الثلاثاء، 14 مارس 2017

الأمّ عند رنا صالح في نصّها ( أنت الوطن ) بقلم / الناقد أسامة حيدر

الأمّ عند رنا صالح في نصّها ( أنت الوطن ) :
______________________
كثيرة هي النصوص التي تناولت موضوع الأمّ بدءاً بلبيد بن ربيعة وانتهاء بنزار قباني مروراً بالمتنبي الذي تحدث عن جدّته وكانت بمثابة أمّ له وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وهند هارون وغيرهم .
والأمّ هذه الواحة الطيبة في صحراء حياتنا و الشطآن لبحار تتقاذفنا والحضن الدافئ والملاذ الآمن والعطاء بلاحدّ .
وشاعرتنا رنا صالح تناولت الموضوع ذاته ولكن بنكهتها هي :
* تبدأ نصها بقولها : يانبض طهري دثريني / فأية قداسة للأمّ ههنا ؟! الأمّ ليست طهراً بل حياة تنبض بالطهر وهي من صنعه لشاعرتنا . ثم انظر إلى قولها : / وانسجي حلم الإياب / فهي تطلب وعدا بالعودة ولو حلماً كي تعيش الدفء الذي حرمته بغيابها من نسيج الحلم هذا .




ثم قولها : / ولتصنعي من ملح أسئلتي رحيقاً حلوه يلغي الجواب / فكلمة ملح فيها من ألم السؤال عن العودة الشيء الكثير لكنّ الأمّ كدأبها تصنع من الملح حلاوةً فتبهج نفس أبنائها وتسر خاطرهم .
وحين تبتعد الأمّ مصدر الجمال والحنان والدفء والعطاء يلوذ المرء إلى الذكريات الجميلة معها ؛ إلى متاعها وأشيائها يشتمّ رائحتها علّها تخفّف من حدّة الشوق القاتل ولكن هيهات فنيران الشوق تستعر :
أمّاه مذ ودعتني / قلبي الطهور يطوف في خلواته / يسعى بعيدا يقتفي عطر الأثر .
نعم هي الأمّ لا شيء يسعفنا حين تبتعد ولا معين لنا ولو امتلكنا صبر أيوب وكلّ الصالحين ولن تخفّف عنا كلّ تعاويذ الكون يأكلنا الشوق إليها ويعتصرنا ألم البعاد :
/ يا كلّ نبضي أرضعيني / صبر كلّ الأنبياء / ويقين كلّ الصّالحين الأتقياء .
ولابدّ من إشارة جميلة هنا هي ربط الشاعرة بين الوطن الكبير سوريا الجريحة وبين الوطن الصغير الأمّ . فالحزن مضاعف والويل كبير .
* وإذا كان جوهر الشعر هو الصّورة لأنها الفاصل الواصل بين الظاهر والباطن وهي وسيلة الشاعر إلى التفرد والتميّز إذ ليس الشعر هذيان وتشكيل عشوائيّ للكلم . والصّورة تتمايز عن الرّمز بالكثافة الحسية فإنّ خير نصّ تنطبق عليه هذه المقولة نصنا هذا :
* يانبض طهري : في الصورة تعبير عن مكانة الأمّ وأهمية وجودها في حياة الإنسان إضافة إلى إحساس المحبّة ( الطهر ).
* قلبي الطهور يطوف في خلواته يسعى بعيدا يقتفي عطر الأثر . / فالقلب يطوف متتبعاً عطر وآثار الأم المتبقية بعد سفرها . ولا يخفى أثر كلمة ( يقتفي ) من جمالية ودقّة في التعبير عن المعنى .
* أدقّ ناقوس الحنين : صار للحنين ناقوساً يُدقُّ للإشارة إلى حنين دائم بعد رحيل الأحبّة . ويبدو ظاهراً لا يخفى على أحدٍ كصوت النّاقوس يسمعه القريب والبعيد .
* أعدّ أوراق الشجر : كناية عن العبثيّة في المياة والخيبة والمرارة .
* خلف سجن الذكريات :فالذكريات سجن تعيش خلف قضبانه . ويا له من إحساس !
* جاءت هذه الصور معبرة عن المعنى بقوّة حاملةً لإحساسات مكثّفة وصلت إلينا عن طريقها وقد شارك في صنعها الكثير من الحواس . فبعضها بصريّ / أعد أوراق الشجر / وبعضها سمعيّ / أدقّ ناقوس الحنين / والبعض صنعته حاسة الشمّ ...... والبعض ذهنيّ نقل شعوراً و إحساساً .
رنا صالح كتبت النصّ بدموعك فأدمعتنا حقّاً .
_____________________________
يانبضَ طُهري دثِّريني..
وانسجي حُلمَ الإيابْ
ولتجعلي ظنَّي يقيناً
في محطاتِ الرحيلِ
أمامَ أبوابِ الغيابْ...
ولتصنعي
من ملحِ أسئلتي
رحيقاً
حُلوهُ يُلغي الجوابْ......
أماهُ مذ ودَّعتني...
قلبي الطهورُ يطوفُ في خلواتِهِ
يسعى بعيداً يقتفي عطرَ اﻷثرْ
مابينَ طياتِ اﻷنينِ
و تحتَ حباتِ المطرْ ...
أماهُ مذ فارقتني
وأنا هناكَ...
أدقُّ ناقوسَ الحنينِ
أعدُّ أوراقَ الشجرْ
وأذوقُ خيباتِ الفصولِ
أَضُمُّ ويلاتِ القدرْ...
ياكلَّ نبضي أرضعيني
صبرَ كلِّ اﻷنبياءْ
ويقينَ كلِّ الصالحينَ اﻷتقياءْ
ولتطفئي جذواتِ ناري
عندَ أكوامِ اﻷسى
ولتُقرئيني سِفْرَ منْ مرّوا
سريعاً عبرَ أروقةِ النعيمِ
وفي ميادينِ الشقاءْ....
يانورَ عيني
علِّميني
كيفَ أصطنعُ الهناءْ
أو كيفَ تُسْعِفُني الدموعُ
أمامَ أكمامِ النوى
وأمامَ أشرعةِ البُعادِِ
وفي صحاري الروحِ
في مُدُنِ البكاءْ
ولتُخبريني سرَّ
إكسيرِ الحياةِ
وعزف ناياتِ المساءْ....
أماهُ مُذْ ودَّعتني
قلبي الجريحُ
ككلِّ شيءٍ قد تغيَّر طعمهُ
ودموعهُ
ماإنْ بَعُدْتِ
وراء آفاق البحارِ
وخلفَ سجْنِ الذكْرياتِ
أَبَتْ سُقوطاً عندَ آلامِ المخاضِ
وعندَ أنواِء المحنْ
من بعدِ أن ماتَ الوطنْ...
R.S
بدمع... رنا صالح الصدقة
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه التوجه الي دراسة ابداع هذه الشاعرة يصل الي حد الوجوب يا ايها الناقد الراسخ الاستاذ أسامة حيدر العزيز..محوريا لأنها من النوادر التي تملك بتميز خاصية الإذن الموسيقية العالية الرهافه..
فضلا عن كونها تحسن اختيار موضوعاتها بدقة عاليه..
من هنا اتقدم اايك اخي ابا زيد العزيز بوافر شكري وبالغ احترامي ..احسنت..وكفيت ..شكر الله سعيك وبارك..جهودك..والسلام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق