ادب الالتزام
بين المباشرة التقريرية والبناء الجمالي
في قصيدة الشاعرة الاردنية آمال القاسم( السماء تمطر قمحاً):
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
بين المباشرة التقريرية والبناء الجمالي
في قصيدة الشاعرة الاردنية آمال القاسم( السماء تمطر قمحاً):
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
إن الحلول في قناع الزرقاء الشهيرة بعرافتها الرائية بالبصر وبالبصيرة في مجرى الحلم الشرعي هو الاسلوب الجمالي الذي اختارته شاعرتنا القوية الحضور عبر سنوات شهادتنا على ابداعها لفترة غير قصيرة في قصيدتها الجديدة ( السماء تمطر قمحاً) ..
ولم يكن هذا الإختيار عفويا ابدا..
ذلك لأن موضوعة النص تندرج ضمنيا في إطار ادب الإلتزام الذي لم يفقه التعامل معه بشكله المقنع الجميل الا ثلة قليلة عميقة الوعي قوية الموهبة سليمة الذائقة من اصحاب التجارب الابداعيه..
ولقد وقع في فخ الفهم التقريري معظم ادباء المراحل الثورية الأول كما حصل مع شعراء العصر الاسلامي الاول،ولولا التفاتة الرسول الكريم.ص.لصاحب البردة الرائعة كعب بن زهير لما تنبه شعراء المرحلة اللاحقة الى ان التعبير عن الفكر لايعني استنساخه عبر تقريرية فجة يابسة ابدا..
وسوء الفهم هذا قد وقع فيه كذلك ادباء المرحلة الاشتراكية الأول في الاتحاد السوفيتي ودول وارشو على وجه الخصوص ،خاصة ممن فهموا ..لوكاتش.. المجري غلطا فتوهموا ان ..الواقعية الاشتراكية..هي العرض التقريري الموات...وفارق كبير بين رواية ..الأم..لمكسيم غوركي..ورواية ..الغجر يصعدون الى السماء ..لنفس الكاتب..وجميلة جدا تمردات ..اتماتوف.. الرائعة ،كامثلة لتخليص الابداع فهما وفعلا من عنق الزجاجة الخانقه..
ولكي لانذهب بعيدا عن موضوعة حوارنا نقول:
ان شاعرتنا القاسم قد استوعبت هذا الأمر عميقا،وهي تكتب عن مشاعر امة كاملة عبر هذا النص الشعري اللافت فأعدت لهذا الموضوع الشعري الشديد الاغراءحذرا من الوقوع في فخ المباشرة غير الفنية،اعدت عدتها الابداعية بحذق وبراعة عبر اربعة مداخل في مركب جمالي واحد :
1- القناع الرؤيوي التاريخي عبر تقمص شخصية العرافة او الرائية زرقاء اليمامة ،وزيادة بالحذر الابداعي الذكي لم تلجأ حتى الى تسميتها بالاسم الصريح،وانما اكتفت بما نعرفه جميعا عن هذا الحدث الشهير بابرز مفرداته ونعني بذلك تكرارها المتعمد الرائع لكلمة ( ارى..وقد تستبدلها احيانا بمفردة حلمت الصوفية) ذات الدلالات الواسعة النطاق..
(حلمت ان السماء تمطر...
رايت البحار...
رايت المدائن...
رايت الدروب...
رايت ضفائر الحرائر...
رايت اعشاش العصافير...
رايت قلبي...
رأيت الشعر...
رأيت قصائد...
واخيراً..
اني رايت فيما رأيت?!!!
2-الاسلوب الرومانتيكي الحالم الذي يحاول ان يفترع طريقا جديدة بديلا بما يشبه المناورة الابداعية على سوداوية الحياة ،بل على حقيقة مايجري في الواقع العربي برمته..وكأنني بها تريد ان تقول بكل رقة وشفافية ولطف حميم ،هل ان تحقق مثل هذه الاحلام التي تنعم بها امم الدنيا الواعية مستحيلة فعلا?!.. ولم لا نكون مثلها ايضا?!
لكنها كانت مناورة تتميز بالحذق والدهاء الابداعي الدفين الذي سنتحدث عنه في المدخل الرابع..
(رايت المدائن
تمشي بتفاحها
وحقولها
وعراجينها
رايت الدروب
مكللة بالياسمين......)
3-ولقد تنبهت شاعرتنا الى ان كل ذلك الاداء البارع لا ياخذ شكله الفني والجمالي الا بنوع من المبنى البليغ المغمس بالاغراض البلاغية المتنوعة منزاحة بمجمل عرضها بعيدا عن التقرير المباشر الى ما يرتفع بالذائقة الى اعلى انواع الاستجابة الشعورية لغاية في نفسها محورها الاساس توفير اكبر قدر من الاقناع بموضوعة النص الاساسية ذات الوجهين..
* الوجه الترغيبي الحالم..
* الوجه الاحتجاجي المنجرح العاتب عميقا بإسلوب غائر دفين بدء باستعارة قناع الزرقاء وتفصيلا بكل دقائق الاداء التعبيري بعيدا عن الترف المائع او الزخرفة الخزفية الزائفة بل على العكس من ذلك كان لكل انزياح هدف ووظيفة بعينها :
( رايت قلبي
يتدحرج امامي
يلهو مع الغزلان
والاماني
رايت الشعر
في ناصيتي
يبني امجادا
على الورق...)
4-أما المدخل الرابع فهو مآل التورية البلاغية الذي برمجت شاعرتنا القاسم كل عناصر خلقها لكي تتحرك وفق اسلوب فائق الدهشة،حيث ( الصعقة اللدنية) الفارهة التي اعادتنا جميعا من رحلة احلامنا القزحية الباهرة الممتعة في الافق الواسع الجميل الخميل الى ارض الواقع المخيب للآمال حيث المأساة الكبرى ،والفاجعة الصادمة المذهلة حتى لنا نحن المنضغطين تحت ركامها البشع الثقيل..
فأن نفتح لحاظنا لنرى انفسنا في واقعنا الهزيل المعتاد أمر متوقع ومحتمل،وكأن رائيتنا وزرقاء عصرنا لم تكشف لنا فيما وراء الاكمة جديدا لانعرفه..
ولكنها كانت ادهى من ذلك بكثير..
فالصعقة الانكى قد خبأتها لنا في قاع بئرنا السحيق،كاشفة عن امر شنيع مريع ،ذلك اننا في حقيقة امرنا موتى،وأن من نظنهم من اسلافنا جثامينا قد دفناها تحت التراب منذ زمن عتيق اكثر حياة منا حد ان تاتي باحثة لاهثة عن موتاها الاحياء..
معلنة في سياق بحثها ان علينا ان نتفقد اعظم امر فينا وهو الضمير الحي:
( واني رايت فيما رايت
جنائز تلهث تبحث
بين الجموع
عن موتاها
واني سمعت مناديا
في الريح يصيح:
ياصاحِ
قد مات
في غيهِ الضمير)..
------------
نص الشاعرة:
:::::::::::::::::
السماءُ تمطرُ قمحًا
........................
وحلُمْتُ..
أنّٓ السّماءَ تُمْطِرُ قَمْحًا ..
وَأَنَّ الْغُيومَ رَغْوَةٌ
تَنْدَلِقُ عَسَلًا مُشْتَهىً
في أباريقَ
ذاتِ بريق
رَأيْتُ الْبِحارَ
يَطْفو فوقَها اللُؤْلؤُ
تَمُدُّ أَمْواجَها
لِتُصافِحَ الرِّياح ..
رأيْتُ المدائنَ
تمشي مُخْتالةً
بتُفّاحِها
وحقولِها
وعراجينِها ..
رأيْتُ الدُّروبَ
مُكَلّلَةً بالياسَمين ..
والشوارع ترنو مسرعةً ..
تتَراكَضُ مِنْ عَبَقٍ
إلى الأحلام ..
رأيْتُ ضفائِرَ الحرائرِ
تَتَزَيَّنُ بِنَخْلِ الْبِلاد ..
والستائِرَ
تُراقِصُ أَسْرابَ الْيمام ..
رأيْتُ الأعْشاشَ
تَبوحُ بسِرِّها
للْعصافيرْ ..
والعُشْبَ
يتَقافَزُ معَ الفَراشِ
يَكادُ مِنْ نشوةٍ
أنْ يَطيرْ ..
رأَيْتُ قلبي
يَتَدَحرَجُ أمامي ،
يَلْهو معَ الغِزلان
والأماني ..
رأيْتُ الشِّعْرَ
في ناصيتي
يبني أمْجادًا
على الْورَق ..
رأيْتُ قصائِدَ
تَلْفِظُ بحورٓها
فتناثرٓتْ
غيْظا من لفيف ..
وإني رأيتُ فيما رأيْتُ ..
جنائزٓ تلهثُ ..
تبحثُ بين الجموع
عن موتاها
وإني سمعتُ مناديًا
في الرِّيحِ يصيحُ :
يا صاحِ ،
قَدْ ماتٓ في غِيِّهِ الضمير .. !؟!
أنّٓ السّماءَ تُمْطِرُ قَمْحًا ..
وَأَنَّ الْغُيومَ رَغْوَةٌ
تَنْدَلِقُ عَسَلًا مُشْتَهىً
في أباريقَ
ذاتِ بريق
رَأيْتُ الْبِحارَ
يَطْفو فوقَها اللُؤْلؤُ
تَمُدُّ أَمْواجَها
لِتُصافِحَ الرِّياح ..
رأيْتُ المدائنَ
تمشي مُخْتالةً
بتُفّاحِها
وحقولِها
وعراجينِها ..
رأيْتُ الدُّروبَ
مُكَلّلَةً بالياسَمين ..
والشوارع ترنو مسرعةً ..
تتَراكَضُ مِنْ عَبَقٍ
إلى الأحلام ..
رأيْتُ ضفائِرَ الحرائرِ
تَتَزَيَّنُ بِنَخْلِ الْبِلاد ..
والستائِرَ
تُراقِصُ أَسْرابَ الْيمام ..
رأيْتُ الأعْشاشَ
تَبوحُ بسِرِّها
للْعصافيرْ ..
والعُشْبَ
يتَقافَزُ معَ الفَراشِ
يَكادُ مِنْ نشوةٍ
أنْ يَطيرْ ..
رأَيْتُ قلبي
يَتَدَحرَجُ أمامي ،
يَلْهو معَ الغِزلان
والأماني ..
رأيْتُ الشِّعْرَ
في ناصيتي
يبني أمْجادًا
على الْورَق ..
رأيْتُ قصائِدَ
تَلْفِظُ بحورٓها
فتناثرٓتْ
غيْظا من لفيف ..
وإني رأيتُ فيما رأيْتُ ..
جنائزٓ تلهثُ ..
تبحثُ بين الجموع
عن موتاها
وإني سمعتُ مناديًا
في الرِّيحِ يصيحُ :
يا صاحِ ،
قَدْ ماتٓ في غِيِّهِ الضمير .. !؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق