الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

الإبداع الأدبي بين الحرية والالتزام :بقلم الاديب أ. أسامة حيدر:

الإبداع الأدبي بين الحرية والالتزام :
أ. أسامة حيدر:
……………………….
دفعني لهذا الموضوع مقالٌ نشر في (آفاق نقدية) وهي منبرٌ حقيقي عراقي الصبغة عربي الانتماء أصيل يؤسس لأدب ونقد حقيقيين والمقال للدكتور هاشم الموسوي يطرح فيه جملة من التساؤلات في هذا الشأن.
وهذه المشاركة ههنا رافدٌ للموضوع المشار إليه أو أرجو أن تكون كذلك.
مما لا شك فيه أن الإبداع والحرية وجهان لعملة واحدة، ولكن هل حرية الأديب تسمح له بالولوج إلى كل الدوائر أم عليه أن يقف عند حدّ ما لا يتجاوزه، وهل هذا يضيق من مساحة الحرية تلك؟
يقول أحدهم إن هناك ثوابتَ لا ينبغي للمبدع أن يقترب منها، وهي ثوابتُ الدين والقيم الإنسانية، وإذا حدث ذلك فإن المبدع لكونه رائداً مجتمعياً يهدم في نفوس الناس المتلقين لأعماله هذه الثوابت والقيم، فيكون الضياع والتيه والخواء.
وفي اعتقادي أن الحرية هي التزام، وليست انفلاتاً من كل قيد. وحرية التعبير هي نوع من أنواع الحرية التي يجب أن يكون لها ضوابط تمنعها من أن تكون أذية لا إبداعاً.
وأغرب ما قرأته قول أحدهم ( لماذا الالتزام؟ أكثر ما يمقتني الالتزام).
أقول لهذا الشويعر : كم عدد الأبيات أو القصائد التي حفظها الناس عنك؟ لا يغرنّك جموع المطبلين خلفك والمعلقين على نص من نصوصك الشعرية فهم لا يدركون ما يقولون، وربما لم يقرؤوا ما كتبت.
ومن جملة الضياع والتيه ما نقرؤه لأشخاص ظنوا أنهم حين يتحدثون عن كبار في الشعر أو الفن عموما يحصلون على منزلة ما فالبعض لا يخجل من شتم الكبار من الشعراء أو الإساءة إليه. وأرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا أن الكبار هؤلاء بعيدون عن دائرة النقد أبداً ولكن أن يكون نقدا حقيقياً مبنيا على الدليل والمنطق، ويجب أن يكون الناقد هذا أهلاً لهذا النقد.وفي ظني أنّ هذا جزءٌ من الخراب الذي وصلنا إليه على الأصعدة كافة ومنه توزيع شهادات الدكتوراه والألقاب على المنابر والمنتديات الثقافية والفكرية والأدبية.
ماذا يعني الالتزام في الأدب؟ :
____________
يعني مشاركة الأديب الناس في همومهم الاجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية والوقوف بحزم لمواجهة ما يتطلبه ذلك إلى حدّ إنكار الذات في سبيل ما التزم به الشاعر أو الأديب.وقد عرّف سارتر الأدب الملتزم بقوله : " ومما لا ريب فيه أن الأثر المكتوب واقعة اجتماعية، ولا بدّ أن يكون الكاتب مقتنعاً به عميق الاقتناع حتى قبل أن يتناول القلم. إن عليه بالفعل أن يشعر بمدى مسؤوليته وهو مسؤول عن كل شيء، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة، عن التمرد والقمع، إنّه متواطئ مع المضطهدين، إذا لم يكن الحليف الطبيعي لهم ".

ويشير سارتر إلى دور الأدب الكبير الذي يلعبه في مصير المجتمعات" فالأدب مسؤول عن الحرية، وعن الاستعمار، وعن التطور، وعن التخلف..... " هذا إن كان أدباً حقيقياً.
ويحضرني قول للشاعر الصيني ( لوتشي) :" نحن الشعراء نصارع اللاوجود لنجبره أن يمنح وجوداً، ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقا. إننا نأسر المساحات التي لا حدّ لها في قدم مربع من الورق، ونسكب طوفاناً من القلب الصغير بقدر بوصة ٍ. "
هل الالتزام ينافي الحرية؟
___________
أغلب الأدباء العرب يؤكدون عدم وجود تناقض بين الحرية والالتزام فهذا توفيق الحكيم يقول :" إن الأديب يجب أن يكون حراً، وأن حرية الأديب لا تتنافى مع مبدأ الالتزام " وفي هذا الصدد يشير شوقي ضيف إلى أن" الأديب لا يكتب لنفسه، وإنما يكتب لمجتمعه وكل ما يُقال عن فرديته المطلقة غير صحيح، فإنه بمجرد أن يمسك القلم يفكر فيمن يقرؤونه، ويحاول جاهداً أن يتطابق معهم ويعي مجتمعه وعياً كاملاً بكل قضاياه وأحداثه ومشاكله لسبب بسيط هو أنه اجتماعيّ بطبعه، ومن ثم كانت مطالبته أن يكون اجتماعياً في أدبه مطالبة طبيعية. "
وفي رأيي كذلك أن التزام الأديب لا ينقص من حريته شيئاً إن كان التزامه إيماناً منه بدوره في الحياة وقضيته.
ماهمّي أن تتحدث أيها الأديب عن قضيتك الخاصة وتنسى شعباً جائعاً يبحث لقمة العيش فلا يجدها... أتظنه سيتفاعل معك ويقرأ عن حبك لليلى؟! أم تُراك تكتب لأولئك المترفين؟ فإن كان الأمر كذلك فلتعلم أن هؤلاء أيضاً لا يكترثون لما تقوله ولا يشعرون به.
قال أدونيس عن نزار قباني :
" كان منذ بداياته الأكثر براعةً بين معاصريه من الشعراء العرب في الإمساك باللحظة التي تمسك بهموم الناس وشواغلهم الضاغطة من أكثرها بساطةً وبخاصةٍ تلك المكبوتة والمهمشة إلى أكثرها إيغالاً في الحلم وفي الحقّ بحياة أفضل....."


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق