الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

نقد النقد في البيئة الجزائرية ( قراءة في المفهوم) د:بالي وردة جامعة قاصدي مرباح ورقلة (الجزائر):

 نقد النقد

في البيئة الجزائرية ( قراءة في المفهوم)
د:بالي وردة
جامعة قاصدي
مرباح ورقلة (الجزائر):
...
حين رغب الإنسان في التعبير عن أفكاره وخوالج نفسه وانفعالاته، كان للأدب نصيب في دائرة الإبداع المتنوعة الفنون تعبيرا وتفكيرا، إمتاعا وإقناعا، فكانت مادة الأدب الأولية اللغة لما تحويه من قدرة على التواصل بشكل شفوي أوخطي ومن ثمة، يحيا الأدب تحت ديناميكية وفعالية النقد ليتطورا معا وبشكل تلازمي حسب حاجات ومتطلبات كل عصر، "ذلك أن طبيعة النقد تخضع لحتمية التطور والتفاعل مع نتائج العلوم الإنسانية في بيئتنا المختلفة، والتي يستفيد منها الناقد في تبرير مقاييسه وإعطائه صفة الموضوعية فالخطاب النقدي لا يستمد استراتجية من موضوعه بل من الخطابات الإنسانية المتعددة التي تتداخل مع المكونات السياسية والثقافية للمجتمع لتشكل حدود الممارسة النقدية وتنظم قنواتها المختلفة"
ومن ثمة كان لابد أن نعرج على مصطلح الأدب الذي يعد قرينة متلازمة له، لعل هذا المصطلح يحتوي على جزيئات متعددة من المعارف والفنون؛ حيث يستوجب في كل مرة مراعاة عامل الزمن الذي يقر به التأريخ؛ وعليه مصطلح الأدب(literature) مصطلح أخذ تطوره من روح الشعوب ومن تطور الأمم خاصة بانتقالها "من دور البداوة إلى أدوار المدينة والحضارة . وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم، و هو كلام إنشائي بليغ الذي يُقْصَدْ به التأثير في عواطف القراء والسامعين، سواء أكان شعراً أو نثراً" يركز هذا المفهوم على الجانب الشعوري الحسي متجاوزاً الجانب المعرفي الذي يساوي فيه بين الجانب الفني والعلمي(التجارب). كما نجد لهذا المصطلح جانبا أخلاقيا برز في عصر صدر الإسلام في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أدّبني ربّي فأحْسَنَ تأديبي )) .
ومع التطور الحاصل في الشق المفاهيمي لمصطلح الأدب الذي يعد "ملكة أو براعة راسخة في النفس كالبراعة في سائر الصناعات من خياطة ونجارة وسواهما" يتبين لنا من خلال هذا الطرح أن الأدب يحمل جانبين الأول فطري والثاني مكتسب كاكتساب الصناعات، على الرغم من تعدد دلالات الأدب إلا أنه يعني منذ القدم "الكلام الجيد من الشعر، أو النثر الذي يثير شعور القارئ، أو السامع ويحدث في نفسه لذة فنية كاللذة التي يحسها عند سماع الغناء، أو الموسيقى، أو رؤية الجمال؛ هو التعبير الجميل عن معاني الحياة وصورها، هو مأثور الشعر الجميل أو النثر البليغ المؤثر في النفس والمثير للعواطف؛ فلا بد فيه من معان تثير العواطف، وصياغة جميلة تؤدى بها هذه المعاني"
فبالرغم من تشعب العلوم والفنون، ولكن نستطيع القول: أنّ مصطلح الأدب استقر بشكل تدريجي فنا قائماً بذاته يجمع بين ثنائية (المعرفة والإبداع) أو بين ( العلم والفن ) فبذلك أصبح في عصرنا يعني كل ما يكتب ليعبر عن تجارب وأفكار وكل مايدور في خوالج النفس في شاكلة أجناس أدبية من رواية، وقصة، وشعر، ومقال وغيرها من التصنيفات والمشتقات.
إن النقد فضاء واسع، وقد وقف جل النقاد منذ طليعة وبوادر الفكر النقدي عنده وقفة مطولة في تحديد ما يجعل الإنسان يبدع معاني غير مسبوقة يتذوقها المتلقون بالقبول والثناء أو بالرفض وفي هذا التصريح لا يسعنا إلا أن نتساءل عن مفهوم النقد الأدبي، هذا الأخير الذي لا يمكننا في هذا المقام إلا أن ننعته بالمصطلح المتشعب، حيث يحمل في طياته عديد العلوم والفنون فتنوعت مفاهيمه بتعدد الإبداع الأدبي (فن الشعر، فن القصة، وفن الرواية، فن المقال) وغيرها إلا أننا وسط هذا التراكم والزخم المعرفي سنحاول مقاربة المفهوم من عدة زوايا أولها أن النقد فن، وثانيها أن النقد علم قائم بذاته، وثالثها أن النقد قراءة القراءة(نقد النقد) التي تنتج كتابة لها مبادئ.
إن الكلام عن الممارسة النقدية، أو النشاط النقدي يتطلب تحديد بعض المفاهيم والعلائق ولعل مفهوم النقد أبرزها، وعليه سنسلط الضوء على هذا الأخير من الجانب اللغوي الذي يعد البوابة الأولى لاكتشاف تبدلات المصطلح، فقد امتلأت المعاجم اللغوية بالشروح ولعل أبرزها ما جاء في.لسان العرب "لابن منظور" "تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها..نقدت له الدراهم أي أعطيته، فانتقدها أي قبضها" ومن جهة أخرى تأخذ هذه الكلمة معنى عد الثمن في أساس البلاغة "الزمخشري" وهي "نقد الثمن، ونقده له فانتقده، ونقد النقاد الدراهم: ميز جيدها من رديئها" وفي مقاييس اللغة (نقد) "ومن الباب: نَقْد الدَّرهم، وذلك أن يُكشف عن حَاله في جَودَته أو غير ذلك" أما النقد عند "الجوهري" "نقدته الدراهم، ونقدت له الدراهم، أي أعطيته، فانتقدها، أي قبضها. نقدت الدراهم وانتقدتها، أخرجت منها الزيف" ويقول أيضا: "وناقدت فلانا، إذ ناقشته في الأمر" . في هذا المقام يمكن القول أن جل المعاجم اللغوية تكاد تتفق أن مصطلح النقد مصطلح مستورد من سياق الصيارفة للتميز بين الجيد والرديء؛ أي ما يوازي الغربلة والتمحيص والتصفية والتصنيف وبالنظر في الإصطلاح الغربي فهو عند "هاري شو harry shaw" "تقييم وتحليل فكري متعدد الجوانب وتنحدر كلمة(criticism) من الكلمة الإغريقية (kritikos) التي تعني القاضي" .
أما عن الجانب الاصطلاحي فقد وقف جملة من الدارسين والنقاد عند مصطلح النقد، هذا الأخير الذي تختلف مفاهيمه تارة وتتفق أخرى ومن ثمة يمكن أن نعد النقد "فن تقويم الأعمال الفنية والأدبية، وتحليلها تحليلا قائما على أساس علمي... أو هو الفحص العلمي للنصوص الأدبية من حيث مصدرها، وصحة نصها، وإنشاءها وصفتها، وتاريخها" ومن جهة أخرى هو فن أو علم التحليل والشرح والتمييز وبالتالي هو الحكم الذي تصدره على الشعر والنثر، وهو كذلك عند المحدثين تقدير النص الأدبي تقديراً صحيحاً وبيان قيمته ودرجته الأدبية. أو هو تحليل الآثار الأدبية والحكم عليها، وبيان قيمتها العامة، والموازنة بينها وبين ما يشبهها من الآثار أو هو "دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة، ثم الحكم عليها وبيان قيمتها ودرجتها" ومن المعلوم أن النقد قديم قدم العملية الإبداعية ومفهومه يختلف من عصر إلى آخر، ولكن العنصر المشترك هو التذوق للنصوص الإبداعية، فمن ثمة يرى "إحسان عباس" أن: "النقد في الحقيقة تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفن عامة أو إلى الشعر خاصة يبدأ بتذوق، أي القدرة على التمييز، ويعبر منها إلى التفسير والتعليل والتحليل والتقييم" أما "محمد مندور" فيعرفه: "النقد الأدبي في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب وتمييزها، وذلك على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع، فليس المقصود بذلك طرق الأداء اللغوية فحسب، بل المقصود منحى الكاتب العام وطريقته في التأليف والتعبير والتفكير والإحساس على السواء" وفي السياق نفسه تقول "سهير القلماوي": "المعنى الدقيق من مصطلح النقد وهوالتذوق الذي ينبني على الوصف ثم التحليل ثم الحكم " ، فكان مفهوم النقد يختلف من باحث إلى آخر فهذا "عبد السلام المسدي" ينطلق من وجهة لغوية التي يعدها جوهر العملية النقدية وأساسها حتى قال عن النقد الأدبي أنه:
"مدين في جل ما يعرفه في أيامنا من نماء وازدهار إلى المعرفة اللغوية" وهو يشير في ذلك إلى أن جوهر الأدب وقيمته تكمن في اللغة ـــــــ اللغة الواصفة ـــــــ فهو بذلك يرجع بنا إلى النقد المتقدم، لعلنا نقف معه نفس الموقف غير أن نقدنا الحديث (modernisme) يمثل مرحلة ثانية من القراءات (القارىء الناقد) التي تصنف في خانة الإبداع والنقد في آن واحد وعليه النقد دائرة شاسعة تحتوي كل الآداب والفنون؛ فهو يمثل روحها ودليل الديناميكية والحركية بغية التطور؛ فكان الأدب ركنا من أركانه في حين ذهب "إبراهيم رماني" إلى أنه "كتابة على كتابة، أو قراءة لكتابة" في هذا الطرح جعل من النقد كتابة على كتابة كإشارة لنقد النقد هذا من جهة وإرتباط القراءة بالكتابة هو العلاقة المباشرة بالنص الإبداعي الأول فيُفصل أكثر قائلا: "النقد هو اللغة الشارحة أو ما بعد اللغة، هو كلام على كلام وخطاب حول خطاب، يتقصى أعماق النص، يجلي ظلماته، يحدد مؤشراته، يعاني تجربته"
ولكننا نجد أنه يعد النقد إبداعا من ناحية معايشة التجربة الإبداعية أو فن له عديد السمات فيقدم تصورا أن "النقد إبداع شامل، تأطير للنص والعالم داخل فضاء لا ينتهي أبدا، إنه المصطلح الذي لا يتجمد في مفهوم أحادي الرمز المشبع بالدلالات المتنامية... النقد مواجهة مع النص معالجة لإشكاليته. ومن ثمة فهو معاينة للحياة، ومعاناة لأكبر مشكلاتها" بعد سرد الناقد "إبراهيم رماني" لمميزات النقد بأنه اللغة الشارحة أولًا، وهو كلام على كلام؛ أي أن النقد يرتبط بالشفوي والكتابي وخطاب حول خطاب؛ يعني أنه يتجاوز النص إلى أعماق النص بالتوغل فيه حتى يعاني تجربة المبدع ذاتها بين السطحي المباشر والعميق.أي تخليد مبدأ الكتابة في الإبداع والنقد هذه النظرة التي يقول فيها "رولان بارث": "يجب على النَّص الذي تكتبونه لي أن يعطيني الدليل بأنّه يرغبني وهذا الدليل موجود، إنَّه الكتابة، لتمكن في هذا: علم متعة الكلام ولم يبق من هذا العالم سوى منصف واحد، إنَّه الكتابة نفسها" التي تعد دليل التمرس في فعل المقروئية وفي ظل تعدد مفاهيم النقد الأدبي نجد من بينها ما جاء عند:
"عبد الملك مرتاض" الذي يربط علاقة النقد بالقراءة والكتابة من وجهة تعليلية يوضح أن علاقة القراءة بالكتابة هي علاقة الوجود بالموجود والعلة والمعلول وبالتالي النقد عنده هو "هو إنطاقُ المعاني الخرساء النّائمة في الكتابات التي يكتبها الكتّاب الأدباء عبر قرون طوال" كما يقر بحقيقة لطالما مثلت أقطاب تجاذب بين الدارسين ألا وهي هل النقد فنّ خالص؟ أم علم خالص؟ فيجيب "إننا لو سلمنا بعلمانية النقد الأدبي لكنا سلمنا، نتيجة لذلك، بضرورة وضع قيود صارمة للإبداع على نحو لا يستطيع أديب معه أن يبدع ويحلق ويتخيل، ذلك بأن القواعد التي تؤسس للإبداع كثيراً ما تحد من خيال المتخيل، وتضيق على المبدع المتألق... الإبداع بطبيعة تكوينه، يرفض القيود والقواعد العتيقة التي تعرقل مسيرته، وتساور حريته أما فنية النقد فربما تكون أدنى إلى حقيقة النقد من علميته حيث أن الإبداع في حد ذاته ضرْبٌ، حتما، من الفن الخالص ... أولى له أن يكون شيئاً يرتدي رداء الفنّيّة ليستطيع مقاربة الكتابة الأدبية وقراءتها"
في هذا الطرح يبين لنا الناقد أن النقد قوي الإندماج بالفن والعلمية في آن واحد كون الذوق هو أساس الإبداع والبصمة الذاتية والمصطلح والمنهج أهم مؤهلاته للعلمية كيف لا والنقد الأدبي ينتمي إلى حلقة العلوم الإنسانية لا العلوم التجريبية الصرفة، هذا عن مفهوم النقد عند "عبد الملك مرتاض" الذي لم يخرج هو الآخر عن المفاهيم السابقة التي تدل على أن النقد فن وعلم في آن واحد، مدركا ضرورة المزاوجة بين الفنية والعلمية في النقد وعليه يتبين مما تقدم أن المفاهيم جاءت متقاربة فيما بينها في الحدود العامة للنقد الأدبي؛ ذلك ما جعل الممارسات النقدية تتنوع وتتفرع أحيانا في الخطاب الواحد إما تنظيرا أو تطبيقا ،فكان النقد الظل التلازمي لكل إبداع بارز الخطوط.
ولما كانت الممارسة النقدية قائمة، فيجب التميز بين الناقد والقارئ المستهلك، وعليه يعد الناقد هو وسيط بين النص والمتلقي، هذا الوسيط الذي تغيب مكانته بغياب عدة عناصر ولعل أهمها الذوق إذ العملية النقدية متوقفة عليه، وغيابه يعني غياب الحكم النقدي تماما وغياب الجانب الفني وبالتالي الخلل في التفاعل مع الأثر الأدبي، بالإضافة إلى التمكن من اللغة من ناحية الكفاءة والمهارة ومن ثمة تشكل الثقافة بما فيها النحوية والصرفية والعروضية وحتى الشعبية هذا من جهة. ومن جهة ثانية يجب توفر كل الجوانب الأخلاقية التي تستوجب حضورها كعتاد مع كل باحث من بينها الأمانة العلمية التي تتمل في ثالوث (المنهج ـــ المصطلح ــ الموضوعية)
خلافا للمبدع الذي لا يجد حواجز في خرق المبادئ خاصة باعتباره حر الخيال والإبداع ــــ ليست الحرية دائما مطلقةــــــــــ، ولعل هذه الجوانب هي المؤهل للإبتعاد عن المجاملات والعصابيات والتحامل، وعليه كثيراً ما يعتمد الإبداع على الذوق والتجربة الذاتية برغم من أنه لا يوجد نقد موضوعي صرف على حد قول:"أناتول فرانس" بأن الناقد "هو ذلك الذي يروي مغامرات روحه في حضرة الروائع. ولا يوجد النقد الموضوعي أكثر من وجود الفن الموضوعي، أمل أولئك النقاد اللذين يظنون أنهم يضمنون أعمالهم أي شيء خلا أنفسهم فليسوا إلا ذلك الصنف السَّاذج الذي يكون انخداعه أكثر تضليلا وإيهاما" ، أي أن النقد برغم من أنه لا يتأسس إلا على حكم نقدي واع نابع عن تفاعل جملة من العوامل لعل أبرزها التحليل والتفسير إلا أنه لا يخلو من بصمة إنطباعية كقراءة أولى والتي يمكن عدها نصا جديداً قابلا لقراءة أخرى تعرف في الغالب بنقد النقد وعليه ماهو مفهوم نقد النقد القائم على قراءة القراءة؟. يعد نقد النقد وليد التطور في الدراسات الأدبية والنقدية، وعليه لما كان من المسلم به أن "النقد لا ينهض إلاّ بقراءة نصّه الّذي هو موضوع شغله، فإنّ القراءة يمكن أن تكون نقدية، أو أن تبقى مجرّد تلقٍ ساكن" ؛ أي أن النقد يتجاوز المشاركة اللغوية والقراءة السطحية إلى قراءة فاعلة تنتج عن القراءة الأولى وتعترف بكون " النقد قراءة عميقة تكشف في الأثر الأدبي عن مدرك، وتعمل على فك الرموز وتساهم في التأويل " وعليه إذا كان النقد " قراءة النصوص الأدبية، ووصفها وتفسيرها وتأويلها وتحليلها واستظهار خصائصها، ثم تقويمها بالحكم عليها بالجودة أو الرداءة استنادا إلى مجموعة من الأسس والمعايير النقدية" فإن نقد النقد هو قراءة تتجاوز القراءة الأولى لتصل إلى أعماقها، حيث تكون ملكة الذوق في الفعل القرائي الأول ذاتية ومؤسسة على حكم نقدي قوامه النص الإبداعي، أما القراءة النقدية الثانية تكون ملكة التذوق مؤسسة على الحكم النقدي الناتج عن النص الإبداعي
وعليه يعد نقد النقد قراءة نقدية لها أبعاد أهمها استناد الناقد إلى منهج له قواعده وأطره الواضحة، حيث تتجاوز الاستهلاك إلى التحليل والتفسير وبالتالي التركيب المتخصص كون "النقد ليس قراءة عادية" وعليه "تكون القراءة فعلا نقديا، يعني أن يكون القارئ ومن موقع معرفي في المجتمع، قادراً على الرفض والقبول، وعلى أن يكون حضوره النّشط في التعبير الثقافي، فيساهم في إنتاج هذه الثقافة ويدخل في حركة زمنه ممارساً فعل التغيير باتّجاه إبداع حياته" ؛ أي أن النقد قائم على تشخيص المختص الذي ينطلق من قراءة واعية تتجاوز السطحية وفق منهج يكفل له العلمية والمنهجية الواضحة.
فمن هنا نستنتج مما تقدم، أن النقد في الأغلب هو ممارسة فعالة تنطلق بقراءة مخصوصة لموضوع النص الأدبي قراءة وشرحا وتفسيرا وتأويلا، أما فيما يخص نقد النقد فموضوعه هو النقد نفسه بلغة واصفة تقف في اشتغالها على اللغة النقدية الأولى لينشأ نقد النقد الذي ينتج بدوره لغته المؤطرة لموضوعه بأدوات نظرية ومنهجية ومصطلحية تميزه عن الخطابات الأخرى فنقد النقد في انتمائه عند"عبد الملك مرتاض" هو"القراءة الاحترافية، لا القراءة الواردة في الذهن بالمفهوم الجماهيري والتي الغاية منها مجرد الاستهلاك الخاص، إنها القراءة المحكومة بإنتاج نص على أنقاضها هي نفسها، أو انطلاقا منها" كما يرى أن مفهوم نقد النقد هو نشاط فكري عرفته جميع الآداب مثل الأدب اللاتيني، والإغريقي والعربي القديم ومن ثمة يشير إلى أن أول من استخدمه " سرج دوبروفسكي" في مقدمة كتابه "لماذا النقد الجديد" ومن بعده "تودوروف" الذي أطلق نفس العنوان على كتبه .
أما نقد النقد عند علي حرب فهو إنطاق ما أنطقته القراءة الأولى التي تمارس على النص الأدبي أو على خطاب ما، ذلك أن الإبداع في حذ ذاته قراءة ضمنية للقريحة والمخيلة كون القراءة في الأساس لا تخلو من تشبيه من ناحية الشرح والتأويل فالقراءة، هي قراءة تتجاوز قراءة النصوص إلى قراءة العالم ، فهاهنا نلاحظ إشارة إلى النقد الثقافي أو إلى النقد العابر للتخصص الذي ينطلق من الخطاب الأدبي ليصل إلى تحليل الخطاب الكوني، وعليه من خلال ما سبق نلاحظ أن مفهوم نقد النقد لم يخرج عن مفهوم القراءة الثانية أو قراءة القراءة كما يسميها "عبد الملك مرتاض" هذه الأخيرة المتجذرة في التراث كممارسة، والغائبة كمصطلح كون نقد النقد يقوم في الأساس على الحوار النقدي الذي لم يكن النقاد المتقدمين بمعزل عنه حيث ينطلق الناقد مما أنتجه ناقد قبله من أحكام نقدية.
تجدر الملاحظة أن غاية النقد ونقد النقد هي تطور الأدب حيث يتجاوز كل منهما رفع أو خفض النصوص بقدر ما يهدفان إلى تذوق الإبداع بالفهم والتفهيم وكذا مساعدة المتلقي القارئ في التعرف على مواطن الجمال علما أن النقد ونقد النقد يتحدان في عديد الوظائف فهذا "عبد العزيز عتيق" يقر بأنها تتوجه إلى كل مقومات الحياة العلمية والفنية والاجتماعية والسياسية بقصد الإصلاح والإعانة على الترقي والهداية العاملين في كل هذه المجالات إلى أقوم السبل
وعليه تشكل وظيفة النقد ونقد النقد حالة شاملة لعدة جوانب في الحياة، خاصة ان الحياة في حركة والأدب الذي يشتغل عليه النقد فهو غير قار ويأبى السكون وعليه لعل "هدف الدراسات الأدبية هو معرفة الأفضل للمؤلفات" والمقصود هو أن هدف النقد ونقد النقد هو إنتاج معرفة خاصة يستفيد منها العمل الأدبي للكشف عن جوانب النضج الفني في النتاج الأدبي، كما ترى "سهير القلماوي" أن"الناقد يؤدي دوره من حيث أنه يضيء النص للقارئ. ولا تتحقق هذه الوظيفة إلا إذا كان الناقد واضحا لنفسه أولا ومن ثم يعرف على وجه اليقين فيم يتحدث، ومن آية زاوية من زوايا النقد المتشعبة يتحدث." أما عن "عبد المنعم خفاجي" فيختصرها في مهمتين "مهمة التفسير، ومهمة الحكم، أي إصدار الأحكام الأدبية في قضايا الأدب ومشكلاته"
كما نجد من وظائف النقد عند "محمد مصايف" وظيفة التنبيه فيقول: "النقد... ينبه القارئ إلى الأثر الجديد، ويدفعه إلى اقتنائه وتكوين رأي خاص فيه" أما "محمد مفتاح" فيقول: النقد عملية هادفة وليست تسلية أو لعباً حراً كما تره بعض المذاهب وإجمالا لأراء السابقين فإننا نرى أن وظيفة النقد ونقد النقد تتجاوز القراءة السطحية إلى قراءة أعمق تفحصا وتفسيرا وتنبيها للوصول إلى ثنايا وطيات الإبداع الأدبي لتطويره وتبين مواطن الجمال والرداءة فيه حتى يصل المبدع إلى إكتمال نسجه.
فمن خلال ما سبق نلخص الفرق بين النقد ونقد النقد في الخطاطة التالية:
الخطاطة رقم (01)
شرح الخطاطة:
يعد النقد التوأم التلازمي للأدب كيف لا وهو من يهيكله ويخضعه لأحكامه بهدف تطويره وفق الذوق والمنهج والمصطلحات ليشكل بذلك لغة واصفة تكون مادة أولية لنقد النقد فتنتج لغة واصفة أخرى متولدة عن الأولى (النقد) فيتشكل (نقد النقد) هذا الأخير الذي يستند على عدة علوم (الموسوعية ) لتكوين رأي منهجي له ما يميزه عن الخطابات الاخرى من الممكن أن نطلق عليه مصطلح تخصص التخصص (معنى المعنى)، وعليه فالنقد قراءة ونقد النقد قراءة القراءة ،حيث يشوب نقد النقد الكثير من المزالق تستوجب على الباحث أن يدرك أن الخوض فيه قائم على استجماع عديد العلوم المنهجية والفنون التذوقية كلازمة لممارسة نقد النقد....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق