الخميس، 30 مارس 2017

بين محفوظ فرج وغازي ابو طبيخ،،،رحلة نص ونص موازي بقلم / جمال قيسي

بين محفوظ فرج وغازي ابو طبيخ،،،رحلة نص ونص موازي
جرأة كبيرة ان يتناول الاستاذ غازي ابو طبيخ شيخ النقاد،،مثل هذا النص ،،ليس من باب التمكن من صعوبة النص معاذ الله ،،والأستاذ شيخ النقاد والأكثر قدرة على ذلك،،لكن مثل هذا النص هو من المحرمات و في مثل هذه الأجواء تناوله ،،فيه نوع من الفدائية ،،وهذا ليس غريباً عليه فهو القدوة الحسنة ،،
 
 
محفوظ فرج ،،هو ليس سعدي يوسف ولا بلند الحيدري،،ولا البياتي ولا النواب،،،ولكن في نصه هذا هو متفوق عليهم،،،من حيث المصير،،ومحمولات الخطاب ،،نعم لدينا الان شعراء كبار مثل عادل سعيد ،،واسعد الجبوري،،فالأول ،،هو أسير المحمول الايديولوجي ،،بعيد عن معطيات القضية الوطنية بصورتها الراهنة ،،بحكم اغترابه،،وكذلك الجبوري،،هو شاعر متعولم ،،والنواب تزوج القضية الفلسطينية ،،وكذلك سعدي يوسف ،،هو في تيهه الاغترابي ،،،هم كبار في الشعر،،،ولكن معطياتهم ظنية ،،غير معيشة،،،اما محفوظ فخطابه حيوي مرتبط بالأرض والوطن من سرته ،،،،
عندما نبحث عن الإجناس الأدبي ،،في نص ما لزم الامر تناول الشاعرية ( بويطيقا = ادبية الادب ) ،،اي بمعنى البحث في النص ان كان مايميزه كأدب،،وليس خطاباً تاريخياً او اجتماعياً او علماً صرف،،،مع ان كل نص ادبي ينطوي على بعد ايديولوجي ( يتضمن فكر خاص به ) ،،وعندما تتحقق لدينا رؤية البنى المكونة ،،نمسك بالسياق عندها تفضي فعاليته التالية الى عملية التناص،،والتأويل ،،وتحقق محفل الخطاب ،،ومن ثم فائض معنى ،،مايميز الجنس الشعري،،هو التهويل ،،والشاعر كونه مهوال كبير ،،يحاول ان يطوق الوقائع ،،ويحولها الى حقائق بمنظومة مفاهيمية رمزية ،،مكثفة،،يسلط الضوء من خلالها على كل العقد التي يراها بعينه الثاقبة ،،ومن ثم يدون بحقائقه احتجاجه ونبؤته ،،لتشكيل هذا العالم المتهول،،الشاعر ابن جماعته حامل همومها وسردياتها ،،ناطق بلغتها ،،ليس الأبجدية. المقعدة فحسب،،وإنما بمحمولات الملفوظات ،،هو متمكن من شحن الملفوظ،،أقصاه ،،نقاش على مسّلة ،،هي جزءٌ من مخيال الجماعة ،،،،وفِي نص الشاعر محفوظ فرج ،،،لدينا تقولات كثيرة ،،سنوجز المهم منها
١- هل النص موضوع البحث هو من جنس الشعر او حتى من الادب ( عندما نذكر نص،،يعني نؤشر وظيفة ) ،،،
النص هو جنس ادبي بامتياز،،ربما فيه خرق للقواعد التقليدية من عروض او تفعيلة الخ،،،غير انه نص شعري ( قصيدة نثر ) ،،وهذا الأسلوب اصبح راسخاً رغم اعتراض الحرس القديم ،،وكما اشرت ،،مايميز الشعر هو التهويل ،،والرمزية،،والكثافة ،،،والتنبير والموسقة ،،،عكس الجنس الروائي والقصصي الذي يعتمد على التخيل ،،،ربما وردت جمل سردية،،،انها محض سرد ولايمكن تنسيبها للسرد الطويل لغياب القص والحكي والمنظور السردي ( الراوي ،المروي، المروي له ) ،،ولكن الشاعرية متحققة ( واشدد على ان معنى الشاعرية هي ادبية الادب ) ،،وفق نموذج ياكبسون هناك ( مرسل،،ومرسل اليه ،، مرجع وقناة توصيل ،،الرسالة )
إذاً هو نص ادبي من جنس الشعر،،،
٢- في الخطاب وفعاليته الإجرائية ،،،يذهب بول ريكور الى ان الخطاب هو كل نص قيد بكتابة ،،والخطاب عنده يتحقق بمحفل طالما تحققت وظيفتين رئيسيتين ،،هما وظيفة الهوية ووظيفة الأسانيد ،،،فالوظيفة الاولى ( الهوية،،كل الأدوات التي يستخدمها صانع الخطاب ،أهمها اللغة او الصيغة الأداتية ،،للتقول،،بالاضافة الى الامكانات التقنية ) ،،ووظيفة الأسانيد هي المجموعة المرجعية لصانع النص من حيث هو كائن اجتماعي ،،وجوده المتميز مرتبط بوعي،،وهذا الوعي جزء من وعي جماعي ،،لذا تكون صيغة الزمان مؤرخنة ،،وجزء من حراك الجماعة التاريخي ،،فالشاعر حال لسان الجماعة في فعاليتهم الثقافية،،وهو صاحب رؤية استشرافية ،،ان تحقق فائض المعنى ،،او الميتا- معنى ،،اي القصديات ذات الهدف التي تحدد مصير الجماعة ،،خلاصة القول ان الشعر هو خطاب المصير
٣- سيمولوجية الملفوظات والجمل ( سيمولوجية / العلامات او الإشارات ،،عندما تكون الكلمة إشارة الى إطار مرجعي ،،اي عندما نسمع اسم ( ذنون ) ،،هذا يعني ان صاحبه من الموصل ،،،او اسم جمال او عبد الناصر فأننا نعرف حامل الاسم هو من مواليد ١٩٥٧ او٥٦ ،،من العراقيين لكون الأجواء القومية والوطنية في العراق كانت متأثرة بشخص جمال عبد الناصر وتأميمه لقناة السويس في ١٩٥٦ ،،،،وهكذا تشكل الكلمات والجمل عمليات احالة أطارية ومرجعية ) نقول ان سيمولوجية الملفوظات تشكل ،،ستراتيجية المصير في الخطاب،،،في المعنى الأولي للخطاب ( القول ) ربما تشكل الجملة الواحدة خطاب،،،لانها تشكل سياقات تام المعنى ،،ولذلك تلعب كل كلمة دور وتؤدي وظيفة،،ومن خلال العلاقات القائمة افقياً بين الملفوظات بالجملة الواحدة والعلاقات الاخرى في ترابط الجمل بعضها ببعض ،،افقياً ،،نستطيع تصور شكل النص،،وربما هناك من يسأل ،،وما هم القارئ بهذا الامر ،،وما هي الفائدة التي يحصل عليها،،،والجواب في غاية البساطة : ان فهم اللعبة الفنية للكتابة ،،ووضوح طريقة عمل البنى وطبيعة علاقاتها تيسر الفهم ،،والتي تؤدي في نهاية المطاف الى تحديد المسافة بين الكاتب ،،والقارئ،،وتكافئ الطرفين ،،مما يتيح تأويل النص وتحقيق اغراضه ،،،ان عدم فهم الشكل ( البنى،،وعلاقاتها ) ،،يعني تسلط المؤلف،،واضمحلال دور القارئ ،،وبالتالي سيكون الأخير خاضعاً للأول ،،ولا تحدث عملية خلق ثقافي ،،
ان طوبوغرافية ،،الفضاء في نص محفوظ فرج ،،تمتد على جغرافية العراق السياسية والتاريخية المعاصرة،،،وصوت الوطني الشريف المقموع،،،فهو عندما يقول ( بغداد تعوم على رؤوس ابنائها) ،،فهو ينفتح الى ما آلت اليه الأوضاع بعد الاحتلال ،،وعدم ظهور نظام حكم وطني،،،مما جعل العاصمة وهي رمز الادارة للعراق في حالة يرثى لها،،،ويستشهد بمؤسساتها المدنية ،،ومرافقها الحيوية سواء بمرأب العلاوي ،،الذي يشكل العقدة التي تنفتح على اجزاء العراق،،،ومنصة التناقل ،،وكذلك باب الشيخ،،ولما يمثله الشيخ عبد القادر ،،كونه رمز المقاومة الاسلامية ،،وصانع الجيل الذي قاوم الغزو الصليبي،،،وكذلك بفنانيها وبالذات مؤسس الفن التشكيلي العراقي عبد القادر الرسام ،،الفنان الذي دون مناظر العراق وارشفها،،وكل هذه الرموز المنتقاة بدقة،،هي عوامل توحد للنسيج الوطني العراقي ،،وهو ابن الموصل البار،،،الذي يمسك بجماليات المدينة وأطرافها ،،سواء بزمار او منطقة الغابات او ربيعة ،،او سوق الصاغة،،او باب الطوب،،،هو يؤرشف حتى لايتخطانا التاريخ ،،ويبقى ممسكاً باللحظات الجميلة في جامعة الموصل ،،ومنطقة المجموعة الثقافية ،،،،
انه نص متفوق،،،وموجع،،،وبالغ الأثر ،،،،وخطاب ثقيل ،،،امتلك اللحظة الراهنة ،،وعذابات الانسان العراقي الشريف ،،الذي يسعى الاخر،،الى طمسه،،،سواء كان الغرب او دول الإقليم ،،او داعش ،،،،،
هو امتلك الحقيقة،،والتي انا بدوري انادي بها،،،ان عمق العراق ليس دول الجوار ولا الحيّز العربي باستثناء سوريا،،ولا الغرب،،،،،عمقه الحقيقي هو نفسه،،،حياك الله سيدي،،وأعانك وأيانا،،على هذا الامتحان العسير،،،،
جمال قيسي / بغداد
نص الشاعر :
----------------
بلّغوها
بلغوها غيابي عن غبطة المنفيين حين يعانقوا ظلالهم في القيظ
بغداد تعوم على رؤوس أبنائها
لم أغازل الاملاق ولم أنحنِ له يوما كم وكم افترشتُ أرصفة باب الشيخ والعلاوي والكفاح وعانقتُ روحي الحبيبة حين ترتكها تحبو وراء النصب واللوحات كنت أخاف عليها من الحسد وادعوها ثم تعود أدراجها راكضة نحوي
بنت عمري هذه التي لوَّحتْها الانبهارات بقصائد البغداديين وريشة ( عبد القادر الرسام )
كنت دائماً أقع في الأسر وتتوالى على أقدامي الأساور
وتتسلل هي إلى محلات التسجيل تنتقي لي قطعة موسيقية تنقلنا إلى ( غابات الموصل )
ثم تتوارى
اسأل عنها
الغادين ونوار اللوز
جذوع الصفصاف
أدخلُ ( زمار) وألقى الحسناوات
يتحلقن حيال النبع
أرأيتنَّ جوان؟
بين شعاب الطرق الملتوية
محلولة شعرٍ تهفو نحو المسك
الذاكي من متنيها
غزلان ( ربيعة)
أصعدُ فوق النبع
تبهرني موسيقاه
صوت الغربة يلتف على صوت عصافير
بلادي
وجوان أشمُّ بقايا رائحةٍ منها
في عيني طفل آوى تحت خيام البرد
( بتلعفر )
يسأل عن أهليه
المح اشراقتها عند تفتُّقِ أول كُمٍّ
يتخبأُ تحت قميصٍ
في جامعة الموصل
المح منها شيئا في سوق
الصاغة
برقُ قلادتها فوق الصدر
خارطة يتعانق فيها النهرين
يبرق دمعٌ يصّاعدُ من عين
امرأةٍ في ( باب الطوب )
تلتف على جرح في القلب تخبأهُ تحت عباءتها
يرطن في أذنيها جنديٌّ ألفت لهجته
لكن لا تفهمها
محفوظ فرج
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
 
 
آفاق نقديه هكذا ابا سرى الناقد الكبير..
ذلك لأن النص المهم سيظل مكظوما مكلوما مكعوما اذا لم تمتد اليه الايادي الراسخة من اجل تحريكه وتنشيط دورة استحالة حياته..
ومازلت اتذكر بدهشة كبيرة كيف وقف مايكل انجلو على راس تمثاله الكبير..موسى..في باب الفاتيكان, حاملا مطرقة النحات الاعظم ..ليكشف الستار امام الالوف الشاخصه فيظهر التمثال العظيم..حيث يهوي بمطرقته على راسه صارخا بقوة راحت ترددها جنبات المعبد اليسوعي الاعظم:

- إنطق.........
ولم يتوقف الناس..واعني وعاة الناس, عن الشخوص , ولا عن تحليل الكلمه..
- انطق اذن ايها النص المنيف..وليكن الطوفان..
ومرحبا بزوايا النظر المتنوعة مادامت في خدمة الغرض الحضاري عامة وخدمة النص الجميل خاصة..ذلك ما نسعى اليه دائما..
كل التقدير اخي الناقد المعمق الاستاذ جمال قيسي العزيز..
سننقل النص كاملا..نقدا وقصيدا الى صفحتنا افاق نقديه مع الوداد الخالص..تحياتي..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق