الأحد، 10 ديسمبر 2017

نشيد الحياة الصاخب /2 بقلم الروائي الناقد / جمال قيسي


 نشيد الحياة،،،الصاخب /٢
 
 
عدة أمور احاول ان انطلق منها،،لكني اشعر بالارتباك ،،لان الموضوع لايمكن ان يغطيه مقال او اكثر ،،لكن سأحاول ،،قدر الإمكان ،،وربما سأهمل. بعضها،،ليس عمدًا،،بل انها ستفوتني،،بحكم قدرتي الآدمية ،،مع اني في المقال الاول،،إنما كنت احاول التسخين ،،من اجل الولوج الى عالم نزار القباني ،،الجميل والعذب،،والذي يتسم بالصعوبة البالغة ،،لأنك مهما حاولت لن توفي حقه،،
وعي نزار القباني الشعري ،،متقدم علينا ،،حتى عندما يتناول موضوعة الغريزة الاولى ،،فهو يحفر في لحظات التكون ،،وينقل أجواء الخلق،،،العاصفة ،،ومن هنا سأتناول. قضية ( الحب ) والقضية الثانية ( الثدي ) وهي من الثيمات التي يركز عليها في خطابه الشعري،،،مع وصف للجو العاصف ،،للعلاقة الاولى بين الرجل والمرأة ،،اي بمعنى تكون مشروع الحياة ،،هو يتجول طليقًا في تصوير هذا الفعل الجامح من كل الزوايا،،،بدور ألهي،،ينقل كل مايدور ،،من مشاعر ،،لحظات تخلق الحياة ،،مع نظرة سيسيولوجية ،،،للناتج بعملية استرجاع واستباق زمني في آن واحد،،وهذا احد اسرار عبقريته،،،ولنأخذ مثلًا،،،،
أحبيني .. بلا عقد
وضيعي في خطوط يدي
أحبيني .. لأسبوع .. لأيام .. لساعات..
فلست أنا الذي يهتم بالأبد..
أنا تشرين .. شهر الريح،
والأمطار .. والبرد..
أنا تشرين فانسحقي
كصاعقة على جسدي..
أحبيني ..
بكل توحش التتر..
بكل حرارة الأدغال
كل شراسة المطر
ولا تبقي ولا تذري..
ولا تتحضري أبدا..
فقد سقطت على شفتيك
كل حضارة الحضر
أحبيني..
كزلزال .. كموت غير منتظر..
في هذا المشهد أعلاه ،،،الصاخب والمتوحش في الجموح الخلاق،،،يتنقل في التاريخ المطلق للخلق،،،كإله يجوس ،،مسرح واقعته ،،صوته ذكوري ،،لكنه في حالة استغاثة من الوحدة،،وهو ما سنتناوله بموضوعة ( الحب ) ،،هو ذكوري،،لان الرب الشرقي المتسيد ذكرًا( نذهب هنا بالرب،،الى ولي الامر او السيد ،،او السلطان )
ينتقل الى حقبة. نضج الحضارة ،،ونمطها الثقافي،،ليخبر من يخاطبها،،بأنها لغط فارغ ( ثقافة الحضر ) ،،هو في مرحلة استباقية،،،وفي نفس اللحظة وبجموح يطالبها بالعودة الى اللحظة الاولى ،،ذكر وأنثى فقط،،،مع مطالبة ألهية بالشروع في الحياة،،كل هذا الصخب الذي تلفه مثيرات التخلق ،،من الأجواء المدارية الساخنة،،والأمطار ،،المتوحشة ،، لحظة نهوض حواء والجموح الذي جمعها مع آدم ،،تلك اللحظة التي دفعا ثمنها الهبوط من الجنة ،،،أن تستبدل الفردوس،،باي شيء اخر اقل منه،،لابد من انه يستحق المجازفة ،،مايدفع الى ذلك هو أمر ،،في غاية الخطورة ولايمكن إغفاله ،،لو لم يهبطوا. الى الارض ،،او رمزيتها،،لما كان هناك حياة،، هذه اللحظة الزمنية النفيسة والنادرة هي رسالة نزار القباني
ونلاحظ هنا ،،انه ينقلنا الى هذه اللحظة ،،،بصور ،،ومشاعر ،حتى تصيبنا القشعريرة لهذا الفعل الالهي ،،لدرجة تستنفر كل هرموناتنا ،،للعودة الى الوظيفة الاولى،،
في عملية انمحاق للضمير الذي تراكم بفعل تقسيم العمل،،لامعنى للحياة الا بالذكر والأنثى ،،ولحظة اجتماعهما،،،ومن ثم الولادة والموت،،،وتنتهي الحلقة الإلهية المقفلة
في جزء من خطابه المهم ،،،،،
من لايلتمس البعد الاجتماعي والسياسي والتاريخي في ثنايا شعر نزار القباني فهو اعمى،،،البصيرة ،،ففي هذا المقطع ،،يلخص لنا كل التكلسات التى صادرت حقوقنا الآدمية ،،في مدن القهر،،ومجتمعات الكبت،،والاستبداد،،والتعصب،،،ليقولها صريحة ،،مدن تعيش مسفوح فيها الحب،،وهي اللحظة التي قرر فيها الإله،،،إهمالها ،،لانها تسير بالضد من مشيئته ،،ولننظر. في المقطع أدناه ،،،
أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت
بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت..
بعيدا عن تعصبها..
بعيدا عن تخشبها..
أحبيني .. بعيدا عن مدينتنا
التي من يوم أن كانت
إليها الحب لا يأتي..
إليها الله .. لا يأتي ..
في موضوعة ( الحب ) ولانريد هنا ان ندخل في تعريف رومانسي او حتى علمي،،الحب هو المشاركة،،اي بمعنى الحياة،،،لامعنى للانسان الفرد الوحيد،،،فعندما قرر الله ان تبدأ الحياة،،خلق شريك لآدم ،،مع ان الله لم يصف علاقة الرجل بالمرأة ،،بالحب،،وإنما بالمودة والرحمة،،وهي متأتية من الحب،،بينما وصف علاقة المؤمنين بالله ورسوله،،بالحب ،،اي التمسك بمنهج العمل لبناء الحياة،،اما عملية الانجذاب الهرموني بين الجنسين فهي ،،احد ممهدات الحب،،الذي يفضي الى خلق أسرة ،،ومجتمع ،،وتاريخ وعمار للأرض ،،وهو التبرير الوجودي ،،وفق الكتب السماوية،،وهنا القباني يذهب بالحب الى معناه الواسع،،التي تمثل العلاقة الاولى،،احدى. مراحله،،،
اما في موضوعة ( الثدي ) ،،على الانسان ان لاينسى ،،تصنيفه ولأي شعبة حيوانية ينتمي،،نحن البشر،،نصنف بالثدييات،،الجزء المهم من الحياة،،مرتبط بالرضاعة،،اي بمعنى ان النهد،،والثدي،،هو المرجعية الاولى للعيش،،وانا اكتب هذا الكلام وتذكرت امي،،حتى سالت دموعي،،ليس صحيحًا ان نسفه،،أساس الحياة وجذورها ،،ثدي المرأة ،،هو من زودنا بالعمر،،وهو من نظم العلاقة في التزاوج،،بطريقة سمتها الوعي،،،
نزار القباني ،،يشتغل هنا في هذه المنطقة،،،وهذه المفاهيم ،،عندما يطلب ان يكون نقشًا على معطي الحياة،،فهو بلا قدر كرجل،،يبحث عن الانبثاق في الحياة من الأسباب الاولى،،،
وخلي نهدك المعجون..
بالكبريت والشرر..
يهاجمني .. كذئب جائع خطر
وينهشني .. ويضربني ..
كما الأمطار تضرب ساحل الجزر..
أنا رجل بلا قدر
فكوني .. أنت لي قدري
وأبقيني .. على نهديك..
مثل النقش في الحجر
في قضية اخرى ،،يعطينا درسًا في ثقافته الجامعة و سعة أطلاعه وطريقة الفذة في توظيف الأسطورة ،،،لنرى لماذا يصف المرأة بغابات الحناء،،،،
يصور المرأة بالصهباء،،،اي ذات شعر احمر،،،انه يخاطب ( ليليث ) الصهباء ابنة اخت الشيطان،،وزوجة آدم الثانية التي طلقها ليتزوجها قابيل لاحقًا ،، واحدى الروايات تقول انها الاولى ،،التي تلد مئة طفل باليوم،،وهي التي ترافق العواصف والأمطار في الأسطورة البابلية ،،باسم ليليتو،،وكذلك عصت الله ،،واتخذت حلفًا مع المبعد ابليس،،،وفي مكان اخر،،هي الحية التي اغوت آدم ،،،وقد رسخت بصورتها الصهباء،،وفق ما ذكر في الأسطورة ،،وعزز ذلك اهتمام الشاعر الإنكليزي كيتس والألماني غوته ،،بشخصية الليدي ليليث ،،و لوحة الرسام العظيم. جبرائيل روزيتي،، الذي أضفى المعاصرة على شخصيته وتحولت. الى رمز المرأة القوية والذكية والجميلة
لا اعرف،،ربما فاتني الكثير،،،ولكن هذا هو نزار القباني،،،في احدى قصائده،،التي لفت انتباهي لها الشاعر الكبير مزاحم التميمي،،،وهي القصيدة المتوحشة ،،،وهي احدى عيون الشعر في التاريخ،،،
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق