الثلاثاء، 29 يناير 2019

وجهة نظر نقدية في" رسائل من المنفى " نص الشاعر عمار عبد الخالق.. للأديب/ إحسان الموسوي البصري

لابد لي قبل الدخول في صلب الموضوع والمتضمن نصا يحمل الكثير من النضج ، من أن أتطرق إلى المدينة التي نشأ فيها هذا الشاعر وتغذى من ثقافتها بشكل مباشر..
لما لها من دور جوهري كبير في تنمية الملكة وصقل الموهبة بالإضافة إلى بيئته وزمانه المحفز والضاغط في ان واحد...
ولأن الشاعر كما قدمنا إبن البصرة ملهمة الشعراء كان لزاما علينا تسليط الضوء على
تجربته الشعرية عموما وعلى نصه الشعري الذي بين يدينا الآن..
فلقد مثل النهج الشعري الذي يتميز بالأسلوب الفني الواضح الرسوخ جزءاً مهماً من مسيرته الشعرية الواعدة، وقد مهد لنا كثيرا لفهم المؤثرات المحيطة بعمله الأدبي.ومع انه شاعر شاب مايزال في بدايات حياته الابداعية ولكنه كان ذا حس بالغ الرهافة جعل منه شاعراً قادراً على التعبير عن بيئته وزمانه انحيازاً انسانياً ووطنياً شرعياً صقل موهبته المحافظة على الثوابت القيمية والسمات الفنية لشاعريته...
والمهم الآن ان الشاعر في نصه آنف الذكر تلمس قضية تنم عن ملكة التعبير من خلال تصوير الحزن العميق الذي ألم بمحيطه من نتاج الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومدى تأثره بها فيقول في نصه الآتي
" رسائل من المنفى"
أسماؤنا جائعةٌ
كـطفلٍ
في عتمةِ الليلِ .....!
و أجسادُنا رطبةٌ
كأنها رؤوسَ قبورٍ
مبللةٌ بأحلامِ الفتيةِ
أنا نبيٌ
وأنت نبيُ أيضاً
يفصلُنا
المعبدُ والموسيقى
بين الأزقةِ
والحاناتِ
مازلتُ أرى مرايا الساسةَ
بقعةَ حربٍ
في ساحةِ الاعتصامْ
على رؤوسِ الفقراء
وجسداً آخرْ
بنوايا القطن ِ
في شاشاتِ التلفازِ
كل الَّذِينَ سرقُوْا المُقتَنيات البشرية
في المعركةِ ...
يأتونَ ببطاقةِ الدخولِ
إلى حربٍ أخرى وفقَ خطّة عسكريّة....!
أيها الساسةُ
أنقذوا ادم من السقوط
نحنُ
لسنا سوى خزانةٍ تمتلئُ بالدموعِ
وأنتم
خزانةٌ تمتلئ بالنفطِ
والعملاءَ
نحنُ
نتقاسمُ
الأغاني و أصواتَ
المقابر
ترفعُ عتابَ الأرحامِ
ساحلاً
مزدحماً بالألوانِ العسكريةِ
في فتحته الأولى
أيها الرئيسُ
منذُ تسميةِ ( العراقِ )
ورماحُكم على جسدِه
جرحٌ فوقَ جرحٍ
من المهدِ الى اللِّحدِ
مصلوبٌ
في ساحة الحرية ....!"
،،،
ويالها من صورة تعبررعن حجم الفاجعة حين يقول :
"أجسادنا رطبة
كأنها رؤوس قبور "
،،،
ولقد وظف شاعرنا معان مكثفة ومحسنات لفظية تتلائم مع الموقف الشعوري الذي يعبر عن عاطفة سامية تتناسب ونوع الموضوع والفكرة..
،،،
"مازلت أرى
مرايا الساسة بقعة حرب"
،،،
ان الكبت النفسي والاجتماعي الناشئ عن الاضطهاد والظلم له أثره الجوهري الفعال في التعاطف الوجداني الذي يجلب انتباه السامع أو القارئ وهو افتتاح جاء قرب منتصف القصيدة ليتوائم مع غرض هذا النص الجرئ.
،،،
"نحن لسنا
سوى خزانة تمتلئ بالدموع"!!
،،،
وفي الحقيقة ان شاعرنا هنا يغور إلى عمق المأساة التي تتصل باحاسيس الجياع من حوله، فقد اسبغ حالة الحزن على أرض بلاد النهرين عن طريق صورة المطابقة بين النص والواقع.
،،،
"رماحكم على جسده
جرجٌ فوق جرح"
،،،
تم الولوج إلى غرض القصيدة بانسيابية وانسجام متقن كما لاحظنا،
وباختصار شديد اقول:
كانت هذه القصيدة من أولها لآخرها تعبر عن الغرض المراد منها من غير تحديد أو مقدمات.
وفي المقطع الأخير أراد الشاعر أن يكرس العنصر العاطفي الذي يربطه ببلده وشعبه ليوفر الأجواء الحزينة المفعمة بحرارة العاطفة.
ولايخفى على المتذوق الدفق الشعوري الواضحة المعالم في هذا النص المتماسك الذي تناسبت مقدمته مع غرضه.
لقد جاءت معظم مفردات الشاعر فصيحة واضحة المعاني خالية من الاستعمالات والالفاظ الغريبة لانه أرادها أن تكون موجهة إلى الشريحة ذات العلاقة من أبناء الشعب المنجرح بشكل مباشر.. بحيث كان يقصد أن يكون منبرياً وخطابيا تفاعلاً مع وجدانه هو، قبل الولوج إلى وجدان المتلقي، بعد أن حاول بوضوح تلوين مفرداته بالحقائق الإنسانية بغية التأثير في طبيعة السياق ،لكي يكون أبعد أثراً وأرشق اسلوباً في ذات الوقت.
انه نص يطرح نفسه بعيداً عن التكلف او الاستعراضات البيانية لأنه أراده نابضاً بالتعبير عن دخيلة شعب من خلال شاعر يكتب حروفه بين جموع المحتجين على الواقع الحزين..
من هنا جاء تسمية عتبته ب"رسائل من المنفى" في موضعها السليم..
اتمنى لهذا الشاعر -الذي لم يبلغ الثامنة عشرة حتى من العمر،وهو حتى الآن في الصف المنتهي من الثانوية العامة ..القسم العلمي!!..فقط- النجاح الدائم في مسعاه الدراسي والابداعي،مع التقدير...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق