الثلاثاء، 29 يناير 2019

هدأة الليل ، وسطوة الذكريات : الأديب/ جمال القيسي




ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏نظارة‏، و‏نص‏‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏















لعينة هي الكتابة،، ،،مواربة بشكل لايصدق ، منذ أسابيع وأنا أشعر أن الكلمات. تيبَّست بيدي،، وعبثًا حاولت ان أرغمها ،،مع ان سيلها يتدفق في رأسي،،لكن شعورًا باللاجدوى يتلبسني ،،مع أن هذه الحالة قد خبرتها فيما مضى ، لكنها هذه المرة أشد وطأة،،الامر الذي أصابني بالقنوط ومن ثم الوهن،،لانها كانت خياري واقصد الكتابة،،بعد أن نحيت امور اخرى يبدو انها اكثر تطلبًا ،فالكتابة لا تجلب رغيف خبز،،ولا تثقل جيب ،،لكن ليس الامر مهمًا،، فان ابحث عن نفسي وربما اجدها ،، لدي أهم من الاستغراق في دوامة العيش اليومية ، ولا يعني اني متبطل لعين ، لكن بقدر ما ، اترك الامور على عواهنها ، لايشغللني مقدار التكسب ، فكلنا في نهاية الامر نضع رأسنا على الوسادة وننام ، سواء كانت من حرير او قطن ، او حجارة ، والقليل من الطعام يسد الرمق،،وتيقنت من أن كل الاكسسوارات. التي نبالغ بها،،هي عبارة عن خطل انساني،،كل آلة أو أداة لاتعمل على توفير الضروريات،،عبارة عن سخف وفشل ذريع ، وكل الاكسسوارات هي آلات غير منتجة،،
لكن في هدأة الليل ،،عندما تؤطرني التلافيف الصوفية والاكليريكية التي تبعث الدفء ،،شتاءً سيحين موعد مصيري ، حيث ستمسك الأحلام. بتلابيب الروح، وتفقد الذات وقاحتها النهارية، ستنزلق الى الهذيان السوريالي ، مع انه ليس اكثر من مجرد إعادة تنظيم سايكلوجيًا لمجمل الآلام النهارية والمكابدات،،وإطلاق العنان للرغبات المقموعة ، ولاني اكتسبت عادة سيئة ،،وهي اني أقاوم الاستسلام للنوم بوقت مستقطع استرجع فيه بعض شؤوني اليومية،،لدرجة عجيبة حتى بعض الامور التي تتطلب موقف فوري في النهار ،،لا افعل ،،أرجئ القرار لهذا الوقت المستقطع ،،بعد ان اقلب وأراجع كل الكلمات ذات العلاقة التواصلية بالأمر ،،وأحيانًا كثيرة استشيط غضبًا من موقف ،،طبعًا في الليل ويكون قد فات على حدوثه ساعات،،
وفي وقتي المستقطع ليلة البارحة،،اتخذت قراراً،،بان اعمل تقدير موقف،،لسبب الحالة التي تتلبسني منذ اكثر من اسبوع ،،وراجعت الكثير من التفاصيل ،،حتى التافهة منها،،لأَنِّي مؤمن بالمقولة العسكرية الاستخبارية بأن السمك الصغير عندما يجتمع يشكل حوتًا ،،مع اني لا أشكل صَيْدًا ثمينا بمطلق الاحوال ،،وانا في غمرة هذا البحث الهذياني ،،قفزت عبارته امامي ،، " التاريخ يجب ان يكون بحث شيق وكذلك أي علم " ،، أنه هو ؟! ،، هو سبب كل هذا اليأس، لقد قرأت منشور نعيه قبل اسبوع ، ظاهريًا لم اكترث ،،لكن في داخلي شيء قد تهدم ،،واسترجعت ذكرى اول لقاء لي به،،وكيف تغلغل في عقلي ،،
ياللبؤس يا هذا ،،ممحاة الزمن حذفت الكثير ممن تحب من صورتك الحياتية،،
في منتصف تسعينيات القرن الماضي،، قررت الالتحاق بالدراسة المسائية لكلية الآداب ، بعد الإعلان. عن فتح قسم الفلسفة مع أقسام أخرى،،أنها رغبة قديمة لم أستطع تحقيقها ،،وهاهي الفرصة تفتح ذراعيها ،،وبعد إكمال الوثائق المطلوبة ،،واكتمال النصاب الذي بموجبه يتم فتح القسم،،واجهتني عقبة لم تخطر بالبال،،كان موظف التسجيل اللعين إسلامي متزمت،،يعمل بالخفاء على إقناع المتقدمين بتغير القسم في اعتقاد منه انه قسم لتعليم الكفر، مما جعل النصاب ينفرط،،ولم يفتح قسم الفلسفة حينها،،فأصبحت أمام خيارين إما القبول في قسم اخر او ان اترك الامر برمته،،وهو ما كنت نويت عليه،،لكن احد الأصدقاء قد ثنى عزمي،،ولا اعرف لماذا اخترت قسم التاريخ ؟ وكعادتي منذ ان كنت طالبًا في الابتدائي ،،احب بعض المواد فيما اكره الاخرى والامر كله متوقف على أستاذ المادة ،،فإما احبه وأحب المادة التي يدرسها،،او العكس لذلك بعد اسبوعين من دوامي بقسم التاريخ وضعت خارطة للمحاضرات التي ساحتمل فيها المادة حسب الأساتذة ،،مع انهم جميعًا وبدون استثناء من الأفاضل. في العلم والخلق ولكن ما شد انتباهي أستاذ مادة منهج البحث التاريخي ،،الدكتور مرتضى النقيب ،،فهو مهيب الجانب ،،ووجه جدي لايبدو انه يعرف الابتسامة ونبرة صوت آسرة ،،لا اعرف تراءى لي وكأنه الفيلسوف عمانوئيل كانت منذ اللحظة التي خط فيها على السبورة ،،مختصر المادة التي سيتم تناولها،،مع مخطط بسيط لتفاصيل منهجها،،وتوالت المحاضرات ،،وكنت انتظرها بشغف ،،ليومين في الاسبوع ،،ولا اخفي انها أصبحت محور حياتي ،،واعتبر هذه الساعات الأربع في الاسبوع هي ما أعيش من اجله،،انا قبل هذا الامر كنت قد قرأت الآلاف من الكتب بمختلف التوجهات ،،لكن هذا الكم الهائل من المعلومات لم تكن اكثر من شيء عشوائي ،،فيما استطاع الدكتور مرتضى النقيب من تنظيم عقليتي منهجيًا،،ومع اني درست منهج البحث سابقًا خلال دراستي التي سبقت التحاقي بكلية الآداب ،،الا انها لم تشكل شيء،،أو الحافز ،،لتقبل المادة،،وفي السنة التالية ،،درسنا مادة المغول والدويلات الاسلامية في أواسط آسيا وشرق إيران وغرب آسيا،،وهي مادة شائكة طويلة لكنه ،،جعل منها موضوع شيق ورشيق،،حتى كنت اتمنى ان لاتنتهي المحاضرات،،فيما أولى عنايته بي بشكل خاص بعد أن لمس تفاعلي الشديد معه وأخذ يرشدني للمصادر النادرة،،بالمجمل أخذت حياتي منحى اخر وأصبحت شخصًا اكثر تنظيمًا ،،وأعمق رؤية للحياة وبت أتفاعل واتعايش مع كل مؤلف وكأنه صديق حميم ،،وهكذا الحال حتى اعتبرني ند كفؤ له ،،الامر الذي كان يحفزني للمزيد من القراءة ومن ثم أخذ أراءه،،وبتصرف احمق مني بعد التخرج ،،وعند التقديم لدراسة الماجستير لم اختره مشرِّفًا ،،الامر الذي آلمه كثيرًا ،،والحقيقة اني كنت اخشاه جدًا،،ولهذا السبب اخترت أستاذًا اخر للاشراف على موضوعي،،ولم يتسنى لي رؤيته ثانية، مع انه بقى عالق معي،،وشاخص امامي في كل كتاب أقرأه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق