الثلاثاء، 27 مارس 2018

(بصيص الضوء) رؤية نقدية... لنص/ لعنة الجسد... للشاعرة/ عليا عيسى... بقلم الأديب/ هيثم رفعت





ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏زهرة‏، و‏‏نبات‏، و‏طبيعة‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏




أولاً النص :
أَفِقْ من قشيبِ الأحلام
يا سيد الأزاميل
فأنا امرأةٌ من زئبقٍ أحمر
استحالةٌ نحتي ... !
على مقاسِ قيانِ السلطان
أو حَلّي رضابَ لذّةٍ
في كؤوسٍ أزنخها الإقصاء
متعبةٌ
معادلةُ احتوائي تحت بندِ الملحقات
تُبطِنُ هالتي آياتِ التشظّي
أتوالدُ
أشباها تثيرُ بجلبابك نعرةَ الهلوساتِ
أضيعُ بينها
لأنعتقَ جامعةً أخيلتي
عن خيباتِ مراياك
محمومةٌ تهذي الفراغَ منّي
أنتصبُ
(تيا) ...أنثى هلاميّةً الامتداد
في خَدَرِ وعيكَ
سرمديةُ الاقتراب
السابرةُ كظيمَ النّشوةِ
في ترابِك المشدودِ بها للفناء
و أنتَ
(أمنحوتب) المفتونُ
لا يتوسلُ
خلاصا من حرائقِ الاستحواذ
فوق نصالِ لياليكَ الهرمةِ
لازلتُ
أغزلُ شِبَاكِي متاهاتٍ سوداءَ
علّكَ يوما..
تلتقمُ سمّ الحكاية
ينهدمُ بين يديَّ فزعُ النهاياتِ
و تلوذُ إليَّ
بترياقِ هزيمةِ الانتصار
رجلَ زئبقٍ عاشق
عاريةٌ مقاديرُ الزَّمانِ أمامَ
الصُّدف !
يومَ قرعَ نيازكي جذبُك
..عكسَ توقيتِ الرّفضِ
اِلتفتَ الكونُ
معي
مُشرِعا بابَ تأويلِ الاصطدام
كنتَ آدمَ المضرّجَ بغبارِ سديميِ
نَفَخْتُ تبري بوشاحكَ
تنفّسَ طينُك أحاجيَّ
فطرةَ الذّهبِ
لكن (لا كرامةَ لنبيّ في قومه)
حينها ..... قد نسيْتُ
أنني
امرأةٌ تعاقرُ عقابَ الاحتجابِ
و وجعَ النّقصان
رغمَ الحدود
بشعوذةِ ضميرٍ يُدمِنُ هتكَ بكارةِ الصلصال
رعشةَ جحيمٍ
تسلّلتُ عتيَّ رمالك
و صلفَ القوامة
ماجَ دمكُ البدءِ
...بحثا عن ختانِ أتوني
كفاكَ !
.. فلا قيامةَ لزجاج إلا من حضن النار
أم استهواك
فوق صخور استفهامي استنكاهُ الانتحار؟
فاغرا فاهَ زمنِكَ
تفاحةً من خدرِ التّأجيلِ
ابتلعَتْني
حواسُك المترنّحةُ بنواسِ انبعاثي
لا فكاكَ من عصفِ النبض!
هطلْتُ في لاوعيكَ
زغبَ جمرٍ أشعلَ الشكَّ
َ دهشةً
أكلتْ عند كعبتي صكوكَ الغفران.
ماءُ الوقتِ
أسبلَ الشهادةَ و صلّى للعناق.
سابحاً بشرايين التيه
سلموناً
يغريه شبقُ التلاشي
أغمدتَ جسدكَ في كفنِ الإلحادِ بالوزر
وأعلنتني
قبرا مديدَ الإقامةِ لأساطيرك
في انكسار ظلّي
على كريستالِ عينيك
كانت حوّائِي .. فوق عرشِ الخطايا
تغتسلُ بحممِ الإنكار
رَقَتْنِي ...
فكنتُ هيَ و بقايايَ منكَ
يا سيد الأزلام*
لايسكنُ زهرٌ أغصان ريحٍ !
كم من منجلٍ أمَّ أعناق السنابل يكبّرُ
لحجَّةِ الاعتذار..!!
متى ستنتَحُ أسراري أنينَ خلاصٍ في مزاميرِ الخلود ؟
لنتبرّأَ من أقفالِ الوصايا
أعودُ للضلع
مجانسةً أبهرَكَ فيكتسي وجهُك بصفاتي
و أتزأبقُ بريقِكَ
خمرا
سفسطائيَّ التّحريمِ بنكهاتِ قهر النساء

*
(تيا زوجة و حبيبة الفرعون أمنحوتب
الذي ميزها و جعلها بمصاف الآلهة)
الأزلام: سهام كان أهل الجاهلية يقترعون بها.
ثانياً بصيص الضوء :
نص لعنة الجسد نص يمثل ظاهرة فريدة في إلتقاء جماليات النثر في نص واحد وهذه الحالة الشعورية تمثل قمة أو أبعد مدى تستطيع المحبرة الوصول إليه لهذه اللحظات النادرة من السكب الوجداني التي يحلم بها وينتظرها دائمأ أولياء الله ، حيث توافقت العناصر النصية : الحالة الوجدانية التي يمثلها اللاوعي و خلق فكرة النص عبر استدعاء الموروث التاريخي - الأسطورة ذاتها أو المفاهيم المجتمعية الخاطئة أو الثقافة الذكورية- وسكبهما في قالب نصي بلغة مثقفة حققت أغراضها الدلالية وساهمت في وهج الخطاب الشعري .
لقد دار في فلك مفاهمينا الراسخة أو كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم : ( الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا.. أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق) ..
ورغم فهمنا لهذه الحقائق إلا إن استيعابنا لها كان قاصراً .
و من هنا خرجت صيحات العطر الأنثوي في النص والتي طرحت فن معاملة المرأة والتى تناولتها شريعتنا العصماء في قول النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم : ((اسْتَوْصُوا بالنساء خيرا، فإن المرأةَ خُلقت من ضِلَع، وإن أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإِن ذهبتَ تُقيمُهُ كسرتَهُ، وإِن تركتَهُ لم يزلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء))
كل هذه الرسائل السامية هي متصلة بعمق أفكار النص وارتدت عباءة الشعر الأنيق .
و الحقيقة أن استدعاء الأساطير مغامرة كبيرة و من النادر أن نشهد فيها هذا التناغم النصي و حسن توظيف الفكرة، فغالباُ ما تسقط المحبرة في فخ الاستعراض أو تكرار واستهلاكية الفكرة والطرح أو تنافر الاستدعاء مع الحالة الشعورية للنص أو هروب أفكاره من الباب الخلفي للتشتت والضياع .
و هنا لا يمكن ترويض حصان الفكرة إلا عبر اللجام القوي أو المتحكم في جموحه حيث تظهر قوة شخصية القلم و مدى سيطرته و رجاحته الشعورية اليقظة 
و نلاحظ أن هذه المحبرة قد نجحت في ذلك ومنذ بداية النص عبر عنوانه أو عتبته (لعنة الجسد ) عنوان متصل عضوياً بأفكار المتن و رغم دقة اختياره إلا أنه كان كاشفاً لحبكته الشعرية - يمكن قبوله – و كنت اتمنى عنوان زئبق أحمر كبديل له و آية ذلك أن عنوان زئبق أحمر أكثر اثارة لخيال القارئ وتحفيزه أكثر لما يخلقه من حالة ضبابية محببة له تغريه في التنقيب والغوص في يم النص لاستخراج اللؤلؤ والمرجان والأحجار الكريمة للأفكار وفوق هذه قربه من لغة الأسطورة ( أمنحوتب) و تمهيداً لمخاطبته شعرياً بمفردات وبلغة يفهمها و فوق كل هذا أيضاً أن الزئبق الأحمر كمعنى يتصل مباشرة بحبكة النص الشعرية وذلك أنه هنا يمثل معنى الأنوثة و تلك الرسائل اللانهائية التي تخرج من رحم هذه المفاهيم . 
إنها تطرح كيفية استنهاض القوة الكامنة بداخل كل أنثى بحيث أنها قد تصل إلى مرحلة القوة الخارقة أو بمعنى أدق كيفية إثارة بركان الأنوثة ليتخطى فورانه طاقات البشر المعتادة ، هكذا ..هي المرأة تماماً عندما يقدرها المجتمع أو الرجل 
و هكذا هو الزئبق الأحمر في مفهومه الأسطوري في تسخير الجن ، و لهذا نجد أن شاعرتنا الفطنة قد استهلت به نصها ليكون خير بداية لعرضها المبهر .
وقبل أن ننسى في هذا القراءة العجولة الجماليات الفنية المكتظة النص بها ومنها على سبيل المثال حالات التقابل الشعري و بنية التضاد في قولها : ( قشيب / أزميل ) ، ( الظل / الكريستال ) ، ( سم ، ترياق) ، ( قطرة الذهب / وجع النقصان ) ، ( كفن / قبر ) ، ( الشك ، كعبتي ) ، ( زجاج / صخور ) ...الخ
و فوق هذا وبذكر عجول : براعة العرض وفن الاختزال والدهشة والمفارقة الشعرية والوهج والبداية والنهاية في العرض أو الفكرة أو المشاهد النصية والابتكار المذهل في اللغة التصويرية و فن تشكيلها.
حقاً..المداد دائماً هو من يختار طريقة التصفيق و شدة حماسته
بكِ قصيدة النثر أروع يا سلطانة الشعر .
وهبك ِ الله مجد المداد ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق