السبت، 15 ديسمبر 2018

قد تتنوع زوايا النظر باتجاه نص ابداعي واحد ،وهذا التنوع - قراءات حول نص الشاعر محمد الدمشقي ( أمرأة من شفق)



قد تتنوع زوايا النظر باتجاه نص ابداعي واحد ،وهذا التنوع
هو ما يغني الرحلة ويمنحها سعة بحث في افاق النص وفي اعماقه..من هذا المنطلق ،فقد قطفنا ثلاث زهور من حدائق الياسمين الشامي العابقة بكل جميل..قصيدة الاديب محمد الدمشقي موضوع الحوار..ومتابعة الاستاذ زكريا عليو تعقبها متابعة الاستاذ هيثم رفعت ،مع احترامنا للجميع..
***
***
،،،
نص الاستاذ الدمشقي:
،،،
امرأة .. من شفق :
،،،
خارجَ أسوارِ اللوحة
و أسرارِ القلبِ الشائكة
هناك .. 
في سمائي المتصدعة 
تتطايرُ فراشاتُها
لتملأَ فراغاتِ القصيدِ و روحي ...
تشكِّلُني 
على وجهِ سحابةٍ نسيَتْ 
أن تغسلَ حلمَها 
من النعاسِ و الملائكة 
تجعلُني ..
أبجديةَ جنونٍ و غرق ! 
خارجَ جسدي تنثرُني
عصفوراً .. عصفورا
و تجمعني حرفاً .. حرفاً
حتى أقرأني ...
....
امرأةٌ من ماء
تفرغُني من غيماتي
حدَّ الامتلاء
لينهمرَ صوتي
على تلالِ التمني
و صفحاتِ العطشِ البيضاء 
التي لا تشربُ سوى نزفِها
بأريجِ صمتِها تلونني
قبل أن يشطبَني هذيانُ ظلي
تسكبُني على معنايَ التائه 
كلمةَ ضوءٍ أخيرة
لا تغمضُها الآهات 
و لا يحترقُ بها الطريق
..
امرأةٌ من عطرٍ يتذكرُني
كلما تشرذمتْ نغماتي
تتنهدُني عبقاً
فأعودُ إلى سنابلي
و ترتوي بجنوني
شطآنُ القمر !!
تلفُّ حولي كيدَها متنمقاً
حتى تقولُ لي الأماني : هيتَ لك 
تلعنُني بألفِ قبلةٍ
أدفئُ بها الزجاجَ 
و أحتسي ذوباني
مع نافذةٍ ترتطمُ برأسي
كلما رفرفتْ نحوها
لهفة !!
......
امرأةٌ من شفقٍ مبكر 
تربطُني بدخانِها
حتى أتلاشى 
في عبيرِ تنهيدة
تحررُني مني 
لألاحق قضباني
و أراقصَ القيد 
بمنتهى المطر !!
أين خبأتْني شفاهكِ
حين أوقدتُ نجماتِ الحنينِ برعشة ؟
لم أذقْ يوماً غناءَكِ
و ما ترنمَ بي إلا الغبار !
اذكريني 
لينساني وجعُ القصيدِ
و تنكرُني دمعاتُه
أنا أنتِ لكن ....
فرَّقَتْنا غفوةُ نجمةٍ
عندما أطفأَنا الليل ذات عناق 
تأمليني نبضاً
من ضبابي أشرقي
ما زلتُ أرسمُ قلوباً
على شبَّاككِ النائمِ في أرقي
و لا تنظرين 
أبعثرُ قافيتي
بين سطورٍ فوضاكِ
و لا تقرئينَ سوى رحيلي 
أقصُّكِ على البحرِ
و تسكبينَ أيامي
على حسرةِ الرمال
و لا يبقى مني
إلا عيناك
و الزبد
محمد الدمشقي
،،،
زكريا عليو..
… .
لمن يبحث عن عناصر الدهشة بقصيدة النثر 
يقرأ قصائد الاستاذ محمد الدمشقي
سأشير هنا لبعصها 
 
لْـۆ أتينا العنوان 
امرأة… من شفق 
… هنا الجواب غير متوقع ، وهنا تكمن الدهشة بهذا الانزياح 
 
أسرار القلب الشائكة 
في سمائي المتصدعة 
تطاير فراشاتها 
خارج جسدي تنثرني 
عصفورا .. عصفورا 
وتجمعني حرفا… حرفا 
تفرغني من غيماتي 
تسكبني على معناي التائه 
كلمة ضوء أخيرة 
امرأة من عطر يتذكرني 
كلما تشرذمت نغماتي 
تلعنني بألف قبلة 
ادفن بها الزجاج 
(أين خبأتني شفاهك ) ضربة معلم 
فرقتنا غفوة نجمة 
ﻻ يبقى مني 
إلا عينيك 
والزبد 
… .. الدهشة أن تأتي بانزياح غير متوقع وهذا ما تخطه سطور الفنان الدمشقي 
… . طبعا لي عودة تليق بهذا النص
قراءة النصوص النثرية من أصعب القراءات لتعدد اوجه التأويل والرمزية التي تزينها ، وعمق أفكارها وﻻ تستطيع أن تغفل عن أي صورة أو مفردة كي ﻻ تسيئ لمعنى القصيد ، ونحن أمام نص نثري حداثوي بامتياز لمعلم النثر الأستاذ محمد الدمشقي ،
يتكون من أربع مقاطع 
١ــ 
امرءة من شفق … 
الشفق هو الفترة عند زوال الشمس ، حيث الكون يجهز نفسه لنعاس الليل ، هو لوحة بحد ذاتها ، وكأن الشاعر أراد ان يقول امرأة هادئة وهي صلة وصل بين الليل والنهار ، وبين السماء والارض ، وهذا يمنحها جمالا مميزا 
خارج أسوار اللوحة 
واسرار القلب الشائكة 
… هو شرح لكلمة الشفق ، مفردة لوحة لكن الشائكة تناسب اسوار وشاعرنا ربطها مع أسرار ، كدليل ان هناك أسرار توخذه ،
سماء متصدعة ،،، وهو البرق والرعد الذي يصدع السماء وهكذا يراها شاعرنا ،
تتطاير فراشاتي لتملأ فراغات القصيد وروحي ،
الفراشات مخلوق ناعم الملمس جميل المظهر ، يتراقص فوق الزهور ، أرادها الدمشقي لتملأ فراغات حياته / هنا تظهر مقدرة الشاعر وذكائه في تسخير مفردات اللغة /
تشكلني على وجه سحابة نسيت أن تغسل حلمها… الى نهاية الصورة 
حلم السحابة السقاية ، لكن هذه المرأة نسيت أن تطفئ ظمأ شاعرنا 
تجعلني أبجدية جنون وغرق ، وهذا دليل شدة الظمأ ، ﻻحظوا جمال الربط بين الصور ، كل صورة تخدم التي قبلها وما تلاها / هكذا نقصد بترابط النص / 
تنثرني عصفورا تجمعني حرفا 
ﻻحظوا جمال التضاد تنثرني ،و تجمعني ، كيف أعطى النص جمالية فائقة 
العصفور هو رمز التغريد /سعادة / والطيران ،تجمعني حرفا تعيد ترتيبي ليعود لكينونته الأولى 
يا سلام ما اجمل هذا التصور 
٢ــ 
امرأة من ماء 
الماء سرّ الحياة ، تحمله الغيوم لذلك قال تفرغني من غيماتي ، وهنا مطلوب ان تكون المفردات متوافقة مع الماء / عطش ، سقاية ، وغيرها / نلاحظ صفحات عطش ، ﻻ تشرب سوى نزفها ، وهنا للغيمة يتساقط المطر منها ، 
تسكبني على معناي التائه ، كل الكلمات مسخرة لخدمة الماء ، ويختم ﻻ يحترق بها الطريق ، طبعا الحريق يطفئه الماء ، 
انزياحات رائعة وموفقة جدا يا أخا العطر 
… ..
٣ــ هذا المقطع الساحر وفيه هذيان الشاعر 
امرأة من عطر يتذكرني 
كلما تشرذمت نغماتي 
تتنهدني عبقا 
فأعود إلى سنابلي 
وترتوي بجنوني شطآن القمر 
… ياسلااام يا سلام ، عندما أكون عبق أنفاسها أعود إلى كينونتي ليطيب لي السهر وكأني بحر على شواطئه يسهر القمر 
تلف حولي كيدها متنمقا 
كما حدث بقصة سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا السلام إنه من كيدهن ، أي تجهز له سبل الوصال ويمتنع كما فعل يوسف 
وأحتسي ذوباني 
مع نافذة ترتطم برأسي 
كلما زفرت نحوها 
لهفة!! 
وهو راغب بالوصال غير أنه يتمنع ويتذكر سمو واخلاق يوسف وهذا دليل العفة والنقاء 
٤ــ 
امرأة من شفق مبكر 
تربطني بدخانها 
حتى أتلاشى 
..طبعا هو كناية عن الاحتراق حبا بها ، وينتظر أن تطفئه بالمطر ،
أين خبأتني شفاهك 
حين أوقدت نجمات الحنين برعشة ؟ 
لم أذق يوما غناءك 
وما ترنم بي إلا الغبار 
… لعله الاجمل والاروع في هذا النص الرائع وعمق المعنى ، لم يقل اذوب كقطعة السكر على شفاهك علما المعنى واحد ، هو لم يذق هذا الطعم ، وما نال الا الغبار / الغبار ينتج من شدة الجفاف / تصوروا عمق المعنى 
يعود ليقول بعد هذا الجفاف ،
اذكريني 
لينساني وجع القصيد 
وتنكرني دمعاته 
… يأمل ان توقظ به الحياة عندما تعطف عليه ، مناجيا بكل لطف 
أنا أنت لكن… 
فرقتنا غفوة نجمة 
عندما أطفأنا الليل ذات عناق 
… ياله من عتاب محب رقيق كنسيم الصباح ، يذكرها بأنه مازال مخلصا لها 
ارسم قلوبا على شباكك النائم /اي الغافلة / ولا تقرئين الا رحيلي ، / عتاب جدا جميل / 
ويختم بما يشبه أغنية فيروز 
بكتب اسمك ع الحور العتيق 
تكتب اسمي ع رمل الطريق 
..
ولا يبقى مني 
إلا عيناك 
والزبد 
شاعرنا يذوب حتى النهاية ، هو حال المحبين المخلصين … .
ما أجمل السفر بحروفك يا صديقي ، 
اتمنى ان اكون أجدت الغوص في هذا الجمال الذي ﻻ ينتهي 
دمت شاعرا سامقا ودام يراعك يتحفنا بالاجمل 
كل الود والتحايا ..
…………… 
،،،،،،،،،،،،،،،،
متابعة الاستاذ هيثم رفعت:
،،،
 
امرأة من شفق نص لمراسم الوداع والنهاية عن تجربة ذاتية للسارد وهنا تعلقت هذه الخصوصية بعمق التجربة الوجدانية ولهذا فأن الشعر يجد دائماً قيمته الفنية عند عمق التجارب الانسانية وهنا ترتبط جودة النص بعمق دلالاته وانعكاساتها الداخلية ومدى مرارتها ووجعها ، العمق هنا يعني تمام الاحتراق ليظهر المداد وكأنه لرماد الروح 
وهنا استهدف النص عمق التجربة والقدرة على صياغتها في مدارات شعورية مكثفة ومحملة بالطاقات الإيحائية 
الشعر مرتبط وجودا وعدماً بتلك اللغة الإيحائية التي تفتح أبواب التأويل وقابلية الصور الشعرية في التصاعد عبر مستويات دلالية مختلفة ولاشك أن تلك العناصر هي التي تستفز خيال المتلقي وبها تكسب المحبرة رهانها الشعري
هكذا بدأ النص عبر عتبته الرئيسية امراة من شفق إلى الاشارة إلى الرحلة النصية القادمة وأن شخوصها (هو وهي ) الشفق معنى مرتبط بالغروب والنهاية وهنا هي لوعة العاشق يقولون أن أجمل مافي الحب لحظاته ولهفته الأولى 
فتلك اللحظات الأولى مشغولة بنوبة وفرحة التلاقي وكأن كل طرف قد وجد ما يبحث عنه أو اكتماله في الآخر لتصطدم تلك المشاعر بما هو قادم على أرض الواقع أو عند حقيقة الطرف الآخر وهنا كان الصراع النصي في كشف هوية ذلك الآخر 
ولهذا نجد الوصف المتعدد لبطلة النص فهي امراة من ماء وامراة من عطر وامراة من شفق .
ويجد هذا التسلسل التوصيفي ويتوافق مع فن عرض البداية والنهاية ويتحد عضوياً في تحقيق أغراض النص الشعرية 
ونلاحظ توظيف الطبيعة في النص بشكل ملحوظ ولهذا كان المداد مشعا بالحياة ومرتبط بتعدد فصولها بل بنعيمها وجحيمها 
وهنا بدأ شاعرنا نصه بلحظة اليقظة و الاستفاقة من غيوبة العاطفة لتشكل هذه الاستهلالية السرد المعكوس أو " الفلاش باك" وكذلك كان العنوان هو لحظة كشف كينونة الآخر :
خارجَ أسوارِ اللوحة
و أسرارِ القلبِ الشائكة
هناك .. 
في سمائي المتصدعة 
تتطايرُ فراشاتُها
لتملأَ فراغاتِ القصيدِ و روحي ...
تشكِّلُني 
على وجهِ سحابةٍ نسيَتْ 
أن تغسلَ حلمَها 
من النعاسِ و الملائكة 
تجعلُني ..
أبجديةَ جنونٍ و غرق ! 
خارجَ جسدي تنثرُني
عصفوراً .. عصفورا
و تجمعني حرفاً .. حرفاً
حتى أقرأني ...
هنا استهل شاعرنا نصه بعبارة خارج أسوار اللوحة وكأنه خرج عن سيطرة ونفوذ تلك اللوحة وتحرر منها و أنه قفز من على تلك الأسوار ، الأسوار هي رمز لأغلال العاطفة وبقاء الروح رهينة لها وهذه الأغلال مرتبطة بمعان الوفاء والحنين ...الخ و جاء هذا التحرر كنتيجة طبيعية لتلك الأحلام المشوهة أو العاجزة عن تحقيق ما يصبو إليه كل طرف وهذا المعنى كان مرمزاً بقوله ( سماء متصدعة ) وبالتالي السماء هي الحياة التي عاشها بطلي النص أو (هو وهي ) ولهذا كان الغرق نتيجة حتمية أو النتيجة المنتظرة لذلك التشوه أو التصدع .
ليكشف عن تفاصيل أو أسباب ذلك التصدع بمواجهة بطلة النص أو امرأة الشفق عبر مشهدية ثلاثية الوصف
أولها وصف لها بامراة من ماء :
امرأةٌ من ماء
تفرغُني من غيماتي
حدَّ الامتلاء
لينهمرَ صوتي
على تلالِ التمني
و صفحاتِ العطشِ البيضاء
التي لا تشربُ سوى نزفِها
بأريجِ صمتِها تلونني
قبل أن يشطبَني هذيانُ ظلي
تسكبُني على معنايَ التائه
كلمةَ ضوءٍ أخيرة
لا تغمضُها الآهات
و لا يحترقُ بها الطريق
وهنا كان الصراع بين العطش والماء ، الماء رمز للحياة حيث قال عنه عز من قائل ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وهنا كان الاقرار بعمق العاطفة ومدى التعلق بالطرف الآخر وكأننا هنا نتحدث عن الوجود والعدم هكذا كانت مشاعر السارد عند هذا الوصف ولكن هل روى ذلك الماء الشفاه المتشققة ؟
وهل هي قادرة فعلا على احتواء تلك العاطفة ؟
أم أنها وسيلة للنزف ولتمام اللوعة ؟
وهنا كانت الغلبة للفرضية الثانية رغم أنها هي امرأة من عطر – الوصف الثاني -
امرأةٌ من عطرٍ يتذكرُني
كلما تشرذمتْ نغماتي
تتنهدُني عبقاً
فأعودُ إلى سنابلي
و ترتوي بجنوني
شطآنُ القمر !!
هنا رغم مرارة التجربة مزج لحنها شاعرنا بنغمة العاطفة ، العطر هنا رمز للحياة أيضاً ولكنه يعني الحياة الماتعة أو الأكثر جمالا وبالتالي اشار شاعرنا للحظات الحب الأولى و استمرار تدفق نهر الأحلام و الأماني وأنه ارتوى به من قبل وهذه مظاهر للوفاء وفروسية المشاعر فعادة لا نذكر للطرف الآخر إلا نواقصه أو مساوئ الطرف المقابل ولاشك أن هذه المعاني تبرز كينونة الحب
و أن مرآة الحب عمياء .
يتبع إن شاء الله ..
ملاحظة..ستتم اضافة مايتفضل به الاستاذ هيثم رفعت لاحقاً مع التقدير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق