الثلاثاء، 27 مارس 2018

الجزء الثاني اليوت..السياب.. بقلم الناقد/ شاكر الخياط

وقفة مقارنة تأملية بين (ارض اليباب ) للشاعر الانكليزي (توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot) وبين (انشودة المطر) للشاعر العراقي بدر شاكر السياب. ( ج 2 )
......................................
في قصيدة اليوت كان جل التصويرمنصبا على شخصيات ليست بالعادية، فهي اما معطوبة، او مأزومة، او تشعر بالعجز الجنسي والنفسي وربما الذهني، وهذا اشارة واضحة الى ماكان يعتمر داخل اليوت من نتائج وشواهد مريبة لمخلفات الحرب التي بدت اثارها واضحة واوجه الدمار وحالات الخراب لسنوات رغم ان الدمار لم يكن ليشمل بالحالة التماثلية كل ارجاء اوروبا انذاك، تلك الشخصيات ربما كانت اضافة الى تواجدها كمعالم نهاية حرب ونتائج مخيبة لواقع مجتمع خرج من حرب اودت بالناس ماديا واجتماعيا وتعدت الى الصحة النفسية والجسدية لاغلب الناس، على الصعيد المدني البعيد عن الة الحرب ، واما على الصعيد الثاني فكانت الاثار المباشرة على الذين شاركوا في المعركة هو الدافع الذي انتقل منه اليوت تاركا كل علامات التشويه والعوق الى التاثير النفسي والمجتمعي على الشخوص الذين نراهم متعاقبين في سياق الابيات التي تمر عليهم استعراضا، كشرح وتمثيل لما يريد اليوت ان يقول، تلك الشخصيات كانت تسكن عالماً بائسا فارغا يفتك بها، ويعتريها قفرٌ عاطفي رهيب. وهو ردة فعل كانت بمثابة النتيجة الثانية السلبية للحرب، ولأنه طوّر شعوراً قوياً تجاه الماضي قبل الحرب مستمدا منه ذلك الشعور الدافق نحو تناول الموضوع والاستمرار في تداوله، أو ما يسمّيه الحسّ التاريخي او الموروث المشرق للماضي، تمرّد إليوت على المدرسة الرّومنطيقية، واتّجه إلى الشعر الميتافيزيقي المتمثل بـ (جون دون 1572 م-1631 م) الشاعر إلانجليزي الشهير. والذي كان واحداً من أبرز الشعراء في القرن السابع عشر ، وكاتباً لامعاً ما تزال قصائده الغزلية وتأملاته الظريفة الساخرة والمريرة حتى يومنا تثير الاهتمام . وكان إلى ذلك كاهناً، وُصفت مواعظه بأنها كانت أفضل مواعظ القرن ، وكذلك الشاعر ريتشارد كراشو (1612-1649)) ، الشاعر إلانجليزي الذي يعد عادة من الشعراء الميتافيزيقيين ، والذي ألف بعض القصائد باللاتينية ولكن شهرته تستند إلى قصائده الدينية . تجمع قصائده بين الحسية والصوفية بصورة لا مثيل لها في الإنجليزية . بحيث تقارن بمثيلاتها في الأدبين الإيطالي والأسباني ، ومنها قصائده عن "القديسة تيريزا" ، وكذلك الشاعر (مارفيل) الذي كان كمصدرٍ للإلهام اكثر من سابقَيْه...
( لكنّ الثيمة المركزية التي أضاءت وعي إليوت بالخراب، أتته من كتابين يعترف بفضلهما عليه هما كتاب جيسي ويستون"من الشّعائر إلى الرّومانس"، 1920، وكتاب جيمس فريزر"الغصن الذهبي"، 1915، حيث يحلّل المؤلفان أساطير البعث القديمة، ورحلة البحث عن الكأس المقدّسة، وفك لغز الخراب في تلك الأرض التي أُصيب ملكها بجرح أفقده القدرة على الإنجاب، فمات الشجر في مملكته، وجفّت الينابيع، وتحجّر كلّ شيء...
أما العمل الذي صقل وعي إليوت الجمالي والأسلوبي فهو كتاب آرثر سيمون"الحركة الرّمزية في الأدب(1899)، وقد قرأه إليوت في ريعان شبابه، ما جعله يتأثر بالرّمزيين الفرنسيين، ويكتب بعض القصائد بالفرنسية، خلال عام أمضاه في السوربون، 1910-1911، ليحضر بودلير بقوّة في"الأرض الخراب"، صوتاً داكناً يهجو قيم المدنية الحديثة.
ويمكن، باختصار، تلمّس المراحل الثلاث في تطور إليوت الشعري،
الأولى بدأت مع ديوانه"بروفروك وملاحظات أخرى"، 1917، وهنا يبرز جلياً تأثّره بالمدرسة الرمزية، وحتىّ الصورية imagism))، ويركز على مأزق الوعي الفردي في عالم يضيق باستمرار، بحيث يشعر بطله دائماً بأنه يقبع خارج العالم، منبوذاً، لامنتمياً ، لكنه، وعلى رغم هشاشته، تجده يشعر بتفوق أخلاقي وجمالي على قيم مجتمعه، ما يجعله يخترق الحجب الاجتماعية...
الثانية : تبرز قصيدة"الأرض الخراب"، 1922، بأجزائها الخمسة، مشكّلة نقلة نوعية في رؤيا إليوت الموشورية، القائمة على تعدّدية الأصوات وتبعثرها، حيث الوعي هنا مشروط بظروف الحضارة الحديثة، ما يجعل الشّاعر يهرب إلى الأسطورة، ليدمج رموزاً مشرقية وغربية، ويصهرها في بوتقة واحدة، ويتجاور بوذا مع القدّيس أوغسطين، للتدليل على كونية التجربة الرّوحية التي يسبر أغوارها. ..
الثالثة: تبرز قصيدتان مفصليتان هما"أربعاء الرماد"، 1930، وپ"الرّباعيات"، 1944، واللّتان تطغى عليهما النزعة التأمّلية، الفلسفية، حيث نجد الفرد الإليوتي معزولاً، وحيداً، لكنه يحلم بالاتحاد بالمطلق. ويبحث إليوت عن صمت صوفي، وفصاحة تقترب من رهافة الموسيقى، تتيح له الذوبان في عالم روحي أسمى، وقد اتجه إلى الدراما الشّعرية، ذات الطابع الكنسي، لمسرحة تلك العلاقة الرّوحية كما في مسرحيته"جريمة في الكاتدرائية"، 1935.)
ولابد هنا من الاشارة الى ماقاله واجمع عليه النقاد في اوروبا والعالم انقله حرفيا لكي نرى مدى التاثير الفعال على اليوت والذي سيفترق به من الناحية النظرية والعملية وحتى التأملية عما كان ينتاب السياب من شجن مركز متجذر في واقع امة وحاضرها ومايعانيه البلد الوطن الحبيب وناسه الذين هم اهل السياب، ،
" نظرة سريعة على بنية القصيدة تظهر التعقيد الكبير الذي اعتمده إليوت في نسج شرنقة استعاراته، حيث يقوم بإحالات إلى نصوص مفصلية تبدأ من هوميروس، وسوفوكليس، وفيرجيل، وأوفيد والقدّيس أوغسطين، ودانتي، وشكسبير، وتنتهي عند نيرفال، وكونراد، وميلتون، وبودلير، وهيسه، ووويتمان، كما أنه يتكئ على الكتابات التوراتية والإنجيلية، وعلى النصوص الهندية القديمة. ومن أجل أن يمنح نكهة كونية لصرخته يضمّن القصيدةَ جملاً بالفرنسية والألمانية والسنسكريتية، واليونانية، والإيطالية. وتتألّف القصيدة من أجزاء خمسة، يحيل كل منها رمزياً إلى عنصر من العناصر الكلاسيكية الإغريقية للوجود، وهي التراب والهواء والنار والماء والأثير."
هنا وفي نظرة تاملية لهذا المجمل الملخص لاراء النقاد وعلى مدى سنين من التدقيق المسؤول والاطلاع ومواكبة اعمال اليوت يلخص لنا ماهية هذا الكائن الانجليزي الذي جمع في شخصية واحدة بين اكثر من اهتمام تعدى الادبيات الى مجالات الدين والروحانيات والتصوف والنظر الى ماوراء الطبيعة بل اضيف له في جانب اخر التوجه الى التاملات والبحوث النفسية التي تمس المصابين بالخلل العقلي، هذه صفة تضاف الى اليوت وتمنحه الكعب المعلا لكي يكون البارز والملهم للملايين في كل كتاباته وليس في الارض الخراب، لكننا بصريح العبارة ومما تقدم نشير بوجه منصف الى ان هذه القصيدة هي لؤلؤة التاج للادب والنتاج الثقافي الاليوتي، ولا اريد ان انفرد لوحدي فاقول انها حالة متقدمة للادب الانكليزي عموما، على اعتبار ان هناك من العمالقة والرائعين الذين عرفناهم سيقفون شواخص ومثابات لايمكن تجاهلهم اونسيانهم او عدم ذكرهم في مثل هذا الموضوع، بل تعدى ذلك الى الاتاثير في الادب الاوروبي والعالمي ، لان أثر"الأرض الخراب"على الشعر العالمي بات حقيقة لا تقبل الجدال، وهذا مايؤكده اغلب النقاد، ( إذ لم ينج شاعر حديث من لعنتها، على رغم ان التأثر بها، وبخاصة في شعرنا العربي ظل محصوراً بالرؤيا التي تطرحها، وليس بتقنيتها الجديدة في توظيف الأسطورة، وبنيتها المجازية التي تقوم على انزياح الدلالات، وتعدد الأصوات الشعرية، وزئبقية أدوارها)...
(وعلى نقيض ما يراه جبرا ابراهيم جبرا، الذي ربط بين التأثر بها ونكبة فلسطين، فإن حضور القصيدة في قصيدة (الحداثة العربية) ظل محصوراً بمقولة "اليباب" ذاتها كفكرة جاهزة، وليس كرؤيا أو فلسفة متكاملة. ويمكن القول انه قلما نجد نصاً واحداً استشرف قوتها المجازية، وحاكى بينتها الأسلوبية، واستثمر قراءتها التضادية للموروث الشعري.) (حتى السياب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر"، اكتفى برموز إليوتية برّانية، سطحية، محافظاً على أنا رومانسية غائرة، لطالما نبذها إليوت، داعياً الى ضرورة الهروب من الذات، والبحث عن معادل موضوعي objective) (correlative تكون فيه القصيدة مسرحاً تتقاطع في محرقة ثقافات وأزمنة مختلفة، تماماً مثل رواية "عوليس" لجيمس جويس، التي اعتبرها إليوت نفسه أنموذجاً للنص الحداثي الجديد، الذي يحاول ان يمنح "شكلاً ودلالة للبانوراما الهائلة من العقم والفوضى التي تشكل ماهية التاريخ المعاصر").
هذا ما اردنا التوصل اليه في ماذُكر في اعلاه، وهذه الشهادة النقدية الثاقبة تؤيد ما اردنا قوله من طرح شفاف في مسعانا هذا، انتصارا للحقيقة رغم انني شخصيا انتصر للسياب لانه مصدر الهامي، وهو موروثي الادبي الشعري الحي الذي اتشرف عراقيا ان يكون ابن بلدي اول من امتدت يده للنهل من رؤى عالمية استطاع ببراعته توظيفها في الموروث العربي والعراقي على وجه التحديد، لكنه لم يتكيء قط على اي ممن يحاول البعض ذكرهم - ليس تيمنا وعرفانا بحقيقة ماثلة ومعروفة، انما ينسحب ذلك من وجهة نظري الشخصية على النكاية وطمس حق الاخرين – وهذا وفق معلوماتي الشخصية التي اعتمد بها على ما مكنني الله عليه من تاريخ طويل من الاطلاع والاستكشاف لكي اصل الى هنا الى ان اقول معلومة صادقة صحيحة .............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق