السبت، 4 مارس 2017

مسلمات جدتي والتبولة - بقلم/ فاديا الخشن

مسلمات جدتي والتبولة
كتبت فاديا الخشن
تحملنا الايام في جيوبها كما الكنغر لتوزعنا على بيادقها البيض تارة والسود تارة اخرى ليعزف كل منا لحنه الخاص
لكنه الحنين غالبا ما يلبسنا لبوس الفاقد الحزين فنقف على عتبات الامس نستحضر غرقى الذاكرة نحدق بالصور الهاربة من الألبوم نقطعها بنظراتنا ونبللها بدموعنا نحاول ان نستنطقها نقرا فقه سفرها الطويل الطويل ما سكين الصحو المتجهم الغامض في وجوهها
في مثل هذه الطقوس المشبعة بالغياب كان ينسال وجه جدتي من سطوح الضوء المنعكس على صورتها المعلقة فوق جدار الوقت وجهها الذي كان يداهمني على حين غرة لتندلع كلماتها متجولة في عوالمي كمداهمة القمر لسطح الماء الساكن
فيرن جرس صوتها في اذني مالئا فجوات عظامي بالقصص والمواعظ الدافئة تلك التي كانت بالنسبة اليها مسلمات غير قابلة للطعن مسلمات سرعات ما تعمم بالانشطار بهمة ام حسن وام احمد وام عدنان وام طارق
ليتم تطبيقها على بناتهن 



 فجدتي التي اعتمدت الفرضيات معتبرة اياها نظريات كانت مصرة على ان تصف زماننا بالزمن الجاحد وكانت تصف ملابس الفتيات بالملابس المارقة الحارقة وتصف احلام جيلنا بالاحلام الكالحة الرمادية الباردة
جدتي الزاهدة المتقشفة اللطيفة والكريمة المحبة حد الالم كانت ترميني بشلال من الامثال الشعبية الغريبة( كقليل البخت عضه الكلب في الزحمة )وصار للدبانة دكانة وصارت توعى بكير ) (وفالج لا تعالج ) وهلم جرا كنت اغرق في الضحك كلما وصفت نفسها بالبطل الذي يناضل في بئر عميق كلما قابلت نصائحها بعقوق او عبث وعلى الرغم من انها كانت صديقتي فقد كنت اتمنى لو انها اكثر عينية ولو انها تعتمد العلم لانه اكثر اغتناء ومصداقية ولانه يحميها من الوقوع بالالية وتكرار صيغ ثابتة لاتفي بمتطلبات عصرنا
فجدتي التي شعرت بالم في اذنها ذات يوم لم تقصد طبيبا بل سالت جارها الذي كان يعمل في دباغة الجلود( ابو حسن ) استجاب لطلبها بطيب خاطر واصفا لها الزيت المغلي على ان تبرده ثم غتغمس قطنه به وتضعها في اذنها
هذه الوصفة زادت حدة الالم في اذن جدتي فجدتبي التي تثق بالطب الشعبي والنباتي اكثر من المستشفيات لم تراجع طبيبا مختصا بل اكتفت بان تناولت الوصفة الثانية التي وصفها جارها وهي ان تعصر البصل وتغمس قطنة به وتضعها في اذنها فتفاقم الالم والتهبت اذنها جدتي لم تفقد الامل فجربت الوصفة الثالثة فابو حسن نصحها بان تعصر ليمونة وتغمس بها قطنة وتضعها في اذنها اذنها التي التهبت ولم تعد قادرة على تحمل الالم
بعد نقاش حاد وطويل اقتنعت بان تزور طبيبا مختصا بالاذن والفم والحنجرة ولما سردت للطبيب وصفات جارها الثلاث كاد الطبيب ان يقع على الارض من الضحك قال لها يا حجة شو عاملة باذنك تبولة وجاية تقولي لي التهبت طبعا بدها تلتهب فانت لم تعتمدي الطرق العلمية في علاجها
فكثيرة وطريفة جدا قصصي مع الجدة الحنون تلك الذكريات اقابل بها فواصل عمري وامضي بالاسئلة كقلق عنيد او كسائح في الخيال مهمته الامساك برائحة الغياب وترجمة المنافي هكذا يستدرجني الامس على غفلة مني فتاخذني المسافات في كرنفالاتها المنطفئة فابتعد بخيالات تحلق بي هاربة علني اجد فرصة للتدرب على الحياة خارج القفص فرصة لاجرب مفاتيحي الحديثة فرصة لاستخلص الحرير القديم فرصة لالملم ظلال الامس ومسوداته الزاخرة بالثمار
حيث لم يبق مما مضى إلا الستائر المعطلة
والابواب المغلقة والرسائل الممزقة
واصوات تتنزه في رؤوسنا المتورمة من الالم
فسلاما ايتها الوجوه الغارقة بالحكمة
وداعا ايتها المنارات التي انطفات على ظمأ
 
 تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه مما يبعث على الشعور بالحميمية الكبيرة إحساس المتلقي بأن ما يقراه واضح المصداقية لأنه مستمد اصلا من واقع الحياة المباشرة للمبدع ,فكيف اذا كان تصفحا لمفردات ذاكرته الحية البعيدة او القريبة زمنيا..هذا كله جميل وقريب الي النفس بكل تأكيد, ولكن مبدعتنا وشاعرتنا الكبيرة أ.فاديا الخشن, لم تكتف بهذا , بل وظفته من اجل إيصال جملة متبنيات فكرية إنسانية ومناظير سوسيولوجية قيمية , في إطار دعوة كبيرة للتحديث الطيب النوايا بعيدا عن التنمر او القفز على الحقائق..بما لا يخلق فجوة نفسية او اجتماعية بين الاجيال..وبما يحفظ لتبادل الفهم والتفاهم اكبر قدر من المساحة ذات النفس الإنساني الطيب..
ولكم كنت اتمني ان ياخذ هذا التعليق المتواضع شكل المطالعة الكاملة للنص ..ولكن الميقات يحاصرنا بالمشاغل , علي امل الاسفار الموسعة مستقبلا ..مع تقديري الكبير ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق