مسرح الطفل ينقسم الى عدة اقسام ، بحسب الفئة العمرية المستهدفة ، والمسرح المدرسي ايضاً يصنف الى عدة اصناف وبحسب توجهاته ، فمنه مسرحة المناهج ، والمسرح الذي يهتم بترسيخ القيم التربوية والاخلاقية وغيرها ، وان نص مسرحية ( الباحث الصغير ) للكاتب المسرحي (فاضل صالح) يشتمل على مزيج من مسرح الطفل ومسرحة المناهج ، والذي يندرج ضمن المسرح المدرسي .
لأنه تضمن في الفصل الاول مسرح طفل وشخصيات لحيوانات ، وفي الغالب تكون مثيرة للأطفال في عمر ما قبل العشرة سنوات ، الا انه ينتقل الى توجه اكثر وعياً عبر تحول خطابه الى الجانب التوعوي ، والمتضمن فكرة ( دورة المياه ) المليئة بالمعلومات المدرسية المنهجية ، التي يتعلمها الاطفال في المرحلة الابتدائية وموجودة في المناهج ، الا ان نص مسرحية ( الباحث الصغير ) سلط الضوء على هذا الجانب المهم والمفيد في تبسيط ( دورة المياه ) وقد تكون لدى عرضها مترسخة في اذهان الاطفال ، لان المعلومة التي تعرض بصورة مسرحية ( صوت + صورة + مؤثرات ) اكثر تقبلاً من قبل الطفل المتلقي ، وليس كما تقدم اثناء الدرس ، ففي الدرس قد تكون مادة علمية صرفة وجافة .
التقنية الكتابية : لجأ الكاتب ( فاضل صالح ) ومنذ البداية الى استفزاز الجمهور ، والذي هو من المؤكد انه خليط من الكبار والصغار ، عبر مسك زمام الامور وشد الانتباه من اجل الشروع في بداية المسرحية ، فظهور الشخصيات الحيوانية في البداية كان فقط من اجل التنبيه ببداية المسرحية مع ظهور جزءاً يسيراً من صفاتها ، مثل صفة الاسد والعنفوان والنمر والدب المحرض الاول لتغيير مسار المسرحية ، والغزالة الهادئة والثعلب الماكر المخادع بمواقفه .
الحوار : كان الحوار خليط من الاغاني التوجيهية المتضمنة للنصائح مثل :
يا أحبابي يا اطفال ..
يا قرة عين الاجيال ..
تعالوا نغني ..
لحب الحياة لحب العمل
بالجد نصنع الامل
بالجد نهزم الكسل
ونبني الحياة بالعمل
يا اصحابي يا اطفال
يا قرة عين الاجيال
ان هكذا نوع من الاغاني يكون الطفل في مرحلته العمرية في اشد الحاجة لها ، لأنها تعتبر كنصائح والطفل يتقبلها كونه يستقبلها وفق الابعاد المسرحية المليئة بعناصر الجمال والتشويق والدهشة ، والمندرجة ضمن عناصر العرض المسرحي ، فتأصيل القيم يكون اشّد اذا كان يعرض بصورة مسرحية .
التحريض : ( المهرج ) تعد شخصية ( المهرج ) بمثابة قائد العرض والموجه الاول ، ويعمل وفق مبدأ ( الارتجال ) وفق المتغيرات الآنية ، لا سيما وان العرض تضمن مخاطبة مباشرة للجمهور عندما سألهم عن اختيارهم بان يؤيدوا رأي الاسد ام رأي بقية المجموعة ، فيتدخل ( المهرج ) يوجه الممثلين باتجاه المسار المختار للمسرحية . وهنا يتطابق دور ( المهرج ) مع شخصية ( الجوكر ) في عروض المخرج البرازيلي ( اوجستو بوال ) ومسرحه ( مسرح المقهورين ) .
كما ان شخصية ( المهرج ) كان وجودها بمثابة ( أداة تحريض ) داخل المسرحية ، من اجل خلق جو التفاعل والتأثير والتواصل بين الاطفال والجمهور من جهة ، وبين العرض وعناصره واحداثه من جهة أخرى ، فالجمهور المتكون من الاطفال يحتاج الى عنصر يدفعه الى التفاعل مع العرض وليرسخ قناعاته تجاه مجريات العرض المسرحي ، كما انه يحتاج لمن هو قربه ليفكك له بعض الغموض والالتباسات التي قد يواجهها اثناء العرض ، وهنا يكون لوجود ( المهرج ) ضرورة ملحة لاستمرار العرض وفق الخطة المعدة له .
الذروة : تضمن النص المسرحي العديد من الذروات ، فالمقدمة التمهيدية للمسرحية كانت قصيرة ، وسرعان ما عمل ( صالح ) على زج عناصر( التغريب ) وخلق حالة الترقب لدى الجمهور ، عبر عملية الاستفزاز ونقد الكتاب المسرحيين ، وكشف الحقائق الغير منطقية والتركيز عليها ، الا ان تلك الحقائق التي وصفها بـ ( الغير منطقية ) تذوب في عالم المسرح ، فلا ثوابت في المسرح ، لا سيما المتغيرات التي عاصرها المسرح منذ العصر اليوناني وحتى وقتنا الحالي ، ورأينا كيف ظهرت الاتجاهات والتيارات مثل المستقبلية والدادائية التي رفضت المألوف ، وجاء المخرجين الذين اعتمدوا على الارتجال ورفض النص المسرحي المكتوب ، حتى بات المخرج هو مؤلف العرض ، وفق مبدأ ( الخيال ) ، فالخيال هو الذي يحفز وعي المتلقي عبر الرسائل التي يزجها في العرض المسرحي ، وخير دليل على ذلك هو ( مسرح ما بعد الحداثة ) وتقنياته وآلياته التي اعتمدها التي كان اساسها ( التشظي والتشتيت ) الغير منطقي ايضا ً .
النقد السياسي : مرر الكاتب نقده السياسي بصورة رمزية ، عبر كشف روح الصراع السياسي الدائر في العراق والمنطقة منذ فترة ، حتى بات سمة اساسية للعروض المسرحية ، والتي سأم منها الشعب ، فراح ينادي بالهدوء والمحبة ، لتحقيق توازن على مستوى النص والعرض المسرحي ، وعلى مستوى العروض المسرحية الآنية ، التي باتت تناقش لغة العنف بصورة مستمرة ، والكثرة من هذا المضمار قد ينعكس سلباً على المتلقي الطفل .
ان الكاتب ( فاضل صالح ) اجاد في اختيار الموضوع والفكرة والتقنية التي اعتمدها في عرض موضوعه ، فالمغايرة في طرح موضوع يخص مسرح الطفل ، قد تحفز الكبار على المشاركة للأطفال من خلال توضيح ما يجهله الاطفال وفق المنطقيات واللامنطقيات ، كما انه عمل بهدف واضح واصيل عبر المسرح ، فالمعاني التي تطرق لها هي من العناصر المهمة والواجب ترسيخها لدى الطفل لا سيما في المرحلة الحالية ، فلم يكن العرض لمجرد التهريج وزرع البسمة لدى الطفل بقدر ما كان ذا رسالة نوعية ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق