الجمعة، 15 ديسمبر 2017

الاديب ثامر سعيد الغريب، بعيدا عن معبد القبيلة وفي مرحلة التنظير قراءة نقدية بقلم / الاديب الناقد غازي احمد ابي طبيخ الموسوي

الاديب ثامر سعيد الغريب،
بعيدا عن معبد القبيلة
وفي مرحلة التنظير:
******************




لقد ثبت عندي مع تراكم التجارب وتعاقب الخبرات ان الفعل الابداعي الأصيل في حقيقته ( كائن حي) قد يتجاوز بحيويته كينونات حية اخرى متكاثرة في هذا العالم ،وعلى قدر حيويته طبعا سيقترب اكثر واكثر من مستويات التقابل النموذجي مع المخلوق الاعظم واعني به الانسان..
هذا يعني ان ما تفضل به المعلم الاول ارسطو طاليس في نظرية (المحاكاة) يمكن بحسب تقديرنا المتواضع ان يتبلور الى ماهو اعلى بكثير..بحيث يرتقي الفعل الابداعي الى مستوى (المخلوق الحي) وليس مجرد فعل (يحكي) المخلوق الحي..او ( يحاكيه)..بدليل تحول الكثير من النصوص الملحمية والشعرية والمسرحية والقصصية والاعمال الفنية والموسيقية الى ( حقائق) كونية تجاوزت بما لايقاس مستويات اعداد كبيرة من البشر من ذوي الطينة الكسولة او حتى الباردة او حتى المظلمة تنازليا باتجاه الحيوات الدنيا..بينما تصاعدت بالانارة فعليا كواكب بشرية عالية الهمة والعطاء حد ان تقف على دكة عالية جدا مع اعاظم الرؤاة الكماة..
ولقد بلغت كثير من المخلوقات الابداعية مرحلة الخلود حد ان تعيش معنا في يومياتنا الثقاقية والإجتماعية بشكل دائب ودينامي شامل..
كيف وصل الينا جلجامش الابداعي كبعد تصعيدي في مقابل جلجامش التاريخي?!
كيف بلغ اوديب الاغريقي المخلوق المسرحي لسوفوكليس قبل اكثر من الفي عام مبلغ الحضور الفاعل في كثير من تصورات عالم النفس سيجموند فرويد مثلا?!
وكيف بتنا نتحدث عن تصورات مدينة الفارابي الفاضلة باعتبارها احلام مؤجلة يمكن ان تتحقق ?!
وكيف بات جان فالجان واحدب نوتردام هوغو وزيطه واولاد حارتنا محفوظ وماكبث شكسبير وسيف الدولة الشعري عند المتنبي وزورق رامبو السكران وشيخ همنغواي وارض اليوت الخراب وابن يقطان عامر ابن الطفيل والجوكواندا ولوحة التحرير والموناليزا ،ولاحصر ابدا الابحدود المثال،كيف اصبحت كلها وغبرها بالالاف بهذا المستوى من الحضور المدهش في تفاصيل حيواتنا المختلفة على مر العصور?!..
هذا هو الامر الذي تتحدث عنه سردية الاديب
ثامر سعيد آل غريب ( بعيدا عن معبد القبيلة)التي بين ايدينا الآن داعيا من خلالها الى ضرورة وعي التجربة الابداعية الشعرية على وجه الخصوص من قبل اي شاعر يريد ان يبلغ مبالغ التحقق عبورا الى ساحات الخلود والمجد الابداعي:
*
( عليك أن تلمس
بقلبك
النور....
تجمع البروق
التي ستطعن دمك!
من غيوم التآويل
وبجمرة
تفقأ الدمامل
التي قد تتبرعم
على لسانك!
كي تمتطي القصيدة)!!..
ذلك هو مدرج الشاعر الى اعلى وتلك هي عدة غوصه الى اعماق الرؤيا،والا فالسباحة على رمال الشواطئ لاتمنح الخائض غير حراشف الطين..
(فالقصائد الشموس
لاتمنح سروجها
الى الذين
لايقيسون البحر
بنوايا العاصفة
والمتسولين الكسالى
في ازقة الفيسبوك)!!!
اذن فإن حيازة الشعرية النابغة تحتاج الى هم مثخن بجراح المعرفة وهمة فروسية سوبرمانية عابرة للمعتاد،راكلة لكل انواع الاستسهال..
ان ما نراه هنا من ثرثرات (على غير نيل) لاعلاقة لها بالشعر البته..وقد تخرج تجنيسا حتى عن الخاطرة ذاتها فهي كما نعلم جنس ابداعي مستقل ..مع اننا لو قلنا لأحد المتسكعين انك ياهذا تكتب خاطرة جيدة مثلاً فانه سيتهمنا بما لاتحمد عقباه ..
الامر اذن يحتاج منا لكي نكتب قصيدة الى جملة استعدادات بالغة الضرورة،عميقة الاثر فيما سيسفر عن مسعانا من منجز منتظر:
(أن ترسم ظلا
وليس هنالك من شجرة!
تهيئ سلالك للتغريد
قبل صباح البلابل
وتلوِّح للأشرعة
قبل قلوع المراكب )!
اين يكمن سر الحيوية اذن:
------------------
بعد الحديث عن الاستعدادات والموهلات في بعديهما الافقي والعمودي ،الذهني والنفسي ،لابد من ان نتسائل مع شاعرنا الكبير عن سر الحيوية،لنكتشف من خلال ذات النص ،ان المبنى في بعده الشكلي لايصنع مخلوقا ابداعيا سويا ابدا الا اذا كان مكتنزا بالموضوعة ومفعما بالاطروحة ،ولاضير بعد ذلك في ان تكونا استبطانا للذات ام رؤية ذات مستويات فكرية وفلسفية،
فلا معنى للهرم بدون الفرعون ،مهما كبر حجمه وارتفع راسه..ولا معنى لنص يتمنهج الشكل الشعري من دون فكرة او موضوعة او حدث ما فهو بذلك سيفقد روحه وعقله..ولكم تحضرنا ظاهرة ( ملابس الإمبراطور الجديدة) تلك الحكاية الصينية المعروفة ،مع ان الامبراطور كان حاضرا،ولكنه كان خاويا،حتى انه لايدرك عريه المخجل بل المخزي ،ويا لها من طامة كبرى..
(أن تمتطي قصيدة
عليك ان تعضَّ
بفكيك
على غصن أخضر
مثل جندي
يخرجون شظية
من راسه
بلا حقنة تخدير
ان تدغدغ الحروف
كما يدغدغ منجل
أعناق السنابل
فيملأ كفيك قمحها
ثم تفكر
في جوع جديد)!
وما القمح الا ثمرة الفعل الابداعي وما سنتحصل عليه من اثر يفترض ان يكون ايجابيا..
وما البحث عن جوع جديد سوى توكيد من الشاعر على ديمومة الرحلة ( فما ان ينتهي طموح المرء حتى ينتهي أن يكون ثوريا) كما يقول عزيز محمد( او مبدعا في مثل هذا المقام)الذي نحن بصدده الان..
فمصافحة الذات وعقد صفقة سلام معها يعني موت المبدع ذاته وبالاحرى موته ابداعيا..وهذا تنظير لعمري يضرب على وتر بالغ الحساسية على راس من يظن انه وصل الى الذروة العالية التي لايرقى اليها السيل،ولكم تذاكرنا مع المتلقي الكريم بمقولة الإمام علي .ع.حين سألوه عن اشعر العرب فأجاب قائلا:
( ليس للقوم قصب سبق يذهبون اليه) فخط المعرفة لامثابة له الا بحدود ما رسمه العظيم محمد.ص.في معراجه الباهر..
ماذا بعد الارهاص:
------------
في مرحلة الشروع بهطول المطر..وبعد جهوزية الغمام الثقال يوصينا سادن هذا النص بما يمنح القصيدة رشاقتها واسرار جمالها بعيدا عن الترف الشكلاني الآيل الى الترهل ،أوالاستسهال المتعجل الآيل الى نكأ الاحلام وفقدان الفحوى،وذلك يعني ضمنيا فقدان الحيوية ،التي هي عنصر الخلود الاعظم..
( لاتغنجها فتخذلك
ولا تنكأ
ببلادةٍ أحلامها
فتخونك..
مثل زوجة
لم تملأ عينها
فيملأ قلبها سواك..!!!)
رحلة الكاهن الأخيره:
--------------
في مرحلة الهطول،او الانجاب ،سمها ماشئت يدعونا الغريب الى ما يحصن الوليد من القيصرة المتعسفة والولادة المتعسرة بعيدا عن اثار المحيط الضاغط الذي اخذنا منه ما نريده في القصيدة،ذلك لأن
( العزلة بيت الأفكار) مثلما ورد عن علي .
ع.
وتلك دعوة لنا بالابتعاد عن كل مايشوش علينا سلاسة الانثيال وسلامة الانهمار:
( كي تمتطي قصيدة
عليك ان تتقن الطلق
وحيدا...
وبعيدا عن معبد القبيلة
حيث لانخلة تهزها
ولا رطبا يهطل
سوى جمرات قلبك
على ثلج الكلام...)
ويالها من خاتمة مسك مدهشة يامن هربت بوليدك حرصا عليه بعيدا عن معبد القبيلة من ان تلوثه جراثيم الزيف وميكروبات الادعاء الفارغ...
اتذكر كيف اتفق ذات ليلة سلفادور دالي مع صديقه المسرحي الكبير جان جينيه على سرقة معرضه من دار العرض المقرر غدا من اعلى البناء بطريقة غريبة جدا لامجال لسردها الان ولكنه كتب على الجدار بديلا عن لوحاته عبارة واحدة( لن اسمح لأحد بتدنيس معرضي ابدا)..
خالص التقدير اخي وزميلي المبدع الكبير ابا غزوان الغالي..تحياتي،والسلام..
-------
نص الشاعر:
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
بعيداً عن معبدِ القبيلةِ
ثامر سعيد
......................
عليكَ أنْ تلمسَ بقلبِكَ النورَ
تجمعَ البروقَ التي ستطعنُ دمكَ
من غيومِ التآويلِ
وبجمرةٍ تفقأ الدمامِلَ التي قد تتبرعمُ
على لسانِكَ
كي تمتطي القصيدةَ ..
فالقصائدُ الشَمُوسُ
لا تمنحُ سروجَها
إلى الذينَ لا يُقيسونَ البحرَ
بنوايا العاصفة
والمتسولينَ الكسالى
في أزقّةِ الفيسبوك .
أنْ ترسمَ ظلاً وليسَ هنالكَ
من شجرة
تهيئَ سِلالِكَ للتغريدِ
قبلَ صباحِ البلابلِ
وتلوّحَ للأشرعةِ
قبلَ قلوعِ المراكبِ .
أنْ تمتطي قصيدةً ..
عليكَ أنْ تعضَّ بفكيكَ على غصنٍ
أخضرَ
مثلُ جنديٍّ يُخرجونَ شظيةًهِ
بلا حقنةِ تخدير .
أنْ تدغدغَ الحروفَ
كما يدغدغُ منجلٌ أعناقَ السنابلِ
فيملأُ كفيكَ قمحُها
ثم تفكرُ في جوعٍ جديدٍ .
لا تغنجْها كثيراً فتخذلكَ
ولا تنكأ ببلادةٍ أحلامها فتخونُكَ
مثلُ زوجةٍ لم تملأ عينَها
فيملأُ قلبَها سواك .
كي تمتطي قصيدةً ..
عليكَ أنْ تتقنَ الطلقَ وحيداً
وبعيداً عن معبدِ القبيلةِ
حيثُ لا نخلةً تهزها
ولا رطباً يهطلُ
سوى جمراتِ قلبِكَ
على ثلجِ الكلام..!!!
 
 
التعليقات
 
غسان الحجاج هذه السطور بمثابة المسلة التي نقشت بقانون الابداع او اسمحوا لي بأن اسميها وصايا الابداع لانها تعمم على المشهد الثقافي لما فيها من خلاصة تجربة شعرية للشاعر الكبير ثامر سعيد ال غريب فالنص الذي يحيد عن هذه الوصايا سيسقط في هاوية النسيان اما النص الذي يقع ضمن نطاق هذه الوصايا فسيدخل في خلود التأريخ كما تفضلتم وأشرتم بهذه القراءة النقدية الفارعة فضلا عن الأسلوب المشوق للنص والقراءة النقدية على حد سواء ..
تحياتي ومودتي لكما ايها المبدعان الكبيران
 
ثامر سعيد آل غريب لحضورك الجميل طاقات الورد وحشود المودة صديقي العزيز أستاذ غسان الحجاج .
 
أسامة حيدر هي قواعد الإبداع أو وصايا الإبداع كما تفضل أخي غسان الحجاج شاعرنا الرائع.
نعم يحتاج جيل شعرائنا اليوم إلى المزيد من الوصايا ورسم صوى الطريق والابتعاد عن تضخم الذات لأنّ فيها المقتل.
أحسنت أستاذي
غازي احمد ابوطبيخ، ومنك دائما نتعلم برضى وقبول بل بشغف المحب لعلمه ومعلمه.

ولا يُخفى روعة النصّ وجماله وقيمته الأدبية والتعليمية.
 
ثامر سعيد آل غريب هي روعتك وجمال روحك صديقي الرائع أستاذ أسامة. تحياتي.
 
ليل البنفسج كنت دائما اقف على جمال وروعة وقوة نصوص الاستاذ الصديق ثامر سعيد والذي توجته مرارا فارسا للحرف شكرا لقرائتك الرائعة استاذ دائما تتحفنا بروعة تحليلك وتجلياتك العابقة
عميق محبتي واحترامي لكما ..
 
ثامر سعيد آل غريب ممتن لهطولك العذب هذا صديقتي المبدعة ليل البنفسج . دمت ودام ألقك.
 
حسين ديوان الجبوري قصيدة رائعة جدا وصور جميلة ورمزية شفافة سلمت اناملك ايها الشاعر القدير ثامر سعيد تحياتي لك.
اما عمينا الكبير صاحب الرؤى الثاقبة الناقد الجسور واﻻديب اللامع شيخ اﻻدباء اﻻستاذ
غازي احمد ابوطبيخ فقد ابليت بﻻ منقطع النظير وليس غريبا او مفاجئا هذا الطرح ال
بناء النقدي المتسلسل فقد امتعتنا ايما امتاع واظهرت براعة وثقافة وباعا طويﻻ وخبرة متراكمة في مجال النقد واﻻدب واني اجد نفسي لسعيد جدا بما يفيدنا حقا من طيب وجمال الكﻻم واللغة وكانها تنساب ك الماء منسبا من اﻻعلى الى اﻻسفل ليصنع جماﻻ اخاذ يخطف الألباب ادام الله عليك نعمة التبصر والبصيرة وانت الناقد المتبصر والف تحية من القلب لك اخي واستاذي ابا نعمان الغالي
 
 
ثامر سعيد آل غريب نعم صديقي العزيز أستاذ حسين ديوان الجبوري . لقد كان أستاذنا الجميل غازي احمد ابوطبيخ منتجا متفوقا لنص تحليلي شاهق تجاوز نصنا المتواضع. سلمت وبوركت صديقي.
 
 
زكية المرموق مقاربة شيقة لنص شيق
 
 
ثامر سعيد آل غريب شرف كبير أن يمر على نصي المتواضع هذا ناقد فذ بقامة الأستاذ الرائع غازي الموسوي آفاق نقديه . فيترك أوشامه العطرة على خارطته. معالجة فالقِ الأصداف الفطنة وضعتني أمام نص إبداعي آخر ينضح ألقا. محبتي لك بلا حدود سيدي.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق