الأربعاء، 28 مارس 2018

ورقة دفاع.. بقلم الناقد/ جمال القيسي

مقدمة للسيدة نور السعيدي والأستاذة نائلة طاهر والأستاذ جاسم السلمان ،،مع تحيات
النص كيان قائم بذاته،،محفل تحقق الخطاب،،حينما تتوفر وظيفتي الأسانيد والهوية،،في نصي النقدي مع تحفظي الشديد على صفة النقد،،ببساطة انا قارئ نصوص،،اكثر من كوني ناقد،،ومن شدة ولعي بالقراءة ،،استوجب الامر مني الخوض في المدارس النقدية المتعددة،،لكي تتحقق عندي متعة القراءة،،الامر الذي اعتمده في قرائتي كان لابد ان تكون مرجعيته ،،المدارس النقدية،،والنقد علم ذي منهج ،،حسب المدرسة التي تعتمد ايديولوجية معينة،،وخلاصة القول ،،ان النقد يمر بمرحلتين،،هما الفهم ومن ثم التحليل ،،وبعدها تأتي العملية التأويلية ،،اي ما يتمخض من معنى وتفسير ينعكس في وعي المتلقي،،والاختلاف الحاصل ،،هو مانسميه بالتداولية ،،وهذا المعنى والتفسير،،هو فائض المعنى،،
في الإشكاليات التي اثارتها الناقدة نور السعيدي ،،وكانت هي اسيرة التأويل ،،وهو الامر الذي اعتبرته مأخذًا على النص الموازي لنص الشاعرة سعاد محمد،،ومجمل هذه الإشكاليات
ذات بعد ،، مثار تساؤلات كثيرة ،،على سبيل المثال،،لفتت الانتباه هذه الناقدة اللامعة الى قضية التفكيك ،،مفسرة الامر بتوجيه. ضربات داخل النص لكي تتم عملية التداعي ،،ربما ينجح الامر مع قصيدة النثر على اعتبار ان كل جملة مكتملة بذاتها ،،تنطوي على بعد ايديولوجي ( اي تحمل فكرة ) ،،وكذلك من اهم صفات قصيدة النثر،،هو فقدان وحدة الموضوع،،هذا الكلام من المؤسف ان النقاد العرب لم ينتبهوا. اليه،،ربما هذا ينطبق على قصيدة النثر الغربية ولكن على قصيدة النثر العربية ،،فالامر مختلف تمامًا ،،فجسم القصيدة العربية ،،نظام ايديولوجي متكامل ،،الا في تجارب معينة ،،وهي محاكاة بالكامل للنموذج الغربي مثل قصائد. اسعد الجبوري ،،او زكية المرموق ،،في حين نلمس التضخيم البلاغي لدى نور السعيدي مثلًا ،،او التضخيم البلاغي والرمزي لدى سعاد محمد،،ما اريد ان اذهب اليه ،،ان التفكيك كمنهج ،،هو تقويض البنى داخل النص من اجل اعادة تراتبيتها ،،من خلال التأويل ،،والتقويض هنا ليس نفي او إقصاء ،،وانا هنا عملت في قرائتي لنص سعاد محمد وفق أسلوبين ،،الاول معتمدًا على لوسيان غولدمان ،،في نهج البنيوية التوليدية،،وعلى نورثرب فراي ،،من خلال مرجعيته على منهج كارل يونغ ،،في تحليل النصوص الأدبية ،،وهذا ما سأعود عليه لرفع الاتهام عني ،،بقضية تداول الأنا ،،والموجه لي من قبل نور السعيدي،،
تمتاز نصوص سعاد محمد ،،بعمق مطلق ،،وتشتغل ببلاغة عالية ،،ومنتظمة في السياقات. النفسية كرموز أسطورية ،،وتاريخانية ،،تمازج بين بيئتها ،،باتجاهين الى. العمق. التاريخي والى الخارج بمطلق كوني ،،لتقفز الى العمق الانساني الشامل ،،وبالمناسبة ،،هو اُسلوب. قصائد نور السعيدي نفسها ،،مع صرامتها ،،في توجيه القارئ،،اذ هي تكبل القارئ ،،ولا تترك له حرية التأويل الواسع،،،فمساحة الحرية عند قارئ نص نور السعيدي،،تكاد تكون معدومة ،،رغم السبغة الصوفية،،فنور السعيدي شاعرة مستبدة ،،باتجاه القارئ ،،وطبعًا هذه ميزة وليست مثلبة ،،هي من النوع الذي لايترك الامور على عواهنها ،،فالكون لديها نظام صارم ،،لايجب ان يحيد عنه احد،،وريثة شرعية لفلسفة شوبنهاور ،،في حين ان سعاد محمد تأخذك الى عالمها ،،في غموض ساحر،،وما ان تطأ رجلك ،،عالمها السحيق،،حتى تشعر بالتيه في هذا الفضاء المترامي الأطراف ،،لتدخل في دوامة الأحاجي ،،وهو ما أشارت اليه نور السعيدي ،،بالفوضى ،،مع ان الامر عكس ذلك تمامًا ،،انك في عالم اللاشعور ،،ببعده السوريالي ،،واهم ميزاته هو فقدان النظام،،وهذا ،،ليس فوضى،،وإنما اعادة خلق وتشكيل ،،وفق رغبات وتمنيات،،وتخطي الكوابح ،،وهو أيضًا ما تمارسه نور السعيدي في نصوصها،،لكن بصورة تشاؤمية ،،
في اتهام اخر ،،ذكرت المتألقة نور السعيدي ،،عن كوني تخطيت قضية الوصف والأمكنة ،،في قرائتي للنص،،وقبل الدفاع عن هذا الامر،،هناك امر في غاية الأهمية ،،يتخطى اُسلوب النقد المعياري ( وهو النقد التقليدي الذي يعنى بالنحو والصرف،،وعندنا يتخذ من التفعيلة والبحور الشعرية أساسًا اي انه يتخذ من المبنى هدفًا لموضوع بحثه ) أقول ان قصيدة النثر ،،هي خروج سافر على النقد المعياري،،لكنها ،،تمتلك ميزة عن القصيدة ذات التفعيلة ،،وهي الجملة السردية ،،لذلك يستوجب الابحار معها ،،اعتماد على معطيات النقد السردي،،وقد اعتمدت نور السعيدي بعض هذه المعطيات ،،مثل المبدأ الحواري لباختين وهنا لدينا ملاحظة مهمة،،وهو الترجمة الغير دقيقة عن هذا المفكر الماركسي المعاصر،،اذ يجب ان يترجم المبدأ الحواري لباختين بمصطلح التناص (وهو امر أساسي يدل ان لاوجود لملفوظ ممكن دون علاقة بملفوظات اخرى وبمعنى مبسط كل ملفوظ. يحيل على اللاتجانس المُكوِّن للخطاب : الأسلوب ،هوالانسان : لكن نستطيع ان نقول : الأسلوب هو على الاقل انسانان وللدقة اكثر ،الانسان ومجموعته الإجتماعية ، الذي يجسده. مُمَثِلّه الذي يتمتع بمصداقية ، المستمع ، المساهم بفعالية في الكلام الداخلي والخارجي للأول ) ان اللاتجانس في الجمل السردية هو مايدعى بالتناص اي المبدأ الحواري ،،وهذا ليس فوضى ،،هذا في جانب،،اما الاخر فيذهب يوري لوتمان ،،الى ان الامكنة وطريقة وصفها في السرد،،تكتسب الحياة من خلال إشاعة الشاعرية عليها من قبل الاديب،،وقد تجنبت هذا الموضوع،،لان المجال لايتسع لها،،بالاضافة الى ان المصطلحات العلمية تجلب القرف لدى القارئ،،
يبقى قولي للكبيرة نور السعيدي ،،ان عزل الخطاب عن السياق التاريخي هو ظلم كبير لنا كقراء ،،وللنص وصاحبه،،،نعم أرثر رامبو شاعر عظيم ،،لكن لو ان رامبو اليوم كتب المركب السكران،،في معطيات عصرنا الحالي،،لا اعرف ماذا ستكون أهميته ،،او كافكا ،،يعيش الان بين ظهرانينا ،،لا اعرف ما أهمية. صرصاره ،،او دانتي وجحيمه ،،نعم ،،هذه الاعمال هي عيون الادب الانساني لانها امتلكت الريادة في زمنها،،وسبقت رؤية مبدعيها أزمنتهم ،،سيدتي الزمان ذلك المحارب الذي لايرحم،،جندي يؤدي مهمته بلا توانٍ ،،يخلف قتلاه ،،دون الالتفات اليهم ،،نحن ننظر الى الماضي بتقديس وهي ميزة ثقافتنا ،،قيمنا المعيارية كلها تسكن القبور،،في حين ثقافة الاخر تنظر الى الامام وتصنع القيم باستمرار اي قيم حية،،لانها تدرك فعل الزمن ،،لذلك تبقى بموقع القيادة بالنسبة لنا ،،لانها الحياة كما ينبغي ان تعاش ،،
وفي قضية اخرى أختلف مع الناقدة نور السعيدي،،في موضوع الأنا،،ومع ان سيغموند فرويد ،،قامة سامقة ،،الا. ان تأطيره للنشاط الانساني ،،ومنه الادب بحدود مبدأ اللذة ،،والدافع الجنسي،،انحرف بالاتجاه ،،الى مسار بعيد جدًا،،حيث يذكر في تناوله التحليلنفسي للأدب في خطوة أولى عندما تناول ثيمات مثل أوديب - نرسيس - ساد- مازوخ في عملية تحليل ذاتي ،، ففي أطروحته المشهورة ( هذيان وأحلام في غراديفا يانسن - 1817 ) ،،يقول " يُعتبر الشعراء والروائيون أقوى حلفائنا ، وينبغي وضع شهاداتهم في مكان مرموق لأنهم يعملون أمور تقع بين السماء والارض تعجز معرفتنا المدرسية عن الحلم بها حتى ، إنهم يُعَدُّون في مجال معرفة النفوس بمثابة مُعلّمينا ،نحن العامَّة ، لانهم ينهلون من منابع لم يعرف العلم بعدُ إليها سَبِيلًا " مالذي نفهمه من هذه الاطروحة ؟ ،،مع انه يتكلم بالصيغة التهكمية المبطنة ،،الا انه يؤسس لموضوع خطير ،،تناوله في مقال من ضمن " المبدع الأدبي والخيال الجامح "
والتي يقول فيها :" إن المبدع الأدبي يخفف من حدة طابع الأحلام النهارية الأنانية بواسطة إحداث تغييرات وحُجُب ، وهو يُغرينا بالحصول على لذة شكلية محضة ، بمعنى جمالية ، والتي يمنحنا إيانا من خلال عرض خياله الجامح ، إن الحصول على مثل هذه اللذة ، التي تقدم لنا حتى يكون من خلالها ممكنا تحرير لذة أعظم بواسطة منابع نفسية أعظم ، هي ما نسميه مكافأة إغراء أو لذة أولية "
خلاصة ماذهب اليه فرويد ،،ان الأدباء مجموعة من المرضى الذين يمتلكون خاصية ممارسة مبدأ اللذة ،،من خلال كتاباتهم،،اذًا القضية جنسية محض،،استمناء ،،على شكل شعر او سرد او عمل فني،، مع الفارق الشديد في موضوع الأحلام ،،واللاشعور ،،بينه وبين كارل يونغ ،،وهي القضية التي اختلفا عليها وأدت الى القطيعة بينهما،، يذهب يونغ الى مفهوم النماذج العليا Archetypes ، ويعني بها يونغ أن هناك لا شعورًا جماعيًا تكمن فيه الصور الكبرى. والرموز التي تمثل قاعدة هامة في الفنون وكلما تداخلت في كيان الفن زادت الاستجابة له. والتأثر به ،،ويرى يونغ أن هذه. النماذج العليا موجودة في كل حلقات سلسلة النقل - أو التعبير - كتصورات في اللاوعي عند الشاعر ، وكموضوعات مترددة او سلاسل من الصور في الشعر - وكتصورات. في اللاوعي عند القارئ او عند الجمهور ،، وهذا مبني على فكرته عن ( اللاوعي الجمعي ) ،، يعتبر يونغ الأحلام وجود متكامل ،،وسجل من الشفرات التي تنطوي على كل الرموز الانسانية،،يتوارثها العقل البشري ،،بشكل عام ويعتبر يونغ اللاشعور الجمعي،،موازن موضوعي ،،ومنطقة دفاعية حالها حال الجهاز المناعي في الدم ،،والشاعر والفنان ،،هو من يمتلك القابلية على التسلل ،الى منطقة اللاشعور ،،وإخراج ،،الإبداع ،،وفي أيامه الاخيرة اعترف فرويد،،بغريزتين جديدتين. هما غريزة الحياة وغريزة الموت،،بالاضافة الى غريزة البقاء وغريزة حفظ النوع،، وهذا الموضوع مع انه شيق. وممتع الا انه صعب وعسير ،،،ربما سأتطرق له بمقال مستقل لاحقًا ،،ان أسعفني العمر،،
وأخيرًا ،،للأستاذة نائلة طاهر ،،العقلانية هي نتاج جهود هيجيل وكانت،،والتي تمخضت عنها الحركات الأدبية كنتاج ثقافي محايث،،تم تقويضها بالحداثة وما بعدها،،كرد فعل قوي عليها،،وانا اعرف شخصيًا ان الاستاذة ،،تدرك ذلك بقوة،،لكنها تستمر بزرع الفخاخ لي،،لتسحبني الى منطقة قتل،،
سعاد محمد ونور السعيدي ونائلة طاهر وعادل سعيد والعراقي الموسوي هم أهم شعراء عصرنا ،،في الاطار العربي ،،لايتسعهم زماننا النقدي الحالي،،وسيأتي زمن لاحق،،ليأخذوا استحقاقهم ،،
وفي الختام أتمسك بعبارة رولان بارت " كل نقد هو نقد للعمل الأدبي ونقد للذات "
فأنا عندما اكتب قراءة ولا اسميها نقد،،إنما هي قراءة لنفسي اولا ،،ولكن اتطفل وأحاول ان أشارك الآخرين معي،،لذلك اتمنى ان يغفر لي القارئ ،،ان اخطأت ،،او بالغت،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق