الخميس، 16 مارس 2017

مرايا الهاجس البنيوي في قصيدة زكية المرموق بقلم / الناقد غازي احمد ابو طبيخ

مرايا الهاجس البنيوي في قصيدة المرموق :
+++++++++++++++++++++++++++
في البدء ..لابد من الإشارة الى رسوخ هذا الطراز الشعري الجميل في المغرب العربي عموما.مع انه بدا اصلا في المشرق كما هو معلوم...ولست اعدو الحق إذا قلت انكم معلمون فيه بحيث يمكنكم ان تفكروا فنيا من خلاله من دون ان تكتفوا بالمجس العاطفي المعتاد بل الشائع..
من هنا فقراءة نص لشاعرة معروفة كزكيه المرموق امر يستدعي التركيز البالغ..
..........
والوااقع ان الشغل على مثل هذا النص يتوجب ان يكون وفق منظور بنيوي ..ذلك لأنه يفرض طقسه النقدي بذاته بحكم طبيعة تركيبته الداخلية التي تعتمد اسلوب البنى المتجاوره..
انما لابد من الإشارة الجديرة الى صعوبة ايجاد الحلقات الداخلية التي تربط ببن هذه البنى..لكن ذلك ليس معجزا, فالشاعرة وبحكم احترافها ونضج ادواتها ومعرفتها ايضا..وهذا مهم للغاية..بطبيعة موضوعتها وحقيقة اطروحتها, ماذا تريد ان تقول , والي اي الاهداف على مستوي المبنى او مستوى المعنى..واضح جدا, انها تقصد مسبقا وفق برمجة تجمع بين الوعي المحترف وبين حرية التداعي الذي تسمح له وفق منطق مركزي , تنوي ان تقود كل شئ الى غائياته في نهاية المطاف..
الاسئلة الإحتجاجية والإنكارية والاستفامية المجازية كلها تفضي الى ذات الهدف..كونها تساؤلات يختلط في داخلها البحث الاشراقي الوجودي المكتنز بمشاعر الغربة ..وفي ذات الوقت تفتح الباب مشرعة لآحتمالات الحضورات الواقعية للحل الممكن..او لربما الحل المأمول..
الاسئلة هنا آلية ذكية جدا لاستمطار الرؤى والمشاعرمعا..كما وانها عتبات انتقالية تصعيدية لحدث شعري هاجسي المشهد..
التاريخ الشخصي العام واليومي ,, تجليات الواقع الحياتي المستمر ..مشاهد الحياة المباشره.اسقاطات الواقع الخاص والعام ..كلها دخلت في النص بين ان تكون عناصر خلق محورية أو جزء من بيئة سردية وصفية تبدو بالغة الضرورة لتعاقبات الحدث الشعري..
البيت يحرسه الحصان..?!
فمن اغوي السقف..?!
.....
الموقد تحتله العناكب?!
فمن سرق الحطب..?!
...
هذان سؤالان يرسمان بيئة ومناخا وعالما كاملا مركوما بالخراب واجواء تشبه المقبره..وهي اشارة موحية الي احساس مبدئي بالإغتراب..
هذا المناخ هو الذي قاد الى السؤال الجديد الذي يبدو ظاهرا كبنية مركبة فوق المناخ , ولكنه في الواقع تحصيل حاصل...
الطريق الي الحياة
موت مؤجل
فمن كسر الجرار?!!!..
...
الى هنا اكتملت صورة البيئة التي يمكن .لو ارادت الشاعرة ان تجعل منها ومضة مشهدية عميقة المداليل....
......
الى هذا الحد يبدو ان شاعرتنا قد اكتفت برسم منزل الحدث القادم لتبدأ بعده بالبنية العجيبة الثانية , والتي قد يظن المرء في الوهلة الاولى ان تفاصيلها حضورات عقلية وعظية او ارشادية اكتنزت بها دخيلة الشاعرة فآكتظت بحكمتها واقعة تحت تأثير الشعور بالإغراء الكبير بماوراء هذه التوجيهات الارشادية ذات المنحى الإستشعاري العاطفي , وليس الحكمي الحقيقي او الفلسفي, انما كان كلاهما مجرد استعارة مركبة لجميع التلميحات والايحاءات التي تشي عميقا بشعور نبيل بالفقد القاهر..
هي ايحاءات تعبر عن عزة وعزيمة وارادة جوانية الإنفعالات والتفاعلات..
اذا سقط منك قلبك
وأنت تركض خارجك
التقطه دون ان تنحني
يا الله..لهذا الرعاف النبيل , والعزم المنجرح البديل, والثورة الهادئة المبركنة بالغمام الثقيل..
امض
امض دون ان تنظر الي دمك
وهو يفرغ منك
امض
امض خفيفا غير مثقل بك
........
لاتوجد حكمة فلسفية هنا..كل ذلك مجرد ثياب لحقائق شعورية هادرة بالوجع الانساني الراتع في بحيرة فوارة تزحم بها دخيلة الشاعره..
ومت قبل الموت ..!!
لا بعده?!
كيف يكون ذلك..?!
ليس هذا الموت الذي نعرفه اذن. هو نوع من الردى البديل ولربما الموت الجميل..هو ليس موتا سريريا اذن..وإنما ايقاف لنزيف المشاعر بقرار عظيم..برغم الإقرار بصعوبته وتعسره..
لكن ها هي الشاعرة ولربما نحن معها نتخفف من الامنا ..احساسنا بالفقدان الضاري لنكون بعده اشف اجسادا والطف ارواحا..
امض خفيفا
كشمس الشتاء
واترك فجوة بينك وبين حضورك?!
غريب تصور ذلك حتى. !!
لأنها صورة استبطانية كهنوتية الاسلوب تصل حد الإعجاز التخيلي..
انما تنقذنا نصيحة العرافة التي تلي ..
ولاتستهلك حياتك
في غيابك..
وكانها تذكرنا نحن ..وليست هي..
( وخذ نصيبك من الدنيا)..
امضغ الصمت
امضغه جيدا
دون أن تتوقف عن الكلام
فلليل اصوات تفضح هشاشة الجدران...
كل التراصف الدامع معك ايتها النمرة الجريحة الباسلة..
والله ان قلبي ليحترق
وان جلدي ليقشعر
يالك من فنانة باهرة يا زميلتي العزيزه..
.....
انتهى الى هنا وجه المرآة الاول
بكل ما ابان لنا من مبنى ومعنى..من جسد يكاد يقارب التقرير الصحفي, انما لا ..لا..كان جسدا يشف عما تحته من الاعماق المغمورة تحت ركام الماحول بكل كوابحه وموانعه..
لنبدا رحلتنا مع وجه المرآة الثاني
في رحلة تهدأ فيها النفس قليلا او تؤوب الى رشدها قليلا..فتحكي نوعا من حقيقة الإنسان بعيدا عن الغلواء او العنفوان او ردات الفعل الثائره..
كاني اعرفني
او هكذا اوهمني ظل يقف بيني وبين مرآتي
اقاسمني بعض الخطو
واتوه عني في المبنى
والمسافه....?!!!
.....
هذا
تحليل..ليس هذا انفصام كما تحاول ان تخدعنا اللغة بمجازها وانزياحاتها العالية.. كلا..انه محاولة جادة للفرز والقراءة والتحليل..موقف شعري بالغ الجرأة نابغ الشجاعة في الواقع..
واتوه عني في المبنى?!
عن اي مبنى تتحدث المرموق ?!..
الحياة بهيكلها الهائل الواسع المخيف في سعته والخانق في ركامه والضاغط في مظاهره..ام أنها تستوقف لغة القصيدة توا..فقد طالت رحلة البحث واصبح من الضروري اعادة النظر او تركيزه لكي لا يتوه المعنى. او يهرب الحدث الشعري بكل غاياته الانفة الذكرمن قيادة هذه السائقة المحترفة المحنكه..?!
حانت اذن لحظة استعادة الذات الشعرية الآن..
كفانا ما علمنا من جسد النص الكلي..الخاص والعام..الواقع المفكك..والروح المتشظي المتغرب القلق الثائر الحزين العزوم الشديد الإصرار على استعادة المبادرة بإصرار كبير وإرادة شامخه..
....
حانت لحظة الشعرية الآن..
والأ فالتهمة من الذات للذات جاهزة ومبركنة بكل التفرعات الملحقه..
قاتلة محترفه..
فاتلة لأي الكائنات ?!
الكائن الشعري هو موضع القلق اذن..
القصيدة العزيزة هي ماتخاف علبه الشا عرة اذن..
...لكن ثمة بصيص نور...
نور حياة بديلة ربما تكون اكثر ثراء ولطفا..
إنساني في قمح اللقاء
انا العائلة في عطر الجرح
امارس الحياة على الورق
......
علمني كيف يكون الموت على صدرك..
يا أيها الرجل?!!!
بل..
يا نزارقبانى?!
يا ايها الشاعر الذي يعي ماذا يدور هنا بين اضلاعي?!
انا اقول لك..
كما قالها عنصر حاورك الدقيق:
فوق دفاتر اشعاري..
هذا اذن هو الكشف الاخير وختام المسك حتى نهاية النص ..
الثقافة حياة بديله..
ولربما تكون هي الحيوان الحق..
او الفردوس المفقود..
زميلتي المبدعة أ.Zakia Almarmok..احسنت سيدتي..
......*****......
نص الشاعره..
.........
كل ما سواه ظمأ...
البيت يحرسه الحصان
فمن أغوى السقف؟
الموقد تحتله العناكب
فمن سرق الحطب؟
الطريق الى الحياة
موت مؤجل
فمن كسر الجرار؟
إذا سقط منك قلبك قبلك
وانت تركض خارجك
التقطه دون أن تنحني
وامض
امض دون أن تنظر الى دمك
وهو يفرغ منك
امض
امض خفيفا غير مثقل بك
ومت قبل الموت
لابعده
امض خفيفا
كشمس الشتاء
واترك فجوة بينك وبين حضورك
ولا تستهلك حياتك
في غيابك
امضغ الصمت
امضغه جيدا
دون أن تتوقف عن الكلام
فلليل أصوات تفضح هشاشة
الجدران.
كأني اعرفني
او هكذا أوهمني ظل يقف بيني
وبين مرآتي
أقاسمني بعض الخطو
واتوه عني في المبنى
والمسافة
قاتلة محترفة...
انساني في قمح اللقاء
انا العائمة في عطر الجرح
أمارس الحياة على الورق
بما يليق بالشعر
اختبئ في ثكنات الغياب
في حليب الحلم
خارج القواميس
فسل القصائد
من كان يصقل الحروف
خلف الستائر...
أشبه مطرا
خذله الغيم
فتكور في حلقي
اشبه نهرا
خانه المجرى
فانكمش في منتصف المعنى
كيف أسوقني الى المجاز
وكل اسلحتي خشب
كيف اصطاد الغد
وكل شباكي ورق
فما معنى ان يعلموك فن الرماية
ويأحذون منك الرمح
ما معنى ان يعلموك الرقص
في المحبرة
ويغتالون القصيدة في مقتبل
الخمر
ما معنى ان يحضر الموعد
بكل دسمه
الى مطعم للوجبات السريعة
ويفتتونك من عينيه
من التأويل..
بنشوة درويش
لايملك الا الوقت؟
يقول نهار لارغبة له
في الاستيقاظ
اين أخبئ النوافذ
كي لايخونني الضوء
وكيف لا أمعن في الهروب
والسماء لاتمنحني إلا الغرق
وكيف لا أقفز الى عينيه
وكل ما سواه ظمأ؟؟؟
علمني
علمني كيف يكون الموت
على صدرك
فماذا يعني ان اكون
زكية
دون عطرك؟؟؟
زكية المرموق
المغرب

التعليقات

علي.ابو.ضحئ الجعفري نص جيد احسنت الاختيار والنقد استاذي.
رد غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه وحضور كريم ايها الزميل والفنان العزيز..شرفتنا بهذه المتابعة النبيلة استاذ علي.ابو.ضحئ الجعفري الطيب..تقديري الكبير..
أحمد البدري القصيدة بحد ذاتها هي روح تسافر بنا الى المجهول البعيد المعلوم النهاية ..كأنها سكة قطار قضبانها أضلاع عاشق تحمل عربة قلب يسيل منه الدم قصائد ولا من مجيب الا الصدى…… احسنت استاذنا الغالي في الابحار بهذا الكم الهائل من المشاعر المتدفقة كالسيل الجارف على الورق ..واحسن الله لشاعرتنا العميقة في المعنى والمبنى زكية المرموق
 
Esam Nasrallah قراءة نقدية واعية للهيكل البنيوي بالقصيده وشتان بين أن يقرأ القارئ العربي هذا النص وحده وبين أن يقرأ النص في ضوء هذا النقد الذي وضع النص تحت مكشاف ضوئي مبهر احتويت أستاذنا كل أجزاء النص فظهر كبناء متكامل محكم الأجزاء
أحسنت اختيار هذا النص للشاعره الملهمة زكية المرموقي
أسعد الله صباحكم جميعاً
كريم القاسم الاديب الناقد غازي ابوطبيخ ... كعادتك الاجادة في استقراء النص والتجول بين حيثياته ، مما تحيل النص الى قراءة جديدة من قبل المتلقي بعد تفكيك وافراز مواطن القوة والجمال ... محبتي ايها الغالي ابانعمان .
Ruba Msallam قراءة رائعة جدا وممتعة كثيرا سلطت الضوء على نص رائع كل التحية للمجهود الكبير الذي تقوم به أستاذنا القدير غازي وتحية للرائعة زكية ونصها
رد غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه الاستاذة المحامية الشاعرة ربا مسلم قريبا سنكون في ضيافتكم نقديا, سيدتي الفاضله..
الاستاذ الناقد الكبير
كريم القاسم , منكم نستفيد ولكم قصب السبق نظرية وتطبيقا اخي وعزيزي..تقديري ..

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق