الثلاثاء، 27 مارس 2018

قراءة في نص ـ د ـ علي الدليمي... بقلم الناقدة/ نور السعيدي





ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏زهرة‏‏‏



غازلتُ ليلى وليلى لا تُغازلني ،،
كأن شعري لأخرى غيرها نُظِما
.
ماذا لماذا ؟ وذا إنّي أُعاتبها ،،
يا ليتها نطَقَتْ عند العِتابِ بما
.
يا أيها الصمتُ لا تَطبقْ على فمها ،،
كم صامتٍ بالرضا قد صار مُتَّهما
.
إنَّ إصطناع الرضا طبعٌ أضرَّ بنا ..
إذ يقتضي الأمر إقناعاً وأن عَظُما
.
حييت بغداد في شوقٍ وفي عَتبٍ ،،
تشكو إليك النوّى والظلمَ والألما
.
قد أرغموها على هجرٍ فما رَغِمتْ ،،
ورُبَّ مَرْغمةٍ أَوْدتْ بمن رَغِما
.
فأوجَستْ خيفةً في نفسها وشَكَتْ ،،
إنَّ الطغاةَ أحالوا ربعها رِمما
.
هاجتْ كلابُ بني قومي لتنهشها ،،
ليت الكلابَ يُراعي طبعُها الحُرما
هذا سؤالي لقومي في مَصيبتِنا ،،
مَن يجهلُ الأمرَ أو مَن كان قد عَلما
.
أيُّ الفريقين أهدى في شريعتنا ،،
مَنْ حَرَّمَ الهدمَ أَمْ مَن هَدَّمَ الحرما ؟
قالوا أتينا لرفعٍ الظلمٍ عن وطنٍ ،،
فآستبدلوهُ بظلمٍ فاقهُ عِظما
.
لما أَتَوْها وقد عَمَّ الدمارُ بها ،،
ومزقَ القصفُ أحشاها وما رَحما
.
هالوا عليها من النيران أعمدةً ،،
حتى كأنَّ السما قد أَمطرتْ حِمما
.
إني رسولٌ مِن الزوراء أتيكم ،،
من كل بيتٍ لذكرٍ الله قد هُدما
.
ومن كذا ألف مقتولٍ بلا سبب ،،
ومن كذا ألفِ محكومٍ وقد ظُلما
.
هذا نداءٌ من القرآنِ مَزَّقهُ ،، جندُ الغزاةِ وحطّوا فوقهُ القَدما
.
من كل نائحةٍ ثَكْلى يُرَوّعُها ،،
وَقعُ السلاح إذا ما بيتها دُهِما
.
بأسٌ وبؤسٌ وبأسَ الحالُ حالتنا ،،
سيّانَ في الهَوْنِ محكومٌ ومَن حَكما
.
تسعون قرناً وما شابَ الزمانُ بها ،،
يا ليت شِعري بهذا القَرنِ كم هَرِما
بغدادُ ما لاذَ أهلوها بعاصمةٍ ،،
ولا آستجاروا بغير الله مُعتصما
.
مَن ذا يُجيرُ من الطغيانِ حُرمَتها ،،
يا خطبَ بغدادَ ما وَقَّرتْ مُحترما
... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
( القصيدة أربعون بيت ) ،،، كُتبتْ عام 2005 .
مُدَتْ على جسرٍ لا بدَ من عبورهِ بعربةٍ أمام الحصان لأنها شاهد عصر عن شهادةٍ موجزة لرصاصةٍ تبقى تتعقبُ العراقي حتى تسقطهُ صريعاً لواقع مفجع عاشهُ الشاعر بكل تفاصيلهِ ليبدأها بذهنٍ واعيٍ ومفردات وِلدَتْ شائخة ،، بدأها بإهزوجةِ قانط آستأذنتْ ذهنهُ لتنزل من قلبهِ الباحث عن وجدهِ الضائع ،،هو الذي رَقَّ حتى إكتوى بعشقٍ لاهبٍ كفسيلةٍ بمساءٍ راكدٍ ــ قرقفانتهُ*ــ التي أضحت ليلهُ المُحير بعدما قدمَ لها كل الفروض والنوافل ليعاتبها بشفافية كغشاوةِ ماء ـ بمكابدةٍ قصوى من لامبالاتِها بألمهِ حتى ظِلهِ العائد من حائط لا يفهم لتتركهُ جسداً بلا أوردة ،، بعدما أنهكتهُ وهو الذي لم يتخلى عنها ليجدها ولم يُعاتبها ليمتلكها لكن شلالات روحهُ جائعةٌ لها وجوعهُ جائع ولو بهمهمةٍ ،،، بما
غازلتُ ليلى وليلى لا تغازلني ،، كأن شعري لغيرها قد نُظما
ماذا لماذا وذا أني أعاتبها ،، يا ليتها نطقتْ عند العتاب بما
( إن إصطناع الرضا طبعٌ أضرَّ بنا ) ،،،
هو المدخل لنبض القصيدة ( نشوة الإنتقال) حيث تنبثق من حالة النعومة والسرعة الى كمال ماهية النص ليمس كل الأحداث والمحسوسات كحزمةٍ من الأصداءِ تتردد طويلاً بفضاء من الأسوار لماهيات مُتعالية تقبل التحديد كمعطياتٍ مباشرةٍ بإتجاه حَركتْ المواقف اللغوية المتباية لإستحواذ القارئ للصورة الشعرية ،، لجُملٍ رئيسية متراصة برابطة سَبَبية لبناء فني أكثر تأثيراً على القارئ ( ليقرأ ) إبتسامة القتلة لمَجدٍ مُشترى بدمِ الشعوب ليزرعوا زهرة الخشخاش بأوطانهم هناك على قبورمن مات خارج وطنهِ . .
ــ فأوجستْ خيفة في نفسها وشكتْ ،، إنَّ الطغاة أحالوا ربعها رِمما
ــ قالوا أتينا لرفع الظلم عن وطنٍ ،، فآستبدلوهُ بظلمٍ فاقهُ عِظما
ــ لما أتوها وقد عَمَّ الخرابُ بها ،، ومزق القصفُ أحشاها وما رَحِما
على الرغم من وعي الشاعر بكل المُجريات لا أدري لمن يطرح هذا التساؤل ،،،
(( أي الفريقين أهدى في شريعتنا ،،، مَن حَرَّمَ الهدم أمْ مَنْ هَدَّمَ الحرما ؟؟ ))،
هناك شيئ يشبه الزجاج يسحق العظام عندما وقع وطنهُ بقبضة المنتصر الذي سيكتب التاريخ الجديد ،، مِن أن الغد لن يطلع على هذا الخراب وهو المحاصر بإيمانهِ المفقود ليُدخل النص داخل شبكة عنكبوتية تتليف خلاياها لتتعثر بالمصاعب ليطفر بتحليقة رائعة ليُقيم لها الحدود والحَواف ،، وكلما تقدمت القصيدة بسردها زادها هيبة وإنفعالاً عارماً لما أضحى وطنهُ مقبرة تُحدق بمقبرة ،،،
هذا نداءٌ من القرآن مزقهُ ،،، جندُ الطغاة وحطوا فوقهُ القدما
من كل نائحة ثكلى يُروعها ،،، وقعُ السلاح إذا ما بيتها دُهِما .
كما يَعي تماماً أزمتهُ من إنصياع المنكسرين فالكل يعيش بمنفاهُ الإرادي وراء قضبان الهزيمة لما ضُربَ الوطن بريحٍ صرصرٍ،، كان فردوس من الفراشات ليُقمط بالرصاص،، بلا جذور ـ بلا بدائل ،، لنضبط الشاعر متلبساً بجريمة القنوط وهو يلوك لحظاتهِ تحت مِقصلةٍ لكن بترفٍ كما يُسميهِ فاليري ( عيد العقل ) للشكل الهندسي كمكان يبرزهُ النص ،،، شاعرنا من محافظة الرمادي لم يكن مهيأ لهزيمةٍ لم يشهدها العالم منذ الحرب ع2 ،، فالدخان يفركُ يدهُ بالوجوه والسماء تَقحُ من نار السَموم ونهرٌ أسود يعبرهُ ،، روحهُ تَفْلتْ كالزئبق وهو الواقف المذهول أمام الموت الجديد ـ أمام الموت الناشف من الدم للفسفور الأبيض ( معركة الفلوجة الثانية 2004) كأنها شفير العالم وقبر يتسع للكل ليتحول كل قلب من زمرد لبخارٍ أزرق ،،،
((هالوا عليها من النيرانِ أعمدةً ،، حتى كأن السما قد أمطرَتْ حِمما ))
يبقى الشاعر بعيد عن الأسْلبة ( تحوير الواقع ) وعن الماضوية ،، هو يوزع طاقتهُ ويكاد يُهلكها بين ظلمات النص لكن يزيد من سلطان الصورة الشعرية والنغم اللغوي للطاقة الصوتية ويكاد يتقدم الصوت على المعنى من اللعب الحربالإيقاع والتنغيم فهي بالمرتبة الأولى غناء للتدرج بالحروف الصوتية بين علوٍ وهبوط لكي ترجع لمركزها الذي بدأت به والمرتبة الثانية مضمون لحركة إتجاه الوجود من الإضطراب للسكون من الظلام للنور ليصل الشاعر لبيت القصيدة كمحصلة لكل ما جرى ،،،،،،
لما تَمرسَحتْ المُطارحات الأممية ، رُصِفَتْ ، مُدتْ على مهلٍ ، للتآمر على حضارة ،، بأنهم أدوات غضب الله لأنقاذ شعوب أعتقدوا أنها ( كلاب مَكْلوبة ) ليترطم العوز العربي بالثراء التتري حتى ضاع كل شيئ بدروب الشياطين وآنطفئ نور النجدين لما ،،،،
غُدرنا بالمواطنة ومدهونون بشمع الهوية والغَبش لن يجيئ للقلوب المرتعشة لما الهوية تلاحق الرقاب ،،
والليل لا يكفي لتُخبئ به خوفنا لما يولد عندنا بين الحين والحين ألف ألف تنين ،،،
ومن ألف مقتول على الهوية و( الشاعر منهم ) ومليون يتيم وأولاده منهم ،، لتُرفع راية على نعشهِ ،،،
(( أنا مِن قتلة النهار والمنحرفون ،،، الصغار ))
بغدادٌ ما لاذَ أهلوها بعاصمةٍ ،،، ولا إستجاروا بغير الله معتصما
تسعون قرناً وما شاب الزمان بها ،،، يا ليت شعري بهذا القَرن كم هَرِما
مَن ذا يُجيرُ من الطغيانِ حُرمتها ،،، { يا خطب بغداد ما وقرَّتْ محترما } 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق