كثيرا ماسمعنا عن ( اوديبوس، واوديب، واوديب ملكا،)
هذه الرواية المسرحية من تاليف سوفوكليس، (Σοφοκλής) باللغة اليونانية) (تولد. 496 ق.م. بأثينا وفاة. 405 ق.م(.) أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع إسخيلوس و يوريپيدس.)
ملخص المسرحية الرواية :
(( تدور أحداث المسرحية في مدينة ثيبة. كان الملك "لايوس" ملكا لطيبة وقد تزوج ولم ينجب، فذهب لمعبد دلفى (معبد يونانى يستطلعون منه النبوءات) ليعرف حلا لمشكلته فجاءت إليه العرافة بنبوءة ) ونبوءة العرافة مستقاة من الإله أبوللون(، أنه سينجب ولدا سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه، فانزعج لايوس لهذه النبوءة ورحل لمنزله وهجر امرأته حتى لاينجب ثم مرة بفعل كونه مخمورا حملت زوجته فانزعج لخوفه من النبوءة وانتظر حتى تمت ولادتها وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله، ثم ذهب به الحارس إلى الجبل وهو مقيد بالأغلال من قدميه (وهذا يفسر سر تسميته بأوديب التي معناها باليونانية القديمة المصفد بالاغلال أو الأرجل المتورمه) وبدلا من أن يلقيه في الجبل ليموت تركه لراعى قابله في هذا الجبل. ولقد أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهما أياه، وأعتقد لايوس بأنه قد تخلص من أبنه ومن النبوءة. وتربى الطفل مع الملك والملكة وهو معتقد بأنهما أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وظل لجرح قدميه علامة من الأصفاد التي سلسل فيها وليدا. وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب ورحل هو الآخر لدلفى لاستطلاع الأمر. خرج ليستشير الآلهة، فجاءت اليه النبوءة ) ستقتل أباك وتتزوج من أمك(، فبهت أوديب ورحل عن بلده وترك أبواه الملك وأمه الملكة الذين لايعرف غيرهما أبا وأما حتى ينجو من أن يقتل أباه ويتزوج أمه، ورحل إلى طيبة. وفي الطريق إليها ذى ثلاث شعب نازعته عربة يجرها رجل بداخلها رجل مسن وشبت مشادة بينه وبين رجل وحراسه في الطريق فما كان إلا أن الرجل في العربة ضربه بالسوط فتقاتل معه أوديب وأستطاع أن يقتلهم جميعا، وواصل طريقه إلى طيبة.
وقبل دخوله طيبة كانت تسكن الطريق هولة (أبو الهول أنثى أو سفنكس) متوحشة تسأل سؤالا غامضا وتقتل من يعجز عن الجواب وتشيع في الأرض الخراب، وعندما أتى سألته نفس السؤال من الذي يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على أثنين وفي المساء على ثلاث؟ وكان جواب أوديب الشهير الإنسان في البداية طفلا يحبو ثم شابا يافعا على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا بجانب قدميه وانهارت الهولة لمعرفته حل اللغز الرهيب، وألقت بنفسها وماتت، وفرح الشعب لرحيلها وتخلصهم منها، وجاء الخبر بموت مليكهم في طريق ذى ثلاث شعب فأخذوا أوديب ونصبوه ملكا عليهم وزوجوه من أرملة الملك السابق.
وبعدما تولى أوديب حكم طيبة أنجب منها 4 أولاد ولدين وبنتين، وبعد مضى سنوات من اعتلائه العرش حدث طاعون أصاب الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى والدمار فبعث أوديب بكريون أخو زوجته لاستطلاع نبوءة دلفى بخصوص هذا الطاعون فأى وباء ينتج من خطأ ما تجاه الآلهة، وعاد كريون ليبلغ أوديب أن سبب الطاعون وجود قاتل الملك لايوس بالمدينة، فأخذ أوديب يوعد ويتهدد ويصب لعناته على هذا القاتل حتى لو كان يسكن بيته ووعد أهل المدينة باستقصاء خبر قاتل الملك ليضع حدا لهذا الطاعون القاتل، واقترح عليه علية القوم أن يأتوا بعراف أعمى اسمه ترسياس ليكشف لهم من هو قاتل الملك، وبالفعل أتى وأخذ يناقشه أوديب (في مقطوعة نادرة بمسرحية أوديب ملكا كل حرف رمز وإسقاط ومعنى وهدف) ويسأله ليعرف ولكن العراف يتهرب بلباقة وذكاء ولكنه نصحه ألا يصب لعناته على القاتل فاتهمه أوديب بالجهل وماكان إلا أن قال له أنه أعمى فرد العراف أنه أعمى البصر وليس أعمى البصيرة، وتنبأ له أنه عندما يدرك من أباه ومن أمه سيبصر الحقيقة الغائبة وأخبره أنه قاتل الملك ولأن أوديب دائما يختال بذكائه وثقته بنفسه فما كان عليه إلا أنه تصور أنه يوجد مؤامرة بين العراف وبين كريون أخ زوجته فأمر بحبسهما.
وجاء لأوديب رسول من كورنثة يحمل له خبرا مفرحا وآخرا محزنا، المحزن موت أبيه والمفرح أنه سيتولى العرش من بعده وبالطبع أوديب يتذكر الأسطورة فخشى أن ينفذ الجزء الآخر منها بعدما اطمئن واهما أنه لم يقتل أباه الوهمى فطمأنته زوجته أن النبوءات تكذب وتخدع، فلقد جاءت لها ولزوجها ملك طيبة نفس النبوءة وتركوا ابنهم يموت في الجبال من نبوءة كاذبة فاستفسر الرسول لماذا يخشى أوديب من العودة لكورنثة فلما أخبره طمأنه بأن الملك والملكة ليسوا أباه وأمه لأنه وبيده أخذه من راعى من مدينة طيبة وأعطاه لهما وليدا لأنهما حرما من الإنجاب، فاستقصى أوديب خبر الراعى رغم تحذيرات زوجته (أمه) ونصائحها ولكن حبه للمعرفة وللحقيقة جعله يأتي بالرسول، ولقد حاول الأخير ألا يخبره إلا أنه وبعد ضغط أخبره أنه بالفعل أعطى طفلا وليدا ذى قدم متورمة لرجل من كورنثة ولم ينفذ كلام لايوس بأن يقتله واستفسر عن الطريق الذي مات فيه لايوس فكان الطريق ذى ثلاث شعب وهنا ظهرت الحقيقة لقد قتل أوديب جاهلا أباه وتزوج من أمه بل وأنجب منها وانهار تماما، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجدها انتحرت حيث وجد الحبل ما زال يدور بالجثة الهامدة، فذهب مسرعا ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة، فأخذ دبوس من فستانها على الأرض، فصار يخلع المشابك الذهبية التي تتخذها الملكة زينة لشعرها ليدفعهم إلى عينه وهو يصيح أنه لن يرى شقاءه وجرائمه ثم يحدث عينه قائلا ": ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولاتعرفان من لاأريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لاترى الشمس المقدسة إنسانا دنسا فعل أكثر الجرائم بشاعة"، وفي موقف مؤثر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهى الوباء، وعاش طريدا من الأرض والسماء.
الحقيقة التي هي نقطة تحول في حياة الشاب أوديبوس الذي قال :
"واحسرتاه.. واحسرتاه..
لقد أستبان كل شي..
أيها الضوء لعلي أراك الآن للمره الأخيرة..
لقد أصبح الناس جميعا يعلمون..
لقد كان محظورا أن أولد لمن ولدت له..
وأن أحيا مع من أحيا معه..
وقد قتلت من لم يكن لي أن أقتله".
بعد هذا المشهد المفجع يطلب أوديب من صديقة كريون أن يعتني ببنتية بعد أن ينفى، كما طلب منه أن توضع الملكة في قبر مناسب وفي الأخير يطلب من صديقة أن يقذفة بعيدا حيث لايراه أحد بعد اليوم))..
بعد ان اطلعنا على ملخص هذه الرواية التي اعدها ثانية الكاتب لكي تكون مسرحية تؤدى على المسارح اليونانية انذاك، وبعد ان شاع خبرها واستلهمها كتاب كثيرون عرب واوربيون ومن مختلف الجنسيات، واتخذ منها عالم النفس الشهير سيجموند فرويد وبالاستناد الى تركيبتها التراجيدية مبدءا جديدا في علم النفس وتم طرحه باسم ( عقدة اوديب) سنة 1910 لاول مرة، لكننا لسنا بصدده الان..
هذه الرواية المسرحية فيها من الشؤون الثقافية الكثيرة والتفرعات الفنية سواءا على صعيد العمل الدرامي التراجيدي كمسرحية، او التنبؤات والالتزام بالالهة وقوانينها وشرعتها على صعيد العمل الروائي، وهي ذات الرواية التي تناولها ارسطو في كتابه (فن الشعر)، والتي اعتبرها قمة في الحواريات التي كانت تدور بين شخوص العمل، وقد تناولها كتاب عرب كثيرون عدا عن الاوربيين، منهم توفيق الحكيم حيث قدمها كمسرحية جديدة بعنوان ( اوديب ملكا) مستوحاة من العمل الرئيس، لكنه يختلف عنه في شؤون فنية اخرى، كما ترجمها الدكتور طه حسين الى العربية كذلك...
في عام 1960 ، نشر إيمانويل فيليكوفسكي (1895-1979) كتابًا يدعى أوديب وأخناتون ، وقارن بين قصص الشخصية اليونانية الأسطورية ، أوديب ، والملك المصري التاريخي أخناتون طيبة ، يُقدَّم الكتاب على أنه أطروحة تتحد مع سلسلة الأجيال في الفلك في فيكوفسكي ، وتختتم من خلال مراجعته للتاريخ المصري بأن الإغريق الذين كتبوا مأساة أوديب قد يكونوا كتبوه في صورة حياة وقصة إخناتون ، لأنه في المراجعة كان يعيش اخناتون قريباً جداً من الوقت الذي ظهرت فيه الأسطورة لأول مرة في اليونان ، مما وفر أساساً تاريخياً للقصة. يتم التعرف على كل الشخصيات الرئيسية في القصة اليونانية مع الأشخاص المشاركين في عائلة اخناتون، والمحكمة ، ويتم رسم بعض أوجه الشبه المثيرة للاهتمام، في أواخر ستينيات القرن العشرين ، نشرت العلا روتيمي رواية ومسرحية "الآلهة لا تلوم " ، التي تعيد سرد أسطورة أوديب في مملكة اليوروبا، حسب تصويرها
عند دراستي للعمل مرتين الاولى سنة 1970 وكانت قراءة استطلاعية للرواية كان (دار الهلال – مجموعة كتابي) قد اصدرها في نهايات الستينات من القرن الماضي ظلت حلاوة قراءتها وتذكرها الى سنين القرن الواحد والعشرين، والثانية عند دراستي الجامعية حيث كانت ضمن المسرحيات المقرر دراستها، استفدت كثيرا من الدراسة الثانية التي جعلتني اطلع على عظمة ( سوفوكليس) الكاتب البارع والعبقري الذي استولى واستحوذ على اوحدية جائزة المسرح منذ سن التاسعة والعشرين الى سن الثمانين قبل وفاته بايام في مسابقات اثينا المستمرة انذاك سنويا، ولو كنت امتلك من الوقت مايكفي لدراسة سوفوكليس في اوديب او دراسة اوديب في سوفوكليس، اظنني لن انتهي، لان ماتحمله هذه العقبرية اليونانية من عقل وقلم وابداع فاق التصور والاحتمالات، وكم كان بودي ان اناقش ما اريد الذهاب اليه في جزء من المسرحية باللغة ( الانكليزية) التي كتبت بها المسرحية لكي استطيع من خلالها ان اناقش مفردات النص وابعاده على الصعيدين اللغوي اللساني والفني الرؤيوي الابداعي، ويقينا مني ان الامر سيتعدى الى التشتت وتجزأة القاريء، عدا عن عدم فهم الكثيرين من اعزتنا القراء الى تعقيدات النص باللغة الانكليزية، لذا ساحاول قدر الامكان ايصال الفكرة بالعربية فقط ومناقشتها، على ان العمل المسرحي الروائي الكبير( اوديب) يكمن بين ثناياه من المواضيع التي تنسحب تارة الى الجانب الروحي الديني، وتارة اخرى الى الابعاد الاخلاقية المترتبة عن تداخلات النص وحوارياته، عدا عن البعد النفسي لما بعد اوديب، وما يجعل قصة أوديب مختلفة عن معظم الأساطير اليونانية الأخرى أنه يبدو أنه لا يوجد سبب لوجود العديد من الحوادث الرهيبة ، ليس فقط بالنسبة لاوديب ، بل لوالديه وأجداده وأجداده الآخرين (كوستاس)، هذه الارتجالية من الخلق عند سوفوكليس ابعدت العمل عن التقريرية والمباشرة، والصعود والارتقاء بالعمل الى الصعيد الفني الراقي...
العقاب الذي ابتدعه الكاتب وما له من تاثير نفسي على النفس البشرية بتاثيره الكبير وايلامه للجسد الذي تحل فيه الروح المعذبة، كون العقاب بذات اليدين اللتين اقترفتا الذنب او الجريمة الفريدة من نوعها على مر التاريخ، ومما لاشك فيه ان سياق العمل الروائي الذي انجزه سوفوكليس قد استمر منذ سنين قبل الميلاد الى الان وسيبقى خالدا كعمل فيه من الغرابة والابداع مالا يمكن مقارنته بعمل ابداعي روائي اخر، بل اصبح فيما بعد اساسا يبنى عليه الكثير، ومنه تتخذ المزيد من القراءات والنصوص، الذي يهمنا هنا هو الجزء الاخير من الرواية او المسرحية وهو كيف تجرأ اوديب على ان يفقأ عينيه لا ان يقتل نفسه ؟ ما الامر الذي كان يبغيه الكاتب من عدم قتل اوديب لنفسه؟ الم يكن فعله وجرمه الذي تعرف عليه فيما بعد يستحق القتل؟ اذا لابد من امر اخر كان يخفيه سوفوكليس وراء دفعه للبطل ان يفقأ عينيه ويأمر بان ينفى عن الارض وعن الناس، وهل بهذه العملية من العقاب الذي اقترحه سوفوكليس يكون اوديب قد انتقل الى العين الثالثة بعد ان الغى فعالية العينين الاساسيتين ام ان سوفوكليس حقا اراد ان يقول ان اوديب عندما فقأ عينيه فتح عينًا يسميها الشرقيون بالعين الثالثة، التي ترى ما هو أبعد من الملموس، أي العين التي يعاين الإنسان من خلالها العالَم الروحي أو اللاحسي أو الحقيقة. اي الانتقال من البصر والنظر المادي الى البصيرة التي ليس لها علاقة بوجود الحدقيتين في محجريهما، انما الامر بلا شك سيبعد اكثر في الجانب الاخر الرؤيوي الروحي اللاحسي والذي سيرى الحقيقة ابعد مما تراه العينين..
يمثل أوديب موضوعين ثابتين من الأساطير والدراما اليونانية: الطبيعة الخاطئة للإنسانية ودور الفرد في مسار القدر في عالم قاس. ولو كتب لنا ان نعود بالزمن وسالنا سوفوكليس لماذا لم تجعل البطل يقتل نفسه مثلما فعلت امه؟ في تقديري ان الجواب سيكون غير بعيد عن هذا الاحتمال الذي ارجحه على غيره، ان امه عاقبت الجسد فارتاح واطمأن الى فعلة جسدية انحصرت بحدود الشهوة التي نالها هذا الجسد وبالفعل ونتيجة الفعل المتوقع جراء تلك الممارسات الشهوانية التي انتجت بنتين وولدين، وهي بهذا كفَّرت عن ذنبها،
عندما سأل أوديب عن سبب فقأه لعينيه اجاب :
"من الحق أني أستجيب لثورة جامحة من الغضب،
لم أكن أستطيع أن أوجهها إلا إلى نفسي،
فعلى من كنت أستطيع أن أثور؟
لقد رأيت هول هذه التهم المنكرة التي ظهرت لي،
فلم أجد بدًا من أنكر وأحتج. ومع ذلك فلم أكن أريد أن أفقأ عيني بمقدار ما كنت أريد أن أشق هذا المنظر الذي يملاه الكذب، والذي فقدت الإيمان به، والذي كنت أضطرب بين مظاهره، بل لم أكن أفكر في شيء، وإنما دفعتني إلى ما عملت. فقأت عينيّ عقابًا لهما على أنهما لم تريا شيئًا كان من الوضوح والبداهة بحيث كان خليقًا أن يفقأ عيني، ،
لستُ أدري كيف أبين لكم ذلك،
لم يفهم أحد تلك الصيحة التي بعثها يومئذٍ :
“إليّ أيتها الظلمة، أنت ضوئي”
هكذا اختتم اوديب حديثه وهو جواب تساؤلنا، ترى لماذا لم يقتل نفسه وينهي الامر، لكن التحليل النفسي والفني للرواية المسرحية كان يفضي الى انه سيظل يتألم مدى العمر المتبقي له، والذي سيظل يتذكره في كل لحظة ومع صعود ونزول انفاسه، وما نفيه وانعزاله في البراري الا هو الحاضن الاخر الذي سيدوم معه التذكر والالم بما اقترفه وهو في حقيقة الامر، ومن وجهة نظري، لولا ان ساقه الينا سوفوكليس بهذه المقدرة الفنية الراقية من الوصف والتعبير الفني العالي وابعادنا عن التفكير به، لقلنا ان اوديب بريء، فهو ما اقدم على هذا العمل بمعرفته لابيه لكي يبتعد عن قتله ويرتكب جرما قل حدوثه على مر الزمن، وهو لم يكن يعرف امه قبل ان يتزوجها لكي ينأى بنفسه عن فعلته التي ما حدثت على مر الزمن، هذه الندرة في حدوث الفعلتين هي الندرة كذلك في حدوث الفعل الثالث وهو فقء عينيه، هنا تتضح عظمة وعبقرية سوفوكليس في السَوق الراقي لمتطلبات البعد الفني وليس لمتطلبات النص، لانه بدا وكانه يريد ان يسير بالعمل الى هذه النهاية التي ابتدعها هو وهي غير متوقعة، على عكس النصوص الرتيبة التي يتأملها القاريء او المشاهد كعمل مسرحي قبل حدوثها فتفقد من نصها البعد الفني في تصاعده، وهو في هذه الرواية كان قد قدم الينا عملا روائيا كامل التعريف، بمستهله (البداية)، ثم سفحه (العرض)، ثم قمته (العقدة)، حتى بدا بفك تلك الاشتباكات وتوضيح الاسباب لصورة من الابداع لم يألفها الادب من ذي قبل ولم تأت بعده بحجمها باقي النصوص الا ما ندر...
اتمنى ان اكون قد وفقت في استعراض هذا العمل الادبي الفني الراقي...
محبتي..
المصادر: - ويكيبيديا
هذه الرواية المسرحية من تاليف سوفوكليس، (Σοφοκλής) باللغة اليونانية) (تولد. 496 ق.م. بأثينا وفاة. 405 ق.م(.) أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع إسخيلوس و يوريپيدس.)
ملخص المسرحية الرواية :
(( تدور أحداث المسرحية في مدينة ثيبة. كان الملك "لايوس" ملكا لطيبة وقد تزوج ولم ينجب، فذهب لمعبد دلفى (معبد يونانى يستطلعون منه النبوءات) ليعرف حلا لمشكلته فجاءت إليه العرافة بنبوءة ) ونبوءة العرافة مستقاة من الإله أبوللون(، أنه سينجب ولدا سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه، فانزعج لايوس لهذه النبوءة ورحل لمنزله وهجر امرأته حتى لاينجب ثم مرة بفعل كونه مخمورا حملت زوجته فانزعج لخوفه من النبوءة وانتظر حتى تمت ولادتها وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله، ثم ذهب به الحارس إلى الجبل وهو مقيد بالأغلال من قدميه (وهذا يفسر سر تسميته بأوديب التي معناها باليونانية القديمة المصفد بالاغلال أو الأرجل المتورمه) وبدلا من أن يلقيه في الجبل ليموت تركه لراعى قابله في هذا الجبل. ولقد أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهما أياه، وأعتقد لايوس بأنه قد تخلص من أبنه ومن النبوءة. وتربى الطفل مع الملك والملكة وهو معتقد بأنهما أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وظل لجرح قدميه علامة من الأصفاد التي سلسل فيها وليدا. وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب ورحل هو الآخر لدلفى لاستطلاع الأمر. خرج ليستشير الآلهة، فجاءت اليه النبوءة ) ستقتل أباك وتتزوج من أمك(، فبهت أوديب ورحل عن بلده وترك أبواه الملك وأمه الملكة الذين لايعرف غيرهما أبا وأما حتى ينجو من أن يقتل أباه ويتزوج أمه، ورحل إلى طيبة. وفي الطريق إليها ذى ثلاث شعب نازعته عربة يجرها رجل بداخلها رجل مسن وشبت مشادة بينه وبين رجل وحراسه في الطريق فما كان إلا أن الرجل في العربة ضربه بالسوط فتقاتل معه أوديب وأستطاع أن يقتلهم جميعا، وواصل طريقه إلى طيبة.
وقبل دخوله طيبة كانت تسكن الطريق هولة (أبو الهول أنثى أو سفنكس) متوحشة تسأل سؤالا غامضا وتقتل من يعجز عن الجواب وتشيع في الأرض الخراب، وعندما أتى سألته نفس السؤال من الذي يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على أثنين وفي المساء على ثلاث؟ وكان جواب أوديب الشهير الإنسان في البداية طفلا يحبو ثم شابا يافعا على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا بجانب قدميه وانهارت الهولة لمعرفته حل اللغز الرهيب، وألقت بنفسها وماتت، وفرح الشعب لرحيلها وتخلصهم منها، وجاء الخبر بموت مليكهم في طريق ذى ثلاث شعب فأخذوا أوديب ونصبوه ملكا عليهم وزوجوه من أرملة الملك السابق.
وبعدما تولى أوديب حكم طيبة أنجب منها 4 أولاد ولدين وبنتين، وبعد مضى سنوات من اعتلائه العرش حدث طاعون أصاب الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى والدمار فبعث أوديب بكريون أخو زوجته لاستطلاع نبوءة دلفى بخصوص هذا الطاعون فأى وباء ينتج من خطأ ما تجاه الآلهة، وعاد كريون ليبلغ أوديب أن سبب الطاعون وجود قاتل الملك لايوس بالمدينة، فأخذ أوديب يوعد ويتهدد ويصب لعناته على هذا القاتل حتى لو كان يسكن بيته ووعد أهل المدينة باستقصاء خبر قاتل الملك ليضع حدا لهذا الطاعون القاتل، واقترح عليه علية القوم أن يأتوا بعراف أعمى اسمه ترسياس ليكشف لهم من هو قاتل الملك، وبالفعل أتى وأخذ يناقشه أوديب (في مقطوعة نادرة بمسرحية أوديب ملكا كل حرف رمز وإسقاط ومعنى وهدف) ويسأله ليعرف ولكن العراف يتهرب بلباقة وذكاء ولكنه نصحه ألا يصب لعناته على القاتل فاتهمه أوديب بالجهل وماكان إلا أن قال له أنه أعمى فرد العراف أنه أعمى البصر وليس أعمى البصيرة، وتنبأ له أنه عندما يدرك من أباه ومن أمه سيبصر الحقيقة الغائبة وأخبره أنه قاتل الملك ولأن أوديب دائما يختال بذكائه وثقته بنفسه فما كان عليه إلا أنه تصور أنه يوجد مؤامرة بين العراف وبين كريون أخ زوجته فأمر بحبسهما.
وجاء لأوديب رسول من كورنثة يحمل له خبرا مفرحا وآخرا محزنا، المحزن موت أبيه والمفرح أنه سيتولى العرش من بعده وبالطبع أوديب يتذكر الأسطورة فخشى أن ينفذ الجزء الآخر منها بعدما اطمئن واهما أنه لم يقتل أباه الوهمى فطمأنته زوجته أن النبوءات تكذب وتخدع، فلقد جاءت لها ولزوجها ملك طيبة نفس النبوءة وتركوا ابنهم يموت في الجبال من نبوءة كاذبة فاستفسر الرسول لماذا يخشى أوديب من العودة لكورنثة فلما أخبره طمأنه بأن الملك والملكة ليسوا أباه وأمه لأنه وبيده أخذه من راعى من مدينة طيبة وأعطاه لهما وليدا لأنهما حرما من الإنجاب، فاستقصى أوديب خبر الراعى رغم تحذيرات زوجته (أمه) ونصائحها ولكن حبه للمعرفة وللحقيقة جعله يأتي بالرسول، ولقد حاول الأخير ألا يخبره إلا أنه وبعد ضغط أخبره أنه بالفعل أعطى طفلا وليدا ذى قدم متورمة لرجل من كورنثة ولم ينفذ كلام لايوس بأن يقتله واستفسر عن الطريق الذي مات فيه لايوس فكان الطريق ذى ثلاث شعب وهنا ظهرت الحقيقة لقد قتل أوديب جاهلا أباه وتزوج من أمه بل وأنجب منها وانهار تماما، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجدها انتحرت حيث وجد الحبل ما زال يدور بالجثة الهامدة، فذهب مسرعا ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة، فأخذ دبوس من فستانها على الأرض، فصار يخلع المشابك الذهبية التي تتخذها الملكة زينة لشعرها ليدفعهم إلى عينه وهو يصيح أنه لن يرى شقاءه وجرائمه ثم يحدث عينه قائلا ": ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولاتعرفان من لاأريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لاترى الشمس المقدسة إنسانا دنسا فعل أكثر الجرائم بشاعة"، وفي موقف مؤثر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهى الوباء، وعاش طريدا من الأرض والسماء.
الحقيقة التي هي نقطة تحول في حياة الشاب أوديبوس الذي قال :
"واحسرتاه.. واحسرتاه..
لقد أستبان كل شي..
أيها الضوء لعلي أراك الآن للمره الأخيرة..
لقد أصبح الناس جميعا يعلمون..
لقد كان محظورا أن أولد لمن ولدت له..
وأن أحيا مع من أحيا معه..
وقد قتلت من لم يكن لي أن أقتله".
بعد هذا المشهد المفجع يطلب أوديب من صديقة كريون أن يعتني ببنتية بعد أن ينفى، كما طلب منه أن توضع الملكة في قبر مناسب وفي الأخير يطلب من صديقة أن يقذفة بعيدا حيث لايراه أحد بعد اليوم))..
بعد ان اطلعنا على ملخص هذه الرواية التي اعدها ثانية الكاتب لكي تكون مسرحية تؤدى على المسارح اليونانية انذاك، وبعد ان شاع خبرها واستلهمها كتاب كثيرون عرب واوربيون ومن مختلف الجنسيات، واتخذ منها عالم النفس الشهير سيجموند فرويد وبالاستناد الى تركيبتها التراجيدية مبدءا جديدا في علم النفس وتم طرحه باسم ( عقدة اوديب) سنة 1910 لاول مرة، لكننا لسنا بصدده الان..
هذه الرواية المسرحية فيها من الشؤون الثقافية الكثيرة والتفرعات الفنية سواءا على صعيد العمل الدرامي التراجيدي كمسرحية، او التنبؤات والالتزام بالالهة وقوانينها وشرعتها على صعيد العمل الروائي، وهي ذات الرواية التي تناولها ارسطو في كتابه (فن الشعر)، والتي اعتبرها قمة في الحواريات التي كانت تدور بين شخوص العمل، وقد تناولها كتاب عرب كثيرون عدا عن الاوربيين، منهم توفيق الحكيم حيث قدمها كمسرحية جديدة بعنوان ( اوديب ملكا) مستوحاة من العمل الرئيس، لكنه يختلف عنه في شؤون فنية اخرى، كما ترجمها الدكتور طه حسين الى العربية كذلك...
في عام 1960 ، نشر إيمانويل فيليكوفسكي (1895-1979) كتابًا يدعى أوديب وأخناتون ، وقارن بين قصص الشخصية اليونانية الأسطورية ، أوديب ، والملك المصري التاريخي أخناتون طيبة ، يُقدَّم الكتاب على أنه أطروحة تتحد مع سلسلة الأجيال في الفلك في فيكوفسكي ، وتختتم من خلال مراجعته للتاريخ المصري بأن الإغريق الذين كتبوا مأساة أوديب قد يكونوا كتبوه في صورة حياة وقصة إخناتون ، لأنه في المراجعة كان يعيش اخناتون قريباً جداً من الوقت الذي ظهرت فيه الأسطورة لأول مرة في اليونان ، مما وفر أساساً تاريخياً للقصة. يتم التعرف على كل الشخصيات الرئيسية في القصة اليونانية مع الأشخاص المشاركين في عائلة اخناتون، والمحكمة ، ويتم رسم بعض أوجه الشبه المثيرة للاهتمام، في أواخر ستينيات القرن العشرين ، نشرت العلا روتيمي رواية ومسرحية "الآلهة لا تلوم " ، التي تعيد سرد أسطورة أوديب في مملكة اليوروبا، حسب تصويرها
عند دراستي للعمل مرتين الاولى سنة 1970 وكانت قراءة استطلاعية للرواية كان (دار الهلال – مجموعة كتابي) قد اصدرها في نهايات الستينات من القرن الماضي ظلت حلاوة قراءتها وتذكرها الى سنين القرن الواحد والعشرين، والثانية عند دراستي الجامعية حيث كانت ضمن المسرحيات المقرر دراستها، استفدت كثيرا من الدراسة الثانية التي جعلتني اطلع على عظمة ( سوفوكليس) الكاتب البارع والعبقري الذي استولى واستحوذ على اوحدية جائزة المسرح منذ سن التاسعة والعشرين الى سن الثمانين قبل وفاته بايام في مسابقات اثينا المستمرة انذاك سنويا، ولو كنت امتلك من الوقت مايكفي لدراسة سوفوكليس في اوديب او دراسة اوديب في سوفوكليس، اظنني لن انتهي، لان ماتحمله هذه العقبرية اليونانية من عقل وقلم وابداع فاق التصور والاحتمالات، وكم كان بودي ان اناقش ما اريد الذهاب اليه في جزء من المسرحية باللغة ( الانكليزية) التي كتبت بها المسرحية لكي استطيع من خلالها ان اناقش مفردات النص وابعاده على الصعيدين اللغوي اللساني والفني الرؤيوي الابداعي، ويقينا مني ان الامر سيتعدى الى التشتت وتجزأة القاريء، عدا عن عدم فهم الكثيرين من اعزتنا القراء الى تعقيدات النص باللغة الانكليزية، لذا ساحاول قدر الامكان ايصال الفكرة بالعربية فقط ومناقشتها، على ان العمل المسرحي الروائي الكبير( اوديب) يكمن بين ثناياه من المواضيع التي تنسحب تارة الى الجانب الروحي الديني، وتارة اخرى الى الابعاد الاخلاقية المترتبة عن تداخلات النص وحوارياته، عدا عن البعد النفسي لما بعد اوديب، وما يجعل قصة أوديب مختلفة عن معظم الأساطير اليونانية الأخرى أنه يبدو أنه لا يوجد سبب لوجود العديد من الحوادث الرهيبة ، ليس فقط بالنسبة لاوديب ، بل لوالديه وأجداده وأجداده الآخرين (كوستاس)، هذه الارتجالية من الخلق عند سوفوكليس ابعدت العمل عن التقريرية والمباشرة، والصعود والارتقاء بالعمل الى الصعيد الفني الراقي...
العقاب الذي ابتدعه الكاتب وما له من تاثير نفسي على النفس البشرية بتاثيره الكبير وايلامه للجسد الذي تحل فيه الروح المعذبة، كون العقاب بذات اليدين اللتين اقترفتا الذنب او الجريمة الفريدة من نوعها على مر التاريخ، ومما لاشك فيه ان سياق العمل الروائي الذي انجزه سوفوكليس قد استمر منذ سنين قبل الميلاد الى الان وسيبقى خالدا كعمل فيه من الغرابة والابداع مالا يمكن مقارنته بعمل ابداعي روائي اخر، بل اصبح فيما بعد اساسا يبنى عليه الكثير، ومنه تتخذ المزيد من القراءات والنصوص، الذي يهمنا هنا هو الجزء الاخير من الرواية او المسرحية وهو كيف تجرأ اوديب على ان يفقأ عينيه لا ان يقتل نفسه ؟ ما الامر الذي كان يبغيه الكاتب من عدم قتل اوديب لنفسه؟ الم يكن فعله وجرمه الذي تعرف عليه فيما بعد يستحق القتل؟ اذا لابد من امر اخر كان يخفيه سوفوكليس وراء دفعه للبطل ان يفقأ عينيه ويأمر بان ينفى عن الارض وعن الناس، وهل بهذه العملية من العقاب الذي اقترحه سوفوكليس يكون اوديب قد انتقل الى العين الثالثة بعد ان الغى فعالية العينين الاساسيتين ام ان سوفوكليس حقا اراد ان يقول ان اوديب عندما فقأ عينيه فتح عينًا يسميها الشرقيون بالعين الثالثة، التي ترى ما هو أبعد من الملموس، أي العين التي يعاين الإنسان من خلالها العالَم الروحي أو اللاحسي أو الحقيقة. اي الانتقال من البصر والنظر المادي الى البصيرة التي ليس لها علاقة بوجود الحدقيتين في محجريهما، انما الامر بلا شك سيبعد اكثر في الجانب الاخر الرؤيوي الروحي اللاحسي والذي سيرى الحقيقة ابعد مما تراه العينين..
يمثل أوديب موضوعين ثابتين من الأساطير والدراما اليونانية: الطبيعة الخاطئة للإنسانية ودور الفرد في مسار القدر في عالم قاس. ولو كتب لنا ان نعود بالزمن وسالنا سوفوكليس لماذا لم تجعل البطل يقتل نفسه مثلما فعلت امه؟ في تقديري ان الجواب سيكون غير بعيد عن هذا الاحتمال الذي ارجحه على غيره، ان امه عاقبت الجسد فارتاح واطمأن الى فعلة جسدية انحصرت بحدود الشهوة التي نالها هذا الجسد وبالفعل ونتيجة الفعل المتوقع جراء تلك الممارسات الشهوانية التي انتجت بنتين وولدين، وهي بهذا كفَّرت عن ذنبها،
عندما سأل أوديب عن سبب فقأه لعينيه اجاب :
"من الحق أني أستجيب لثورة جامحة من الغضب،
لم أكن أستطيع أن أوجهها إلا إلى نفسي،
فعلى من كنت أستطيع أن أثور؟
لقد رأيت هول هذه التهم المنكرة التي ظهرت لي،
فلم أجد بدًا من أنكر وأحتج. ومع ذلك فلم أكن أريد أن أفقأ عيني بمقدار ما كنت أريد أن أشق هذا المنظر الذي يملاه الكذب، والذي فقدت الإيمان به، والذي كنت أضطرب بين مظاهره، بل لم أكن أفكر في شيء، وإنما دفعتني إلى ما عملت. فقأت عينيّ عقابًا لهما على أنهما لم تريا شيئًا كان من الوضوح والبداهة بحيث كان خليقًا أن يفقأ عيني، ،
لستُ أدري كيف أبين لكم ذلك،
لم يفهم أحد تلك الصيحة التي بعثها يومئذٍ :
“إليّ أيتها الظلمة، أنت ضوئي”
هكذا اختتم اوديب حديثه وهو جواب تساؤلنا، ترى لماذا لم يقتل نفسه وينهي الامر، لكن التحليل النفسي والفني للرواية المسرحية كان يفضي الى انه سيظل يتألم مدى العمر المتبقي له، والذي سيظل يتذكره في كل لحظة ومع صعود ونزول انفاسه، وما نفيه وانعزاله في البراري الا هو الحاضن الاخر الذي سيدوم معه التذكر والالم بما اقترفه وهو في حقيقة الامر، ومن وجهة نظري، لولا ان ساقه الينا سوفوكليس بهذه المقدرة الفنية الراقية من الوصف والتعبير الفني العالي وابعادنا عن التفكير به، لقلنا ان اوديب بريء، فهو ما اقدم على هذا العمل بمعرفته لابيه لكي يبتعد عن قتله ويرتكب جرما قل حدوثه على مر الزمن، وهو لم يكن يعرف امه قبل ان يتزوجها لكي ينأى بنفسه عن فعلته التي ما حدثت على مر الزمن، هذه الندرة في حدوث الفعلتين هي الندرة كذلك في حدوث الفعل الثالث وهو فقء عينيه، هنا تتضح عظمة وعبقرية سوفوكليس في السَوق الراقي لمتطلبات البعد الفني وليس لمتطلبات النص، لانه بدا وكانه يريد ان يسير بالعمل الى هذه النهاية التي ابتدعها هو وهي غير متوقعة، على عكس النصوص الرتيبة التي يتأملها القاريء او المشاهد كعمل مسرحي قبل حدوثها فتفقد من نصها البعد الفني في تصاعده، وهو في هذه الرواية كان قد قدم الينا عملا روائيا كامل التعريف، بمستهله (البداية)، ثم سفحه (العرض)، ثم قمته (العقدة)، حتى بدا بفك تلك الاشتباكات وتوضيح الاسباب لصورة من الابداع لم يألفها الادب من ذي قبل ولم تأت بعده بحجمها باقي النصوص الا ما ندر...
اتمنى ان اكون قد وفقت في استعراض هذا العمل الادبي الفني الراقي...
محبتي..
المصادر: - ويكيبيديا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق