الاثنين، 17 ديسمبر 2018

قراءة راقية و منهجية و رائعة لقصيدتي ( لوحة بلا اظافر ) بقلم توأم الحنين سندباد الحرف الأديب الرائع هيثم رفعت

قراءة راقية و منهجية و رائعة لقصيدتي ( لوحة بلا اظافر ) بقلم توأم الحنين سندباد الحرف الأديب الرائع هيثم رفعت
لوحة بلا أظافر نص يمثل ماتحدثنا عنه سابقاً من الاستغراق في الحالة الشعورية ودخول عالم النص من خلال فكرة مبتكرة ومشهديات رهيفة وعميقة ومن خلال النثر السهل الممتنع المحمل بالطاقات الإيحائية والتي تفتح أبواب التأويل وبالتالي كلما تعددت تلك الأبواب كلما نجح النص في الوصول للقارئ
وهنا نحن نتحدث أيضاً عن تطوير أداء السرد كما فعل هنا شاعرنا في هذه النقلة النوعية لمحبرته المتدفقة شعوراً وأحلاماً.
وقد كشف النص عن هويته التجديدية في بوصلة النص ( لوحة بلا أظافر ) اشارة إلى فنون وجماليات النص القادمة من شخصنة وترميز واسقاط واستدعاء ..الخ
لوحة بلا أظافر عنوان ممغنط يثير خيال القارئ ويستدرجه إلى يم النص بكل هدوء
وذلك أن وصف بلا أظافر هو وصف لكائن حيّ وهنا تظهر الجمالية الفنية الأولى في هذه المعزوفة الشعورية وهي تعني الاسقاط وفوق هذا اللوحة هي برواز لصورة شخص ما والاحتفاظ بصورته يعني مدى قربه لنا وبالتالي هو رمز عميق مفتوح يشمل جعبة الذكريات وشخوصها هذا بشكل عام وبالدخول إلى مدينة النص :
أحياناً ...
أشعرُ أنني
حائطُ ذكرياتٍ باردٌ
تشقَّقَتْ شفاهُهُ
يخربشُ على أجنحةِ اللوحة
كلما رفرفَتْ .... سحبَها ظلُّها
لتراني
على نفسِ المسافةِ
بيني ... و بيني
لا ألملمُ فراشاتِها
و لا أغمضُ عينَ القصيدة
حاضراً غائباً
معلقاً مثلَها
على حبالِ الضجر
فتطفئُ حلمَها ...
و تبتسم !!
نلاحظ هنا بداية النص وكأنه إجابة لحوار أو سؤال محذوف وهو ( هل تشعر ...؟)
وهنا كانت الاجابة : أحياناً ...وهذه هي جمالية لغة الظل
و نلاحظ أيضاً خلق بيئة الحوار و سنيمائية العرض فنحن هنا أم لوحة أمامها عقل السارد ووجدانه حيث نجح شاعرنا في خلق عالم حسيّ جديد عبر الخيال والعاطفة
و بذلك الترميز لشخوص الحكاية في هذا العرض الذي يمثل الميلودراما
هو حائط ذكريات وفي المقابل هي تلك اللوحة التي باتت بلا أظافر و هذا الوصف أو التحديد يوحي بأنه كانت سابقاً بأظافر أي قادرة على اصابة قلب السارد وجرحه وكأن الأظافر رمز لشراسة العلاقة بينهما ولهذا بدأ شاعرنا بـ أحياناً ، مما يدل على انتهاء مرحلة الجراح والنزف وهذا الصياغة الفنية توحدت مع أغراص الحدث الشعري الذي دار في فلك الاسترجاع ونبش ما دفنته الحكاية وبالتالي لم يتبق غير حديث الذكريات واللوعة
وهنا هو حائط بارد دلالة على السكون وعدم القدرة على التفاعل أو تغير الواقع لأن الحب مرتبط بالدفء و وكأن نهر الحب يعاني من الجفاف والخوف من العقم التام له ، هذه المشهدية الحزينة كانت لحظات استغراق عميقة للاوعي والذي بات يشاهد من جديد الحاضر الغائب كنوبة من غيبوبة العاطفة و أنها ترفض تمام الجفاف ولهذا احتفظت بلهيب شمعة الأمل بقوله ( تبستم ) و هنا يظهر عمق الصراع بين البقاء و الرحيل
وكان هذا كله عبر الاسقاط الفني لمشاعر السارد وحسن تصويره
وفي ذات الوقت التحكم في إيقاع النص الذي سيتزايد تدريجياً في المحطات النصية القادمة
الحربُ الجائعةُ
بيني و بين النسيان
ما تزالُ توقدُ أصابعَها
لترسمَني ضباباً
في سماءٍ حمراءَ
تدخِّنُني مصحوباً
بكأسٍ من شفقٍ مبكِّر
و أنا أفاوضُ الشمسَ
حولَ أحقيَّتي
في ارتداءِ نافذة
هنا كانت المحطة النصية الثانية والاختيار الحاذق للمفردة الشعرية والتي تمكنه من مواصلة العرض الفني للحكاية حيث تتناغم مع الصورة الشعرية وفي ذات الوقت تفجر الطاقة الايحائية ( الحرب ) تعني الموت والحياة وقسوة الصراع بين البقاء والعدم وما أشرس تلك الحرب حين تكون بين الانسان وذاته ، وذاته تعني محبوبته !
وفي ذات الوقت يكشف لنا شاعرنا عن أسباب المعاناة النصية في وكيف تحول هو ومحبوبته لحائط ولوحة وهنا يأتي التأويل الكاشف لمدار هذه الفكرة إذ أن تلك الحرب هي سبب الفراق أو البقاء على عتبة الذكرى بما يعني أن ذلك الفراق يرجع لأسباب أخرى خارجة عن ارادة الجدار و لوحته رغم أن تلك اللوحة كان لها أظافر ولكنها أظافر تشعل العاطفة ولا تقتلها وكأن الحب هو نزيف الوريد المستمر ولهذا يتحقق المعنى الآخر في تأويل تلك الحرب على أنها حرب بين القبول والرفض وعبر عن هذا مفردة أو فعل ( أفاوض )
وهل يمكن مفاوضة الحقيقة المرمزة بالشمس ؟!
ونلاحظ أن المحطة النصية الثانية كانت لأسباب التحول لمجرد جدار ولوحة
على غصنِ شرودٍ قريب
تسمَعني حمامةٌ ملطخةٌ بالضوء
متلبسةٌ بهديلِها
يتساقطُ منها غبارٌ
يشبهُ ... صباحاً يفركُ عينيه
لربيعٍ ..
يلقِّحُ ضحكتَه
بحروفٍ بيضاء
فيزهرُ ضجرٌ حائرٌ
يقشِّرُ أمنياتِه ... للحريق !!
هنا تأتي المحطة النصية الثالثة والتي مثلت المحطة المحورية في النص والانتقال به من الحالة الخاصة إلى الحالة العامة وعبر تقنية النص المفتوح التأويل
و آية ذلك أن الاحالة النصية في المحطة السابقة و عند مفردة الحرب كانت التحضير الجيد لهذا الانفتاح الدلالي لرحلة المتن
و نلاحظ رصد تلك الحالة بالترميز الحاذق في قوله حمامة ملطخة بالضوء وكأنها حمامة السلام في وطن تنهشه أنياب الفوضى والفتنة لعنة الله على من أيقظها.
وهنا يؤكد لنا شاعرنا أن الشاعر لا يمكنه الفصل بين عاطفته و بين ما يحدث في وطنه فهو همه الكبير الأول و بالتالي انتقال النص من مرحلة ( هي وهو)
إلى مرحلة ( هم و الوطن)
وهنا عبر هذا التشكيل الجديد تصبح اللوحة رمز للوطن والجدار مستقبلها أو واقعها الجامد
الذي قتله السكون !
و كان هذا أيضاً عبر التقنيات النثرية و التي سبق استخدامها في تلوين هذه اللوحة الشعورية الفخرية حيث احتفظ شاعرنا برسم عبر تقنية الاسقاط والشخصنة و الترميز
و بقاء اللحن النصي منسجم ومتناغم رغم اختلاف المسار أو تحريره
أو انتقاله من مرحلة الرحلة الممتدة
و التي لا يحدد نهايتها أو منتهاها غير خيال القارئ.
لا تسأليني عن اسمي
ما دمتُ آخرَ نبضةٍ رقصتْ
خارجَ قفصِكِ الصدري
لن أقولَ لك أحبُّكِ
متَّسخون نحن بأصواتِنا
و كلماتُنا ... عرضةٌ لتهكُّمِ الريح
أولُ حرفٍ من أشواقِنا
ما زالَ طفلاً
يخذلُه الحرفُ الثاني
و يختبئُ خلفَ عبارةِ صمتٍ ...
مستهلكة !!
على سبيلِ الهذيان :
* دون عينيكِ يشتهيني الغرق *
وهنا يستكمل شاعرنا رحلة المراوغات الشعرية لتتصاعد الحالة الشعورية أكثر
و الانتقال من الحالة الفسفية للنص للحالة المشتعلة وجدانياً ما بين الانكار و القبول في قوله :
لا تسأليني عن اسمي ، والدهشة الصافعة في قوله :
(( متَّسخون )) نحن بأصواتِنا
و كلماتُنا ... عرضةٌ لتهكُّمِ الريح
أولُ حرفٍ من أشواقِنا
هنا يؤكد شاعرنا على تحرير النص من الحالة الخاصة فالأسماء وسيلة لتميز الآخرين و تعني الاستقلالية و بلوغ حد اللوعة
فقوله آخر نبضة رقصت خارج قفصك الصدري معنى يقبل التأويل بأنه يعيش في أرض غير أرض وطنه الذي يعاني من الاصوات المستخة أو أصوات الفتنة والصراع وبالتالي فالمصائر هي على ذمة الريح و غدرها
و بالتالي استمرار ذلك الضياع حتى للأجيال القادمة : ولهذا سيخذل كل طفل يولد بل وسيلاقي مصير ما قبله ( مستهلكة ) أي نفس المصير
وقد يقبل التأويل أيضاً الحالة الوجدانية الخاصة
و لكن التأويل السابق يتوافق مع لعبة الرمز و التدليل أكثر بل
و أكدت ذلك محطة النص الختامية :
الحبُّ في زمنِ الومضة
كبسولةُ وهمٍ ... مبتورةُ الصدى
مسكِّنٌ خائفٌ ...
من صحوةِ وجع ،
غفا تحتَ الجمر
وسادةٌ أرقٍ خالية ..
تدسُّ في غدِها العصافيرَ و الوعود
مقعدُ خريفٍ شاغر
تتساقطُ حولَه
أوراقُ انتظارٍ صُفر
غيمةُ عبقٍ متثائبة
لا تسقي سوى السراب
فأين يا وطني ...
حبستَ لحنَ المطر ؟!!
وهنا يأتي التفسير النصي المنطقي لفكرة الجدار واللوحة
وفي ذات الوقت انتصار اليقظة على اللاوعي أو الاستفاقة من غيوبة التذكار و الحنين - صحوة وجع - هو ما يفسر لنا بداية النص المحذوفة
والتي كانت إجابتها ب ( أحياناً ) فالحب في زمن الحرب كالومضة متعة قصيرة لا تحقق الاشباع الكامل
أو بمعنى أدق رحلة قصيرة لا تتماشى مع طبيعة الحياة ذاتها فهي غير قابلة للاستمرار و البقاء و بالتالي مجرد مسكن خائف
و ما أعمق وأجمل هذا الوصف !
و كانت رحلة الاقناع بهذا الوصف عبر الصورة الشعرية :
وسادة أرق خالية
مقعد خريف ،
غيمة عبق متثائبة ،
وبالتالي فهذا المظاهر هي ملامح السراب و الوهم
ليختم شاعرنا نصه بالسؤال
وكأن كل حب زائل إلا حب الوطن
وهنا انتقل الخطاب الشعري ليستهدف هذا العمق الشعوري و الانفتاح الدلالي
وحقيقة هذا النص يمثل جماليات نثرية كثيرة :
كموسيقية الاختزال والتكثيف و فن المقابلات الشعرية و لكن أبرزها شمولية الفكرة و اتساعها
و فوق هذا قدم لنا النموذج الأوفى لمعنى كريستالية النص
أو ضبابية قصيدة النثر
و أثبت لنا أن تلك الضبابية لا تعني الطلسمة وغلق أبواب التأويل
بل تعني أن النص الرمزي به العديد من المفاتيح النصية
لذلك الرمز للحفاظ على تواجد القارئ
و وصوله سالماً غانماً في أخر رحلة النص ، لأن النص بلا رسالة حبر أعمى !
و الأهم من هذا كله أن النص حقق أهم مقومات قصيدة النثر
وهي المتعة المتجددة عند قراءة المتن
وهذه المتعة هي الجسر الحقيقي بين الشاعر و القارئ
و استمرار شغفه بالنص و بمداد صاحبه
فحتى في الشعر الحب من أول نظرة
عودة مباركة يا صاحب السعادة
نص يستحق طول فترة الحمل والمخاض
ليولد من جديد أطفال القلب بملامحهم الساحرة
مبارك لنا
بك الشعر أروع &

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق