السبت، 5 أغسطس 2023

تقانة السرد في رواية"فواضل" للروائي جمال قيسي Jamal Kyse -العراق- (بحث إجمالي)بقلم الاديب الناقد غازي احمد الموسوي

 تقانة السرد

في رواية"فواضل"
للروائي Jamal Kyse
-العراق-
(بحث إجمالي)
بقلم الاديب الناقد غازي احمد الموسوي






يقول الناقد بيرسي لوبوك في كتابه الشهير (صنعة الرواية
The Craft of fiction by Percy Lubock)
:
(إنّ المرء لايحتاج لأن يتذكر التفاصيل الصغيرة في القصة لكي يدرك حقيقة وقوة الشخصيات الروائية،ولو حدث أن نسينا قدراً كبيراً من التفاصيل،فإنّ ابرز وجوه هذه الحالة ستعلق بالفكر حين نتطلع إلى الوراء،وإلى الحوادث الدراميّة والمقاطع الوصفية الجميلة،وفوق ذلك حضور العديد من الأشخاص البارزين الذين يثيرون الإهتمام حيث الكثير الذي يقفز مباشرة الى دائرة النور ساعة يذكر الكتاب)1..
هذا الإحساس بالضبط هو ما خالجني وانا أنوي مخامرة هذا العمل الروائي الذي يأخذ أهميته أولاً من نوع شخصياته التي يندر أن يتوجه إليها الكُتّاب لشدة غرابتهم بل غربتهم وعجائبيتهم أحياناً، وما ينتج عن سلوكهم من الاحداث الخارجة عن المعتاد ..
ولم نجد أية مقاربة أو تناص مع روايات أخرى اكثر قرباً من (أولاد حارتنا) للكبيرنجيب محفوظ ،مع الاختلاف الجوهري بين
فُتُوّات محفوظ المكتنزة بالحضور الاجتماعي العالي النبرة حدّ التجليات القيادية التي أهَّلها محفوظ للتصديات المجتمعية الكبيرة، والتي قادت بعض النقاد أو القرّاء المعمقين و بعض رجال الدين أيضاً إلى اعتبار هذه الشخصيات مرايا إيحائية من نوع ما ،وكأنها إيماءة خفية للنبوات،
ألامرالذي خلق الكثير من الإشكاليات في حينها للكاتب الكبير..
بينما على العكس من ذلك كان خيارالقيسي منحازاً لنوع آخر نقيض تماماً،وأعني الشخصيات المهملة او المتغربة او المستلبة أو الطريدة أيضا.
كما وقد تلمّسنا وجود إشارات أخرى للإستلهام سنبينها بعد قليل.
زمكان الحدث الروائي :
…………………
سنختصر الكلام حول زمان ومكان هذا الحدث بما تفضل به كاتبنا ذاته في أول اطلالات روايته التي قصد بها التوطئة والتفسير
من خلال مقال أروع مافيه أنه يصحُّ اعتباره نافذة تأويلية أوتحليلية للرواية في جانب،بيد أننا لايمكن أن نفصله بحال من الاحوال عن متنها كونه يتصل به بل يتداخل معه بطريقة مدهشة في الخواتيم،
حتى لكأنه جزء لايتجزأ منه، في جانب اخر..
تدور مجمل أحداث هذه الرواية في العاصمة بغداد وفي منطقة نفق ساحة التحرير والبتاوين،أي المنطقة الموسومة بالباب الشرقي على وجه التحديد ،مع امتدادات عاجلة ومؤقتة ،سرعان ماتؤوب الى ذات البيئة الجغرافية.
شخصيات الرواية:
………………………
ألغريب ان جميع شخصيات هذا النص الروائي الاساسية تحمل ذات الاسم ونعني( فاضل)،
ومن مجموعهم تم توليف عتبة النص،هذه العتبة التي تسببت بتساؤلات كثيرة كون العنوان يمثل (ثُريّا النص) بحسب جاك دريدا،ومن هنا تبرز أهميته باعتباره يشكل ضوءًا كاشفاً على مجمل ما سيرد بين دفتي هذا الكتاب،أو غيره، كما يؤكد السيميائيون المعاصرون .
إنَّ مضمون هذه العتبة يتصل بجمع التكسير المؤنث بأساسه الفصيح، (فواضل جمع فاضلة،وفواضل المال تعني غلة الارض وأرباح التجارة بحسب معجم المعاني الجامع ).
كما وتوحي بمعنى فضلة الشيء اوفُضالته أو بقاياه 2 كما هي حال بقايا الطعام ،وهذا المعنى الأخير يتصل من طرفٍ خفيٍّ برؤية الكاتب كونه لم ينطلق باختياره من الفصحى كما نتصور وإنما كان يستعير-عن سابق تقدير-لغة العوام انحيازاً لهذه الشريحة أو توكيداً لكونهم كائنات بشرية مغمورة بحسب الفهم الشعبي،
إنما هناك وحدة حياتية من نوع ما تجمعهم،لكن بحيث تظل لكل منهم هويته وطبيعته الخاصة، وقد جَمَعَتْهم هنا في هذه الجغرافية صروف حياتية من عوز وخوف وشعور بالدونية لفقدان الحضور والأهميةالإجتماعية..
إن لجوء الكاتب الى تلهيج العنوان كما نتصور كان بقصد تبيان الشريحة الباعثة على السخرية بحكم نوع السلوك المتقارب في الذهن الجمعي السائد..
والذي يؤكد ما ذهبنا إليه أن القيسي لم يكتفِ بالتلهيج المتعمد ،وإنما ذهب إلى التنكير ،وعمد إلى حذف ال التعريف زيادة في هذا التنكير وإن كنّا منحازين الى غيره،وإن كان يحقق إرادة الكاتب وطبيعة فهمه ،ولكننا نرى أن التعريف أوقع في النفس ،وأقوى أثراً من ناحية الإيقاع ومن ناحية المفاد ،كما نتصور.
وقد تكون لدى كاتبنا فكرة أخرى تتعلق بالمفهوم الوظيفي للعنوان ،
يقول أمبرتو إيكو: "إن العنوان قاعدة عليها أن ترن دائماً، وتخلخل الأفكار لدى المتلقي، حسب معرفته وثقافته، حيث يتباين أفق التوقع من إنسان لآخر" ولهذا وقع اختياره على عنوان يحقق الوظائف المفترضة ،ونعني بها: (الإيحائية،إلإغرائية والوصفية )،مبتعداً في الآن نفسه عن العناوين التي لا يكون لها في الغالب تعالق وظيفي مع النص رغم جماليتها ليستمد نصه قيمته من النص نفسه لا من العنوان . "فأن يكون الكتاب (النص) أغرى من عنوانه، أفضل بكثير من أن يكون العنوان أغرى من كتابه (نصه)" وهذا (لكي لا نَسُوقَ القراء لِعَماء غير مرئي، ولكي نبقيَ على ذلك الميثاق الأخلاقي السليم للقراءة.)كما يقول جون بارث.
الحدث والشخصيات:
………………..
تدور أحداث هذه الرواية في تسعينيات القرن الماضي،فيتحرك الحدث العام من خلال هذه الشخصيات بحيث نشهد على طبيعة المرحلة التاريخية والمكابدات التي عانى منها المجتمع مفصحاً عن التيارات الفكرية التي سادت آنذاك ،بحيث تتوزع شخصيات النص بشكل ممنهج وفق خارطة سرد مقصودة ومحكمة معاً ،أما شخصيات الرواية الأساسية فهم كل من:
*فاضل السلفي *فاضل الشيوعي،صاحب الآراء التي يصعب على أي كاتب المجازفة بالتطرق إليها
*فاضل الصوفي *فاضل بوستر (القواد)،وزوجته لمياء،ذات السلوك غير المرضي.
*فاضل ابو العباس المتشرد *ثم فاضل الأسير ....
هؤلاء يمثلون (الشخصيات النامية المتطورة روائياً)،ولكلّ واحد منهم حكايته وبيئته بل وحدثه الخاص المتصل،مع وجود الكثير من الشخصيات الرجالية والنسائية المجاورة التي تختلف قيمتها الفنية بحسب مستويات نشاطها وفاعليتها وقدرتها على التنامي،بل ونعثر كثيراً على (شخصيات مسطحة) جامدة لا اعتبار لها سوسيولوجياً أو فنّياً..
ولقد اجتمعت هذه العناصرالفاعلة وغيرالفاعلة عبر الاحداث التفصيلية والحدث العام في هذا النفق العجيب بحيث نرى بكل وضوح نوعاً من التناقض المدهش المتمظهر باشكال التعايش بين افراد هذه البيئة التي تختزل إلى حدٍّ كبير مفصلاً مهماً من مفاصل تركيبة مجتمع العاصمة البغدادي.
فحياة كل شخصية وردت آنفاً،تتفاعل من خلال موضعية عملهم ونعني نفق ساحة التحرير،في حين يسكن بعضهم منطقة البتاوين المحاذية حدّ التلاصق،
والبتاوين كما هو معلوم جزء من الباب الشرقي أيضا..
ولكي تتوضح الفكرة أكثر سنقرأ معاً هذا المقطع الذي يجيبنا بكل وضوح عن زمكان الحدث، على لسان الكاتب ذاته حيث يقول:
( قصتنا تدور حول هامش عابر وأبطاله،تكسّر الزمان والمكان في تسعينيات القرن الماضي في بغداد وهو أمر دوريّ وظهر الفواضل أبطال نفق ساحة التحرير في قلب بغداد،مجموعة انزلقت من المجارير كيف اجتمعوا،وكيف انتهى امرهم؟!..
هذا ما سنحكيه..).
علما أنه يسجل هذه المرحلة التسعينية كمنطلق للأحداث وإمساكاً من بدايتها للشخصيات ،ولكن الحدث سيتحرك زمنياً باتجاه أخطر أيام العراق المعاصر ونعني بها حقبة الاحتلال البغيض،بعدها يؤشر تفصيلاً جميع المثابات التي تحيط بساحة التحرير من جميع الجهات مع التركيز على مواضع الخصوبة القصصية على وجه الخصوص،
ومن قبيل ذلك يقول في موضع آخر وهو أمر يسترعي الانتباه لعلاقته بما ألمحنا إليه في مدخل البحث :
( بعد ان جثمت المجنزرة الامريكية على نهاية منحدر الجسر بين برج "المطعم التركي" !، وثانوية العقيدة للبنات"الراهبات"
كان البرج والمطعم في طابقه الأخير من الأماكن المحببة لدى " أبو العباس"،طبعاً هو لم يكن زبوناً عادياً للمطعم ،ولم يُسمح له بالدخول اليه بسبب هيئته المفزعة وثيابه الرثّة!!)..
محطات العمل:
…………………
هذه اذن،هي جغرافية الحدث التي سينطلق منها فاضل الأول بشخصه الغرائبي المركب للمقاومة العزلاء إلا من عصاه المجردة لمقاومة الأجنبي الدخيل..
ومما يلفت النظر ويبعث على الدهشة أن هذه البقعة المضيئة بالتجليات الكبرى هي ذاتها جغرافية الحدث الجماهيري المحوري المعاصر..
لقد تنقل كاتبنا عبر رواياته الثلاث ( نساء المجرّة..يوميات اسماعيل التي هي الآن تحت الطبع كما علمنا،ثم روايتنا-مدار البحث-فواضل)، صعوداً بطريقة تشي برحلة بحث إنثروبولوجية بدءًا بالحي الذي نشأ فيه وعاش رَدْحاً من شبابه،حيث نساء المجرة، ومروراً بعوالم شارع المتنبي والسراي والقشلة الدفينة في يوميات اسماعيل،ولكنه لم يكتف بهذه الحدود على رغم بعدها الثقافي العميق،كونه باحثاً مركّباً هو الاخر، عن بقعةٍ تجمع بين الأبعاد الحضارية والسياسية
والفلسفية والسوسيولوجية والسيكولوجية، في وقت واحد. فكان أن وقع اختياره على نفق التحرير وساحته والمطعم التركي ومدخل شارع السعدون ومدخل شارع الرشيد والمُجمّع السينمي لمقترح " والت ديزني" غير المتحقق ، حيث المباني اليهودية القديمة ذات السمات الخاصة والغايات الخاصة،
ثم حديقة الأمة ولوحة فائق حسن وساحة الطيران والبتاوين،تلك المساحة البالغة التعقيد في تنوعها المذهل كمحطة يلتقي خلالها كل متحرك في العراق.
إنه يبحث إذن،عن أفق أكثر اتساعاً في ناحية،كما ويبحث عن عالم سُفلي أعمق دفانة وأكثر اكتنازاً،
ليخرج علينا بكائناته الروائية الفريدة المنتخبة بحرفنة وفطنة من عوالم ( إنليل*
وبغداد الازل بين الجد والهزل)*
حيث المتراكم المكتظ من المزيج الواقعي البغدادي الذي يختزل العراق برمته قبالة الوجه الإبداعي الاخر المتمثل بكائنات جواد سليم التشكيلية الخالدة،التي تم تجميدها على جداريته الكبرى لزمن طويل ،
ولكنها بما تمتلك من المخزون الطاقاتي السوبرماني الهائل، يبدو أنها قد قررت أن تنزل هي الاخرى إلى ساحات الحرية في لقاء عجيب حقا مع كائنات القاع المحتشدة بالرفض والتمرد الثائر..
كائنات السرد الروائي السرّانية الخبيئة الدفائن ،
وكائنات الفن التشكيلي الجمالية البعيدة الإيحاءات، حيّة تمشي على أرض العراق الذي لايموت رغم آلاف الطعنات..
والمذهل في الامر أن تاريخ صدور هذه الرواية قد سبق مجريات الاحداث الحالية باكثر من شهرين من الآن..
وقفة موجزة مع تقنية الحوار:
……………………..
ا-من الواضح أن الكاتب يُحَمِّلُ نصوص الحوار الكثير من الاعماق الفكرية المتنوعة،
ولكن عمقها لا يمنع الإلتفات إلى وجود قلق واضح في بنية التعاقب..
وأعني ضرورة أن يكون تسلسل الحوارات بطريقة أكثر سلاسة وتلقائية،خاصة بعد تهيئة المشهد للدخول بأي حوار، بحيث يعرف المتلقي عناصر هذا الحوار ابتداءً،وبذلك ينتفي قلق الكاتب أو خيفته من عدم استلام المتلقي لتراتبيته المتناسلة،
وتكفينا علامة البدء وأعني هذا (الداش-)لتعاقب الاستلام والتسليم، وهذا سيشذب الحوار ،ويُرَشِّقه، ويمنعه من الوقوع في مطب التداخل في آن.
من هنا بات التخلص من البدء مع كل حوار
ب(قال فلان أوقال الآخر)إلا عندما يستلزم الحال،ضرورة سردية بالغة الأهمية،ولا نجد هنا مايستدعي استلهام إسلوبية السردالقرآني،
لاختلاف الحال والمقال والإسلوب،
وهذا مبحث دقيق يرتبط بالشأن البلاغي،وطبيعة السياق القرآني،لا يتحمل هذا المقام طويلَ حديثٍ عنه.
نزعة التجديد:
…………….....
لقد تلمّسنا نوعاً بيِّناً من الجِدَّةِ في شكل هذا العمل،
وهي في الواقع ظاهرة تستلزم من الناقد الإلتفات،كما وأنها قابلة للتطوير في ذات الوقت،
سواء في طبعة الرواية الثانية،أوفي النتاجات المستقبلية أيضا..
وللأمانة تجدر بنا الإشارة الى أنّ الدعوة الى ضرورة الإهتمام بالشكل الروائي وضرورة تجديده في عموم القص العربي،جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى تجديد الموضوعات والاحداث،كانت قد صدرت عن د. سلمان كاصد ،في كتابه المهم ( صنعة السرد)،الذي أشَّرَ فيه خللاً في السرود العربية المتأخرة ،يتجسد في التوجه الى أنماط موضوعاتية متشابهةحيث يقول مانصه:
(أعتقد أن الروائي العربي ومن خلال نماذج أتناولها في كتابي هذا-صنعة السرد-لايزال صانعاً غير مجترح لأشكال جديدة،إذ ظلت الرواية العربية التي تطرح الآن تقليدية،تعاقبية،
جلّ مايحاوله الروائي حين يتلاعب بشكلها أن يعتمد الإسترجاعات المبسطة،دون ان يبني هياكل معمارية جديدة، صادمة،تثير القارئ بشكلها الجديد)3.
هذه المطالبات التي ننحاز إليها لضرورتها، نجد أن كاتبنا جمال قيسي قد حقق الكثير منها خاصة في هذه الرواية بالذات،وتلك سمة تحسب له لكونها محاولة تجريبية لاتخلو من المغامرة،ولكنها كانت مغامرة ناجحة وعميقة التأثير.
وعلى سبيل المثال،لقد تخطى جمال قيسي الفصول والتبويبات الروائية المعتادة،
باتجاه تراتبية قصصية متراكبة متعالقة،بحيث تكون لكل محطة عتبة خاصة منفصلة ومتصلةفي آنٍ واحد.
من هنا نجد من الضروري وضعها بعناوينها الغريبة على عالم الرويَ المعتاد تحت أنظار القارىء الكريم،كما ولابد من الإشارة إلى إحساسنا بوجود نسمة قرآنية خفية مستلهمة في احدى المحطات من حيث التركيبة اللغوية،وتلك ضربة رائعة منه،
كما وتلمّسنا وجود صلة هاجسية بعتبات جرجي زيدان الداخلية في رواياته التاريخية،رغم الإختلاف الكبير في طبيعة الأحداث والموضوعة والأطاريح وعموم الإسلوب.فالحدث هناك تاريخاني وجداني مبسط،في حين يصب القيسي جلّ اهتمامه على المباحث التحليلية النفسانية والإجتماعية والفلسفية،وكأني بالمسافة بينهما تختزل الزمن الإبداعي بين البدايات التاريخية الاجتماعية عند زيدان إنموذجاً، والمعاصرة الروائية العنقودية الغارقة في أعماق الإنثروبولوجيا الحديثة عند القيسي.
علماً أنّ الكاتب قد ألغى أي نوع من أنواع الفهرسة التي يضعها بعض الكتاب في بداية أو نهاية الرواية،وعليه سنقوم بإدراجها هنا للإيضاح كما يأتي:
(الإهداء-مقتربات-السماء ذات الدخان(وهذا هو التناص الذي ذكرناه قبل قليل مع آية السماء ذات الحُبُك القرآنية*،
وفيها إشارة واضحة إلى أزمنة الحروب الاخيرة)-قبل أربع سنوات- فاضل بوستر -جلسةصباحية-إقتران الأقدار-إله نزق-إحكام الشرك-صك الحياة-فاضل السلفي-لقاء في منطقة نائية-ملامح سيرة-كتيبة الأورفلي ،وهي المحطة الأطول-ليلة صاخبة-صباح سعيد-فاضل الشيوعي( اللوري العجيب)-لقاء أخير).
هذه هي مجمل محطات الرواية يبثها الكاتب بشكل متعاقب وفق منهجية تُعنى بتركيز عالٍ بالتوزيع الفكري المجتمعي السياسي النفسي ،وفق رؤية حضارية تحليلية ،بعيداً عن الفهم او التوزيع الطبقي الإقتصادي المحض،إنما لايعني ذلك إغفال الفوارق الإقتصادية الهائلة بين افراد المجتمع كونها ستبرز هنا وهناك،ولكن من منطلق ثقافي أكثر عصرنة من الأفهام الطبقية المعتادة.
وهذا بالتحديد ما أردنا التنويه والإشارة الجديرة إليه..
أنْ نهبط بالفكر العقلي الفلسفي المجرد، والآيديولوجي المعقد، والتحليلي المعمق،نهبط بها جميعاً من أبراجها العاجية العالية إلى قاع الحياة بحيث نحيلها إلى كينونات حية حركية وفاعلة من خلال حلِّ مادتها الخام في كأس المشاعر الإنسانية العامة ،حتى باتت أفعالاً بشريةإعتيادية،
يمكن أن يفهمها أو يتواصل معها الإنسان بجميع شرائحه،أو حتى طبقات وعيه،بشكل بالغ السلاسة،بحثاً عن أعلى مستويات التواصل والإلتحام،بحكم كون نصوص هذا الكاتب بنية حمل تحتشد بمُرَكَّبٍ حيوي من الفكر والنفس والمجتمع .
وإذا كان كاتبنا قد أجرى مسحاً سوسيولوجياً للبيئة البغدادية خصوصا والعراقية عموما في روايته الأولى( نساء المجرة)،فهو هنا ينطلق منها إلى منحىً روائي
أكثر توغّلاً وعمقاً، وأكثر اشتمالاً على مجسات الشعور الإنساني بكل خيباته وإشراقاته وأحلامه وآماله وأحزانه وأفراحه، في إطار من الحدث السردي المبطن باعمق احوال الفكر الإنساني المعاصر.
………………………
1-صنعة الرواية،بيرسي لوبوك،ص15 المركز العربي للطباعة والنشر ،بيروت.
2-مختار الصحاح،دار الرسالة ،الكويت، ص506.
3-صنعة السرد ،
ص5،د.سلمان كاصد،مطبعة الرّوشم،شارع المتنبي،إصدارات إتحاد الأدباء والكتاب في البصرة.
*إنليل: إله العالم السفلي في ملحمة جلجامش.
*بغداد الأزل بين الجدّوالهزل:
مسرحية عراقية معاصرة،إعداد وإخراج قاسم محمد.
*آية7 ،سورة الذاريات.
…..
الموسوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق