الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

حيرة( الأنا ) / قراءة في نص الشاعر لورانس. جان ،بقلم / الروائي الناقد جمال قيسي

حيرة( الأنا ) / قراءة في نص الشاعر لورانس. جان ،
أ.جمال قيسي Jamal Kyse مع التقدير:
،،،
هذا النص المتفرد للشاعر لورانس جان يمتاز بقضيتين أساسيتين الأولى ،الإيقاع والتنبير الحزين والقضية الثانية المحمولات ذات الشحنات الصاعقة لحظة تصارع الشاعر مع جملة من الاسئلة ،،هو يدخل المعترك ببسالة ،،لا بأس ان حاول وهو يعرف مسبقًا ان لاجواب هناك فنراه يتمايل على سلك دقيق يفصل بين الإيمان وعدمه ومع دقة السلك الا انه ينجح بعدم السقوط لكن النجاة في مثل هذه الحالة ليست سارة اذا سيبقى بلا انتماء ، سيحمل معه أسئلته النارية ،،
ينجح لورانس جان بدمج القضيتين مع أن وظيفة كل منهما مختلفة، لنرى لعبته الجميلة في مقطع الاستفتاح الأول، يبدأ بسؤال وجودي على أنغام موسيقى الكبير جبران خليل جبران الشعرية
أَذَاتُ نُورٍ أَنتَ مِثلِي بِزَاوِيةِ الوُجُودِ؟
هذا النفس الصوفي اللذيذ الذي اختص به شعراء المهجر هو اجمل دفق موسيقي. شعري في تاريخ الشعر العربي، الشاعر هنا يتجول في نفس الغابة والسهول وذات الأجواء ، نوع من الاستحضار لنفس المراسيم المشوبة بالحزن ، لكنه حزن جميل ، وألم صوفي ،،
وشعراء المهجر وعلى رأسهم جبران خليل جبران ،ويمكن اضافة الكبير الأخطل الصغير ،،انا شخصيًا أشبههم بالمدرسة النيوكلاسيكية، للفن التشكيلي ، التي انتفضت على الانطباعيين وتأثيرات بول سيزان التي افضت الى التكعيبية والسوريالية والتأثيرية ، ومع عظمة بيكاسو وسيزان وفان جوخ ومونيه و غوغان وإدوارد مونش ورينيه ماغريت ودالي وفارو،،،الا ان اعمال تيدما، وغودورد ، وبراغوية هي معيار جمالي بالغ الجودة ومنتهى الاستطيقا ، والذروة ، في الشعور المتناغم بين الإنسان والله،،
لورانس جان يضع في اعتباره هذه المعيارية التي تفوق بها شعراء المهجر لكن محاكاته لهم بأسلوب حداثوي ،،هو يغوص في العمق ليلتقط أنوية الحلاج ويعيد تشكيلها بمعطيات جديدة ،،هو قضية معلقة ، يقف في زاوية غير متوقعة يثقل عليه التراث وتراكمه وبنفس الوقت نزاع للتمرد ينكر كل المرويات ويعترض على السرديات مع أنه يتكلم بلغتها،،و المقطع التالي يوضح الأمر وهو بمثابة الإجابة على السؤال ،في الاستفتاح ،،
أَنَاالزَّاوِيَةُ اللَّامُتَوَقَّعَةُ مِن رَشقَةِ الضَّوءِ عَلَى عَتمَةِ الأَشيَاءِ
وَاللُّغَةُ الرَّسمِيَّةُ لِآَلَةِ التَّصوِيرِ -اللَّامَعكُوسَةِ - بِمُختَبَرِ الثَّبَاتِ
وَأَنَا الحَدسُ الخَارِقُ فِي فَكِّ شِيفرَاتِ الحَوَاسِ
كَذَلِكَ أَنَا الفَيرُوسُ المُختَرِقُ لِجِدَاريَّاتِ النِّفَاقِ
أَنَا السَّهمُ المَفتُولُ بِالشَّكِ ، المُندَفِعُ ، المُحَدِّقُ بِالصَّوَابِ
أَنَا ظَاهِرُ الأمرِ المَاحِلُ المُقفِرُ
أَنَابَاطِنُ الأَمرِ المُوحِي المُمطِرُ
أَنَا المُتَعَدِّدُ الوَاحِدُ المُختَلِفُ المُتَشَابِهُ
وَأَنَا العَدَمُ المُورِقُ بِالوُجُودِ
كَذَلِكَ أَنَا الوُجُودُ القَابِلُ لِلمَسحِ السَّرِيعِ
أَنَا المَحسُوسُ المُنطَوِي المُتَكَامِلُ
وهَذَا المَزَاجُ الأَسوَدُ سيِّدِي
لاسُلطَةَ لِإِلَهٍ كَمَا لِإلهِ الشِّعرِ وَهُوَ يَجلِدُنِي
وَأَعتَقِدُ -غَيرُ مُتَحَفِّظٍ بِالجَزمِ- بِأَنِّي ؛
ظَنُّ وَحيُ اللهِ فِي بَعضِ القَصِيدِ
في المقطع التالي والذي اقتطعته من النص لأهميته البالغة، يتطرق لورانس جان الى قضية الزمن ، ومع انه يلبس علاقته بالزمن بالعبث والعدم ويبرر ( أناه ) ، يوضح أن قضية الزمن هي سؤال لاجواب عليه،،
سأتكلم عن قضية الزمن ، وفق رؤية خاصة بي،،وربما هناك من لايتفق معي بها،،
الزمن انا اعتبره المحارب الذي لا يقهر ولا تأخذه رحمة بضحاياه ، هو فاتك لكل تكوين مورفولوجي، الزمن ليس الماضي ولا المستقبل،،إنما الحاضر ، لحظات وعينا هو الترهين لكل الوقائع بشكل مباشر،،الترهين الذي يعطي امل لما بعده ،،
ولا يمكن فهم هذا الترهين الا بتبلور الأنا من أحاسيس ومشاعر حول المغزى من الحياة ،،ولا اريد ان اطيل حتى لا اسرق حلاوة النص لكن أودّ أن أشير الى نصين لفتا انتباهي وكل منهما يقف على طرفي نقيض،،الأول نص أرثر شوبنهاور الذي يعتبرنا مجرد ظواهر عارضة تفرزها إرادة الحياة من اجل الحفاظ على النوع والزمن عنده متلاحم مع المكان في لحظة الإدراك ، اذا لا معنى لهما بدون ذات واعية او مبدأ العلة الاولى لدى عمانؤيل كنت وهذا هو منحى فلسفي اي بمعنى ادق منحى بمحمولات على شكل أسئلة لم يتم التيقن من أي اجابة لها
أما النص الثاني ،،
هو القرآن وهو يمثل اجوبة يقينية لمن يؤمن به، المهم ما اريد ان الفت. الانتباه إليه هو قضية الزمن في القرآن والترهين الزمني فيه،،لست أعني الزمن بتفصيلاته البشرية أي التحقيب للماضي إنما الصيغة العميقة للنص القرآني والشاملة ، إذ كل الخطاب هو بزمن الفعل المضارع والمضارع المستمر ، هو يمثل الاتجاه إلى الأمام بترهين مستمر حتى في القصص عن الماضي ينهيها بشاعرية كترهين للحاضر باتجاه المستقبل،،
الغرض من استحضاري للنصين. هو ان جان لورنس في هذه القصيدة عالق بينهما ومع انه يبدو قد حسم أمره باتجاه الا ان في هذا تضليل الشعراء،،
إِذ لَا هُوِيَّةَ لِلوَقتِ ، وَ لَا وَقتَ لِلهُويَّةِ ،
فِيمَاتَبَقَّى مِنَ بَدَلِ الضَائِعِ مِنَ العُمرِ ،
وَبِسَبَبِ هَذَا - يَابنَتِي - لَا أُمَارِسُ حَالِيَّاً فِعلَ التَّذَكُّرِ ،
عَلَى أَنَّ اتِّسَاعَ الزَّمَانِ - عَلَى هَيئَةِ تَأَمُّلِي - هو امتِدَادُ أَنَايَ
ومُطلَقُ هُويَّتِي
على العموم النص ،،عميق في محمولاته،،مع جمالية بالغة في الموسيقى الشعرية،
جمال قيسي / بغداد
………………………………………………………………
أَذَاتُ نُورٍ أَنتَ مِثلِي بِزَاوِيةِ الوُجُودِ؟
أَنَاالزَّاوِيَةُ اللَّامُتَوَقَّعَةُ مِن رَشقَةِ الضَّوءِ عَلَى عَتمَةِ الأَشيَاءِ
وَاللُّغَةُ الرَّسمِيَّةُ لِآَلَةِ التَّصوِيرِ -اللَّامَعكُوسَةِ - بِمُختَبَرِ الثَّبَاتِ
وَأَنَا الحَدسُ الخَارِقُ فِي فَكِّ شِيفرَاتِ الحَوَاسِ
كَذَلِكَ أَنَا الفَيرُوسُ المُختَرِقُ لِجِدَاريَّاتِ النِّفَاقِ
أَنَا السَّهمُ المَفتُولُ بِالشَّكِ ، المُندَفِعُ ، المُحَدِّقُ بِالصَّوَابِ
أَنَا ظَاهِرُ الأمرِ المَاحِلُ المُقفِرُ
أَنَابَاطِنُ الأَمرِ المُوحِي المُمطِرُ
أَنَا المُتَعَدِّدُ الوَاحِدُ المُختَلِفُ المُتَشَابِهُ
وَأَنَا العَدَمُ المُورِقُ بِالوُجُودِ
كَذَلِكَ أَنَا الوُجُودُ القَابِلُ لِلمَسحِ السَّرِيعِ
أَنَا المَحسُوسُ المُنطَوِي المُتَكَامِلُ
وهَذَا المَزَاجُ الأَسوَدُ سيِّدِي
لاسُلطَةَ لِإِلَهٍ كَمَا لِإلهِ الشِّعرِ وَهُوَ يَجلِدُنِي
وَأَعتَقِدُ -غَيرُ مُتَحَفِّظٍ بِالجَزمِ- بِأَنِّي ؛
ظَنُّ وَحيُ اللهِ فِي بَعضِ القَصِيدِ
...
وَيحَ نَفسِي ! قَد قَطَعتُ عُنُقِي بِيَدِ أَنَايَ
وَيحَ إِيمَانِي ! لَقَد حُقَّ لِلمُؤمِنِينَ أَن يَحثُوا فِي وَجهِي التُّرَابَ
أَقُولُ: (أَنَا) ، وَأَعُوذُ بِاللّهِ مِنهَا كَمَا عَلَّمَنِي النَّبِيُّ
بِتَوَاتُرٍ عَنهُ عَلَى ذِمَّةِ رُوَاتِنَا الثُّقَاتِ / ذَوِي الذِّمَمِ الوَاسِعَاتِ
...
عموماً ؛
أقولُ للزَّمَنِ : لَستُ عَابِرَاً
فَلَا تُوَارِينِي بِتُربَةِ مَاضِيكَ المَجِيدِ
أَقَولُ لِلنِّسيَانِ : لَم أَشبَع مِنَ الذِّكرَيَاتِ بَعدُ
فَلَا تَقذِفنِي مِن ذَاكِرةِ الأَحيَاءِ
أَقُولُ لِلعُمرِ : أَلَا انعَطِف صَوبَ الرُّجُوعِ ،
فَإِنِّي أَخَافُ لُغمَ المَوتِ حِينَ لَهوٍ
وَأَقُولُ - عَلَى وَجهِ السُّرعَةِ - لِلسَّمرَاءِ :
وَأَنتِ -أَيضَاً- أَيَّتُهَا السَّمرَاءُ أَلَا انعَطِفِي
لَقَد حُقَّ عَلِيكِ أَن تَجِيئِي إِلَيَّ ،
فَأَمُوتَ فِيكِ كَمَا أَشتَهِي -عَلَى مَهلٍ- قُبَيلَ انفِجَارِ اللُّغمِ فِيَّ
...
وَفِي بَابِ ذِكرِ مَايَسُوءُني
وَعَلَى سَبِيلِ التَّوَجُّسِ -لَا فَألَ عَلَيكِ - أَقُولُ :
إِن حَدَثَ وَمَازَحَنِي اللُّغمُ مُنفَجِرَاً فِيكِ
سَأُكمِلُ صَفقَتِي مَعَ النَّارِ - عَاقِدَاً نِيَّتِي - أن أُقِيمَ لَكِ
مَأَتَمَاً مُلُوكِيَّاً ، إِذ سَأَرمِي لَهَا مَاتَيَسَّرَ لِي مِن مَكَاتِيبِكِ المُحَمَّلَةِ
بِالعِطرِ والشَّوقِ وَالقُبُلَاتِ ، ثُّمَ أَجمَعُ رَمَادَ كَلامَكِ فِي الحُبِّ
كَمَا يُجمَعُ العِطرُ مِن جُثَثِ الوُرُودِ ، ذَلِكَ لِكِتَابَةِ أُولَى مَرَاثِيِكِ
...
غَدَاً أُسَافِرُ يَابنَتِي ، وَفَوُقِي سَمَاءٌ رَحِيمٌ يُظَلِّلُ قَلبِي
عَينَايَ ذَاكِرَتَانِ مُتَزَامِنَتَانِ تَتَّسِعَانِ لِنَسخِ كُلِّ تَجَاعِيدِ الطَّرِيقِ
وَتَحتَ مِقعَدِي أَربَعُ عَجَلَاتٍ ، يَدهَسنَ الوَقتَ ،
وَلَايُوَازِينَ الجِهَات ،
إِذ لَا هُوِيَّةَ لِلوَقتِ ، وَ لَا وَقتَ لِلهُويَّةِ ،
فِيمَاتَبَقَّى مِنَ بَدَلِ الضَائِعِ مِنَ العُمرِ ،
وَبِسَبَبِ هَذَا - يَابنَتِي - لَا أُمَارِسُ حَالِيَّاً فِعلَ التَّذَكُّرِ ،
عَلَى أَنَّ اتِّسَاعَ الزَّمَانِ - عَلَى هَيئَةِ تَأَمُّلِي - هو امتِدَادُ أَنَايَ
ومُطلَقُ هُويَّتِي
...
فَبِسمِ الجَلدَةِ الأُولَى بِسِيَاطِ الدَّهشَةِ
وَبِسمِ أَنَايَ المُتَوَجِسَةِ لَا مِن أَنَاهَا
أُغَلِّفُ قَلبِي بِهَديِّ القَصِيدَة
أَحُومُ كَطَائِرِ القَلَقِ حَولَ سَعِيرِ الشِّعرِ
أَقُولُ لِلشُّعَرَاءِ :مَاااا أَنتُمُ ؟
وَأَهبُطُ بِخِفَّي حَنِينٍ لِقَاعِ حِيرَتِي :
مَن أَنَا ، لِأَقُولَ لِلشُّعرَاءِ مَا هُمُ ؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق