تفتحت .. مصابيح الطريق» صدى مباشر من «مقدمات» إليوت. فبعد سلسلة من الصور في «المقدمة ـ 1» يأتي بيت الختام «ثم إضاءة المصابيح» في الشوارع الشتائية المعتمة، دون الإشارة إلى «الفاعل» في عملية الإضاءة. و»ميدوزا» في الاسطورة الإغريقية غولة شعر رأسها أفاع، إذا نظر المرء إلى عينيها تحجرت عيناه. لكن بدراً جعلها «تحجر كل قلبٍ بالضغينة» لتناسب الضغينة على عالم أنتج مومساً.. لكنها عمياء، اضطرها فقرها إلى «مهنة» بهذا القبح القاسي.
وفي «أنشودة المطر» كثير من أمثلة الثقافة غير المباشرة، في الإشارة إلى «العيون الخضر» في أغنية إسبانية أو إيطالية شاعت يومها، كما شاعت أغاني أسمهان في «أغنية تصف العيون، تنثال من مقهى» هي أغنية أسمهان من أسطوانة في «مقهى عرب» في العشّار: يا لعينيكِ ويالي/من تسابيح خيالي». ومن امثلة الثقافة المباشرة استعمال مشهد شرفة جولييت التي وقف روميو تحتها طول الليل يودع حبيبته قبل طلوع الفجر وصوت القبرة التي يصر روميو على أنه صوت البلبل، طائر الليل. وداع بدر لحبيبته «إقبال» أم «غيلان» وهربه من السلطة مثل هروب روميو قبل أن تصحو سلطة أهلها. لا أعرف إن كانت عينا إقبال خضراوين، لكن موهبة بدر جعلتهما كذلك، مثل خضرة «غابتا نخيل ساعة السحر» وهو تطويع الثقافة إلى صيغة محلية، وهنا أصالة الشاعر الموهوب. وعنوان «أنشودة المطر» هو كل ما أخذه بدر من قصيدة (إيدث سيتويل) صعبة الإشارات الثقافية، في «ما زال يهطل المطر» مطر الدم يهطل من السماء، في إشارة تمزج هطول القذائف الألمانية على لندن خلال الحرب العالمية الثانية مع صورة هطول الدم عند صلب المسيح. وهذا أكثر تعقيداً مما تتحمله قصيدة بالعربية، فجعلها بدر:
مَطر، مَطر… ويهطل المطر.. وكانت السماء تغيم في الشتاء، ويهطل المطر… وحين يُعشِب الثرى نجوع… وهو تطويع الإشارة الثقافية إلى صيغ محلية، لا يقوى عليه سوى صاحب موهبة كبرى.)
ومن المشتركات بين اليوت والسياب على الصعيد الشخصي انهما ليسا بريطانيين لكنهما احبا الادب الانكليزي وبرعا فيه قراءة وتتبعا وكتابة ايضا. ومن المشتركات ان السياب درس شكسبير وهوميروس وبعض الشعراء
الاغريق وهي تقريبا نفس الاعلام التي مرعليها اليوت الذي درس الشعر والادباء ابتداءا من سوفيكلس صعودا الى شكسبير، وقد جمعتهما التطلعات الفلسفية المشتركة،،،
لم نر في استخدامات السياب ولكافة انتقالاته بين سطور انشودة المطر اي اتكاء او اقتناص لنص واضح من اليوت في الارض اليباب ،،،
المشتركات التي نثبتها هنا، ان ماجاء به السياب من موضوع واضح في قصيدته انشودة المطر هوالحديث عن القهر والجوع والحرمان وعن العراق، ممثلا ذلك تارة بالمرأة ( سواء التي احبها ورمز اليها هنا او ، ان اعتبرنا ان العراق كان ممثلا بنفس المراة التي يتامل طفلها ان تعود)،،،
المشتركات فيما بين السياب واليوت ان الاثنين كانا يصرخان بوجه الخراب او الدمار او الرجوع الى وراء، لكن لكل منهما عالمه الخاص في التعبير، وهذا لايوحي باي شكل من الاشكال ان لاليوت تاثير فعال على السياب،،، وحتى قصيدة ( مازال يهطل المطر) لـ (إبدث سيتويل)...
لقد جعلني حبي للسياب ومنذ بدايات السبعينات ان احاول الغوص في اعماق شخصيته الغريبة التأملات كغرابة الشكليات الظاهرة عليه وعلى بدنه وهيأته كما نعرف،
واستمر ذلك الشغف وتلك الرغبة العارمة حتى وقتنا الحاضر، وعند دخولي الجامعة في دراستي اللغة الانكليزية، اود ان اذكر موقفا لي مع استاذي في جامعة بغداد – كلية اللغات – مادة الترجمة - ويومها كنا نعد لاطروحة التخرج كالمعتاد بعد سني الدراسة الاربع، حين طلبت منه ان يكون موضوعي عن السياب استغرب وهو فرح يتطلع الى وجهي مارا بحدقاته على تقاسيم اتعبها الزمن القاسي، ليسالني بعد ان اوضح لي مستغربا ان ليس في منهجنا في كلية اللغات قسم اللغة الانكليزية شيئا عن السياب، فاجبته انني اريد ان اتناول السياب في موضوع يتعلق بالترجمة لنصوصه... تأمل مطرقا مرة، واخرى يعيد النظر مليا في وجهي واذا به يشير الي بان اكتب العنوان التالي" مشاكل الترجمة في شعر السياب"...
لم اصدق وانا استلم الضوء الاخضر لكي احقق رغبة في نفسي كانت تراودني منذ زمن حتى تحقيقها ونيل درجة الامتياز عنها، لانني كما اخبرني الاستاذ الدكتور كنت الوحيد الذي بحثت وكتبت بنفسي ولم استنسخ الموضوع من الجاهز الذي كان قد توفر في مكتبات الجامعة من ذي قبل، وفي متناول الزملاء الطلاب، الامر الذي قرَّبني كثيرا من السياب، حتى تصورت انني لايمكنني باي شكل من الاشكال ان اكون بعيدا عن قمة الحداثة وزعيمها، مثلما لا اتصور ان مَن مثلي متابع لشؤون الادب باستطاعته الاستغناء عن السياب انسانا وشاعرا ومثقفا يحق لنا ان نفتخر به مثلما تفتخر انكلترا بشكسبير او مثلما يفتخر بقية الناس بعظمائهم ...
البعد زمنيا بين قصيدة اليوت 1922 وبين انشودة المطر 1954 كبيرا وهو باليقين ليس متقاربا في موضوعة الحدث كذلك، لكننا لانلغي التلاقح الحضاري بين الشاعرين...
(يرى بعض الباحثين إن السياب تأثر بشعراء عرب وأجانب في مراحل تطور تجربته الشعرية وبخاصة في الخمسينيات "في مرحلة الالتزام الماركسي وما تلاها" ناقلاً عن السيّاب قوله إنه يحب البريطانيين (وليام شكسبير وجون كيتس). وذكر أن السيّاب كان يقول: "وأكاد أعتبر نفسي متأثراً بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور بحيث يعطيك كل بيت صورة، وبشكسبير من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة. وأنا معجب بتوماس إليوت.. متأثر بأسلوبه لا أكثر… ولا تنس دانتي فأنا أكاد أفضّله على كل شاعر"
.ويقول هذا الباحث : إن السياب ذكر عام 1956 أن البحتري " أول شاعر تأثر به ثم وقع تحت تأثير الشاعر المصري علي محمود طه (الذي توفي عام 1949) فترة من الزمن وعن طريقه تعرف على آفاق جديدة من الشعر حين قرأ ترجماته للشعراء الإنجليز والفرنسيين." ويتطرق هذا الناقد إلى تأثر السيّاب بكل من أبي تمام والبريطانية (سيتويل) وينقل عنه قوله: " حين أراجع إنتاجي الشعري ولا سيّما في مرحلته الأخيرة أجد أثر هذين الشاعرين واضحاً فالطريقة التي أكتب بها أغلب قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة (إديث سيتويل) ولطالما أشاد السياب بالشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري (1899-1997) الذي كان يلقب (متنبي العصر) واعتبره " أعظم شاعر" في ختام النهج التفعيلي للشعر العربي) ... الحديث عن السياب لا ينتهي، الا ان هذا المفصل الذي استعرضناه هنا، وكما ارى انه كان مختصرا مفيدا، يثبت ان السياب كان مستقلا في بنائياته، وانه شاعر نابغة، ادى ما عليه من فعل، ومثلما انفرد الفراهيدي في ان اظهر للناس البحور وقوانينها بالشكل التي هي عليه الان، لابد ان نثني على دور السياب بانجازه للشعر الحر كمدرسة جديدة هو رائدها، مثلما ينبغي تناول قصائده بالتفصيل والشرح لانها ناقشت فترة حرجة جدا مر بها العراق وهي حِقَب مؤلمة، تناولها السياب باعلى سياق ادبي شعري جديد لم يجرح من خلالها جسد العروض او اللغة.
اتمنى على المهتمين بالشان الادبي ان راق لهم الادلاء بما يرون خدمة لهذا الموضوع، وسنكون ارحب صدرا للنقد الموضوعي البناء، خدمة للراي والراي الاخر من اجل فسح المجال لكل عارف ونحن له مستمعون...
المصادر التي ساذكرها هي جزء مما تناولته فهي كثيرة وساكتفي بما يلي لمن اراد الاستزادة والبحث، على ان هناك مصادر ومراجع اخرى كثيرة ومتنوعة لم استطع احتواءها لضخامة الموضوع وتعدد اوجه تناوله، فعذرا، وعلينا ما اخطانا، ولكم ما اصبتم اعزائي القراء...
تمت..
المراجع:
رائعة الارض الخراب ت .س .اليوت ترجمة د.عبد الواحد لؤلؤة
إليوت, تي. إس. "رسائل إلى جيه. إتش. وودز, ابريل 21, 1919." رسائل تي. إس. إليوت, المجلد الأول. فاليري إليوت, تحرير. نيويورك: هاركورت بريس, 1988. 285
إليوت, تي. إس. فائدة الشعر وفائدة النقد مطبعة جامعة هارفرد, 1933
غالوب, دونارد. تي. إس. إليوت: سيرة (طبعة منقحة ومزيدة) هاركورت, بريس وورلد, نيويورك, 1969. قوائم أ23, جـ184, جـ193
غالوب, دونالد. تي. إس. إليوت: سيرة (طبعة منقحة ومزيدة) هاركورت, بريس وورلد, نيويورك, 1969. قوائم أ25
التقليد والموهبة الفردية. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
تي.إس. إليوت: الأرض اليباب والنقد - الموسوعة البريطانية على الشبكة
والموهبة الفردية. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
تعدى إلى الأعلى ل:أ ب ت نقد التقليد والموهبة الأدبية
هاملت ومشاكله. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
برت, ستيفن ولوين, جنيفر. "الشعر والنقد الجديد." رفيق إلى شعر القرن العشرين, نيل روبرتس, محرر. مالدن, ماساتشوستس: بلاكويل للنشر, 2001. صفحة. 154
بدر شاكر السياب.. أصوات الشاعر المترجم، حسن توفيق، مقدمة الكتاب
أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960
بدر شاكر السياب والحركة الشعريّة الجديدة في العراق، محمود العبطة - بغداد 1965.
بدر شاكر السياب، رائد الشعر الحر، عبد الجبار داود البصري - بغداد 1966.
بدر شاكر السياب، إحسان عباس - بيروت 1969
كل الذي تقدم من عرض هو تهيئة الى صلب مانريد، ولعلنا نرجو ان لا نطيل، رغم ان الامر يستوجب ذلك..
بعد ان تأملنا اليوت وقصيدته واعطينا حقه على اكمل وجه ، نود هنا ان نتناول السياب الشاعر العراقي الرائع، كانسان، وشاعر.. وستكون قصيدة انشودة المطر هي موضوع البحث عن باقي القصائد والاعمال الشعرية والادبية التي انتجها السياب طيلة فترة عمره الميمون...
الاسئلة التي كان النقاد والمتابعون للشان الادبي يحاولون التعرف على اجوبتها كثيرة ومتعددة، ومثلما الامر بالنسبة لاليوت بريطانيا واوروبيا، كذلك الامر بالنسبة الى السياب عراقيا وعربيا، وهذا وجه التقاء بين الشخصيتين، الالتقاء الثاني ان محور العملين يتجسد في تقاربهما الواضح بإزاء شخصية المراة في كلا العملين، فنرى ان ( سيبيلا) والتي وردت في ارض اليباب صريحة عند اليوت :
("سيبيلاً ماذا تريدين"؛
كانت تجيبهم دوماً :
"أتمنى أن أموت")
هي نفس المرأة عند السياب الذي يبدا بمناجاتها في انشودة المطر :
(عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
او شرفتان راح ينآى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان...)
من كان يخاطب السياب؟
واية عينين تلك التي بدا بها عملا كبيرا كان هدفه منه اعلى من المراة، لانه سخرها كرمز اراد من خلاله محاكاة العراق، مبتعدا بالرمز اكثر لكي لا يكون في ريبورتاج تقريري بحت يُفقد العمل بريقه الرمزي العالي..
ويعود كذلك ليشرح وضع الام والى اين سار بها الركب، واين حطت في رحيلها، ولعله هنا كان الطفل( ابن الشعب ) الذي يتسائل عن حال تلك الام ( العراق) ربما، وعندما ياتي الجواب شارحا وضع الام وانها ستعود طمأنة للطفل الباكي، يكون الجواب، نتيجة الحال لمن يسال عن العراق في وجه تلك المراة:
(تثاءب المساء ،
والغيومُ ما تزالْ تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ فلم يجدها ،
ثمَّ حين لجّ في السؤال قالوا له :
"بعد غدٍ تعودْ ..
" لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛ )
هل كان الاثنان يتمتعان بموهبة فنية ادبية شعرية خارقة؟ او لنقل غير اعتيادية؟ هذا ماسيجيبنا عليه الدكتور عبد الواحد لؤلؤة في مقاله ( من ت. س. إليوت إلى بدر شاكر السياب: الموهبة وثقافة الشاعر، عبد الواحد لؤلؤة، سبتمبر 2016) والذي اعجبني بكل مفرداته وانا هنا اذ انقلمنه مايعنينا نصا لكي يطلع عليه القراء الاعزة، انما اعترف انني اوافق مؤيدا ما سيرد في
هذا النص جملة وتفصيلا، بل ليس لي فوق هذا القول الا الثناء الى الدكتور الكاتب لاظهاره حقيقة قيمية واخلاقية واجبة ومهمة لمن انفرد من العراق موهبة نبغت كما نبغت من قبلها عند الفراهيدي وعند الاصمعي وعند الحسن البصري وعند كثيرين كانت البصرة الفيحاء هي موطنهم وهي رحم ابداعهم بل وهي الساحة الخضراء وشاطؤها الجميل، لنتابع الدكتور لؤلؤة:
( ... ومن امثلة الموهبة الشعرية في زمان أقرب إلى زماننا قد تحسن الإشارة إلى الشاعر الأمريكي ـ البريطاني ت. س. إليوت (ت 1965) والشاعر العراقي بدر شاكر السياب (ت 1964). لم يكتفِ إليوت بما نهلَ من ثقافة من جامعة هارفرد، بل قصد إلى أوروبا بعد تخرجه فقضى ردحاً من الزمن في جامعة ماربرغ الألمانية العريقة، وجامعة باريس العريقة الأخرى، وجامعة اكسفورد، لكي يجمع مجد الثقافة من أطرافها، فقد كان يُحسن عدداً من اللغات الأوروبية يقرأ في آدابها ويستزيد، مما جعل شعره «صعباً على الفهم» حتى عند أبناء لغته.
ويحسن النظر هنا في مقالة إليوت الشهيرة بعنوان «التراث والموهبة الفردية». يرى إليوت أن من يريد أن يبقى شاعراً بعد الخامسة والعشرين من عمره عليه أن يكون مطلعاّ على أفضل الشعر من هوميروس حتى معاصريه من الشعراء، بمن فيهم أبناء لغته. هذه هي الثقافة المباشرة المقصودة لتكوين الشاعر المثالي، شريطة توافر الموهبة. ويزيد إليوت في القول إن صاحب موهبة مثل شكسبير أفاد من كتاب واحد ترجمه نورث بعنوان «مشاهير الإغريق والرومان» أكثر مما أفاد كثيرون من مكتبة المتحف البريطاني (المكتبة البريطانية) برمتها. وهذا يعني أن «الموهبة» هي التي تنتقي لتصهر في «موهبتها الفردية» ما هو جديد.
لقد كثر الحديث عن ثقافة السياب الشعرية بسبب دراسته في قسم اللغة الإنجليزية بدار المعلمين العالية ببغداد، سنتين بعد أول سنتين بقسم اللغة العربية، وكان ذلك ممكناً أيام بدر. ولكني أقول بمنتهى الاطمئنان أن موهبة السياب الشعرية كانت أكبر بكثير مما تعلمه من الشعر الإنكليزي في آخر سنتين من دراسته في «العالية». لم تكن مناهج الدراسة في القسم تصل إلى بواكير الشعر الحديث، وأنا شاهد من أهلها. لم نسمع بأسماء إليوت، سيتويل، أو بأي شاعر من القرن العشرين خلال دراستنا، ولا بأي شاعر أمريكي، أو فرنسي مترجم إلى الإنكليزية. ولما عدتُ للتدريس في «العالية» بعد حصولي على الدكتوراه في الأدب الإنكليزي جربتُ تقديم بعض الشعر «الحديث» فكان إليوت أول مغامرة أقدمت عليها، بدءاً بأسهل قصائده «مقدمات»، فوقعتُ في شر أعمالي، إذ كانت الأسئلة الأولى: هذا شعر؟ أين الوزن والقافية؟ ما معنى «الشعر الحر»؟ لم تكن «مقدمات» تخلو من إيقاع يشبه الوزن. لكن مغامرتي لم تتكرر إلا بكثير من الحذر. كان هذا وضع قسم اللغة الإنكليزية حتى بعد تخرج بدر بأكثر من عقد من الزمان. فما الذي أفاد بدر من القسم في آخر سنتين من دراسته؟
الواقع أنه تعرف على شيء من شكسبير، شعراً ومسرحية، وقليلاً من شعر الرومانسيين: " كيتس" على الأخص. مع ذلك، كان بدر، كما يبدو لي، باحثاً متطلعاً جهده، واستمر في جهوده الخاصة بالقليل مما تعلمه من اللغة الإنكليزية في آخر سنتين، وقد تخرج في العام 1948.
في ذلك العام جاءنا على «العالية» الأستاذ الفلسطيني، العراقي لاحقاً، المرحوم أستاذي جبرا إبراهيم جبرا: شاباً بثقافة أدبية فنية راقية من "كمبرج"، فالتفّ حوله عدد من شباب المثقفين في بغداد الخمسينات التي كانت تموج بالشعراء والأدباء والفنانين. وكانت مقهى «البرازيلية» في شارع الرشيد «الصالون الأدبي» الذي يقصده عدد من أدباء تلك الأيام الذهبية. كان بدر أحد أولئك الرواد. وبعدها كان يزور أستاذنا جبرا في داره، يستمع إليه ويسأله كثيراً، ويستعير منه كتباً في الشعر والنقد، يدرسها بشغف كبير، مستعيناً بشروح أستاذنا، وأستاذ جيل من الشعراء والأدباء في تلك الايام، حتى آخر ايامه.
كان من أبرز أحاديث جبرا كلاماً عن الأسطورة والرمز وأثرهما في الشعر الحديث. وقد تلقف بدر هذه الإشارات فأثرى بها شعره، بإفراط أحياناً، لكنه أضفى عليها مسحة «سيابية» وبخاصة استخدامه الأساطير المشرقية، والإغريقية، كما في قصيدة «المومس العمياء» (1954): «وتفتحت، كأزاهرِ الدفلى مصابيح الطريق/ كعيون ميدوزا، تُحجّر كل قلبٍ بالضغينة». في «تفتحت .. مصابيح الطريق» صدى مباشر من «مقدمات» إليوت. فبعد سلسلة من الصور في «المقدمة ـ 1» يأتي بيت الختام «ثم إضاءة المصابيح» في الشوارع الشتائية المعتمة، دون الإشارة إلى «الفاعل» في عملية الإضاءة. و»ميدوزا» في الاسطورة الإغريقية غولة شعر رأسها أفاع، إذا نظر المرء إلى عينيها تحجرت عيناه. لكن بدراً جعلها «تحجر كل قلبٍ بالضغينة» لتناسب الضغينة على عالم أنتج مومساً.. لكنها عمياء، اضطرها فقرها إلى «مهنة» بهذا القبح القاسي.
وفي «أنشودة المطر» كثير من أمثلة الثقافة غير المباشرة، في الإشارة إلى «العيون الخضر» في أغنية إسبانية أو إيطالية شاعت يومها، كما شاعت أغاني أسمهان في «أغنية تصف العيون، تنثال من مقهى» هي أغنية أسمهان من أسطوانة في «مقهى عرب» في العشّار: يا لعينيكِ ويالي/من تسابيح خيالي». ومن امثلة الثقافة المباشرة استعمال مشهد شرفة جولييت التي وقف روميو تحتها طول الليل يودع حبيبته قبل طلوع الفجر وصوت القبرة التي يصر روميو على أنه صوت البلبل، طائر الليل. وداع بدر لحبيبته «إقبال» أم «غيلان» وهربه من السلطة مثل هروب روميو قبل أن تصحو سلطة أهلها. لا أعرف إن كانت عينا إقبال خضراوين، لكن موهبة بدر جعلتهما كذلك، مثل خضرة «غابتا نخيل ساعة السحر» وهو تطويع الثقافة إلى صيغة محلية، وهنا أصالة الشاعر الموهوب. وعنوان «أنشودة المطر» هو كل ما أخذه بدر من قصيدة (إيدث سيتويل) صعبة الإشارات الثقافية، في «ما زال يهطل المطر» مطر الدم يهطل من السماء، في إشارة تمزج هطول القذائف الألمانية على لندن خلال الحرب العالمية الثانية مع صورة هطول الدم عند صلب المسيح. وهذا أكثر تعقيداً مما تتحمله قصيدة بالعربية، فجعلها بدر:
مَطر، مَطر… ويهطل المطر.. وكانت السماء تغيم في الشتاء، ويهطل المطر… وحين يُعشِب الثرى نجوع… وهو تطويع الإشارة الثقافية إلى صيغ محلية، لا يقوى عليه سوى صاحب موهبة كبرى.)
ومن المشتركات بين اليوت والسياب على الصعيد الشخصي انهما ليسا بريطانيين لكنهما احبا الادب الانكليزي وبرعا فيه قراءة وتتبعا وكتابة ايضا. ومن المشتركات ان السياب درس شكسبير وهوميروس وبعض الشعراء
الاغريق وهي تقريبا نفس الاعلام التي مرعليها اليوت الذي درس الشعر والادباء ابتداءا من سوفيكلس صعودا الى شكسبير، وقد جمعتهما التطلعات الفلسفية المشتركة،،،
لم نر في استخدامات السياب ولكافة انتقالاته بين سطور انشودة المطر اي اتكاء او اقتناص لنص واضح من اليوت في الارض اليباب ،،،
المشتركات التي نثبتها هنا، ان ماجاء به السياب من موضوع واضح في قصيدته انشودة المطر هوالحديث عن القهر والجوع والحرمان وعن العراق، ممثلا ذلك تارة بالمرأة ( سواء التي احبها ورمز اليها هنا او ، ان اعتبرنا ان العراق كان ممثلا بنفس المراة التي يتامل طفلها ان تعود)،،،
المشتركات فيما بين السياب واليوت ان الاثنين كانا يصرخان بوجه الخراب او الدمار او الرجوع الى وراء، لكن لكل منهما عالمه الخاص في التعبير، وهذا لايوحي باي شكل من الاشكال ان لاليوت تاثير فعال على السياب،،، وحتى قصيدة ( مازال يهطل المطر) لـ (إبدث سيتويل)...
لقد جعلني حبي للسياب ومنذ بدايات السبعينات ان احاول الغوص في اعماق شخصيته الغريبة التأملات كغرابة الشكليات الظاهرة عليه وعلى بدنه وهيأته كما نعرف،
واستمر ذلك الشغف وتلك الرغبة العارمة حتى وقتنا الحاضر، وعند دخولي الجامعة في دراستي اللغة الانكليزية، اود ان اذكر موقفا لي مع استاذي في جامعة بغداد – كلية اللغات – مادة الترجمة - ويومها كنا نعد لاطروحة التخرج كالمعتاد بعد سني الدراسة الاربع، حين طلبت منه ان يكون موضوعي عن السياب استغرب وهو فرح يتطلع الى وجهي مارا بحدقاته على تقاسيم اتعبها الزمن القاسي، ليسالني بعد ان اوضح لي مستغربا ان ليس في منهجنا في كلية اللغات قسم اللغة الانكليزية شيئا عن السياب، فاجبته انني اريد ان اتناول السياب في موضوع يتعلق بالترجمة لنصوصه... تأمل مطرقا مرة، واخرى يعيد النظر مليا في وجهي واذا به يشير الي بان اكتب العنوان التالي" مشاكل الترجمة في شعر السياب"...
لم اصدق وانا استلم الضوء الاخضر لكي احقق رغبة في نفسي كانت تراودني منذ زمن حتى تحقيقها ونيل درجة الامتياز عنها، لانني كما اخبرني الاستاذ الدكتور كنت الوحيد الذي بحثت وكتبت بنفسي ولم استنسخ الموضوع من الجاهز الذي كان قد توفر في مكتبات الجامعة من ذي قبل، وفي متناول الزملاء الطلاب، الامر الذي قرَّبني كثيرا من السياب، حتى تصورت انني لايمكنني باي شكل من الاشكال ان اكون بعيدا عن قمة الحداثة وزعيمها، مثلما لا اتصور ان مَن مثلي متابع لشؤون الادب باستطاعته الاستغناء عن السياب انسانا وشاعرا ومثقفا يحق لنا ان نفتخر به مثلما تفتخر انكلترا بشكسبير او مثلما يفتخر بقية الناس بعظمائهم ...
البعد زمنيا بين قصيدة اليوت 1922 وبين انشودة المطر 1954 كبيرا وهو باليقين ليس متقاربا في موضوعة الحدث كذلك، لكننا لانلغي التلاقح الحضاري بين الشاعرين...
(يرى بعض الباحثين إن السياب تأثر بشعراء عرب وأجانب في مراحل تطور تجربته الشعرية وبخاصة في الخمسينيات "في مرحلة الالتزام الماركسي وما تلاها" ناقلاً عن السيّاب قوله إنه يحب البريطانيين (وليام شكسبير وجون كيتس). وذكر أن السيّاب كان يقول: "وأكاد أعتبر نفسي متأثراً بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور بحيث يعطيك كل بيت صورة، وبشكسبير من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة. وأنا معجب بتوماس إليوت.. متأثر بأسلوبه لا أكثر… ولا تنس دانتي فأنا أكاد أفضّله على كل شاعر"
.ويقول هذا الباحث : إن السياب ذكر عام 1956 أن البحتري " أول شاعر تأثر به ثم وقع تحت تأثير الشاعر المصري علي محمود طه (الذي توفي عام 1949) فترة من الزمن وعن طريقه تعرف على آفاق جديدة من الشعر حين قرأ ترجماته للشعراء الإنجليز والفرنسيين." ويتطرق هذا الناقد إلى تأثر السيّاب بكل من أبي تمام والبريطانية (سيتويل) وينقل عنه قوله: " حين أراجع إنتاجي الشعري ولا سيّما في مرحلته الأخيرة أجد أثر هذين الشاعرين واضحاً فالطريقة التي أكتب بها أغلب قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة (إديث سيتويل) ولطالما أشاد السياب بالشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري (1899-1997) الذي كان يلقب (متنبي العصر) واعتبره " أعظم شاعر" في ختام النهج التفعيلي للشعر العربي) ... الحديث عن السياب لا ينتهي، الا ان هذا المفصل الذي استعرضناه هنا، وكما ارى انه كان مختصرا مفيدا، يثبت ان السياب كان مستقلا في بنائياته، وانه شاعر نابغة، ادى ما عليه من فعل، ومثلما انفرد الفراهيدي في ان اظهر للناس البحور وقوانينها بالشكل التي هي عليه الان، لابد ان نثني على دور السياب بانجازه للشعر الحر كمدرسة جديدة هو رائدها، مثلما ينبغي تناول قصائده بالتفصيل والشرح لانها ناقشت فترة حرجة جدا مر بها العراق وهي حِقَب مؤلمة، تناولها السياب باعلى سياق ادبي شعري جديد لم يجرح من خلالها جسد العروض او اللغة.
اتمنى على المهتمين بالشان الادبي ان راق لهم الادلاء بما يرون خدمة لهذا الموضوع، وسنكون ارحب صدرا للنقد الموضوعي البناء، خدمة للراي والراي الاخر من اجل فسح المجال لكل عارف ونحن له مستمعون...
المصادر التي ساذكرها هي جزء مما تناولته فهي كثيرة وساكتفي بما يلي لمن اراد الاستزادة والبحث، على ان هناك مصادر ومراجع اخرى كثيرة ومتنوعة لم استطع احتواءها لضخامة الموضوع وتعدد اوجه تناوله، فعذرا، وعلينا ما اخطانا، ولكم ما اصبتم اعزائي القراء...
تمت..
المراجع:
رائعة الارض الخراب ت .س .اليوت ترجمة د.عبد الواحد لؤلؤة
إليوت, تي. إس. "رسائل إلى جيه. إتش. وودز, ابريل 21, 1919." رسائل تي. إس. إليوت, المجلد الأول. فاليري إليوت, تحرير. نيويورك: هاركورت بريس, 1988. 285
إليوت, تي. إس. فائدة الشعر وفائدة النقد مطبعة جامعة هارفرد, 1933
غالوب, دونارد. تي. إس. إليوت: سيرة (طبعة منقحة ومزيدة) هاركورت, بريس وورلد, نيويورك, 1969. قوائم أ23, جـ184, جـ193
غالوب, دونالد. تي. إس. إليوت: سيرة (طبعة منقحة ومزيدة) هاركورت, بريس وورلد, نيويورك, 1969. قوائم أ25
التقليد والموهبة الفردية. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
تي.إس. إليوت: الأرض اليباب والنقد - الموسوعة البريطانية على الشبكة
والموهبة الفردية. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
تعدى إلى الأعلى ل:أ ب ت نقد التقليد والموهبة الأدبية
هاملت ومشاكله. إليوت, تي. إس. 1920. الغابة المقدسة
برت, ستيفن ولوين, جنيفر. "الشعر والنقد الجديد." رفيق إلى شعر القرن العشرين, نيل روبرتس, محرر. مالدن, ماساتشوستس: بلاكويل للنشر, 2001. صفحة. 154
بدر شاكر السياب.. أصوات الشاعر المترجم، حسن توفيق، مقدمة الكتاب
أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960
بدر شاكر السياب والحركة الشعريّة الجديدة في العراق، محمود العبطة - بغداد 1965.
بدر شاكر السياب، رائد الشعر الحر، عبد الجبار داود البصري - بغداد 1966.
بدر شاكر السياب، إحسان عباس - بيروت 1969
رائع
ردحذف