الجمعة، 2 يونيو 2017

دادا... بقلم / وفاء كمال الخشن

دادا....
يانبيا بإنجيل مهترئ .
تلاوة مزاميرك محطات
ضرورية جداًجداً
لتنفس الطاقة من الخراب /...

كاستخراج الماء النقي من المبازل .
فليس هنالك ثمة عبث أكثر مما يعبث بنا .
كلما توغلتُ فيك
أدركتُ بريرية الحرب ,
التي بدأت ربيعاً في الشمال
وانتهت كأوراق الخريف اليابسة فوق صدري.
أفهمك كما أشاء .
وليفهموك كما يريدون ..
فالعقل والد أهوال الحرب .
وجنوني تبنَّى منطق الرب
فما تسبب بالدمار
لايقبله إلا الحمار .
فامتطِ حصانك الخشبي المتأرجح .
وانطلق يادادا
حرر قيودك وأعرافك .
اتلُ أفكارك واحمِ تجمعك .
واطلق شباككَ دون خوف .
فالصيد الثمين
لايمثل دوما حقيقة البحر .
وفاءكمال
 
 

من القاع بقلم / جمال قيسي

من القاع
افرد،،قدمي ،،افتح المدى للخطى
سريان التنمل،،لعله عارض - كل نظام عرضة للفوضى - لابد من التجديد ،،
تهرب مبتعداً،،،مع انك عالق ،،انت تسحب في فضائك ،،كل العوالق،،،،روائح ضاجة - شيء ما بعد العفونة،،تقدر ان تسميها خلاصة تاريخية ،،،عجيب امر الأسفلت ،،عندما يبعث الحرارة ،،ويتوحد في أفق مع أطعمة فقدت قدرة الصلاحية،،قبل ان تطبخ،،،...




أليس الانسان ينوء بتاريخه،،،تتثاقل أقدامك - تسحب عالم ليس لك طاقة عليه ،،متوالية خيبات - مع ذكريات هرمونية - لم تشهد النور - أفق الزوال ،،يبدو بلانهاية،،،تلتهمه خطاك
شيء ما بعد الواقعة،،،
هذا الضوء،،يفترس نظرك ،،،الحدقتان باتت بلا ،،إرادة - صِمَام فقد الصلاحية- ( كلك على بعضك حلو ) ،،كلك على بعضك لاشيء - ليس لك ان تختار اللون -
والهؤلاء يمرقون،،،تبقى انت غريب - جسم مضاف - حتماً سيلفظ
تجهل الشفرة،،،وكلمة المرور - نعم لكل ولوج ( باسورد ) - لكني سأتسلل - هم حطام ولن ،،يعيروني انتباهاً - هم بالأساس غير آبهين بأي شيء - القضية اكبر بكثير - ماذا لوكنت تملك اطناناً من الذهب،،ولكنك لاتمتلك رغيف خبز،،،،
كم هي باسقة ،،هذه المنارات،،،والنخيل المرادف ،،شواهد متهكمة على حماقاتنا،،،على احتضارنا المزمن
مازلت منهمك بالبحث عنها ،،اين ستذهب،،،هنا القاع - من يستحلي المكوث فيه لاقدرة له بعدها- دوامة ترتشف الارواح - ليس كلها - لكن اهم ما فيها - شعلتها - البرنامج الالهي الكامن فيها - خط شروع نحو العمق - لتحطيم الآدمية - أغتصاب عذرية الانسان الفطري - تمكين نحو التهشيم ،،
والا ماذا تبرر ،،مشاهدتك اليوم - مجرد ضحايا جانبيين - لكل حرب خسائر - والقاع هو معسكر اعادة تنظيم،،،ليس من اجل اعادة التأهيل ،،وإنما أعادة تكيف ،،وترميم الحطام. الذي بقى مع هندسة الإعاقة - ان تستغني عن بعضك ،،ليس امر يوقف الحياة ،،،لكن ان تفقد إيمانك ،،،عندها لايعود فيك شيء يصلح - نخرك ان تشاهد فتاة في السابعة من عمرها ،،تمارس الدعارة ،،وعلى مرمى أمتار ،،هناك جامع وشيخ - اي عطانة هذه !!
يواجهك بابتسامة ،،هي بريئة وعهد سلام،،مع انه لايفقهها،،،ارتسامة موروثة ،،ربما هو ليس مجنوناً ،،،لكن سوء النوايا لدينا ،،تمارس الاستبداد والحكم الجائر ،،ربما تخطى نطاق وعيه ،،أطار وعينا ،،هؤلاء الذين نصنفهم بالمجانين - نعم تذكرت - ورفعنا ما في صدورهم من غل - أليس هم
تجوس هذا الجسر العتيق - عبور متعاكس في الاقدار،،،اقدام تحمل السعد،،،واُخرى الكثير من الخيبات - من يهزم من ؟ - الانسان ،،ام الأشياء ؟! - احسبها غير متكافئة
لأنك تهذري،،،،تداري فشلك - الكل مهزومين،،بصورة او اخرى - لكن معظمنا لايدرك هذه الحقيقة - الا الهؤلاء ،،حسموا موقفهم - اتخذوا الجانب الذي بعد الحياة - المجانين اسياد أنفسهم ،،،،،،

جمال قيسي / بغداد

حدث في سوريا ( الحكي بين شهرزاد الامس ،،وشهرزاد اليوم / تجربة عليا عيسى أنموذجاً ) بقلم / جمال قيسي

حدث في سوريا ( الحكي بين شهرزاد الامس ،،وشهرزاد اليوم / تجربة عليا عيسى أنموذجاً )
( الحلقة الاولى )
الدنيا التي عرفناها،،،وسمعنا عنها،،من اخبار الأولين ،،هي في عداد الذكريات ،،والحكايات كثيرة ،،لان الدفئ الذي كان يغمرنا،،من مشاعر طيبة، أثقل نوايانا،،،سذاجة ،،وحسن طوية



 هي دنيا،،نعرف تفاصيلها ،،وما ستؤول له،،،ليس هناك،،،شيء خطير،،وان كان فلايتعدى ،،،مناطقنا الآمنة ،،بمعنى ،،لاتثير فوضى بدواخلنا،،،ولا ريبة في علاقاتنا،،،
حكايات أمنا شهرزاد،،، خطاب وثقنا به ،،مطمئنين ،،ولا حاجة بنا الى ان نتحفز او نرفض،،،والإنسان بطبعه كسول،،
ان تركن الى شيء ،،في المعتقدات ،،تكون قد سلمت عقلك ،،للإطار العام ولن ترى ما في العمق ،،او مايسميه عمنا لالاند ،،بالعقل السائد،،،،المفارقة حدثت عندما قلبت الطاولة على رؤوسنا ،،اشبه بالذي أخذ كف على خده حين غرة ،،وهو مخموراً وجذلاً ،،نعم تغير العالم ،،لصورة لم نألفها ،،وبتنا في حيرة
وقصتنا لها علاقة بالأدب ،،والشعر بعينه،،،النظام استقر،،،تفعيلة وبحور،،،وجودة في الصنعة،،،ولكننا فقدنا قدرة الإبداع ،،وفق شروط النظام ،،،والسبب بسيط جداً،،،النظام مرتبط ب ( اللغة ) ،،،او الكفاءة اللغوية ( competence ) حسب مايسميها تشوميسكي ،،،اما معطياتنا اليومية ،،فنتداولها ،،ب( الكلام ) ،،او الممارسة اللغوية ( performance ) ،،،لقد تقالب الامر،،،وبدل ان تكون اللغة ( langue ، وهي النظام النظري للغة من اللغات او بنيتها وهي مجموعة القواعد التي ينبغي على متكلمي تلك اللغة أن يلتزموا بها أذا أرادوا الاتصال فيما بينهم ) وهي المعيار ،،،اصبح الكلام ( parole ، وهو الاستخدام اليومي لذلك النظام من قبل المتكلمين الأفراد ) هو مقياسنا الوحيد،،،تغيرات الحياة فارقت بعيداً،،بين ( اللغة ) ،،وال( كلام ) ،،فاللغة والكلام ،،في الزمن الجاهلي ،،وحتى صدر الاسلام،،تكاد تكون متطابقة ،،وفِي العصر الأموي وحتى العباسي ،،لم تكن الشقة كبيرة بين الاثنين ،،،مع كثرة الملفوظات والمفردات الداخلة ،،بحكم المثاقفة ،،التي حدثت بحكم تداخل اكثر من ثقافة ،،وتفاعلها لتنتج ،،شبكة كلامية ،،جديدة ،،،لكن الاطار العام الجامع هو القرأن ،،ولغته،،،وهو خطاب الأمة المستحدثة المركزي،،لذا حافظت اللغة على موقعها المركزي المهيمن،،،
وهناك امر في غاية الأهمية ،،،وهي المحايثة الثقافية ،،واقصد بها هنا،،ان لكل لغة لها محمولاتها ،،هي عبارة عن تصورات مزاوليها الى الحياة ،،والوجود،،،ولها شروطها الترهينية ،،في انعكاس الحراك التاريخي والتمظهر ،،فالمحمولات التاريخية للأمة الفارسية وهي بدورها تحمل ملفات وافدة من امّم اخرى،،انتقلت الى بشكل او باخر الى خطاب الأمة الاسلامية الوليدة ،،بعملية تلاقح ثقافي ،،وكذلك فعلت البيزنطية،،ومدرسة الاسكندرية ،،بالمحمولات الاغريقية ،،،كل هذا الامر لم يشكل ،،صراع نفي او أقصاء ،،،الى اللغة العربية،،،ومحمولاتها،،بقدر ماشكل تمازج جدلي ،،أعطى سعة في التصورات ،،لمخيال الشاعر والأديب ووسع من طبيعة فضائاته النصية،،،
لكن ما يحدث الان،،،نتيجة هيمنة العقل الغربي،،وتسيده للحضارة ،،،وطبيعة فعاليته الإجرائية ،،في تكريس الهيمنة،،هو ممارسة نفي واقصاء ،،للثقافة وفِي جوهرها (اللغة العربية)،،،ونتيجة التطور في أساليب وأنماط التواصلية ،،،والقدرات الهائلة والغير معهودة ،،بأدواته الإجرائية ،،افضت ب ( العقل الغربي) الى تحكمه الشبه مطلق ،،في معطيات الحراك التاريخي لنا،،،
ومع ان اندماج حقلي اللغة ،،،العربية،،والغربية،،يبدو صعب التحقيق،،للاختلاف الجذري في ( الماكينزمات = الأواليات ) ،،واختلاف البنية الإيقاعية ،،في التناغم مع الحياة بكل تفاصيلها ،،الا ان التصورات والمحمولات الايديولوجية ،،هي التي تنتقل،،،الامر الذي أحدث الفوضى،،في حقل الثقافة العربية ،،
كانت ريادة بدر شاكر السياب،،ليس لانه اول من ابتدع الشعر الحر ( وهي قضية خلافية حول الأسبقية ) ،،وإنما من خلال توظيفه ،،للصورة الغربية ،،في القصيدة الجديدة،،،اي ادخاله للبعد الايديولوجي ،، وتبعه البياتي ،،واودونيس وآخرين ،،،،
اشبه بعملية زرع عضو غريب ،،،في جسم ،،،بدأت من جراء ذلك اختلال مؤشراته العضوية ،،،كان هذا الجيل الرائد طهورياً ،،،محافظاً على النظام اللغوي،،،وهدفه الأساس ،،تطوير خطاب الشعر،،في وظائفه الإجرائية ،،ومنحه مساحة واسعة من اجل توسيع طاقاته،،،فكان الحيّز الثقافي ،،محافظ على التراث،،برؤية حداثوية ،،وانفتاح العقل العربي ،،على حضارة الغرب،،ومحاولة للتثاقف الجدلي ،،،لذلك كان النتاج الشعري الكبير على يد السياب والبياتي وسعيد يوسف ونزار القباني،،و صلاح عبد الصبور واودونيس ،،واخرين ،،هو نقلة نوعية للشعر العربي،،وكسر حالة جموده،،وفك أسره كخطاب ،،من القيود التراثية ،،ومحاولة إنعاش دوره ،،كخطاب تغييري،،،،لكن هذا التغيير النوعي في خطاب الشعر،،كان كمن يغرد خارج السرب،،،ولفترة زمنية طويلة،،،لان هذا التغيير لم ترافقه مأسسة ثقافية لغوية،،،من دراسة ألسنية وفلسفة اللغة،،
مثلاً ارتبط خطاب الشعر الحداثوي في العراق بالحقل اليساري الشيوعي ،،ودعاويه الكبيرة في الوطنية والتحرر،،،ومع ان النماذج الشعرية. رائعة ،،في الصياغة ،،والمضمون،،،الا انها لم تتفاعل كخطاب مع الجمهور،،،الا على يد مظفر النواب ،،الذي جذب جمهوره بأسلوب الشعر الشعبي ( اي المرتبط بالكلام وليس باللغة ) ،،،ليسحبه الى خطابه الشعري العمودي،،،
في حين ان الشاعر نزار قباني ،،كان قد أسر القلوب ،،هو اتبع المحاكاة مع الثيمة الذكورية ،،وأصبح رمزاً لها ،،،وانا ارى هناك ثلاث أسباب أضافية،،،
١- القدرة التصويرية العالية ،،مع امتزاجها بالبعد الشعوري والعمق النفسي الذكوري
٢- الموسيقى الجميلة التي تصل الى مستوى الملفوظ الواحد،،،
٣- وعيه الشعري العالي ،،وإدراكه لقضية الحداثة،،وفق رؤية قوامها التراث
على العموم كان هناك في شعره قضية ،،وهناك شيء يقال،،وهو مرتبط بالهموم الشخصية والتداعيات الوجدانية،،دون التحليق بعيداً ،،،او الاغراق في التجريد،،،لذا كان قريب الى مسامع الناس،،
ان الفترة من خمسينات القرن الماضي وحتى التسعينات منه،،،تمخضت عن جمهرة خطب شعرية ،،رائعة ،،ولكنها سمحت بنفس الوقت الى مروق الكثير من النصوص الضعيفة سواء بالمبنى او المعنى،،بحجة الحداثة ،،معززة بحركة نقدية مغتربة وجانحة ،،كل هذا الامر أدى الى تفتيت وتهشيم وتشظي الخطاب الأدبي ،،،
حتى حلت القارعة ( القارعة،،هنا تغلب الصوت ،الغنائي ،،على كل نشاط ثقافي ،،والقرع هو الصوت بما يبلغ السمع ) ،،وحل عصر المعلوماتية ،،علينا،،،وطور قصيدة ( الهاشتاك ،،# ) ،،،منجز تعبيري ،،لا علاقة له باللغة ،،،فقط بالكلام المفارق ،،للمعيارية،،ومع اني لست بالضد منه،،بل العكس ارى ان اي خطاب يجب ان يعبر عن رهونيته الزمنية،،ولكن ارى على اللغويين والنقاد،،،ان يتماهوا ،،بخطابهم ،،من اجل تعزيز معيارية اللغة ،،،وتطويع النصوص المحدثة،،،وفقها،،،وبث التوعية اللغوية ،،،بما يتوائم مع التغيرات السريعة ،،سواء بإعادة التأويل،،او تشريح المرويات ،،
علاقة ما تقدم،،،وربما كان هناك الكثير من الثغرات ،،لتشعب الموضوع،،،بما يحدث في سوريا،،،،
ان الخطاب الحداثوي السبعيني،،،الجميل والرائع ،،لن تجده الان الا في ،،الجمهور الثقافي السوري،،،وشعرائه ،،،نعم هناك في العراق شعراء كبار،،ولكن خطابهم فشل،،،لان الواقعة قد حصلت واحتلت البلاد،،والى اخر المسألة ،،وكل خطاب ثقافي لايشكل حماية لمجتمعه،،،هو خطاب فاشل مهما بلغت تقانة صنعته،،،والشعراء السوريين اليوم هم في لُب الأزمة الوجودية،،،يقاتلون بشراسة،،،ونحن كمعنين بالأدب ،،ليس لنا الا ان نراقب مدى نجاح هذا الخطاب الشعري،،في إمكانيته على الحفاظ للوجود السوري العربي،،،وانت اليوم اذ تبحث عن هذا الخطاب الاصيل سوف تجده بتميز في الشعر السوري،،،
وستكون اول حلقاتنا بتناول بعض نماذج هذا الخطاب ،،،مع الشاعرة عليا عيسى،،ونتبعها ببعض النماذج من شعراء آخرين ،،،،ونظراً لطول المقدمة سنتناول احدى قصائد الشاعرة عليا عيسى،،في الحلقة اللاحقة مع التحليل ،،،،
جمال قيسي / بغداد

سلسلة صناعة الكتابة (الحلقة الاولى) بقلم / كريم القاسم

سلسلة صناعة الكتابة (الحلقة الاولى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمــة /
ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي انعم علينا بوافر الكلام ، وجعل له مداخلا ومسالكاً للافهام ، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله الكرام واصحابه المنتجبين من الأنام .




ان أيّة صناعة هي عبارة عن (مَلَكَةٍ) يمتلكها الانسان لتترسخ في سلوكه العملي والفكري ، وبما انها سلوك عملي ، فهي إذا نتاج محسوس يمكن ان يتحسسه المتطلع و يستدركه المتلقي . وهكذا الكتابة التي هي صنعة يعتمدها الفرد أو مَن امتلك المقدرة والخبرة على الاتيان بها، وعندها يسمى (كاتباً) .
ويصف ابن خلدون صنعة الكتابة في مقدمته :
" بأنها من الصناعات الشريفة التي يتميز بها الانسان عن الحيوان . "
وصنعة الكتابة من الصنائع التي تكسب صاحبها عقلاً سابحاً ولبّاً راجحاً . فهي تشتمل على العلوم والمعارف والخواطر والرؤى والافكار بخلاف غيرها من الصناعات . ففيها يستطيع الكاتب ان يتحرك ويتنقل بين محطات مختلفة ومتنوعة تبدأ من مرحلة خط الحروف الى مرحلة تشكيلها الفاظاً تتناغم مع افرازات الخيال ، لتتحول بالتالي الى كمٍّ هائل من مفردات تكتنز المعاني التي نَسَجَتها الذات والتي تتحسسها النفس البشرية لتتعود عليها وتنمو حتى تثبت وتتجذر لتتكون المَلَكَة التي تستطيع ان تنتقل وتتحرك من الفاظ الدليل الى المدلولات . وهنا يبدأ العقل بامتلاك اقطاب القوة والمبادرة والفطنة والكياسة في التصرف والسلوك والتميز في الاسلوب .
ولَمّا اطَّلَعنا من خلال تجوالنا النقدي والتحليلي على كثير من النصوص الادبية بمختلف فنونها ، ووجدنا بما لايقبل الشك ، إن الكثير من الاقلام الموهوبة قد استطاعت ان تجد لها مسلكاً ادبياً في فنٍّ من فنون الكتابة ، واقلام اخرى مازالت تراوح في ذات الحيز، وبين هؤلاء وهؤلاء اقلام اخرى تتنقل بين الفنون الكتابية من فن الى فن ومازالت غير مستقرة في قرار.
ومن خلال الفحص والتَفحّص لكثير من النصوص ، ظهر لدينا بعض الكتّاب ومن يروم السباحة في هذا البحر العميق ، مازال بعيدا عن اسرار الصنعة وبعيدا عن تلمس نفائسها ، كي يستطيع الابحار والتمتع والعبور الى شاطيء الامان .
إن الثقافة المستمرة والاطلاع على اسس وركائز صنعة (الكتابة والكلام) باستمرار هي التي تعين الكاتب على الاتيان بما هو بديع ومحمّل بالابداع ، وهي التي تعين الكاتب على ان يأتي بالنص الذي يشار اليه ، ويحمل بين طياته كل ماهو ثمين ورصين .
وقد اعتمدنا ، كلام الامام علي (كرّم الله وجهه) ، وكذلك ارباب اللغة والكلام كالجاحظ وابن الاثير والشيخ محمد عبدة وابن ابي الحديد واعتمدنا كذلك المعجم العربي الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في تناول الامثلة على ما سنتطرق اليه من ابواب وفصول هذا البحث المختصر المكثف المكتنَز . وعندما نستشهد في كثير من المواضع بنصوص كلام الأمام علي بن ابي طالب (كرّم الله وجهه) فأنه هو من اجتمعت عليه آراء اصحاب الحرفة وأرباب الكلام وبأنه لايُزايد عليه أحد في البلاغة ولايصل او يبلغ شأوه قلم ولا لسان .
ونظراً لكثرة التساؤلات حول (لمن الافضليه في الادب ، للشعر ام للنثر؟) فأننا نقول :
بأن لكل فن اهله ومذاهبه ومريديه ، ولكل فن اصوله وقواعده ، لذا فقد وضعنا هذه السلسلة الادبية المتواضعة وبأسلوب هادف جذّاب ، والتي هي شذرات من قصاصات الذاكرة لمحاضرات ودروس اساتذتنا الكبار ــ رحمهم الله تعالى ــ مستندين الى مصادر لايعتريها الغبار والرين ، كـ ( نهج البلاغة للامام علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه ، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري ، ومقدمة ابن خلدون لعبدالرحمن بن محمد ، والمثل السائر لضياء الدين ابن الأثير ، ورسائل الجاحظ لأبو عثمان الجاحظ ، وزهر الآداب لابو اسحق الحصري ) .
ولابد لمن أراد أن يمتلك (المَلَكَة) في هذه الصنعة ، او من يكتب نصاً ادبياً ما ، أن يضع نصب عينيه كل ما سنتطرق اليه ليخرج النص الادبي الذي أنشأه مرتدياً ثوب الاناقة والجمال ليتزاحم عليه المتذوقون او اصحاب الحرفة والخبرة . وإلا فسيكون النص المعروض سلعة قد شانها الزيف والشوائب والكدرمن المعاني والالفاظ ، وقد يمجّها سوق النقد والادب ، وستبقى رهينة ذوق صاحبها فقط ، لجهله وقلة علمه بأسرار هذه الصنعة .
لذا فقد جَمَعْنا في هذه السلسلة كل ماهو مفيد بأختصار وأقتضاب حول صناعة الكتابة والكلام ، كي نبعد الملل عن النفوس ، حيث ادخلنا فيها عناصر التشويق للقاريء ، خدمة للصالح العام ، ولإعمام الفائدة ، ولإشراق ذاكرة الادباء واهل الصنعة والحرفة والمبدعين .
والله من وراء القصد
.

(النص الادبي) سلسلة صناعة الكتابة ... (الحلقة الثانية) بقلم / كريم القاسم

(النص الادبي) سلسلة صناعة الكتابة ... (الحلقة الثانية)
.............................................................
ان النص الادبي بفنيه الشعر والنثر، نستطيع ان نعتبره اشبه بلوحة فنان ، ان كانت رسماً أو نَحتاَ ، فهي قد تحاكي الواقع تماما من حيث عناصر الطبيعة (الاشجار، الماء ، الجبال ، الحيوان ، الانسان وما الى ذلك) وقد ترمز الى الواقع رمزاً من حيث الحركة او اللون وغير ذلك من الرموز الفنية . وهذه اللوحة تُعتبَر إحدى ادوات التعبير عن مكنونات الذات البشرية . وهكذا يكون النص الادبي إن كان شعراً او نثراً .



فالنص كثيرا مايكون حاملاً لعناصر الشد والجذب بين ذات المؤلف والموضوع او الفكرة ، ويرافق هذا الشد والجذب كل الثقافات التي تحملها ذات المؤلف والفضاءات اللغوية والبيان والبديع لملء كل الفجوات والثغرات ، ثم تشذيب ما يمكن تشذيبه ومما لافائدة فيه ، حتى يظهر نصاً متقناً رائعاً .
والنص الادبي عندما يتمثل بفكرةٍ ما ، فإنه يسلك طرقاً وينتهج اساليباً متباينة ومتنوعة في درجة نضجها ، وقدرة ولوجها الى افهام ومدارك المتلقين . فقد يصل احياناً الى الفهم والادراك مباشرة وبقوة ، وقد يتخلف عنها بدرجات ، وقد يعيش حالة تماس معها . ويأتي هذا النص ، اما حاملاً للصراحة والمباشرة في الطرح ، او حاملاً للرمزية والايحاء ات الواضحة ، او الرمزية بالأيماء .
وتُعتَبر (الكلمة) في اي نص أدبي ــ شعرا كان ام نثرا ـــ كائناً حياً يحمل عناصر التطور والحركة ، وهي الأداة التعبيرية في الكلام . فهي وحدها لها القدرة على رسم (الاسلوب) التصويري للعمق الفكري للكاتب والمؤلف .
وكل نص ادبي لابد أن يمر بمحورين اساسيين هما (الشكل والمضمون) وهذين المحورين ــ كما لايخفى على الكثير من الكتّاب ــ يترابطان بقوة وبأواصر واضحة للوصول الى الوحدة العضوية للنص . فكل مايتعلق بجودة المطلع والمقطع والخاتمة وحسن اختيار عبارات الاستهلال وطول النص وقصره وقوة اللغة او ضعفها ونوع الموسيقى والايقاع ، ونوع اللغة التي نُسِجَ بها النص واسلوب الكاتب نفسه ، كلها تقع تحت عنوان (الشكل) . أما (المضمون) فيقصد به محتوى النص والفكرة التي أنشيء عليها او من اجلها ، وكل العواطف والوجدانيات والاحاسيس والانفعالات التي تفرزها ذات الكاتب .
ولابد للنص ان يقوم على اركان وأسس تعينه على الثبات والتماسك والنضج ، ليصل ويرتقي الى مستوى الابداع والدهشه . فالكاتب ناظماً كان ام ناثراً عليه ان يضع هذه الاركان نصب عينيه في كل عبارة وتركيب لغوي . منها :
• العناية البالغة بين انسجام وتوافق الالفاظ ومعانيها ، فهي عماد النص وبنيته الاساسية ( وسنبين ذلك في الحلقات القادمة بشكل مكثف ومختصر)
• قوة الفكرة التي يُبنى عليها النص ، وصبهّا كتلة واحده دون تشتت وتصدع وانفضاض ، ليظهر النص واضحاً جلياً ، مفهوماً مراده ، ومعروفة اشارته .
• العناية بالايقاع والموسيقى في النص المنظوم ، والايقاع الداخلي او السجع في النص النثري مما يزيده جذباً وجمالا ، بشرط ان لايكون تكلفاً يتعب كيان النص . وهذا الركن هو الذي يجعل النص راقصا متحركاً ، مما يشد الانتباه الحسي والسمعي ، لتحصل عملية الجذب والدهشة والابداع.
• الصدق الشعوري والوجداني لعاطفة الكاتب ينعكس على نسج العبارات واختيار المفردات ، والتي بدورها تشكل تفاعل حسي مع المتلقي (القاريء والسامع) . اما النسج المتكلف وانزال المفردات عنوة ، فإنها تكسب النص الادبي صفة الجفاف والجفاء ، وهذا يظهر جلياً في الكثير من النصوص ، كون التفاعل الانساني هو شد وجذب بين المشاعر والعواطف وصدق البيان ضمن قدحِ فكرة ما لـ (مَلَكَة) الكاتب .
• إلمام الكاتب بعناصر البديع والفصاحة والبلاغة ، والقراءة المستمرة والتثقيف الموازي هو خير معين على متانة النص وقوة السبك ودقة وجمال النسج . فلا يمكن ان يُعرض النص بمفردات تحمل سمة البساطة والكلام الدارج ، مما يضفي عليها صفة السذاجة والركّة (وهذا ماسنبينه في الحلقات القادمة).
ــ من كل ماتقدم ، لابد للكاتب ان ينتهج (اسلوباً) ادبيا واضحاً له ، بل ويجهد نفسه للوصول الى هذا الهدف ، فهو البصمة الخاصة لقلمه وتأليفه وانشائه . فالاسلوب كقطعتي الحُليّ قد يكونان بنفس النقش ، ولكن سبكهما وصياغتهما موضع اختلاف ، وحسب خبرة وتفنن الصانع .
وهنالك فرق كبير بين الاسلوب الادبي للكاتب ، وبين الكلام العادي ـــ وهذا ماسنتطرق اليه في القادم من الحلقات ـــ ويأتي هذا الفرق من خلال الاستعمالات اللغوية في الحالتين ، وفي دقة اختيار وانتخاب المعاني للالفاظ .
ــ بين يدينا نص شعري لاستاذي محمود البريكان ـ رحمه الله ـ بعنوان (عن الحرية) ، يجسد فيه الخيال المبهر، والثورة الداخلية ، وجمال النسج ، وسلاسة اللفظ ، وذكاء الرمزية والإيحاء ، مما يولد لدى المتلقي استمرارية المتابعة والتأمل :
" دعوتموني لاكتشاف قارة أخرى معاً
وأنكرتم عليَّ رؤية الخريطة.
أؤثِرُ أن أبحر في سفينتي البسيطة
فإن تلاقينا فسوف نُحسن الذكرى.
**********
قدّمتمو لي منزلاً مُزخرفاً مريح
لقاء أغنيّه
تطابق الشروط.
أؤثر أن أبقى
على جوادي ... وأهيم من مهبّ ريح
إلى مهبّ ريح
***********
جئتم بوجهٍ آخرٍ جديد
لي ، متقن حسب المقاييس المثاليِّه
شكراً لكم . لا أشتهي عيناً زجاجيه،
فماً من المطاط .
لا ابتغي إزالة الفَرق . ولا أريد
سعادة التماثل الكامل .
شكراً لكم . دعوهُ يبقى ذلك الفاصل .
أليسَ عبداً في الصميم سيّد العبيد ؟
ـــ ولو لاحظنا النص النثري التالي القصيرلـ (ابن الرومي) في عيادة بعض اصدقاءه ، لوجدنا قوة النص ومتانة السبك ماثلة ، وبمايناسب الفكرة والمقصَد ، مع توارد العبارات متسلسلة المعنى ، دون انحراف او تشظّي ، حتى يصل الى نهاية فيها نوع من الدعاء :
" أَذِنَ الله في شفائِكَ وتلقَّى داءَكَ بدوائِكَ ، ومسحَ بيدِ العافيةِ عليكَ ، ووجَّهَ وفدَ السلامةِ اليكَ ، وجعلَ عِلَّتَـكَ ماحيةً لذنوبكَ ، مضاعفةً لثوابكَ "
ـــ والآن لنتفحص هذا النص لكلام الامام علي (كرَّم الله وجهه) كي نرى عمق المعنى وسلاسة اللفظ وشروق الحكمة وفيض المعرفة ومتانة النسج ، حتى يأتي النص متكاملاً مع الفكرة وهو يحتوي من جمال البديع والبيان ، ورشاقة السجع ، وبلاغة قلَّ نظيرها ، فلايجد السامع او القاريء مفراً الا والانسكاب على النص لمعرفة هذا المد الجارف من الحكمة ، وجمال النداء والثقة بالمعنى ، فتنجذب له الأسماع ، وتدركه ألألباب والأفهام :
" يا كميل ، إنّ هذه القلوب أوعية ، وخيرها أوعاها ، فاحفظ عنـّي ما أقول لك :
الناس ثلاثة ، فعالِمٌ ربّاني ، و متعلّم على سبيل نجاة ، وهمجٌ رَعاع أتباعُ كل ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فيَنجوا .
يا كُمَيل ، العلم خيرٌ من المال ، العلم يحرسك و أنت تحرس المال ، المال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله.
يا كُمَيل بن زياد ، معرفة العلم دِين يُدان به . به يكسبُ الإنسانُ الطاعةَ في حياته ، وجميلً الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه .
يا كميل ، هَلَك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر. أعيانُهم مفقودة ، و أمثالهم في القلوب موجودة. "
ـــ ويصف الشيخ (محمد عبده) نصوص كلام الامام علي (كرّم الله وجهه) في مقدمة نهج البلاغة فيقول :
" وكان الإمام عليّ بن أبي طالب، بعفويته الثاقبة، يباشر عمله الإبداعي الفوري، فيأتي النص المرتجل، مثل النص المكتوب، آيةً في الإتقان والروعة. ومن الثابت، أن جريان خطب عليّ عليه السّلام، على نحوه الباهر، في طوله وقصره، هو دليل على الفعالية الخارقة لعقلٍ مبدع ، موهوب ، هو السيّد المؤكد في عالم العقول. "
ــ وبعد كل هذا العرض نقول :
ينبغي على الكاتب حين يقرأ فائدة ما ، عليه ان لايقرأها لمجرد الاستمتاع فقط ، انما يتناولها درساً وفهما ، حتى تتكرر فوائدها في اعماله ، ويظهر تأثيرها في نصوصهِ ، وتصبح نوعاُ من (المَلَكَة) تنطلق بعفوية عند المباشرة بالتأليف والنظم والانشاء.
وقد قُـدِمَتْ لنا النصيحة ذات يوم :
" بأنكَ يجب ان تنظر الى النص بأنه عمل غير متكامل ، ويعوزه الكثير من التهذيب والرعاية ، مع عدم الزهو والاعجاب بما تكتب او تنظم ، حتى يحين موعد ولادته ، باحسن حال وعافية . "
ــ لذلك فإن القدرة التعبيرية للكاتب ، هي المسؤولة عن الامساك بالمعاني وكشف مدلولاتها ، كي ينجح الكاتب قي الوصول الى محطات الادراك ومراكز الفهم في النفوس . وهنا تكمن (مفارز الابداع) التي يتفاوت الكتّاب في مستوياتهم للوصول اليها والتعرف عليها ، وفي هذا التفاوت تظهر طاقة النصوص الادبيه ، وما تدّخره من طاقة ادبية كامنة ابداعية تعبيرية وجمالية في الاسلوب ، كالحرارة في الجمر .

(الاسلوبية في الكتابة) سلسلة صناعة الكتابة ... (الحلقة الثالثة) بقلم / كريم القاسم

(الاسلوبية في الكتابة) سلسلة صناعة الكتابة ... (الحلقة الثالثة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأُسْلُوبُ : الطَّرِيق ، المذهب ، النَمَط
الاسلوب هو الكاتب نفسه ، وهو البصمة التي لايختلف عليها اثنان في الانتماء الى صاحبها . والاسلوبية في الكتابة ، تعني الخصوصية التي يتمتع بها ويمتلكها الناثر او الشاعر في طريقة اختيار الالفاظ وتأليف الكلام ، لغرض الانشاء ، للتعبير عن المعاني وللوصول الى قصد الايضاح والتأثير في النفوس والاذهان .




وكثيراً ما يتعرف الناقد او المتلقي الحصيف على نمط التفكير لدى صاحب النص من خلال اسلوبه في الكتابة ، حتى اعتبره بعض اصحاب الاختصاص بأنه الصورة اللفظية التي يعبّر بها الكاتب عن المعنى أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار وعرض الخيال .
وقد تعددتْ تعاريف الاسلوبية وتنوعتْ ، ولها مدارسها ومناهلها ، والخوض فيها يقع تحت صفحات كثيرة قد تبعث على الملل والأعياء ، لكنها تصب في بوتقة تعريفية واحدة ، هي انها الطريقة التي يختار بها الكاتب أدواته الكتابية بالشكل الذي يميزه عن غيره ، وتحكم له بالتفرد في صياغة أفكاره والتعبير عنها .
ان اللغة هي عنصر التغذية لاسلوب الكاتب حيث تقدم له كل الادوات من الالفاظ والتراكيب التي يفصح بها ويترجم افكاره ، فيبدأ بهندسة هذه الادوات وحسن طرق بنائها ، وانتقاء مايصلح ومالايصلح من الانشاء والتعابير بحيث تثير ذائقة وشعور المتلقي ، بشرط التمسك بقواعد النحو والصرف وما الى ذلك من مدلولات لفظية متفق عليها .
وكان ومازال اصحاب الخبرة في الشعر او النثر يعرفون ويَستدلّون على الكاتب من خلال اسلوبه في الكتابة ، وهذا هو الذي يميز ذلك الكاتب عن غيره ، فالمتنبي مثلاً يكاد شعره ينطق باسمه والشعر الجاهلي يستطيع الخبير والمتتبع ان يميزه عن الشعر الاندلسي او غيره ، وهكذا مع بقية الفنون الادبية .
ــ يقول ابن الأثير الموصلي :
" إن أبوتمام مثلاً : كان يُحرّك ألفاظه (كأنها رجال قد ركبوا خيولهم واستلأَموا سلاحهم، وتأهّبوا للطِّراد)
" السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ .... في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في .... مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً .... بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ "
ـــ والبُحتري كان يُحرّك ألفاظه (وكأنها نساءٌ حِسان عليهنّ خلائل مُصَبّغات، وقد تحلّينَ بأصناف الحليّ)
" قَبَّلْتُها مِنْ بَعيدٍ فانْثَنَتْ غَضَباً .... وقَدْ تَبَيَّنَ فِيهَا التِّيهُ والخَجَلُ
ومَسَّحَتْ خَدَّها مِنْ قُبْلَتِي ،ومشَتْ .... كَأَنَّها ثَمِلٌ أَو مَسَّها خَبَلُ
قد جَاءَك الْحُبُّ بِي عَبْداً بِلاَ ثَمَنِ .... إِنْ خَانَكَ النَّاسُ لَمْ يَغْدُرْ ولَمْ يَخُنِ "
ـــ لكنّ أبا تمام كان حاضراً وراء الألفاظ والأشخاص، وكذلك البحتري، كُلاً بطبيعته الخاصة ، وبخياراته الخفيّة أو الظاهرة. "
ـــ ولوتفحَّصنا النص التالي ، لوجدناه خالياً من التكلّف والغريب من الالفاظ ، ويمتاز بالبساطة والوضوح ، والابتعاد عن المحسنات والخيال ، والتركيز على الفكرة فقط ، حتى بَدَتْ عليه سِمة السهل الممتنع ، لتبادر الى اذهاننا انه من أدب المهجر ، واسلوب (ميخائيل نعيمة) :
" أخي ! إنْ عادَ بعدَ الحربِ جُنديٌّ لأوطانِهْ
وألقى جسمَهُ المنهوكَ في أحضانِ خِلاّنِهْ
فلا تطلبْ إذا ما عُدْتَ للأوطانِ خلاّنَا
لأنَّ الجوعَ لم يتركْ لنا صَحْبَاً نناجيهم
سوى أشْبَاح مَوْتَانا
*******
أخي ! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو يزرَعْ
ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً هَدَّهُ المِدْفَعْ
فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ مَأْوَانا
ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في أراضِينا
سوى أجْيَاف مَوْتَانا "
*******
ــ ومَنْ مِنّا لم يسمع بـ (المتنبي) ... ؟؟
الذي ما أن يقرأ متتبع شعره الا ويعرف بأنه من نظم هذا الشاعر الفحل ، الذي تميز باسلوبه القوي المتميّز بجزالة اللفظ ، والخيال الخصب ، وسكب المعاني الشعرية اللذيذة ، مع القدرة والمهارة الفائقة في دقة الوصف ، وهذا ما جعله متقدماً على الكثير من الشعراء ، بل ومن اكابر الشعراء العرب :
" يا أعدل النـاس إلا فـي معاملتي ..... فيك الخصام و أنت الخصمُ والحكمُ
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ..... وأسمعتْ كلماتي مَن بهِ صممُ
أنامُ مِلءَ جفوني عن شواردِها ..... ويسهر الخلقُ جرّاها ويختصمُ
وجاهِـلٍ مَـدَّهُ فـي جَهْلِـهِ ضَحِكـي .... حتـى أتـتـهُ يَـدٌ فَرّاسـةٌ وَفـَــمُ
إذا نظـرتَ نيـوب اللـّيـثِ بـارزةً .... فـلا تظـنَنَ أَنَّ اللـّيـثَ يبْتسـِــمُ "
ــ ولو تحققنا في عبارات كلام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (كرّم الله وجهه) لعرفنا قوة الاسلوب الانشائي المتدفق والذي يجذب الحواس ويقودها انصياعاً ، مما يجعل السامع او القاريء يقرُّ إقراراً بأن هذه اللغة وهذا الكلام هو لـ (علي) لاغيره . وهذه السِمة في الاسلوب هي التي تصبح لصيقة (المَلَكَة) عند الكلام او التأليف .
ولنستعرض جانباً مكثفاً مختصراً ما (يميز اسلوب ) الامام علي في خطبه وكلامه ومايندرج تحتها من تعابير وانشاء :
• قوة التأثير في السامع إن كان الكلام شفوياً ، والتأثير في القاريء ان كان النص تحريرياً ،وهذا الاسلوب شبه معدوم على أَلسنةِ الادباء في وقتنا الحاضر، الا مانَدَر، حيث إن الامام يُكثر من استخدام الصيغ الإنشائية (الاستفهام ، الترجي ، التمني ، الامر ، النهي ، النداء، القسم وغيرها ) وهي اقوى من الصيغ الخبرية ، مما يزيد في خلق التأثير في جارحة السمع وتحفيز ذهن المتلقي على الاستيقاظ والانتباه والتأثر.
• انتقاء المفردة المباشر من قبل الامام ووضعها في مرتبتها الصحيحة من حيث الموسيقى وخفة نطقها على اللسان وشدة وقعها في الآذان بما يناسب الحدَث ، بحيث تطوِّق الفكرة برمتها . فعندما يخاطب عُمَّاله او القادة فانه يستعمل اسلوب الأمر، فكلامه إلى (قثم بن العباس) وهو عامله على مكة :
" أما بعد ، فأقم للناس الحَج ، وذكّرهم بأيام الله ، وأجلسْ لهم العصرين ، فأفتِ المُستفتي ، وعَـلِّمْ الجاهل ، وذاكرْ العالِم ، ولايكنْ لكَ الى الناس سفيرٌ إلا لسانكَ ، ولا حاجبٌ إلا وجهكَ ، ولاتحجُبَنَّ ذا حاجة عن لقائكَ بها ، فأنها إن ذِيدَتْ عن أبوابكَ في أولِ ورودها ، لم تُحمَد فيما بعد على قضائها ..... "
• سماكة النسج وقوة التعبير ، وقصر العبارة ، وتوازنها مع اخواتها مع السجع والترسّل ، وكان ضليعاً باستخدام (التشبيه) و (الاستعارة) و (الكناية) و (المجاز) وغيرها من البديع والمحسنات ، حتى اصبحتْ منهلا لكل من اراد الارتواء والاستزادة ، وكان يستخدم الجزل في مواضعه المناسبة حتى يخيل للسامع او القاريء بانه قريب منه ، ويدخل الرعب في نفوس اعداءه أو نفوس من يؤنبهم . فعند مكاتبته الى (ابوموسى الاشعري) وكان عامله على الكوفه :
" من عبد الله امير المؤمنين الى عبدالله بن قيس :
أما بعد ، فقد بلغني عنكَ قولٌ هو لكَ وعليكَ ، فإذا قدِمَ عليكَ رسولي فارفعْ ذيلكَ ، واشددْ مِئزركَ ، واخرجْ من جُحركَ ، واندبْ مَنْ معكَ ، فإن حقَّـقتَ فانفذْ ، وإن تفشَّلتَ فابعُدْ ، وأيمَ الله لتؤتيّنَ حيثُ أنتَ ، ولاتُترَكُ حتى يُخلَطَ زُبدُكَ بخاثِركَ ، وذائبكَ بجامدكَ ، وحتى تُعجَلَ عن قَعدَتكَ ، وتَحَذَّرْ مِن أمامكَ كحَذَرِكَ من خلفكَ ، وما هي بالهوينى التي ترجو ، ولكنها الداهية الكبرى ، يُركَبُ جَملُها ،ويُذَلُ صَعبها ، ويُسَهَّلُ جَبَلها ، فاعقِل عقلكَ ، واملِكْ امرَكَ ، وخذْ نصيبكَ وحظكَ ، فإن كَرهتَ فَـتَنَحَّ الى غير رَحْب ولا في نجاة ، فبالحريّ لَتُـكفيَّنَ وأنت نائم ، حتى لايقال : أين فلان ؟ والله إنه لَحَقٌّ مع مُحِق ، وما أبالي ماصنع َ الملحدون ، والسلام . "
ــ وعند استعمال رقيق اللفظ يأتي بأرشق العبارات واعذبها حتى تدخل السرور الى النفس او تجبر العين على نزف الدموع سراعا ، او تأمر الجوارح بالخشوع لسحر بيانه . ولنقتطف جانباً من كلامه (كرّم الله وجهه) :
ــ قام رجل يقال له (هَمَّام) إلى أمير المؤمنين وهو يخطب ــ وكان (هَمَّام)عابدا، ناسكا، مجتهداً ــ فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا المؤمن كأننا ننظر إليه .
فقال :
" يا هَمَّام ، المؤمن هو الكيس الفطِن ، بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شئ صدرا وأذل شئ نفسا ، زاجر عن كل فان ، حاض على كل حسن ، لاحقود ولا حسود، ولا وثّاب ، ولاسبّاب ، ولاعيّاب ، ولا مُغتاب ، يكره الرفعة ، ويشنأ السمعة ، طويل الغم ، بعيد الهَم ، كثير الصمت ، وقورٌ ذكور، صبورُ شكور، مغمومٌ بفكره ، مسرورٌ بفقره ، سهل الخليقة ، لين العريكة ، رصين الوفاء ، قليل الاذى ، لا متأفِك ولا متهتِّك . إن ضحكَ لم يخرق ، وإن غضب لم ينزق ، ضحكهُ تَبسّم ، واستفهامه تعلّم ، ومراجعته تفهّم , كثيرٌ علمه ، عظيمٌ حلمه ، كثيرُ الرحمة ، لا يبخل ، ولا يعجل ، ولا يضجر، ولا يبطر ، ولا يحيف في حكمهِ ، ولا يجور في علمهِ ، نفسُهُ أصلب من الصلد ، ومكادحته أحلى من الشهد ، لا جَشِع ولا هُلِع ولا عَنِف ولا صَلِف ولا مُتكلِّف ولا مُتعمِّق، جميل المنازعة ، كريم المراجعة ، عدلٌ إن غضب ، رفيق إن طلب ، لا يتهوّر ولا يتهتّك ولا يتجبّر ، خالص الود ، وثيقُ العهد ، وفيُّ العقد ، شفيقٌ ، وصولٌ ، حليمٌ ، خمولٌ ، قليلُ الفضولِ ..... "
وعند انتهاء الخطبة صاح (هّمَّام) صيحة ، ثم وقعَ مغشياً عليه، فقال أمير المؤمنين (كرّم الله وجهه) أما والله لقد كنتُ أخافها عليه . وقال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها. "
وهذا دليل على قوة الاسلوب وتمنكنه من السيطرة على المشاعر ، والتمازج مع الروح ، ومن يريد الاستزادة من هذه الخطبة (خطبة المتقين) فليرجع الى كتاب نهج البلاغة .
ــ وكما يقول ابن أبي الحديد في وصف كلام الامام علي :
" إذا تأملته ، وجدتَه كلَّه ماءً واحداً، ونَفَساً واحداً، وأسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية "
ــ إذاً نحن امام صنعة لابد لمن اراد تعلمها ان يستقصي حيثياتها وتجارب اهلها ونماذج خبرائها ، كي يبدأ بالمقارنة والانتقاء .لذا فأن كبار المؤلفين والكتَّاب لم ينفكوا عن قراءة هكذا نصوص وبمختلف اتجاهاتها وعناوينها ، لزيادة الخزين الاسلوبي ولمعرفة مكامن القوة والجمال التي تعين على رصانة الاسلوب . فالكاتب الرصين هو الذي يرصد علامات الابداع في انشائه وكتابته ويتفحص جوهرها لينتقي اسلوبه الخاص . وهذا لايأتي إلاّ بالمران والبحث والقراءة والكد والتعب والاجتهاد. ومن لايريد التعلم والاستزادة المعرفية في ذلك ، عليه ان لايُتعِب الناس بالحشوِ والتِفلِ من التأليف ، وهو مغرور بما يأتي به من زَبَد أو نخالة .
ــ وقد انتقد (ابن قتيبة) أولئك الكتّاب الذين لم يعطوا الأسلوب حقّه، فقال:
" رأيت كثيراً من كتّاب أهل زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدِعة ، واستوطأوا مراكب العَجَز، وأعفوا أنفسهم من كَـدّ النظر وقلوبهم من تعب الفكر، حين نالوا الدَّرَك بغير سبب ، وبلغوا البُغية بغير آلة . "
ـــ وقد أجاد (ابن قتيبه) في وصفه الكتّاب من ذلك النوع ، فالكاتب الرصين هو الذي لاينقل المعاني وحدها ، لان غاية الادب ليست المعرفة وتقرير الحقائق ، بل نقل المعاني الى الاذهان وهي ممزوجة بشعور الكاتب ، وتحمل القوة التي تبعث شعور المتلقي ، ولاتحدث هذه الديناميكية الادبية الا اذا كان تعبير الكاتب يحمل الاسلوب الفني المتميز .

الثلاثاء، 2 مايو 2017

الشعر وإشكالية قصيدة النثر بقلم / جمال قيسي

الشعر وإشكالية قصيدة النثر
في صراع غير مبرر ،،تبلورت اشكالية قصيدة ( النثر ) ،،،وها انا أضعها بين قوسين ،،ربما هو نوع من الموقف الوسط لارضاء الطرفين ،،،ولكني في نهاية المطاف سأنزع القوسين ،،بعد ان نتناول ،،،هذه المشكلة،،وليست اشكالية ،،كما يظنها البعض ،،،،



 في بداية الامر ،،يجب ان اوضح مالذي يميز النص الأدبي ،،،ومن ثم ماهي صفات النص الشعري كجنس ادبي ،،،
أحدثت ثورة أكتوبر تغييراً عميقاً في التاريخ ،،قادته كتلة تاريخية ،،وفق منهج وخطاب الماركسية ،،التي تمتلك في جوهر خطابها الانساني الشامل على قضيتين ،،جدليتين ( الجدل الشيء ونقيضه / احداهما يعمل على نفي الاخر ) ،،هما ،،قضية العمل ،،والتغريب ( الاغتراب) ،،،ومجمل الطروحات الاخرى ،،مرتبطة بهذه القضيتين ،،ومنها الثقافة وبطبيعة الحال الادب،،،،
حتى لانجعل القارئ في حيرة،،،،يذهب ماركس الى ان العمل هو التعبير الذاتي للانسان ،، إنه التعبير عن قواه الذهنية والجسمية الفردية ،،انه الفعالية الحقيقية التي يقوم الانسان بتطوير ذاته ويُصيرْ ذاته ،،إن العمل ليس هو وسيلة لغاية ،،اي للعيش فقط،،إنه التعبير الهادف للطاقة الانسانية ،،من هنا يكون العمل ممتعاً ،،،لكن كل هذا شرطه ان يكون الانسان يعمل بما يحب وما هو مؤهل له نفسياً،،،،وعكس ذلك ،،سيكون مُغرَّب،،،وقسري ،،لذلك سعت الرأسمالية الى دفع الانسان للعمل وفق حاجتها ،،وتحويله الى شيء شاذ ومشلول،،،مما خلق حالة الاغتراب،،،وهو مرض العصر القاتل بلا منازع،،،انها عملية استلاب للجهد،،،،،،
وفق هذا المفهوم الماركسي ،،سعت ثورة أكتوبر الى تغيير شامل لكافة مناحي الحياة ،،،وعلى اعتبار الثقافة والنشاط الأدبي منها والبحث الأكاديمي ،،هو نوع من مظاهر التسلط الذي تستخدمه البرجوازية والرأسمالية في تكريس هيمنتها ،،وفِي تضليل مضاف وتشريع ،،من اجل تكريس هذه الهيمنة والاستلاب ،،وسرقة الجهد،،،ان الثقافة السائدة ،،هي فعالية لتعزيز الاغتراب ،،تنطوي في داخلها ،،على كل وسائل الاستبداد ،،،ومحاولة لإخفاء ،،اي حافز لانطلاق الانسان للتحرر،،من ربق العبودية ،،للتابوهات ،،الدينية والاجتماعية ،،،وكل القوى المُستغلة ،،لجهد الانسان ،،بقيمته في العمل ،،ليحل معها حالة الاغتراب ،،،،
وعلى ضوء ذلك ،،قام عدد من الباحثين في جامعة موسكو وسان بطرس برغ ،،في تناول هذا المنحى من اجل اعادة النظر بمجمل حركة الثقافة ،،والأدب ،،باعتباره النشاط الأكثر تماس ،،مع الجماهير ،،فكان جهدهم ( الشكلانين الروس ) ،،اشبه بالثورة في الادب،،،حيث تم عزل الادب كجنس بذاته ،،بعيداً عن اي علوم اخرى ،،،وانصب تركيزهم على النص الأدبي وحده ،،من خلال وضع مناهج تعنى بالشكل ،،ومنها استخراج طبيعة عمله الداخلي ،،،مع ان عملهم كان قد حجم بحكم الاستبداد الستاليني،،،،الا انهم وضعوا الامر على السكة الصحيحة ،،التي استلمها العالم والمعنيين بالأدب لينضجوا ما قام به هؤلاء المبدعين،،،،وسنأخذ ،،احدى اهم الطروحات ،،والتي تعنينا هنا بقضية الشعر،،،،وهي قضية. البوطيقيا اي الشاعرية ،،او ادبية الادب وهو ما يميز من كون النص ادبياً ،،،او القوانين الفنية للنص الأدبي ،،،بمعنى مالذي يجعل الشعر شعراً ،،او القصة والرواية ،،هي من جنس الادب ،،وليس نصاً سياسياً او اجتماعياً،،او تاريخياً وعلمياً محضاً،،،، فالشعرية ( البوطيقيا هي / المنهجية التي تقوم على علم اللغة للأنظمة التي تنطوي عليها النصوص الأدبية, وهدفها هو دراسة الأدبية أو اكتشاف الأنساق الكامنة التي توجه القارئ إلى العملية التي يتفهم بها أدبية هذه النصوص )
حتى لانزعج القارئ بهذه الإكراهات ،،،نقول ان النص الأدبي ،،هو فضاء تتوزع فيه الكلمات ،،بنظام معين ،،والشعر بالذات،،تشكل انزياحا ،،عن مظهرها ،،،
فالشعر ،،هو مجموعة من الصور ،،على شكل كلمات ،،بتنبير وموسقة ،،،وهو خطاب ( قول ) او مجموعة من الخطابات ،،،اي بمعنى ان كل جملة وهي خطاب ،،تؤدي الى صورة مهولة او مرمزة او مكثفة ،،لرؤيا الشاعر ،،للواقع ،،،،
من هنا الشعر ليس صنعة ،،،او نظم فقط،،،وإنما هو خطاب تغييري ،،يتعدى المفاهيم القديمة والأغراض السابقة،،،وكان فضل ،،تطوير مفهوم الشاعرية ( البوطيقيا ) ،،،بان حرر الشعر من قوالب الصنعة ،،،والمنظوم التقليد ي ،،،وجعله خطاب يعنى بمجمل الحياة،،،وقصيدة النثر هي تجسيد لهذا التطور،،،لان كل جملة هي عبارة عن خطاب ،،يؤدي اغراضه ،،،،انا كأنسان ،،في حالة اغترابي ،،لاتعنيني القصيدة التي تحكمها التفعيلة وقدرة ،،من يصوغها،،،وإنما يعنيني ،،ما تخبرني بمضمونها ،،من اجل صياغة الحياة وتغييرها ،،وكسر حالة الاغتراب ،،،ولكن حتى لا يكون الكلام منفلتاً،،أقول
ان الشعر،،هو ترميز،،،وتكثيف ،،،وتهويل ،،ورؤية ،،،نحو التغيير،،،شرط ان لاتكون جمله تقريرية ،،
انه خطاب في الاول والآخر ،،ويجب ان يحمل في هدفه ،،شروط التغيير والتقدم ،،،،
جمال قيسي / بغداد