الجمعة، 2 يونيو 2017

حدث في سوريا ( الحكي بين شهرزاد الامس ،،وشهرزاد اليوم / تجربة عليا عيسى أنموذجاً ) بقلم / جمال قيسي

حدث في سوريا ( الحكي بين شهرزاد الامس ،،وشهرزاد اليوم / تجربة عليا عيسى أنموذجاً )
( الحلقة الاولى )
الدنيا التي عرفناها،،،وسمعنا عنها،،من اخبار الأولين ،،هي في عداد الذكريات ،،والحكايات كثيرة ،،لان الدفئ الذي كان يغمرنا،،من مشاعر طيبة، أثقل نوايانا،،،سذاجة ،،وحسن طوية



 هي دنيا،،نعرف تفاصيلها ،،وما ستؤول له،،،ليس هناك،،،شيء خطير،،وان كان فلايتعدى ،،،مناطقنا الآمنة ،،بمعنى ،،لاتثير فوضى بدواخلنا،،،ولا ريبة في علاقاتنا،،،
حكايات أمنا شهرزاد،،، خطاب وثقنا به ،،مطمئنين ،،ولا حاجة بنا الى ان نتحفز او نرفض،،،والإنسان بطبعه كسول،،
ان تركن الى شيء ،،في المعتقدات ،،تكون قد سلمت عقلك ،،للإطار العام ولن ترى ما في العمق ،،او مايسميه عمنا لالاند ،،بالعقل السائد،،،،المفارقة حدثت عندما قلبت الطاولة على رؤوسنا ،،اشبه بالذي أخذ كف على خده حين غرة ،،وهو مخموراً وجذلاً ،،نعم تغير العالم ،،لصورة لم نألفها ،،وبتنا في حيرة
وقصتنا لها علاقة بالأدب ،،والشعر بعينه،،،النظام استقر،،،تفعيلة وبحور،،،وجودة في الصنعة،،،ولكننا فقدنا قدرة الإبداع ،،وفق شروط النظام ،،،والسبب بسيط جداً،،،النظام مرتبط ب ( اللغة ) ،،،او الكفاءة اللغوية ( competence ) حسب مايسميها تشوميسكي ،،،اما معطياتنا اليومية ،،فنتداولها ،،ب( الكلام ) ،،او الممارسة اللغوية ( performance ) ،،،لقد تقالب الامر،،،وبدل ان تكون اللغة ( langue ، وهي النظام النظري للغة من اللغات او بنيتها وهي مجموعة القواعد التي ينبغي على متكلمي تلك اللغة أن يلتزموا بها أذا أرادوا الاتصال فيما بينهم ) وهي المعيار ،،،اصبح الكلام ( parole ، وهو الاستخدام اليومي لذلك النظام من قبل المتكلمين الأفراد ) هو مقياسنا الوحيد،،،تغيرات الحياة فارقت بعيداً،،بين ( اللغة ) ،،وال( كلام ) ،،فاللغة والكلام ،،في الزمن الجاهلي ،،وحتى صدر الاسلام،،تكاد تكون متطابقة ،،وفِي العصر الأموي وحتى العباسي ،،لم تكن الشقة كبيرة بين الاثنين ،،،مع كثرة الملفوظات والمفردات الداخلة ،،بحكم المثاقفة ،،التي حدثت بحكم تداخل اكثر من ثقافة ،،وتفاعلها لتنتج ،،شبكة كلامية ،،جديدة ،،،لكن الاطار العام الجامع هو القرأن ،،ولغته،،،وهو خطاب الأمة المستحدثة المركزي،،لذا حافظت اللغة على موقعها المركزي المهيمن،،،
وهناك امر في غاية الأهمية ،،،وهي المحايثة الثقافية ،،واقصد بها هنا،،ان لكل لغة لها محمولاتها ،،هي عبارة عن تصورات مزاوليها الى الحياة ،،والوجود،،،ولها شروطها الترهينية ،،في انعكاس الحراك التاريخي والتمظهر ،،فالمحمولات التاريخية للأمة الفارسية وهي بدورها تحمل ملفات وافدة من امّم اخرى،،انتقلت الى بشكل او باخر الى خطاب الأمة الاسلامية الوليدة ،،بعملية تلاقح ثقافي ،،وكذلك فعلت البيزنطية،،ومدرسة الاسكندرية ،،بالمحمولات الاغريقية ،،،كل هذا الامر لم يشكل ،،صراع نفي او أقصاء ،،،الى اللغة العربية،،،ومحمولاتها،،بقدر ماشكل تمازج جدلي ،،أعطى سعة في التصورات ،،لمخيال الشاعر والأديب ووسع من طبيعة فضائاته النصية،،،
لكن ما يحدث الان،،،نتيجة هيمنة العقل الغربي،،وتسيده للحضارة ،،،وطبيعة فعاليته الإجرائية ،،في تكريس الهيمنة،،هو ممارسة نفي واقصاء ،،للثقافة وفِي جوهرها (اللغة العربية)،،،ونتيجة التطور في أساليب وأنماط التواصلية ،،،والقدرات الهائلة والغير معهودة ،،بأدواته الإجرائية ،،افضت ب ( العقل الغربي) الى تحكمه الشبه مطلق ،،في معطيات الحراك التاريخي لنا،،،
ومع ان اندماج حقلي اللغة ،،،العربية،،والغربية،،يبدو صعب التحقيق،،للاختلاف الجذري في ( الماكينزمات = الأواليات ) ،،واختلاف البنية الإيقاعية ،،في التناغم مع الحياة بكل تفاصيلها ،،الا ان التصورات والمحمولات الايديولوجية ،،هي التي تنتقل،،،الامر الذي أحدث الفوضى،،في حقل الثقافة العربية ،،
كانت ريادة بدر شاكر السياب،،ليس لانه اول من ابتدع الشعر الحر ( وهي قضية خلافية حول الأسبقية ) ،،وإنما من خلال توظيفه ،،للصورة الغربية ،،في القصيدة الجديدة،،،اي ادخاله للبعد الايديولوجي ،، وتبعه البياتي ،،واودونيس وآخرين ،،،،
اشبه بعملية زرع عضو غريب ،،،في جسم ،،،بدأت من جراء ذلك اختلال مؤشراته العضوية ،،،كان هذا الجيل الرائد طهورياً ،،،محافظاً على النظام اللغوي،،،وهدفه الأساس ،،تطوير خطاب الشعر،،في وظائفه الإجرائية ،،ومنحه مساحة واسعة من اجل توسيع طاقاته،،،فكان الحيّز الثقافي ،،محافظ على التراث،،برؤية حداثوية ،،وانفتاح العقل العربي ،،على حضارة الغرب،،ومحاولة للتثاقف الجدلي ،،،لذلك كان النتاج الشعري الكبير على يد السياب والبياتي وسعيد يوسف ونزار القباني،،و صلاح عبد الصبور واودونيس ،،واخرين ،،هو نقلة نوعية للشعر العربي،،وكسر حالة جموده،،وفك أسره كخطاب ،،من القيود التراثية ،،ومحاولة إنعاش دوره ،،كخطاب تغييري،،،،لكن هذا التغيير النوعي في خطاب الشعر،،كان كمن يغرد خارج السرب،،،ولفترة زمنية طويلة،،،لان هذا التغيير لم ترافقه مأسسة ثقافية لغوية،،،من دراسة ألسنية وفلسفة اللغة،،
مثلاً ارتبط خطاب الشعر الحداثوي في العراق بالحقل اليساري الشيوعي ،،ودعاويه الكبيرة في الوطنية والتحرر،،،ومع ان النماذج الشعرية. رائعة ،،في الصياغة ،،والمضمون،،،الا انها لم تتفاعل كخطاب مع الجمهور،،،الا على يد مظفر النواب ،،الذي جذب جمهوره بأسلوب الشعر الشعبي ( اي المرتبط بالكلام وليس باللغة ) ،،،ليسحبه الى خطابه الشعري العمودي،،،
في حين ان الشاعر نزار قباني ،،كان قد أسر القلوب ،،هو اتبع المحاكاة مع الثيمة الذكورية ،،وأصبح رمزاً لها ،،،وانا ارى هناك ثلاث أسباب أضافية،،،
١- القدرة التصويرية العالية ،،مع امتزاجها بالبعد الشعوري والعمق النفسي الذكوري
٢- الموسيقى الجميلة التي تصل الى مستوى الملفوظ الواحد،،،
٣- وعيه الشعري العالي ،،وإدراكه لقضية الحداثة،،وفق رؤية قوامها التراث
على العموم كان هناك في شعره قضية ،،وهناك شيء يقال،،وهو مرتبط بالهموم الشخصية والتداعيات الوجدانية،،دون التحليق بعيداً ،،،او الاغراق في التجريد،،،لذا كان قريب الى مسامع الناس،،
ان الفترة من خمسينات القرن الماضي وحتى التسعينات منه،،،تمخضت عن جمهرة خطب شعرية ،،رائعة ،،ولكنها سمحت بنفس الوقت الى مروق الكثير من النصوص الضعيفة سواء بالمبنى او المعنى،،بحجة الحداثة ،،معززة بحركة نقدية مغتربة وجانحة ،،كل هذا الامر أدى الى تفتيت وتهشيم وتشظي الخطاب الأدبي ،،،
حتى حلت القارعة ( القارعة،،هنا تغلب الصوت ،الغنائي ،،على كل نشاط ثقافي ،،والقرع هو الصوت بما يبلغ السمع ) ،،وحل عصر المعلوماتية ،،علينا،،،وطور قصيدة ( الهاشتاك ،،# ) ،،،منجز تعبيري ،،لا علاقة له باللغة ،،،فقط بالكلام المفارق ،،للمعيارية،،ومع اني لست بالضد منه،،بل العكس ارى ان اي خطاب يجب ان يعبر عن رهونيته الزمنية،،ولكن ارى على اللغويين والنقاد،،،ان يتماهوا ،،بخطابهم ،،من اجل تعزيز معيارية اللغة ،،،وتطويع النصوص المحدثة،،،وفقها،،،وبث التوعية اللغوية ،،،بما يتوائم مع التغيرات السريعة ،،سواء بإعادة التأويل،،او تشريح المرويات ،،
علاقة ما تقدم،،،وربما كان هناك الكثير من الثغرات ،،لتشعب الموضوع،،،بما يحدث في سوريا،،،،
ان الخطاب الحداثوي السبعيني،،،الجميل والرائع ،،لن تجده الان الا في ،،الجمهور الثقافي السوري،،،وشعرائه ،،،نعم هناك في العراق شعراء كبار،،ولكن خطابهم فشل،،،لان الواقعة قد حصلت واحتلت البلاد،،والى اخر المسألة ،،وكل خطاب ثقافي لايشكل حماية لمجتمعه،،،هو خطاب فاشل مهما بلغت تقانة صنعته،،،والشعراء السوريين اليوم هم في لُب الأزمة الوجودية،،،يقاتلون بشراسة،،،ونحن كمعنين بالأدب ،،ليس لنا الا ان نراقب مدى نجاح هذا الخطاب الشعري،،في إمكانيته على الحفاظ للوجود السوري العربي،،،وانت اليوم اذ تبحث عن هذا الخطاب الاصيل سوف تجده بتميز في الشعر السوري،،،
وستكون اول حلقاتنا بتناول بعض نماذج هذا الخطاب ،،،مع الشاعرة عليا عيسى،،ونتبعها ببعض النماذج من شعراء آخرين ،،،،ونظراً لطول المقدمة سنتناول احدى قصائد الشاعرة عليا عيسى،،في الحلقة اللاحقة مع التحليل ،،،،
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق