الأربعاء، 2 يناير 2019

قراءة متراصفة مع ( سحيلة)..نص الشاعر خالد الشيخ:بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري..



قراءة متراصفة
مع ( سحيلة)..
نص الشاعر خالد الشيخ:
بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري..
.............................................……………
بعد غياب الترابط في كثير من النصوص التي تابعتها خلال فترة وجودي على خطوط التواصل ،كما ولاحظت توجها متكاثراً الى الصور التقريرية المتشابهة سردياً لدى الكثير من كتاب النثر هنا .
ولكن في مقابل ذلك لاحظنا عند بعض الموهوبين الأهتمام بضرورة الأعتناء بالمشهد النثري المتكامل اكتمالا حسيا ومعنويا بالاضافة الى جمالية النص من حيث ترابط مكوناته وتعابيره المكثفة لمنح الصورة الشعرية المتوخاة رسوخا في السياق الأدبي الهادف..
وبين يدي الآن..
نص نثري يستحق التأمل والاستغراق في كل جوانبه وزواياه ، لأن القارئ يحس أمام هذا الانهمار الشعوري المتواصل ،المزدان بالوقفات والسكنات الشعورية ، متنقلا بين الدهشة والاعجاب من جهة ، وبين انسلال مفردات هذا النص المجنح الى القلب من جهة أخرى.
فبعد رحلة عميقة راسخة واضحة التجليات عاش شاعرنا بقلبه ووجدانه مأساة شعبه الأعزل بكل تفاصيلها عبر آلآف الأميال ليرسم لنا لوحة رائعة التوصيف ، وكأنها حياة مكتملة النضوج والوضوح بداخل نصه آنف الذكر.
فقد وهب الكلمة كل مايملك من حب وفن ومشاعر، ففي القلب مايستحق من البكاء أمام هذه المأساة الشعبية الكبيرة.
(سحيلة)
مفردة تحولت الى
حلم وردي
طريق نصفه موت
ونصفه الآخر..غبار
كم
هو صعب أن تعيش داخل وطنك
بلا هوية بلاقيمة بلا منزل
لقد تقمصت شخصية الشاعر لمرات عديدة دون علم مني لأ ترجل من سيارتي الشخصية على طريق (سحيلة)،وأطيل النظر-بجميع الامكانات المتاحة لي- الى ذلك الكم الهائل من الصمود الشعبي الكبير والى ماخلفته آلة الدمار الداعشية الوحشية الهمجية.
فكانت لحظات تقصم الظهر ،وكان مناخ ملائم للوقوف على حقيقة الجريمة الكبرى .
(سحيلة) حلم وردي
(سحيلة) طريق نصفه موت ونصفه الآخر غبار
لنتأملها عن قرب ، صراع بين الموت والحياة ، وتشبيه لحالة خوف مستديمة مليئة بالتشبث بالنجاة ، ثم لم يلبث حتى يعاود الشاعر لينحو بكلماته الى عناصر التلميح بالنص بتفاعلاته الذاتية التي لايقوى على كتمانها.
فجاءت النتيجة بكلمات تهز القلب حقيقة ، وإن كانت خالية من التعقيد لكنها تنم عن مقدرة الشاعر في نقل مايستوحيه من واقعه المؤلم الى عالم القصيدة النثرية الحديثة النابضة بالحياة ، فقد هيأ روحه ووجدانه لأجل موضوع متكامل .
حيث الانتقالات السلسة في المفردات التي تؤازرها المصداقية في الشعور والحضور المتجلي بين السطور.
وكل مافي حقيقة الأمر أن الشاعر كان موفقا في التعبيربشكل يناسب المقام، فهواستطاع وبكل جدارة لملمة أفكاره بصورة المقطع الواحد.
إن هذا العرض البديع الذي يتضح منه انشداد الشاعر الى بيئته وأبناء جلدته في تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق انما يدل على ذاتية عميقة تنم عن مكنونه الوطني والحسي تجاه قضايا ابناء شعبه المصيرية.
ولاأغالي آذ قلت أن هذا النص بالذات هو عنوان شمولي جسد لنا مرحلة من مراحل تأريخ العراق المظلمة.
وبنظرة منطقية هادئة لهذا المقطع الذي بدأ به الشاعر نصه المتوحد الغرض ، أراني مندهشا أمام هذه التجليات الاكثر وضوحا في عالم القصيدة النثرية الحديثة.
تنام وتصحو تحت خيمة
ياأيها الساكن داخل فقاعات
من الدخان
وداخل ثقوب الجدران
قراك مقابر بلا أحجار
ومقابرك قرى بلا جدران
هناك
لاماء لاضوء لاهواء
غير صورالرفات والجدائل القمحية
المعلقة فوق رفوف النسيان
(ياأيها الساكن داخل فقاعات من الدخان)
(لاماء لاضوء لاهواء)
أجاد الشاعر في تصوير جوانب المحنة ووضع اصبعه على موطن الرزية لذلك قال (صور الرفات والجدائل القمحية المعلقة فوق رفوف النسيان)
ومازال يوصل الينا هتافه المدوي بعبارت تبرز الدقة في استحدام المفردات،
والجزالة في الوصف اللغوي دون تلكؤ في الذائقة الشعرية.
كان في اتقانه واختياره لكلمات شفافة هادئة خالية من البلاغة المتكلفة مستوحاة من وحشةالاطلال المندرسة التي احتوت الجمال والحب والطمأنينة ذات يوم مشرق عنصرمخاطبة عالي الجودة.
وخلاصة القول في هذا النوع من المفردات الوجدانية ذات المكونات البسيطة التي أعتمد عليها النص ليحقق معادلة موزونة متساوية الطرفين ، نجد وبكل سهولة ويسراشارات خفية تامة التفاصيل لملحمة دموية معاصرة كبرى ،أهداها الينا الشاعر المغترب - في ظروف حياتية بالغة التعقيد -على هيئة نص ابداعي مؤثر .
آه
ياشعب العصافير المذبوحة
أربعة أعوام وأنت تعيش تحت
الخيام
جل حلمك أن تعود
الى قبرك
الكلسي
والعيش تحت رحمة 
الغيلان
(جل حلمك أن تعودالى قبرك الكلسي)
من حق الشاعر أن يرتدي قميص الحزن هنا في ظل صباحاته الخالية من الفرح ، لأننا في أحيان كثيرة نقرأ المصيبة من خلال النص في خطين متوازيين لايفترقان حتى النهاية المتوخاة من الفكرة التي ستعبر حتما الى خيال المتلقي بكل سهولة ويسر.
(والعيش تحت رحمة الغيلان)
لاغرابة في الصور الشعرية التي نقلها الينا الشاعر المجيد لتطابق الصورة والمعنى على حد سواء لتغدو رائعة على المستويين الوضعي والمجازي .
-هذا كل ما أستطيع قوله تجاه هذه الملحمة الشعرية الموجزة التي قرأتها من خلال النص ،فانا لست بصدد تضخيم الحدث لأضفاء حالة تراجيدية مؤثرة عليه أبدا ، فكل عناصرالمشهد المستوحاة من النص تدل على حزن عميق عارم لايمكن أن تمحوه السنون ، دفع ثمنه شعب أعزل بأكمله.
-أخيرا..
كي تصبح علامة فارقة ، وسمة أساسية ، لمن يكتب القصيدة النثرية بعفوية وسلاسة متأرجحاً بين السلب والايجاب.
أن يسترعي عناصر الابداع في النص ، التي تؤثر انعكاساتها في خيال المتلقي.
ومن خلال اسلوب الشاعر خالد الشيخ وبصمته الحسية وتوليفاته المتفردة المتجلية في النص آنفا وصلت الى قناعة تامة بجدية تفعيل النغم الشعري الذي فاق التصور ، والابتكارالمكثف في كل جزئيات النص .
سيدي الشاعر الكريم هذا المجاز الواسع الشبيه بالاقصوصة هو الذي الذي نبحث عنه .
تحياتنا لكم والسلام.
نص الشاعر
.............
الطريق الى شنكال
...........................
(سحيلة)...
مفردة تحولت الى حلم وردي 
طريق نصفه موت ..والنصف الآخر غبار 
كم هو صعب أن تعيش داخل وطنك 
بلا هوية ...بلا منزل ...بلا قيمة 
تنام وتصحو تحت خيمة 
ياأيها الساكن داخل فقاعات من الدخان 
وداخل ثقوب الجدران 
قراك مقابر بلا أحجار
ومقابرك قرى بلا جدران 
هناك لا ماء ...لاضوء...لاهواء
غير صور الرفات والجدائل القمحية 
المعلقة فوق رفوف النسيان 
آه...يا شعب العصافير المذبوحة 
أربعة أعوام وأنت تعيش تحت الخيام 
جل حلمك أن تعود الى قبرك الكلسي 
والعيش تحت رحمة الغيلان 
...................... ...... بقلم خالد الشيخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق