الثلاثاء، 1 يناير 2019

# الادب ومفهوم الالتزام # بقلم الاديبة الاستاذة بلسم الحياة

# الادب ومفهوم الالتزام #
الاستاذة بلسم الحياة
***
ماهية الالتزام :
الالتزام : هو مشاركة الشاعر او الاديب الناس همومهم الاجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية ، والوقوف بحزم لمواجهة مايتطلبه ذلك ، الى حد إنكار الذات في سبيل ما التزم به الشاعر او الاديب .
ويقوم الالتزام بالدرجة الاولى على الموقف الذي يتخذه المفكر او الاديب او الفنان فيها ، وهذا الموقف يقتضي صراحةً ووضوحاً واخلاصاً وصدقاً واستعداداً من المفكر لان يحافظ على التزامه دائماً ويتحمل كافة التبِعات التي تترتب على هذا الالتزام .
وفي تعريفنا اللغوي لكلمة الالتزام نجد:
لزِم الشيئ : يلزمه لزاماً ولزوماً ، ولازمه ملازمة ولِزاماً ، والتزامه ، ألزمه إياه اي لا يفارقه ، والإلزام : هو الدوام على الشيئ ، والالتزام يعني الاعتناق . التزم العمل ، أوجبه على نفسه .
والالتزام كما ورد في معجم مصطلحات الادب :
هو اعتبار الكاتب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معينة عن الانسان ، لا لمجرد تسلية غرضها الوحيد المتعة والجمال .
وقد جاء في الاية الكريمة :
(( وألزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها ))
اما / سارتر فقد عرّف الادب الملتزم فقال : مما لاريب فيه ان الاثر المكتوب واقعة اجتماعية ، ولا بدّ ان يكون الكاتب مقتنعاً بها عميق الاقتناع حتى قبل ان يتناول القلم ، ان عليه بالفعل ان يشعر بمدى مسؤوليته وهو مسؤول عن كل شيئ ، عن الحروب الخاسرة او الرابحة .. عن التمرّد والقمع .. انه متواطئ مع المضطهدين اذا لم يكن الحليف الطبيعي للمضطهدين .
ويشير/ سارتر الى الدّور الكبير الذي يلعبه الادب في مصير المجتمعات .. فالأدب مسؤول عن الحريّة وعن الاستعمار .. وعن التطور وكذلك عن التخلف .
فالأديب ابن بيئته .. والناطق باسمها
وكلمته سلاحه ، فعليه تحديد الهدف جيداً وتصويبها عليه بدقّة لان الكاتب بماهيته وسيط .. والتزامه هو التوسط وهنا يبرز هدف الالتزام في جِدّة الكشف عن الواقع ومحاولة تغييره بما يتطابق مع الخير والحق والعدل .. عن طريق الكلمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم على نحو ما تفعل الخميرة في العجين ، على الا يقف الالتزام عند القول والتنظير .. فالفكر الملتزم أساس حركة العالم الذي يدور حوله على قاعدة المشاركة العملية لا النظرية .. اذ ليس الالتزام مجرد تأييد نظري للفكرة ، وانما هو سعي لتحقيقها .. فليست الغاية ان نطلق الكلمات بغاية اطلاقها .
ويرى / رئيف خوري ان الكاتب مطالب بمسؤوليته مجرّد ان يكتب وينشر لمجتمعه .. فهو يجب ان يعبّر عن آلامها وآمالها ونضالها .
ليس كفعل القلم اجتماعي وتاريخي بكل ما تنطوي عليه كلمة اجتماعي من شؤون الأمة ، والشعب ، والقوم ، والوطن ، والإنسانية .
وعلى القلم المسؤول ان ينفي عنه اول شيئ اعتبار عامل الكسب ، فذلك هو الشرط المبدئي لصحة الراي ونزاهته .
وظروفنا الاجتماعية الحالية ، الحافلة بالقلق .. والمليئة بالمشكلات .. تدعو بشدّة الى الادب الملتزم .
ووضع بلادنا العربية وما آلت اليه من تشرذم ومن تامر العدوان وتكالبهم عليها .. تدعو الانسان الى تجنيد الجهود للعمل على تحرير البلاد ورفع مستواها السياسي والاجتماعي والفكري الادبي .
وحتى يكون الادب صادقاً ، لا بدّ وان يتكلم عن الواقع الذي يعيشه الاديب والظروف التي تحيط به وتؤثر على نفسيته .. وعلى يراعه .. فتنبثق عندئذٍ الكلمات نابضة بالصدق .. وتاخذ طريقها مباشرة الى فكر القارئ ووجدانه .
أمّا معنى الالتزام .. فعريق في الادب .. قديم مثل كل ادب اصيل .. وكل تفكير صميم .. ذلك ان الالتزام في الادب لا يعدو في معناه الصحيح ان يكون الادب ملتزماً الجوهري من الشؤون .. منصرفاً عن الزخرف اللفظي .. وعن الزينة الصوريّة التي هي لغو ووهم وخداع .
والالتزام هو ان يكون الادب مرآة جَماع قصّة الانسان ، وخلاصة مغامراته .. وتجربته للكيان .. وزبدة ما يستنبطه من عمق أعماقه .. وألطف أحشائه .. من اجوبة عن حيرته وتساؤلاته .
وهو ان يكون الادب رسالة يستوفيها من الجانب الالهي من فكره وروحه ، ومن هذا الوجدان او الحدس الالهي ، الذي هو الفكر وما فوق الفكر .. والعقل وما فوق العقل .. والخيال مع العلم والمعرفة .. مع الانطلاق مجرداً في كليته وشموليته .
فالأدب الملتزم .. هو سابق على محاولات المُحدِّثين ، وقد وجدنا قديماً الادب يتجسّد في مشاركة الاديب الناس .. همومهم الاجتماعية والسياسية ، ومواقفهم الوطنية ، والوقوف بحزم .. لمواجهة ما يتطلبه ذلك الى حـدّ إنكار النفس في سبيل ما يلتزم به الاديب .. شاعراً او ثائراً .. واطلاعنا على أدبنا القديم وشعرائه ..يعّرفنا انهم كانوا في العهود والعصور العربية .. في الجاهليَّة والإسلام كافة .. كان اصوات جماعاتهم .. كذلك وافق كل واحد منهم ان يعاني من اجل جماعته التي ينطق باسمها .. الى درجة انك اذا سمعت صوت احدهم .. وهو يرتفع باسم جماعته او قومه .. لا يمكنك الا ان تحّس هذا الالتزام .. ينساب عبر الكلمات .. يصّور هذا الإيمان وتلك العقيدة دون ان يساوره أدنى شك او حيّرة او تردّد في تحديده للمشكلات التي تواجهه والتي تتعلق بمصيره ومصير سواه من أبناء قومه في القبيلة او الطائفة او الدين .. يدفعه إيمان راسخ بضرورة حَل اشكالية القضايا التي كان يواجهها في حينه .
اعداد / الاستاذة بلسم الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق