السبت، 4 مارس 2017

مابين المائين حياة قراءة في نص للشاعرة وفاء عبد الرزاق (من عمق الماء) قلم / أحمد الشبلي

مابين المائين حياة
قراءة في نص للشاعرة وفاء عبد الرزاق (من عمق الماء).
العنوان مفتاح النص وبوابته على الغالب ،وهو هنا مرتبط بشكل ضمني مع النص تتجلى دلالاته من خلال تحليل النص.
الماء ليس له شكل وانما يتخذ الاشكال التي نعطيها اياها ، فهو على هذا النحو ذو مرونة تامة وليس للماءألوان ، ولكنه يعكسها جميعا فهو على هذا النحو مرآة كاملة ، والماء يمثل الخصب .انه زوج الشمس في سبيل اخصاب الأرض ويحتوي على كل التهديدات وكل الاحتمالات الممكنة ، وجميع الوعود .انه يسقي ويغسل ويطهر ويبتلع ويخنق ويقتل ويغرق ويطغى...........
والماء رمز مؤنث دائما ،انه يمثل الأم والمرأة ، والجزء المؤنث في شخصية الرجل .
الماء لغة :أصل الهمزة في ماء انقلبت عن هاء بدليل الجمع أمواه ،والنسبة الى ماء هي مائي وماوي وماهي وبئر ماهة كثيرة المياه . والماوية : المرأة صفة منسوبة الى الماء لصفاتها (وهنا نجد تطابق مابين دلالة الماء المؤنثة والمرأة في اللغة العربية من حيث معنى المفردة )، وموه الشيء :طلاه بالذهب أو الفضة أو النحاس .......ومنه التمويه التلبيس وقيل للمخادع مموه ، ويقال وجه مموه أي مزين بماء الشباب وموهة الشباب حسنه وصفاؤه ، وكلام عليه موهة أي حسن وطلاوة .(لسان العرب لابن منظور)
وهو رمز الطهارة والشفافية والنقاء والطهر والارواء وهو الجوهر القابل لكل القوى والمنقلب في جميع الأجرام السيالة .
دلالة الماء في الأساطير والديانات تجمع كلها على أن الماء أصل الحياة .
جاء في اسطورة الخلق البابلية :
عندما لم يكن للسماء اسم بعد
عندما لم يكن للأرض تحت السماء اسم بعد
كان هناك ثالوث مقدس :أبسو:الغمر العظيم
مجتمع المياه العذبةوتيامات :الغمر العظيم
مجتمع المياه المالحة وحمّو الضباب
الروح لمرفرف فوق المياه.
وعند الهنود
جاء في البراهماندا :ان بيضة الكون محاطة بالمياه .وفي الهندوسية :(كل شيء من ماء).
جاء في التوراة :
"ظل الله يرفرف فوق الماء" وهنا تتقاطع التوراة مع اسطورة الخلق البابلية بل كل نصوص التوراة في الخلق مأخوذة عن الاسطورة البابلية .
وفي المسيحية العمادة بالماء ترمز الى الولادة الجديدة .
في القرآن الكريم
تتردد مفردة الماءفي والمفردات المتصلة بها الى مئتين وثمانين مرة منها مفردة الماء ثلاثا وستين مرة مما يعني أن الماء له أهمية كبيرة في النص القرآني
"وجعلنا من الماء كل شيء حي"
"وماأنزل من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ..."..................
وتلتقي دلالت الماء في الأساطير والديانات مع مدلول الماء في العلم فالعلم يعتبر الماء أصل الحياة والماء يشكل مانسبته 70% من جسم الانسان كما يشكل 71%من حجم الأرض.
يرى باشلار أن الماء يعكس الصيرورة والحياة وكتب ببراعة عن تغيرات الماء ودلالاتها
المتعددة :المياه الصافية الربيعية ،والمغرومة ،والعميقة النائمة والمركبة العذبة والعنيفة والمعلمة للغة .
وبالعودة الى العنوان جاءت مفردة الماء مع العمق من حيث أنه كلما زادعمق الماء تكثف لونه وازداد غموضه وأسراره ويشكل العمق ارتباطا باغور العميق للوجود للتماه الأنثى الشاعرة مع عشتار ربة الخصب والقوة والجمال .
القصيدة تبدأ بالماء من حيث العنوان وتنتهي بالماء (حين أتلو القصيدة من قلب النهر)
ومابين المائين تنثال القصيدة فتسيل ماءا شعريا رقراقا عالي التكثيف قوي الايحاء ،تتحدى
الموت بارادة الحياة /أيها ال..........لاشيء/أيها أداة نداء للبعيد واقتطعت /ال /التعريف رليختفي الموت في نقاط التلاشي منفيا فهو لاشيء .
وحتى لو نفخت فيه روح الانتعاش متمثلا بالنعناع من حيث هو يانع الخضرة يشع بالحياة زكي الرائحة سيبقى الموت توأم العراة شاحبا واهيا في عزلته/وان دثرتك بالنعناع ستبقى شاحبا/يتوأم العراة /الواهي في عزلتك/.
يأتي بعدها سؤال استنكاري /لماذا تحجب الأفق الأشم / من أنت أيها اللاشيء لتحجب الأفق فالحياة فيها مايستحق أن يعاش من أجله
.
/دعني أحلب ضرع الوقت /هذه الارادة والقوة الداخلية لعيش كل ثانية انها ارادة الحياة مازالت روح الشباب دفاقة /فثمة أقمار تلمع في صباي/
الحب أوقد الشموس فأزاحت سترالظلمة لتضج الحياة فالأنثى لها ألف فم يعلن الحرية ويتوق الى الانعتاق .لن تقف مستسلمة بل ستمضي بعزم الى الكمال .
هذا التحدي هو تحدي للموت المادي منحيث هو هاجس وجود وقلق للانسان جاء في الجزء الأول من القصيدة ليتايع الجزء الثاني تحديه للموات المعنوي المتمثل في الدمى المستكينة ليقين مفترض يعيش في الوهم داخل مجتمع ذكوري يرزح تحت حمل الماضي متسربلا بعبائته الثقيلة المهترئة ،مكبلا بقيود العرف والتقاليد والارث المندثر في فهم أعوج ومغلوط للدين زنفاق التدين .
انهم البرد من حيث مواتهم وهي تحمل شعلة الفىء والنور للطريق انها الانثى الخلاقة يقول مولانا الرومي:"المرأة نور من نور الله ،فهي ليست محبوبة فقط أو حتى مخلوقة بل انها خلاقة ".
ولأنهم يمثلون الخروج من الحياة أقوالهم تذهب أدراج الرياح ولأنهم بلا ذاكرة انسانية فلن يحسوا بتلك الرعشة لولادة فجر جديد حين تتلى قصيدة الحياة من قلب النهر . ، وهي اليقين الحقيقي التي تتلو القصيدة .
لقدشربنا من ماءالقصيدة فارتوينا .
شكرا وبورك قلمك سيدة وفاء عبد الرزاق الذي أسال ماء الشعر.
نص القصيدة .........
من أعماق الماء
...................
كن مطمئنا
أيها ال ........لاشيء
وان دثرتك بالنعناع
ستبقى شاحبا
يا توأم العراة
الواهي في عزلتك
لماذا تحجب الأفق الأشم
دعني أحلب ضرع الوقت
فثمة أقمار تلمع في صباي
من الصعب أن تفهم
تلك اللثمة
التي أوصلت الشموس الى الظلام
واكتفت
لي ألف فم
سأتحرر
من فوضى تلك الأشرعة المختلة في بحر الدمى
الشامخ
الساري الى الكمال
لا يشعر بالوهن
سأدعهم يقيسون لحظتهم بالأشبار
هم المفترض وأنا اليقين
هم البرد وأنا معطف الطريق
سيحكون للريح
دون ذاكرة ،عن الزفرة المبهمة
ولأنهم المفترض وأنا ليقين
لن تعتريهم رعشة الفجر
حين أتلو القصيدة من قلب النهر.
للشاعرة وفاء عبد الرزاق

 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه افاق واسعة النطاق تجمع بين هذه الدراسة ذات النفس الاكاديمي المحدث وبين النص المعمق الجميل..
لقد انصفت الشاعرة في جانب اخي الاستاذ احمد العزيز..ورسمت للدراسة خطة تطبيقية و اضحة الشمول ..احسنت بارك الله هذا المسعى النقدي الرائع..تقديرنا الكبير..
 
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي مقدمة رائعة لاستدعاء معاني اهمية الماء اتسمت بغزارة المعطيات وكأنها عملية فتح الافاق للمتلقي لمشاهدة الصورة الكبيرة التي ضمنتها الشاعرة هي عملية فك المسافات التي اختبأت بين اواصر سطور النص وخلف كواليس الرموز التي تم توظيفها..تحياتي لكما استاذ احمد الناقد الرائع والشاعرة المبدعة وفاء عبد الرزاق.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق