الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

ألبطل الإشكالي والتحولات الأديلوجية والدينية في رواية عاشقة من كنزا ربا / عبد الزهرة عماره بقلم الاديب عبدالحسين العبيدي

 ألبطل الإشكالي والتحولات الأديلوجية والدينية

في رواية عاشقة من كنزا ربا / عبد الزهرة عماره
بقلم الاديب
،،،
للسرد قدرات تُتيح له التعالق مع الكثير من الحقول المعرفية فتارة يتبادل الأدوار والمهام مع التأريخ فنراه يقص احداث تأريخيه كما هو الحال مع سرديات جورجي زيدان , وتارة مع السياسية فينتج لنا رواية سياسية . وهكذا باتت الرواية تشكل الوعاء المناسب للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع . ( أن الروائي العربي المعاصر قد أصبح - البوم – هو المؤرخ الحقيقي لكثير من أحداث الأمة وقضاياها , من خلال شخصيات مأزومة فكريا , ومهمشة اجتماعيا , ومغتربة إنسانيا – وهذه الشخصيات – التي تعاني وتناضل من أحل نفي عذابات الذات وتحقيق أهداف- صارت تشغل اليوم – مكانة رفيعة في شرفات فنون القص ) 1 . لقد عمد الكثير من الكتاب المعاصرين لتقديم تجارب سردية استثنائية تنتشل العقل المجتمعي من حالة الغيبوبة والرضوخ للعنف المفرط للدكتاتوريات
وقد اجتهدت رواية ( عاشقة من كنزاربا) للروائي العراقي عبد الزهرة عمارة . في رصد وتقديم صورة لمعاناة المجتمع العراقي , من خلال شخوص الرواية التي تكاد توحي لشدة واقعيتها بأنها توثيقية أذ تحقق فيها كل معايير الأدب الواقعي ( وقد حددت الكتابات النظرية عددا من المعايير للأدب الواقعي من أهمها تعريف الشخصيات الروائية بهويتها الواضحة , وبالخصائص الزمانية والمكانية التي تجدد حياتها , تعليل الأفعال التي تقوم بها الشخصيات , أحترام مبدأ السببية في الوقائع والأحداث )2 ( كانت طفولتي مضطربة و كان يوم ولادتي نذر شؤم كما قالت لي أمي ) ص21 ( مر اسبوع على اعتقالي من قبل افراد الحرس القومي , وقد قذفوني بلا رحمة في هذا السجن البائس بصورة مؤقتة بدلا من سجن البلدية الذي غص بالمعتقلين والمعتقلات ) ص9
. ان كاتب الرواية السياسية ليس بالضرورة أن يكون منتميا لأحد الأحزاب , لكنه بالمقابل يمتلك وعيا مغايرا يسعى لأقناع الأخرين به , مما قد يعرضه للاضطهاد (ان كاتب الرواية السياسية يستطيع طرح رؤيته للعالم من خلال سرد أحداث معاصرة )3 وهذا ما يجعل الكاتب أحيانا يخفف من صدمة الوقائع والحقائق ويقع بما يمكن تسميته بالسرد الخائف تحاشيا للدخول في مواجهة مع سلطة يختلف معها في الرأي .لكنه ايضا مطالب ان يقدم رؤاه السياسية أضافة الى رواية فنية مكتملة الأركان , وقد عانت الرواية من هذا الحذر . من خلال قيام رواز كريدي الصابئية المضطهدة على يد رئيس الحرس القومي في العمارة رسمي سعيد الذي رغب بها جسديا بأنفاذه من قبل عائلتها وتهريبه الى بغداد في الوقت الذي يسعى فيه التنظيم بألقاء القبض عليه ومحاسبته على الفظائع التي أرتكبها , ورده الجميل لهم بعد انقلاب 1968 بأطلاق زوجها الشيوعي عادل أبراهيم ( ومضت ستة أيام وكان يوم خميس طرق الباب وهرولت وكان رسمي واقفا امام الباب لوحده ودار رأسي لكني تمالكت نفسي قائلة – أين عادل وألتفت رسمي الى الوراء وصاح – استاذ عادل ... تفضل . ثم أردف قائلا - هكذا العهد يارواز ... لقد ردت لكم الأمانة ) ص156 . هذه الوقائع تتجاوز منطق الأحداث ولا تقدم موقفا انسانيا مبررا , أن قيام انقلاب بقيادة عبدالسلام عارف هو الذي أنقذ رواز من الزواج القسري من رئيس الحرس القومي , وقد جانبت الرواية حقائقها في هذا الطرح وأرسلت رسالة خاطئة ... رغم أنها أفلحت في عرض رؤاها بطريقة تبتعد كثيرا عن الرمزية والغموض
أن رواز كريدي/عاشقة من كانزاربا /البطل الرئيسي في الرواية .
هي شخصية هشة ,لا مبدئية متقلبة لا تمتلك وعيا سياسيا , خلافا لما ظهرت عليه , اذ أنها سرعان ما غيرت انتمائها السياسي والمذهبي (كان قلبي هائم بأفكار وجودية رمادية ... أريد أن أتزع هذه الأفكار بالصلاة .. أي صلاة ... وعندما قرأت كتاب اقتصادنا الى السيد محمد باقر الصدر أذهلني ما قرأت ... وحينها تغيرت الى الطريق السليم ... عرفت الحقيقة ... عرفت المعنى الحقيقي للماركسية لذلك تنحيت عنه جانبا وتركتها الى الأبد وتخلصت من الشيوعية والى الأبد أيضا ... مزقت الكتب والدفاتر والكراريس ) ص 141 .وهكذا قدمت براءتها من كل قناعاتها السابقة و اعتنقت قناعات تختلف كليا عن تلك التي ورثتها من بيئتها , وهي بذلك تدين قطاع فكري وسياسي وديني يمس الكثيرين .
في المجتمعات البشرية غالبا ما توضع خطوط حمر ( تابو ) لا يسمح بتجاوزها و تتعلق بثلاث مواضيع رئيسية هي الدين والسياسية والجنس . ويظل المجتمع يمارس سطوته مما يحفز النخبة للخوض في هذه المحظورات وكشف المسكوت عنه والحد من هيمنته . لقد أولت الرواية العربية المعاصرة ومنذ وقت مبكر اهتماما كبيرا بالقضايا السياسية وبيان مدى تأثيرها على الناس , كروايات حنا مينا , غسان كنفاني , عبدالرحمن منيف ...الخ .
عنوان رواية ( عاشقة من كنزاربا ) التي نشرت للمرة الأولى في العام 1979, يلفت الانتباه ويثير الكثير من التساؤلات , فالكنزا ربا هو الكتاب المقدس للديانة المندائية وهي من أقدم الديانات التوحيدية في العالم ويعود انتمائها الديني لسيدنا يحيي بن زكريا (ع) . وثقافتنا عن هذه الديانة تنحصر بالثقافة الشعبية والأساطير ,والجهل المطلق بكتابهم المقدس وقد أفلحت الرواية بنقل بعض آياته وبعض الأدعية التي يرددها المندائيون مما وفر فرصة ولو ضئيلة للاطلاع عليها . مارس العنوان أحدى أهم واجباته في أثارة فضول القارئ خلافا لعناوين بقية الروايات ك( والتقينا في بروكسل , كلاب في الظلام , في انتظار القمر , فادية , شقراء البصرة , قطة في الطريق ) . قرأت الاستهلال فوجدت نفسي في خضم فترة زمنية مضطربة من تأريخ العراق السياسي ساد فيها تنظيم مدعوم من قوى عالمية وعربية ودينية لكل منها مبرراته , التي راح ضحيتها شعب بلد أسمه العراق ( عام 1963 . سجن العمارة المركزي . زنزانة رقم 9 )ص9..دون أن يقع الكاتب في مطب الأديولوجية على حساب الوعي الجمالي .
( يشير الكاتب الألماني جوته الى ان الرواية الحديثة باعتبارها ملجمة ذاتية بطالب فيها الكاتب بتصوير العالم بطريقته الخاصة, واذا كانت لدية طريقه خاصة في رؤية العالم أو وجهه نظر بالسياسية , فأن ذلك يأتي من تلقاء نفسه , بعد أن يكون قد شكل العناصر الرئيسية لعمله الأدبي ) 4
لقد أضحت السياسة المحرك الأساس لكل نشاطات الشعوب , واصبحت الرواية السياسية , التي تلعب فيها قضايا ومصائر الشعوب , حاضرة في المشهد الأدبي .
(كان الوقت ساعة الظهيرة عندما القي القبض عليّ ) ص 9
رواز كريدي / العمر 17 سنة الخامس العلمي / الديانة صابئية (انت من طائفة الصابئة
نعم . ) ص13
كانت رواز كريدي هي الراوي كلي العلم الذي يقص علينا الأحداث في الرواية المكونة من ثمانية فصول تحمل أسماء الشخصيا ت الرئيسية فيها عدا الفصلين الأخيرين ( عسل الحب والنهاية ) حتى لنكاد نقرأ سيرتها الذاتية وذكرياتها المؤلمة خلال فترة الانقلاب .ولاحقا طرحت قناعاتها الجديد في الدين والسياسة
يكشف لنا الفصل الأول الذي يحمل اسمها ( رواز كريدي) انها تعرفت على الماركسية من خلال كتب أخيها سروان . وانتمت الى رابطة الشبيبة عندما فاتحتها مسؤولة الشبيبة فاضلة عمارة
ان بطلة الرواية بطل أشكالي وهذا هو الحال في الرواية السياسية اذ يتحرك بطلها ضمن اطار الأيديولوجيا التي يؤمن بها وكثيرا ما يقع ضحية لها
( أن معاناة البطل الاشكالي تتمثل في رغبته في التغير لصالح رؤاه الحضارية وهو غالبا ما يكتفي بالأحلام قي التغير ) 3
فهي تسعى لأن تكون مغايرة عن السائد , تارة عبر مشاكساتها مع المؤسسة الرسمية /المدرسة ( أبتي في درس الدين , لماذا يأمروني بالخروج من الصف , أنا وصديقتي مريم ؟ ....هل ربنا يختلف عن ربهم ؟) ص22
وتارة في حياتها اليومية عبر المغايرة مع السائد من الأعراف ( - لن أتزوج الا بقناعتي . وتقول أمي بتوسل 0 نحن أقلية وعقيدتنا لا تسمح بالزواج من غير طائفتنا .وأرد عليها بحزم أنا لا أؤمن بعقيدتكم ولا بأي عقيدة أخرى ) ص 36
وأخرى عبر نشاطها السياسي الذي لم تفصح عنه الرواية , ولكنه يبدو واضحا من خلال الدوال التي تبثها ,فهي تقر بأنها ماركسية – لينينية ولكنها لم تصرح بأنها شيوعية , وتعرضها للاعتقال على يد العناصر الانقلابية , أضافة الى كونها شابة فاتنة في عنفوان توهجها . ( أنا أحب الله والماركسية مذهبي ولينين قائدي ) ص37 .ان بطل الرواية (شخصية تبحث عن القيم الأصيلة في واقع اجتماعي مضطرب من حيث السلوك والقيم وهو يتصف بقدر من الوعي الفكري العميق لكنه عاجز عن اصلاح مجتمعه أنه مثقف فكريا لكنه غير قادر على الحركة سلوكيا ومن ثم ينتهي بها الحال الى ان يصبح شخصية مهمشة ومغتربة ) 5
وبذا فأن رواية عاشقة من كنزاربا تكاد تكون بحثا في الاضطهاد السياسي .أن المبنى السردي للرواية يتشكل من محورين أساسين متوازيين يشكلان الثيمة الرئيسة التي أشتغل عليها السارد وهما
المحور السياسي /يتمثل بحدوث انقلاب دموي في 8 شباط/1963
المحور الإنساني / وجود علاقة عاطفية بين فتاة مندائية /رواز كريدي / وشاب مسلم /عادل ابراهيم يجمع بينهما التوافق الفكري اذ كلاهما ينتميان لنفس التنظيم , وهي أشاره خفية أن هذا التنظيم ضد هذا التقسيمات الطائفية والعرقية مما يجعله قادرا على تمثيل شعب متعدد الأعراق والطوائف . ولكن المشكلة تبقى قائمة
(وهل عادل صابئي
- طبعا صابئي
- - كيف عرفتي ؟
- لأنه أكل طعامنا
- ماما ... وهل هذا دليل على أنه صابئي
- لا تكوني غبية .. هل تعلمي أن المسلم يتنجس حتى من مصافحتنا فكيف بعادل شرب وأكل من زادنا ) ص44
- وفي مقطع أخر ( لنسلم أن عادل مسلما فهل يقبل أن يتزوج صابئية ؟ ) ص45
ان الخوض في هكذا ثيمات / تابوات اضافة الى لجوء الروائي الى ذكر أحداث حقيقية كإعلان الأحكام العرفية من قبل الحاكم العسكري رشيد مصلح و حضور الجلاد ناظم كزار ومتصرف الناصرية هاشم قدوري أضافة الى حقيقية الأماكن التي دارت بها الأحداث منح الرواية الكثير من المصداقية والتنافر مع السرد التقليدي السائد
لقد منحت الرواية القارئ صورة بنارومية للتقاليد والشعائر المتبعة في الأعراس المندائية عبر نقل مراسيم زواج سروان بأبنة عمه زاهية بعد أن تجاوز حب شابة مسيحية اكثر جمالا / مريم نصوري ( كانت رغبتي الشديدة ان يرتبط سروان بمريم وحاولت جاهدة ان اذلل الصعاب بينهما لكن سروان كان يرفض ) ص70
, وكانت تلك من الأهداف التي سعت اليها الرواية (جاء احد الكهنة حاملا خاتم الريحان وشيئا من الماء المبارك وقليل من اللوز والزبيب ) ض 71 ( وفجأة سمعت مريم شيئا قد كسر فقالت هذا فأل شؤم وقلت لها وانا اضحك هذه الجرة الاولى قد كسرت وهذه هي اجدى الشعائر الدينية بالزواج) ص72
وبالمقابل هناك ما هو فائض في السرد لا يخدم الرواية كما هو الحال في مقطع تلقي مديرة المدرسة رسالة من رجل يسعى لمقابلتها فظنته عريس جاء لخطبتها ليتضح لاحقا انه جاء بسب ابنته و هو حدث مقحم لا مبرر له سوى السخرية من المديرة القاسية , ورفعه لن يؤثر على سير الاحداث . أن رواية ( عاشقة من كنزاربا ) رواية أرخت لحقبة مريرة من تأريخ العراق الحديث وقد أمتلكت شجاعتها في التصدي العلني للدكتاتورية ونظامها القمعي وكانت مخلصة قللت الحيف عن شريحة اجتماعية أضطهدها جهل العامة . ان أغلب شخصيات الرواية التي تشكل عالمها الحكائي مهمشة ومضطهدة .أنها رواية تسعى لتعزيز السلم المجتمعي وينبغي أن تأخذ مكانها في دنيا الرواية العراقية أن ثيمتها فرضت تمسكها بأساليب التيار الواقعي لعرض الحقائق كما حدثت
الهوامش
1, 3,5 الرواية السياسية طه وادي
2 الواقعية في الأدب / حسان عباس / منشور
4 نقلا عن قضايا ادبية حسين مروة
رواية عاشقة من كتزا ربا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق