الجمعة، 2 يونيو 2017

سلسلة صناعة الكتابة (الحلقة الاولى) بقلم / كريم القاسم

سلسلة صناعة الكتابة (الحلقة الاولى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمــة /
ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي انعم علينا بوافر الكلام ، وجعل له مداخلا ومسالكاً للافهام ، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله الكرام واصحابه المنتجبين من الأنام .




ان أيّة صناعة هي عبارة عن (مَلَكَةٍ) يمتلكها الانسان لتترسخ في سلوكه العملي والفكري ، وبما انها سلوك عملي ، فهي إذا نتاج محسوس يمكن ان يتحسسه المتطلع و يستدركه المتلقي . وهكذا الكتابة التي هي صنعة يعتمدها الفرد أو مَن امتلك المقدرة والخبرة على الاتيان بها، وعندها يسمى (كاتباً) .
ويصف ابن خلدون صنعة الكتابة في مقدمته :
" بأنها من الصناعات الشريفة التي يتميز بها الانسان عن الحيوان . "
وصنعة الكتابة من الصنائع التي تكسب صاحبها عقلاً سابحاً ولبّاً راجحاً . فهي تشتمل على العلوم والمعارف والخواطر والرؤى والافكار بخلاف غيرها من الصناعات . ففيها يستطيع الكاتب ان يتحرك ويتنقل بين محطات مختلفة ومتنوعة تبدأ من مرحلة خط الحروف الى مرحلة تشكيلها الفاظاً تتناغم مع افرازات الخيال ، لتتحول بالتالي الى كمٍّ هائل من مفردات تكتنز المعاني التي نَسَجَتها الذات والتي تتحسسها النفس البشرية لتتعود عليها وتنمو حتى تثبت وتتجذر لتتكون المَلَكَة التي تستطيع ان تنتقل وتتحرك من الفاظ الدليل الى المدلولات . وهنا يبدأ العقل بامتلاك اقطاب القوة والمبادرة والفطنة والكياسة في التصرف والسلوك والتميز في الاسلوب .
ولَمّا اطَّلَعنا من خلال تجوالنا النقدي والتحليلي على كثير من النصوص الادبية بمختلف فنونها ، ووجدنا بما لايقبل الشك ، إن الكثير من الاقلام الموهوبة قد استطاعت ان تجد لها مسلكاً ادبياً في فنٍّ من فنون الكتابة ، واقلام اخرى مازالت تراوح في ذات الحيز، وبين هؤلاء وهؤلاء اقلام اخرى تتنقل بين الفنون الكتابية من فن الى فن ومازالت غير مستقرة في قرار.
ومن خلال الفحص والتَفحّص لكثير من النصوص ، ظهر لدينا بعض الكتّاب ومن يروم السباحة في هذا البحر العميق ، مازال بعيدا عن اسرار الصنعة وبعيدا عن تلمس نفائسها ، كي يستطيع الابحار والتمتع والعبور الى شاطيء الامان .
إن الثقافة المستمرة والاطلاع على اسس وركائز صنعة (الكتابة والكلام) باستمرار هي التي تعين الكاتب على الاتيان بما هو بديع ومحمّل بالابداع ، وهي التي تعين الكاتب على ان يأتي بالنص الذي يشار اليه ، ويحمل بين طياته كل ماهو ثمين ورصين .
وقد اعتمدنا ، كلام الامام علي (كرّم الله وجهه) ، وكذلك ارباب اللغة والكلام كالجاحظ وابن الاثير والشيخ محمد عبدة وابن ابي الحديد واعتمدنا كذلك المعجم العربي الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في تناول الامثلة على ما سنتطرق اليه من ابواب وفصول هذا البحث المختصر المكثف المكتنَز . وعندما نستشهد في كثير من المواضع بنصوص كلام الأمام علي بن ابي طالب (كرّم الله وجهه) فأنه هو من اجتمعت عليه آراء اصحاب الحرفة وأرباب الكلام وبأنه لايُزايد عليه أحد في البلاغة ولايصل او يبلغ شأوه قلم ولا لسان .
ونظراً لكثرة التساؤلات حول (لمن الافضليه في الادب ، للشعر ام للنثر؟) فأننا نقول :
بأن لكل فن اهله ومذاهبه ومريديه ، ولكل فن اصوله وقواعده ، لذا فقد وضعنا هذه السلسلة الادبية المتواضعة وبأسلوب هادف جذّاب ، والتي هي شذرات من قصاصات الذاكرة لمحاضرات ودروس اساتذتنا الكبار ــ رحمهم الله تعالى ــ مستندين الى مصادر لايعتريها الغبار والرين ، كـ ( نهج البلاغة للامام علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه ، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري ، ومقدمة ابن خلدون لعبدالرحمن بن محمد ، والمثل السائر لضياء الدين ابن الأثير ، ورسائل الجاحظ لأبو عثمان الجاحظ ، وزهر الآداب لابو اسحق الحصري ) .
ولابد لمن أراد أن يمتلك (المَلَكَة) في هذه الصنعة ، او من يكتب نصاً ادبياً ما ، أن يضع نصب عينيه كل ما سنتطرق اليه ليخرج النص الادبي الذي أنشأه مرتدياً ثوب الاناقة والجمال ليتزاحم عليه المتذوقون او اصحاب الحرفة والخبرة . وإلا فسيكون النص المعروض سلعة قد شانها الزيف والشوائب والكدرمن المعاني والالفاظ ، وقد يمجّها سوق النقد والادب ، وستبقى رهينة ذوق صاحبها فقط ، لجهله وقلة علمه بأسرار هذه الصنعة .
لذا فقد جَمَعْنا في هذه السلسلة كل ماهو مفيد بأختصار وأقتضاب حول صناعة الكتابة والكلام ، كي نبعد الملل عن النفوس ، حيث ادخلنا فيها عناصر التشويق للقاريء ، خدمة للصالح العام ، ولإعمام الفائدة ، ولإشراق ذاكرة الادباء واهل الصنعة والحرفة والمبدعين .
والله من وراء القصد
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق