زاوية نظر
من مصر الاسكندرية الى
منجز الشاعرةلميس البصري:
أ.دنيا حبيب
،،،
إن فكرة البحث عن عمل أدبي جيد، ثذكرني بحال العلماء الباحثين عن سلالة "مميزة" وقد قصدت وصف السلالة بالمميزة لا بالـ "نادرة" لأنني أشعر بأن الندرة كلمة تطلق على أي شيء مقل في تواجده، دون شرط تحقق المنفعة من هذا الشيء، أما كلمة مميزة فهي في أغلب الأحيان تطلق عى كل ما هو مقل في وجوده بالإضافة إلى وجود منفعة منه. وهذا بالضبط ما يبحث عنه الإنسان بوجه عام، فإننا لا نهتم بندرة الشيء اهتماما حقيقيا إلا إذا كان له فائدة ونفع حقيقي، وفي الشعر والأدب نحن لا نهتم بالظواهر الشعرية الجديدة، إلا إذا كانت ذات أثر واضح، ولا يشترط تحقق الكثير من الآثار، فمن ينتظر الكمال في أي شيء، كمن ينتظر أن تطلع الشمس من المغرب، وإنما يكفينا أثر واحد لكي نقول على هذا العمل الأدبي أو ذاك أنه مميز ويستحق أن نوجه أبصارنا نحوه.
وقد يتساءل البعض عن المعايير أو المقاييس التي قد تجعل العمل الأدبي يدخل زمرة السلالة المميزة، وأقول في هذا "متعدش" فخيرات الله كثيرة، وإن كنا مصرين على وجود مقياس فالمقياس هو تحقق "الأثر الإيجابي" من العمل الأدبي، وهذا يجعلنا نعود لقول أنه يوجد عدد لا نهائي من الآثار الإيجابية، ولكي لا ندور في حلقة مفرغة، ونتحدث عن نظريات ومقاييس مُتخيلة أو افتراضية، فإن خير دليل لاستخراج هذه المقاييس هو أن نستعرض عمليا بعض النصوص الأدبية، استعراضا يوضح هذا الاثر الإيجابي الذي نتحدث عنه، ومنها ستتوضح بعض تلك المقاييس للزمرة المميزة. .
لنحدث تشويقا بسيطا قبل أن نستعرض ما لدينا من نصوص، لنقل أن شاعرة ما ،ثم نضع خطّاً تحت التاء المربوطة، وسنشير أيضا لجنسية الشاعرة العراقية، وليس هذا تشويقاً عشوائياً أو غير مقصود، وإنما هو مقدمة أو إشارة لنوع التميز عند الشاعرة.
وإن بدأنا بالتاء المربوطة فإن أول ما سيخطر على بالنا هو نوعية الموضوعات التي تتطرق لها الشاعرة، ولكونها شاعرة، فهذا سيجعلنا نطرق باب المقارنة والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين الشعراء دون تاء، والهدف من هذه المقارنة هو الهدف الذي جعلنا نكتب كل حرف سابق، ألا وهو التنقيب عن التميز أيا كان مكان تواجده أو شكله.
في النصوص التي قرأتها، كان من المتوقع أن تكون معظم النصوص تحكي عن مشاعر الحب بوجه عام، آلام الفراق مع الحبيب، أو حتى وصف لحظات الفرح معه، لكن عندما أرى شاعرة تغير من هذا المسار النمطي -أو لنقل المعتاد- فهذا من دواعي الاستيقاف، فالشاعرة لميس البصري قررت أن تتحلى بالشجاعة وتطرق أبوابا شعرية تحتاج لأكثر من مجرد مشاعر في لحظة انفعالية، بل إلى خبرات حياتية وتأملات في الواقع الحياتي والمجتمعي، فنجدها تكتب أبياتا تأخذ طابع الحكمة والنصيحة..
"إنما السامي الرفيع الأدب
لا الذي كان شريف الحسب
فكما العرش أتى من خشب
فكذا الخمر وليد العنب"
ولو مررنا مرور الكرام على هذه الأبيات، نجد أن أجمل ما فيها هو تكليل الحكمة التي أوردتها في البيت الأول، بتمثيل بسيط وأنيق ومقنع، وفوق كل ذلك فهو لم يأت صدفة بحتة، وإنما أتى من عقل شعري ذكي، يعرف من أين تؤكل الكتف!
واستكمالا لروح الحكمة لدى الشاعرة، فسنجدها في قصيدة تسهب في وصف الموت بصورة درامية، ممتلئة بالصدق، والوجع... وهنا نجد مغزانا من المقارنة التي أشرنا لها من قبل، فصحيح أن الشاعرة سلكت طريق الحكمة والتأمل، لكنها لا تزال شاعرة -أنثى- ولا بد أن تفيض مشاعرها برقة وحنو، حتى لو كانت تتقلد قلادة الحكمة والمنطق والواقع.. تقول في قصيدها الواصف للموت، محدثة الثرى، كأنه شخص يحن ويشتاق لأحبائه:
"لستُ إلا كثُِفالٍ لرحى
و الرحى الموت الذي قد فجعكْ
إنني أعلم ما قد دفعكْ
إنه الشوق لمن كانوا معك
ثم أضحوا تحت أطباقي هنا
و قليل منهمو من ودّعك"
وعودة لنقطتي التشويق، فالنقطة الثانية التي تميز الشاعرة هي جنسيتها العراقية، ولا أقصد أن جنسيتها تميز شاعري في حد ذاته، وإنما قصيدتها التي تتحدث فيها عن حبها لــ "دمشق" بل وتربط محبة دمشق بمحبة "بغداد" وتجعلها شرطا أساسيا لصدق محبة العراق.. فتقول:
"لا زال حبّك وسط القلب منعقدا
أيا دمشقُ وإن طاف الرّبوعَ ردى
يا أخت بغدادَ من صلبٍ ومن رحمٍ
و من رضاعة درٍّ قد بنى الجسدا
من لا يحبّ دمشقاً ر لا يحقّ له
أن يدّعي حبّ بغداد، فذاك سدى"
وعندما أقرأ هذه الأبيات، فيمكنني وبكل ثقة أن أفرح فرحة الباحث الذي وجد ضالته، فهل يمكن ألا تكون هذه الروح الشعرية الإنسانية البحتة تميزا؟ بل هي عين التميز، خصوصاً في هذا الزمن وهذه الأجواء المشحونة بالحروب والعنصرية وكل شيء يبعدنا عن أخوتنا الإنسانية!..
أقول لو أنه كان لدينا الكثير من الشعراء الذين لديهم القدرة لبث هذه المشاعر الصادقة من الحب الإنساني، لأصبح التميز الذي نبذل جهدا للبحث عنها شيئا معتادا في وجوده. إن الشاعرة كما وصفتها من قبل شجاعة، فهي لا تقف عند كونها أنثى شاعرة تعنى بنوع واحد من القصائد والموضوعات، بل تتخطى ذلك، وتضيف عليه نكهة جديدة، وصادقة ومقدامة.
في النهاية وبالنسبة لي، قد وجدت ما أبحث عنه من تميز عند الشاعرة لميس البصري، وأستطيع أن أرى النور بوضوح يخرج من بين حروفها، طيبا، كطعم البلح من نخل العراق..
من مصر الاسكندرية الى
منجز الشاعرةلميس البصري:
أ.دنيا حبيب
،،،
إن فكرة البحث عن عمل أدبي جيد، ثذكرني بحال العلماء الباحثين عن سلالة "مميزة" وقد قصدت وصف السلالة بالمميزة لا بالـ "نادرة" لأنني أشعر بأن الندرة كلمة تطلق على أي شيء مقل في تواجده، دون شرط تحقق المنفعة من هذا الشيء، أما كلمة مميزة فهي في أغلب الأحيان تطلق عى كل ما هو مقل في وجوده بالإضافة إلى وجود منفعة منه. وهذا بالضبط ما يبحث عنه الإنسان بوجه عام، فإننا لا نهتم بندرة الشيء اهتماما حقيقيا إلا إذا كان له فائدة ونفع حقيقي، وفي الشعر والأدب نحن لا نهتم بالظواهر الشعرية الجديدة، إلا إذا كانت ذات أثر واضح، ولا يشترط تحقق الكثير من الآثار، فمن ينتظر الكمال في أي شيء، كمن ينتظر أن تطلع الشمس من المغرب، وإنما يكفينا أثر واحد لكي نقول على هذا العمل الأدبي أو ذاك أنه مميز ويستحق أن نوجه أبصارنا نحوه.
وقد يتساءل البعض عن المعايير أو المقاييس التي قد تجعل العمل الأدبي يدخل زمرة السلالة المميزة، وأقول في هذا "متعدش" فخيرات الله كثيرة، وإن كنا مصرين على وجود مقياس فالمقياس هو تحقق "الأثر الإيجابي" من العمل الأدبي، وهذا يجعلنا نعود لقول أنه يوجد عدد لا نهائي من الآثار الإيجابية، ولكي لا ندور في حلقة مفرغة، ونتحدث عن نظريات ومقاييس مُتخيلة أو افتراضية، فإن خير دليل لاستخراج هذه المقاييس هو أن نستعرض عمليا بعض النصوص الأدبية، استعراضا يوضح هذا الاثر الإيجابي الذي نتحدث عنه، ومنها ستتوضح بعض تلك المقاييس للزمرة المميزة. .
لنحدث تشويقا بسيطا قبل أن نستعرض ما لدينا من نصوص، لنقل أن شاعرة ما ،ثم نضع خطّاً تحت التاء المربوطة، وسنشير أيضا لجنسية الشاعرة العراقية، وليس هذا تشويقاً عشوائياً أو غير مقصود، وإنما هو مقدمة أو إشارة لنوع التميز عند الشاعرة.
وإن بدأنا بالتاء المربوطة فإن أول ما سيخطر على بالنا هو نوعية الموضوعات التي تتطرق لها الشاعرة، ولكونها شاعرة، فهذا سيجعلنا نطرق باب المقارنة والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين الشعراء دون تاء، والهدف من هذه المقارنة هو الهدف الذي جعلنا نكتب كل حرف سابق، ألا وهو التنقيب عن التميز أيا كان مكان تواجده أو شكله.
في النصوص التي قرأتها، كان من المتوقع أن تكون معظم النصوص تحكي عن مشاعر الحب بوجه عام، آلام الفراق مع الحبيب، أو حتى وصف لحظات الفرح معه، لكن عندما أرى شاعرة تغير من هذا المسار النمطي -أو لنقل المعتاد- فهذا من دواعي الاستيقاف، فالشاعرة لميس البصري قررت أن تتحلى بالشجاعة وتطرق أبوابا شعرية تحتاج لأكثر من مجرد مشاعر في لحظة انفعالية، بل إلى خبرات حياتية وتأملات في الواقع الحياتي والمجتمعي، فنجدها تكتب أبياتا تأخذ طابع الحكمة والنصيحة..
"إنما السامي الرفيع الأدب
لا الذي كان شريف الحسب
فكما العرش أتى من خشب
فكذا الخمر وليد العنب"
ولو مررنا مرور الكرام على هذه الأبيات، نجد أن أجمل ما فيها هو تكليل الحكمة التي أوردتها في البيت الأول، بتمثيل بسيط وأنيق ومقنع، وفوق كل ذلك فهو لم يأت صدفة بحتة، وإنما أتى من عقل شعري ذكي، يعرف من أين تؤكل الكتف!
واستكمالا لروح الحكمة لدى الشاعرة، فسنجدها في قصيدة تسهب في وصف الموت بصورة درامية، ممتلئة بالصدق، والوجع... وهنا نجد مغزانا من المقارنة التي أشرنا لها من قبل، فصحيح أن الشاعرة سلكت طريق الحكمة والتأمل، لكنها لا تزال شاعرة -أنثى- ولا بد أن تفيض مشاعرها برقة وحنو، حتى لو كانت تتقلد قلادة الحكمة والمنطق والواقع.. تقول في قصيدها الواصف للموت، محدثة الثرى، كأنه شخص يحن ويشتاق لأحبائه:
"لستُ إلا كثُِفالٍ لرحى
و الرحى الموت الذي قد فجعكْ
إنني أعلم ما قد دفعكْ
إنه الشوق لمن كانوا معك
ثم أضحوا تحت أطباقي هنا
و قليل منهمو من ودّعك"
وعودة لنقطتي التشويق، فالنقطة الثانية التي تميز الشاعرة هي جنسيتها العراقية، ولا أقصد أن جنسيتها تميز شاعري في حد ذاته، وإنما قصيدتها التي تتحدث فيها عن حبها لــ "دمشق" بل وتربط محبة دمشق بمحبة "بغداد" وتجعلها شرطا أساسيا لصدق محبة العراق.. فتقول:
"لا زال حبّك وسط القلب منعقدا
أيا دمشقُ وإن طاف الرّبوعَ ردى
يا أخت بغدادَ من صلبٍ ومن رحمٍ
و من رضاعة درٍّ قد بنى الجسدا
من لا يحبّ دمشقاً ر لا يحقّ له
أن يدّعي حبّ بغداد، فذاك سدى"
وعندما أقرأ هذه الأبيات، فيمكنني وبكل ثقة أن أفرح فرحة الباحث الذي وجد ضالته، فهل يمكن ألا تكون هذه الروح الشعرية الإنسانية البحتة تميزا؟ بل هي عين التميز، خصوصاً في هذا الزمن وهذه الأجواء المشحونة بالحروب والعنصرية وكل شيء يبعدنا عن أخوتنا الإنسانية!..
أقول لو أنه كان لدينا الكثير من الشعراء الذين لديهم القدرة لبث هذه المشاعر الصادقة من الحب الإنساني، لأصبح التميز الذي نبذل جهدا للبحث عنها شيئا معتادا في وجوده. إن الشاعرة كما وصفتها من قبل شجاعة، فهي لا تقف عند كونها أنثى شاعرة تعنى بنوع واحد من القصائد والموضوعات، بل تتخطى ذلك، وتضيف عليه نكهة جديدة، وصادقة ومقدامة.
في النهاية وبالنسبة لي، قد وجدت ما أبحث عنه من تميز عند الشاعرة لميس البصري، وأستطيع أن أرى النور بوضوح يخرج من بين حروفها، طيبا، كطعم البلح من نخل العراق..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق