الأربعاء، 2 يناير 2019

"أحمق من يعيد التجربة بنفس الأدوات والأساليب ويرتجي نتيجة مغايرة " قراءة في موضوع ادب الالتزام بقلم / الاديب منهل مالك

في معرض ردي المطول على مقالة كتبها الدكتور هاشم الموسوي والذي ذيلها بسؤال مفاده
"هل يمكن للثقافة العربية المعاصرة أن تنهض بوظائفها فعلياً من دون التخلص أولاً وقبل كل شيء من عقلية الأمتثال لسلطة الايدولوجيا السياسية أو العقائدية على حد سواء "..طلب مني الاستاذ القدير غازي أبو طبيخ مدير آفاق نقديه الاستفاضة بردي وتقديمه لإغناء الموضوع .
.
وهذا مادلى به قلمي :
"أحمق من يعيد التجربة بنفس الأدوات والأساليب ويرتجي نتيجة مغايرة "
إن استقراء متواضع للتاريخ والمراحل التي مرت بها أمتنا العربية والإسلامية بدءاً من العصر المحمدي ومروراً بعصر الخلفاء والعصر الأموي والعباسي والمماليك والعثماني واستعمار الدول الأوربية وحتى عصرنا الحالي الرازح تحت وطأة استعمار غير مباشر ومباشر من قبل دول ذات نفوذ اقتصادي وعسكري وفكري يتمخض بتيجة مفادها أننا مازلنا نعيد التجربة بنفس الادوات والأساليب ونرتجي بل ونتسول نتيجة مغايرة ، فمن منا ينظر إلى هذا التاريخ العروبي بعين الرضى وهل كانت هذه التجربة الثقافية والتي واكبت تاريخنا المخزي لها أي دور في إحداث وعي جمعي تنويري من شأنه النهوض بواقعنا العربي
نعم هو سؤال ساذج في ظاهره لكنه يفضح واقعنا المذري ويعريه وأعزو ذلك لتقييد النتاج الفكري بثالوث محرم هو "الدين الجنس والسياسة " ناهيكم عن البعص الذي وصل بهم الأمر لوضع قيود حتى في شكل الجنس الأدبي لا المضمون فقط وبالتالي هذه البيئة القمعية وسياسة الترغيب والترهيب نتجت عنها حركات تنويرية متواضعة جداً لاتعدو كونها فردية جلّها قُمع من قبل السلطات السياسية والدينية وحتى الثقافية ، واسمحوا لي أن ألقي الضوء على البيئة الثقافية في العصر العباسي بشكل مقتضب وذلك للمقارنة وأخذ العبر و للتشابه بعض الشيء بين العولمة في عصرنا الحالي والعولمة الأممية الثقافية في العصر العباسي والتي كادت بل و أوشكت برأيي أن تتمخض عن قيام نهضة عربية تحاكي وتربو على النهضة الأوربية،حيث ازدهرت فيها الحياة الثقافية من أدبية وعلمية وعقلية ازدهاراً كبيراً وتلاقت وتمازجت الثقافة الإسلامية مع شتى الثقافات المختلفة لأمم عريقة في العلم والثقافة
ولما كانت الدولة مزيجاً من شعوب كثيرة مختلفة كانت عقلية الشعب الجديد يتجلى فيها أثر الثقافات القديمة والجديدة
نتج عنه ميل شديد إلى الحياة العلمية والإغتراف من ثقافات الشعوب المتمدنة فتفاعلت وتمازجت الثقافة العربية المستمدة من علوم القرآن وما يتصل به من علوم الدين مع الثقافة اليونانية والفارسية والهندية وظهرت الكثير من دور العلم والنسخ والترجمة وسوق الوراقة والمدارس العرفانية التي تقدس وتفضل العقل وبرز الكثير من العلماء في شتى المسارب
لكن للأسف هذا الحلم النهضوي الوشيك قوض وأعزو السبب إلى النفوذ التركي في العصر العباسي فالأتراك لم يكن لهم أنذاك مدنية وليس لهم ثقافة وقال عنهم الكثير من المؤرخين أن فيهم عبث بالأخلاق وشراهة في جمع الأموال طابعهم حب الجندية والحرب انتهكوا الدور والعرض وسفكوا الدم ويعزون سبب نفوذهم إلى نسائهم الجميلات النظيفات فكثرت الجواري في قصور الخلفاء والأثرياء حتى كان الكثير من الخلفاء من أمهات تركيات .وأثناء هذا النفوذ التركي الجاهل كان القمع الفكري على أشده فكما يُقال ألد أعداء العالم جاهل أرعن وأنا لم أسمع في تاريخنا العربي بعالم مسلم من أصول تركية بل أكثرهم من أصول فارسية،
والطامة الكبرى أنهم حكموا الوطن العربي بإسم الدين أربعة قرون ونيف لتغرق أمتنا العربية أكثر وأكثر في مستنقعات الجهل ما زلنا حتى الأن نعاني من أثارها السلبية ومازالت ظلالها كمنهجية قمعية فكرية دينية وسياسية تعقل عقولنا وتجثم على صدورنا
لذلك أقول وبصوت عالي
أنا مع تحرير النص من كل ما يعيق
أنا مع تمازج الثقافات
انا مع عدم الالتزام
بمنهجية وايدلوجية عقائدية وسياسية موبوءة وبكل المخلفات الموروثة من أتراك كان لهم اليد الطولى في تدمير حضارتنا وتشويه وتزوير ثقافتنا وهذا لا يعني عدم الالتزام بقضايا وطني وأمتي ولكن ضمن رؤى جديدة
فما الضير من حوار وتفاعل وتمازج علمي عقلي بين المدارس المادية والرياضية والمدارس المثالية والميتافيزيقية
وعليه لا يمكنني الفصل بين الطليعة السياسية والجمالية والتحررية لكن كما أسلفت ضمن رؤى جديدة تتمخض عن مكنون ثقافي نخبوي واستقراء لتجارب الغير النهضوية
فالتغيير سمة من سمات البشر لا يمكن لأي سلطة دينية كانت أو سياسية مهما بلغت سطوتها الوقوف في وجهه ومنعه في عالم أصبح كقرية صغيرة يجتاحه تسونامي فكري ثقافي يهدد بانهيار عقائدي وشيك وعليه يقع على عاتق النخبة الثقافية تدجين وترويض هذا الطوفان لِمَ فيه خير شعوبنا ضمن محيط عرفاني عقلي متحرر من كل القوالب المسبقة الصنع أطلق عليه مصطلح "الغنوصية الثقافية الأدبية " إن جاز التعبير.
اسمحوا لي أن أختم بنص كتبته في هذا الصدد
مجنون
...............
هذا
المخبول
هذا
البهلول الممتطي قلمه
ديكُ الصباح
يظن أنه بقريض الصياح
قد تملك خاتم سليمان
أو صار الحكيم لقمان
يبلسمُ الجراح
يُركبُ ترياقاً ناجعاً
من اريجِ الأقاح
ولعابِ ثعبان
هذا
الدنكوشوتي المحارب
طواحين الهواء
هذا
المهرج الهارب
من أوار الواقع
بين الإدراك
والهذيان
يترنح على خيط
دخان
هل يُعقلْ أن يفعلْ
النور في العقول
كفعل النار في الذرة
أم العقل ثمرة
إذا ما نضجَ .. سقطَ
قدرهُ قدرها
يُرمى بحجرة
أو تغزوهُ الديدان
أ طيشٌ ومغامرة ؟
تغريد عصفور
في أذنِ صياد
أ أ حمقٌ هو
من يزرع البذور
بين جمرٍ ورماد
ويأمل الحصاد
يُسارع الغرس
يقلم الأغصان
ينزع الكلس
عن زغب الصيصان
ويحاول في ثمالة
الوقت الأخير
تعليمها فن الطيران
قالوا أنني مجنون
كافرٌ وملعون
لأني مرةً استحضرت عفريتاً
من عالم الجان
وطلبتُ منه أن يعبر بي
ثقب الزمن
ليُريني ما سيكون وما كان
رأيت ما رأيت
وخفت على أحفادي
فقررت تحسباً
وئد مورثاتي
إنتاج نطافٍ جديدة
من خصية دماغي
هل أنا ملعون
لأني لا أحب لونها الأصفر
فأردتها مختلفة الألوان
هل أنا مجنون
لأني ألعب
الشطرنج بقلبي لا بعقلي
واطلب من البيادق
زراعة الزهور
في فوهات البنادق
أنكُس في نصري الأعلام
كما أنكس
في هزيمتي البيارق
أقيم عزاءاً
قداساً
تلاوة قرآن
للبيدق الأسود كما الأبيض
فكلاهما مهزوم
والضحية إنسان
هل أنا ملعونٌ ومجنون
لأنني ضحكت بجنون
حين رأيت
حماراً يقبل حافر حمار
شيطاناً يرجم شيطان
هل أنا ملعونٌ ومجنون
لأنني أربأ أن أكون
من حمأٍ مسنون
لأنني أرفض أن أكون
سُبحَةً في يدِ إمام
............................قلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق