الثلاثاء، 27 مارس 2018

قصة (حي بن يقظان) للفيلسوف العربي ابن طفيل، وقصة (روبنسون كروزو) Robinson Crusoe)) للانكليزي دانييل ديفو... نقاط الالتقاء والافتراق بينهما ... بقلم الناقد/ شاكر الخياط


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏زهرة‏‏‏





منذ نهايات ستينات القرن الماضي وحين درسنا (روبنسون كروزو) كمنهج مقرر اكاديميا، كانت الرغبة تساورنا للتعرف اكثر على حيثيات هذا العمل من الناحية الادبية الفنية لصياغته، ومن ناحية قرب العمل من الحقيقة او بعده عنها وحسابه على الخيال انذاك، ولكون الظروف التقنية والتواصلية انذاك لم تكن كما في وقتنا الحاضر فكان لابد ان يلجأ المتتبع الى اقرب مصدرين، هما السينما والتلفزيون، وقد اقتربت قصص كثيرة من روبنسون كروزو مثل طرزان، وفتى الادغال، واخريات لا اذكرها، وقد عزز هذا التتبع بمشاهدة العمل سينمائيا البحث عن قرينة روبنسون كروزو التي كانت من بنات جهدنا الشخصي بالقراءة والمتابعة، وكان لمدرس اللغة الانكليزية في وقتها الاثر البالغ لدفعنا الى ان نقارن بين هذه الرواية المبهرة في وقتها والبحث عن اخرى شبيهة لها او قريبة منها، "حي بن يقظان"، في الاحداث، ومع قلة خبرتنا في تلك الايام وقلة مصادر مراجعنا الادبية والثقافية التي كانت تقتصر على مايتوافر في مكتبة المدينة العامة، التي كانت غنية بالمصادر الامر الذي عوضنا نوعما عن احتياجنا لكي نعرف اكثر بتوفير جزء من رغبتنا العارمة للقراءة والاطلاع انذاك..
ظل في اذهاننا ماعلق من بقايا ذكريات عن الحالتين المتشابهتين في طريقة ايصالها الينا في وقت كنا فيه في مقتبل اعمارنا، وكنا نحس ونشعر بالنهم الجارف للاستزادة من اي كتاب يقع في متناول ايدينا، وظل الامر على هذا الحال يضاف له من المجالس والتجاذبات الادبية في حلقات كنا نحضر قسما منها حسب مايسمح به العمر لكل واحد منا..
وهنا اؤكد ان انتقالي الى بغداد فتح امامي الابواب على مصراعيها لكي اجعل مسكني بين الكتب ومنها البحث الشديد عن كل ماعلق في ذهني قبل رؤيتي المكتبات الاهلية في بغداد، ومن الامور التي تناولتها في حينها هاتين الروايتين آنفتي الذكر، ولعل المتتبع يعرف ان هناك نقاط اقتراب بينهما مثلما هي نقاط الابتعاد او الافتراق او عدم التلاقي حتى، فلنمر مرورا سريعا على الاثنتين قبل الولوج في عالميهما للبحث والمقارنة...
( روبنسون كروزو) قصة كتبها (دانيال ديفو) ، نشرت للمرة الأولى سنة، فمن هو الكاتب:
دانييل ديفو( Daniel Defoe) ، روائي وكاتب بريطاني الجنسية ، ولد في عام 1660 وتوفي في عام 1731 ، كان يهوى السفر كثيرا فسافر الى جميع الدول الاوروبية ، ثم عاد إلى بلاده ، عمل كرجل أعمال لفترة قصيرة إلا أنه فشل في استثمار أمواله فخسرها ، ثم بعد ذلك أصبح له ميولا سياسية فكتب العديد من المقالات عن الأحزاب التي كان يؤمن بها ويدعمها ، وكانت له انتماءات سياسية متعددة سجن على إثرها أكثر من خمس مرات .
اشتهر في كتابة اولى رواياته ” روبنسون كروزو ” التي لاقت نجاحا كبيرا ، فاستمر في كتابة الروايات لعل أشهرها رواية (قبطان سنجلتون )، ورواية (مول فلاندرز) .
1719 تعتبر أحيانا الرواية الأولى في الإنجليزية. 
هذه الرواية هي سيرة ذاتية تخيلية تحكى عن شاب انعزل في جزيرة ما، وحيدا لمدة طويلة دون أن يقابل أحدا من البشر، ثم بعد عدة سنوات يقابل أحد المتوحشين ليعلمه بعض ما وصل اليه الإنسان المتحضر من تقدم فكري ويجعله خادمه. وفي نهاية القصة يعود روبنسون كروزو ومعه خادمه إلى أوروبا حيث العالم المتحضر. 
هذه القصة تعني إلى الكثيرين حلم الانعزال عن هذا العالم الظالم والحياة في ظل الطبيعة الرحيمة بالنسبة للعالم كما تظهر مدى التحضر الذي توصلت له الأمم الأوربية. هذه التقنية تعرف باسم الوثيقة الخاطئة، وهي تعطي شكلاً واقعياً للقصة. والقصة ذات منظور وبعد تحليلي فهي تعالج قضية المدنية لدى البشر وكيفية عيشهم لوحدهم خاصة في ظل الظروف الصعبة جدا دون أي تفاعل مع بشر آخرين. العنوان الكامل للرواية الأصلية، مترجماً إلى اللغة العربية : (حياة روبنسون كروزو اليوركي، الملاح، ومغامراته الغريبة والمدهشة)، الذي عاش 28 سنةً على جزيرة مهجورة على الساحل الأمريكي، بالقرب من مصب نهر (أورينوكو) الكبير، إثر تحطم سفينته على شاطئ (شيبرك)، هلك جميع ركابها باستثنائه، وكيف تم تسليمه بطريقة على ذات مستوى الغرابة من قبل مجموعة من القراصنة، كتبها بنفسه.
وقبل الدخول في عالم الرواية المقارنة الثانية يستحسن ان نتعرف على الرواية الثانية ( حي بن يقظان) لابن طفيل فمن هو الكاتب :
هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي 1100) م - 1185 م)
عربي من بني قيس عيلان بن مضر[2][3][4]، وينسب أيضاً فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى بأبي جعفر. وهو فيلسوف وفيزيائي وقاض أندلسي ، ولد في وادي آش، على مسافة 53 كم في الشمال الشرقي من قرطبة، ثم تعلم الطب في غرناطة وخدم حاكمها. توفي في عام 581 هـ الموافق 1185م في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته
ابن طفيل فيلسوف و عالم و طبيب عربي مسلم و رجل دولة وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلفوا الأثار الخالدة في عدة ميادين منها: الفلسفة و الأدب و الرياضيات و الفلك والطب وقد عرف عند الغرب باسم
( Abubacer) باللاتينية وكان من وزراء دولة الموحدين في وقت عظمتهم.
اما روايته (حي بن يقظان) فهي تحكي قصة شخص يدعى حي نشأ في جزيرة وحده، وترمز للإنسان، وعلاقته بالكون والدين، واحتوت مضامين فلسفية، وألفها عدة أشخاص وكان أول مؤلف لقصة حي بن يقظان هو الفيلسوف) ابن سينا)، وفعل ذلك أثناء سجنه، ثم أعاد بناءها) شهاب الدين السهروردي)، وبعدها كتبها الفيلسوف الأندلسي )ابن طفيل(، ثم كانت آخر رواية للقصة من قبل (ابن النفيس( الذي تنبه إلى بعض المضامين الأصلية الخاصة برواية ابن سينا، والتي لم تكن توافق مذهبه، فأعاد صياغتها لتكون رواية حي بن يقظان عن (صالح بن كامل).
إن أشهر مؤلف من بين هؤلاء الأربعة التصقت القصة باسمه هو) ابن طفيل.( وقد كان لهذه الرواية أثر كبير لدى )جون لوك( الفيلسوف الإنجليزي، الذي كتب كتاباً يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والمعوقات الموروثة.
وكذلك نشرت دورية (المراسلات الفلسفية للجمعية الملكية) مراجعة ممتازة تمتدح كتاب (حي بن يقظان) المترجم، فكانت هذه الرواية هي الأساس لعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب) عقيدة القس من جبل السافوا) للفيلسوف الفرنسي )جان جاك روسو)، وكذلك نجد الأحداث المشتركة واضحة بينها وبين رواية ) روبنسون كروزو( للكاتب دانييل ديفو، وقصة (ماوكلي فتى الأدغال) وشخصية طرزان التي تتحدث معظمها عن سلوك الإنسان عندما يجبر على العيش في بيئة لوحده.
ان الفروقات الواضحة بين الروايتين تشير الى اقتباس الروح من الاقدم وليس استنساخها بالتمام، فبين روبنسون كروزو وحي بن يقظان كروايتين منفصلتين في هدفيهما الفرق الواضح والافتراق البعيد والمنظور على صعيد الشخصيتين( حي) بطل رواية ابن طفيل وبين ( جمعة) بطل رواية ديفو، وكذلك البعد الزمني للكاتبين، والفرق يبدو جليا بعد ان ينتهي القاريء من الاطلاع على الروايتين في وقت متقارب في الزمن لان ولادة حي بن يقظان تبقى لغزا، ، فما مضمون الرواية:
الرواية السائدة تقول أن حي بن يقظان قد ولد ولادة عادية مألوفة من أم هي شقيقة ملك إحدى الجزر الهندية، ومن أب هو قريب لها اسمه يقظان، ولقد كانت شقيقة الملك قد تزوجته خفية دون علم شقيقها الذي منعها من الزواج، وعندما وضعت المرأة طفلها خشيت من نقمة شقيقها الملك، فوضعت الطفل في تابوت وألقته في البحر. فحملت الأمواج التابوت حتى ألقته على ساحل جزيرة مجاورة هي جزيرة) الواق واق.( وصادف أن مرت في المكان الذي استقر فيه التابوت ظبية كانت تبحث عن ابنها الذي فقدته فسمعت صوت بكاء الطفل فاتجهت نحوه، وكان أن عثرت على حي الوليد فأرضعته وحضنته. يكبر (حي) وتمر حياته في سبع مراحل. الأولى هي إرضاع الظبية لحي وحضانتها ورعايتها له حتى عمر سبع سنوات. الثانية بعد وفاة الظبية وتشريحها من قبل حي لمعرفة سبب الوفاة، وهنا بدأت تتكون عند حي المعرفة عن طريق الحواس والتجربة. أما المرحلة الثالثة فكانت في اكتشاف النار. المرحلة الرابعة كانت في تصفحه لجميع الأجسام التي كانت موجودة حوله، فكان بذلك يكتشف الوحدة والكثرة، في الجسم والروح، واكتشف تشابه الكائنات في المادة واختلافها في الصور. أما المرحلة الخامسة فكانت في اكتشاف الفضاء وهذا شجعه إلى الخروج من رصده إلى معرفة إن العالم قديم وكذلك نشأته والتمعن في السموات العلا والتدبر والتفكير بهذا العالم الجديد الذي يحل ليلا. وعند بلوغه الخامسة والثلاثين من عمره، بدأ حي مرحلته السادسة وهي الاستنتاج بعد التفكير، فتوصل إلى أن النفس منفصلة عن الجسد وهو في التوق إلى الموجِد واجب الوجود. وأخيرا، يصر حي بن يقظان، في المرحلة السابعة على أن سعادته تكون في ديمومة المشاهدة لهذا الموجِد الواجب الوجود ورغبته في البقاء داخل حياة رسمها هو لنفسه.
مايميز رواية حي بن يقظان هو البحث والتقصي عن الوجود والعدم والخلق وسر الروح، في حين ان مايمر به ( جمعة بطل رواية روبنسون كروزو لايتعدى بعض المشاهد الدرامية تبين صراع الانسان مع الطبيعة ومقاومته الظروف الصعبة التي يمر بها لوحده الى ان يلتقي معينا انيسا على تلك الجزيرة ذات الغابات الكثيفة والادغال الموحشة، ولم يتطرق الكاتب ديفو الى ماتطرق اليه ابن طفيل، لان الاهم والابرز في رواية ابن طفيل كان تجديد مباعث الايمان لدى الانسان ( المسلم) وتقريبه من الله عن طريق جملة التساؤلات التي كانت تروى على لسان حي، والاحداث التي كانت تمر بحي، فمن ارضعه ومن نظفه ومن كان يحميه من البرد ومن كان يدافع عنه من العاديات المتمثلة بالحيوانات السائبة المتوحشة الكثيرة الانتشارفي الغابات والاحراش المحيطة..
الوحدانية والالتقاء بالمعين والانيس كانت القاسم المشترك بين الروايتين اضافة الى وجود الظبية لحي وجمعة لكروزو ومكاني الاحداث،.
القصتان تناقشان موضوعين منفصلين روحا وهدفا، وهما تشتركان في واقع الاحداث الجزيرة، والانيس، والبحث عن الخلاص من الجزيرة المشتركة بينهما...
لعلنا قد نبحث مسائل اخرى في كلتا الروايتين، غير ذات اهتمام لبحثنا، وهذا مايشتت ذهن القاريء، فىثرت ان اضع بين يدي القاريء نقاط الالتقاء والافتراق بين العملين، داعيا القاريء للاطلاع على العملين لان فيهما من الاحداث مايمتع بل وما يجعل الافاق تتفتح الى رؤى جديدة لاختلاف اسلوبيهما في تناول الاحداث..
وكذلك تجدر الاشارة اننا نستطيع تسليط الضوء كذلك على القصص الاخرى التي حملت نفس العنوان لفلاسفة وادباء عرب مسلمين قبل وبعد ابن طفيل...
ينتج امامنا قصة مشتركة بين قصتين حي بن يقظان وروبنون كروسو، وحي بن يقظان وحي بن يقظان لفلاسفة مسلمين قبله تناولوا الموضوع ذاته...
اتمنى انني وفقت في تحريك الخزين الثقافي للقراء في تناول مايشتاقون للاستمتاع به...
محبتي..

هناك تعليق واحد: